رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم اية العربي


 رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الرابع والثلاثون

بعد عدة أيام

جلست ديما خلف مكتبها في المجلة انتظرت حضور أسما حيث قبلت الأخيرة دعوتها على الفور ، تخشى أن تستعمل سلطتها الأعلامية في التأثير عليها. خاصة وعلى ما يبدو أن أسما تتوقع أن تكون هذه المقابلة عمل مشترك بينهما والحقيقة غير ذلك

دلفت أسما في كامل أناقتها كالعادة ، وقفت في المجلة أمام أحد المكاتب وأردفت بطريقتها الراقية :

- مساء الخير ، أنا الإعلامية أسما وحيد وعندي موعد مع الأستاذة ديما .

ابتسمت المحررة لها فهي تعرفها عن ظهر قلب ، بل وأسرعت تشير لها نحو المقعد

- أهلا وسهلا يا أستاذة أسما ، اتفضلي حضرتك ارتاحي هنا وأنا هبلغ أستاذة ديما حالا .

ابتسمت أسما بلطف وجلست بالفعل لتلتقط المحررة سماعة الهاتف وتخبر ديما التي سمحت لها بالدخول على الفور

أغلقت الهاتف والتفتت تقابلها بابتسامة وقالت برتابة :

- اتفضلي هي في انتظارك ، المكتب ع الشمال

أومات أسما ونهضت تتحرك نحو المكتب لتجد ديما تقف على عتبة الباب

تستقبلها بترحاب بدا وكأنهما يعرفان بعضهما منذ أمد .

لاق استقبال ديما استحسان أسما التي شعرت بالألفة والود والسعادة خاصة مع ابتسامة ديما المشرقة وهي تدخلها وتغلق الباب خلفها

لم ترد أن تجلسا حول المكتب بل أشارت لها نحو الأريكة قائلة :

- تعالي نقعد هنا علشان نبقى براحتنا أكثر .

اتجهت أسما معها بالفعل ولكنها بدأت تستشعر بذكاء أن الموضوع ليس مجرد عملا مشتركا ، بل اشتمت رائحة أحمد ذو الفقار لذا توترت قليلا بعد حماسها وجلست تتطلع على ديما التي قابلتها تستطرد بترقب :

- تحبي تشربي إيه ؟

لوحت أسما بيدها شاكرة :

- لا شكرًا ولا أي حاجة ، أنا بس كان نفسي أقابلك من زمان واتكلم معاكي ، وفعلا كنت بتمنى أعمل معاكي حوار صحفي خصوصًا بعد كتابك المبهر ) رحلة قادها الأمل ، أنا كـ ست بفرح جدا لما بلاقي ست زيي بتنهض من تحت ركام تجربة مؤذية أو زواج فاشل ومش بتستسلم لأقوال المجتمع ولا بتخاف من نظرات البعض ليها ، خصوصًا لوست استنفذت طاقتها وحاولت تصلح وما عرفتش ، بجد يا ديما أنا بحييكي على تجربتك اللي زرعت الأمل في طريق ستات كتير جدا ، واسمحيلي اقولك يا ديما بدون ألقاب بس يمكن استقبالك ليا هو السبب في ده .

ابتسمت ديما بل سعدت بحديثها كثيرًا ونظرت لها بامتنان تردف بأريحية

كأنها مقربة منها :

- أه طبقا بدون ألقاب يا أسما ، كلامك فرحني جدا وطبعا ليا الشرف أكون ضيفة إعلامية كبيرة وراقية زيك ، بس الأول خلينا نشرب حاجة وبعدين نتكلم ، فيه كلام كتير أوي هنتناقش فيه علشان كدة لازم نشرب عصير على الأقل ، ها بقى قوليلي تشربي إيه ؟

اومات أسما ونطقت بترو :

تمام ، يبقى ليمون بالنعناع

أومات ديما ونهضت تتجه نحو مكتبها وترفع سماعة الهاتف لتطلب العصير ثم تعود لها لتتحدثا

تستعد بسمة نزهة لشركتها اليوم ، يلقي داغر يرتدي قميضا سماوي اللون وبنطالا كحليا ويستعد هو أيضًا نزهة لعمله بنزق ، يتطلع على بسمة التي تتجلى السعادة على ملامحها لينطق بغيظ :

- مبسوطة أوي ياختي إنك راجعة الشركة ، كأني كنت حابسك

ابتسمت عليه حيث قرر غيظه منذ استيقظهما والتفتت تقابله وتتعلق برقبته متسائلة بنج ودلال :

- يا سلام ؟ يعني إنت ماكنتش حابسني ؟

تحمحم وتوترت نظرته ليجيبها بمراوغة برغم يديه التي حاوطت خصرها في انتماء محبب :

- محصلش ، ده المفروض ماحدش فينا يتحرك برا عتبة الباب ده لمدة شهر ، هو مش إحنا عرسان جداد ولا إيه يا عالم !

عبست ملامحها و لعبت في ياقته تهندمها متسائلة بترقب :

وبعد الشهر ده هتسيبني عادي ؟

تسلطت عيناه على شفتيها ونطق قلبه قبل لسانه بهيام قبل أن ينحني ويقطف ثمرته ويلتهمها في تلذذ :

لاء كنت هشوف حجة تانية

قبلها وابتعد يزفر بقوة وتنهيدة معذبة ثم استرسل بالقليل من التعقل الذي ارتشفه من إرادتها وجديتها والكثير من المرح الذي يعد جزءا أساسيا من شخصيته :

- بس إن جيتي للحق ، إنت معاكي حق ، العمل عبادة بردو ، إحنا ندي لكل حاجة حقها ، بالنهار نعمل على تنمية العلاقات العامة للشركة ، أما بالليل بقى فده علاقات خاصة ومعقدة كمان ماحدش يعرف يحلها غير العبد الله اللي قدامك ده ، ماتجيبي بوسة كمان .

ابتسمت وأعطته ما يريد ثم ابتعدت تردف بجدية مغطاة بالدلال والنعومة :

ماهو طول ما العلاقات العامة والشغل ماشين كويس والعبد لله مش معطلهم هتبقى العلاقات ليلية حلوة مغطاة ، ولا إيه يا دغورتي ؟

قضم أرنبة أنفها ونطق بهيمنة ناعمة يبوح بما لديه :

- بتهدديني يا بسمة هانم ؟ طب لما نشوف الأيام الجاية مين هيشتاق للثاني اکثر ، على الأقل انت بتعرفي تتابعي شغلك من البيت ، انما انا وصالحهنطحن اليومين الجايين علشان المصنع هيشتغل ، ويمكن نبات في الشغل كمان وتنامي في حضن منال ، وابقي وريني ساعتها بقى هتعملي إيه .

قالها ليرى ردة فعلها ، وبالفعل قد تجلى عليها التعجب والضيق وابتعدت خطوة وسألته مستنكرة حيث لم تعد تطيق النوم بعيدًا عنه :

- تبات في الشغل ؟ أكيد بتهزر يا داغر ، لاء طبعا ما ينفعش ، إحنا ماتفقناش على كدة

أحب تعلقها وحبها الظاهران في اعتراضها لذا هز منكبيه يردف مدعيا قلة حيلته :

- هنعمل إيه بس يا بسوم ، إنت عارفة اللي فيها ، ولا انا ولا صالح هنا من حد غيرنا يجرب المعدات و إنتاجها عامل إزاي ، بس سيبيها على الله وإن شاء الله نلاقي حل ، يالا تعالي ننزل

قالها وسحبها معه وعلى محياه ارتسمت ابتسامة ماكرة ومستريحة في آن ، فها هي تثبت له أنها لا تستطيع الحصول عليه لفترة طويلة ، بينما هي انشغل عقلها بكلماته وباتت حائرة هل بالفعل سيجبر على المبيت في المصنع الأيام المتبقية أم أنه يخدعها ليرى ردة فعلها ؟ وفي الحالتين هي لن تنكر أنها متعلقة به كثيرًا ، عاطفيًا ، وجسديًا ، ونفسيًا

نزلا الدرج وكاد داغر أن يطرق باب والدته ولكنه تفاجأ بصالح ويدينا يصعدان الدرج حيث جاء بها ليوصلها إلى بنفسه قبل ذهابه للعمل

انفرجت أسارير داغر وترك يد بسمة مؤقتة وتحرك متلهفا لعناق شقيقته التي بادلته باشتياق بالتناسب ليردف بانزعاج مختلط بالشوق والعاطفة :

- وحشتيني يا أوزعة ، بقى كدة مافيش حتة رنة تطمني على داغر ؟ اخص ع التربية .

ضربته بقبضتها في ظهره بخفة ونطقت بعتاب بالتناسب وهي على القانون

وانت ماتنرش ليه عليا ؟ ولا هو خدوهم بالصوت .

ابتعد عنها يصفعها على مؤخرة رأسها بغيظ أخوي قائلًا :

یابت اعقلي بقى وبلاش المبرد اللي في لسانك ده ، ده منظر واحد راجعة من العمرة .

ضحك صالح وتحرك يبادر بالسلام فأسرع داغر يضحك ويعانقه ق باستفزاز :

الله يكون في عونك يا صالح.

نظرت له بغيظ وتحركت تسلم على بسمة التي قابلتها بترحيب لتردف بنبرة مماثلة :

- عاملة إيه يا بسوم ؟ طمنيني عليكي بعد جوازك منه ؟

ابتسمت بسمة ونظرت لداغر بتحد ليردف صالح برتابة مرحة :

- ياخو هاي تربيتك الحلو إلك واللي مش حلو إلك ، بس أمانة أنا ما شفت منها غير كل خير ، هي الخير بذاته ، فوتتها على حياتي نورت الدنيا ، تسلم التربية

أسرعت دينا تحتضن يد زوجها وتميل عليه ممتنة له ولكلماته .

لميق داغر أن يسمع هذه الكلمات التي بدت بسيطة ولكنها سكنت خمائل قلبه ، خاصة وأنها من رجل مثل صالح عن شقيقته دينا المدللة ، لم يخب ظنه فيها ، لم يتخذه ، بل أنه الآن شعر بتقصيره معها ، ربما استطاع صالحاحتواءها بشكل أفضل وعلى نطاق أوسع حتى أبرز أجمل ما فيها

ابتسم داغر ابتسامة نبعت من قلبه ونظر لشقيقته بفخر ثم التفت يتطلع على بسمة ويمسك بكفها ويحتويها بحب وتأثر :

- مانورتش عندك لوحدك يا ​​أبو الضلح، الحمد لله ربنا عوضنا.

مد يده يطرق باب والدته وتساءل بتعجب:

- الحاجة منال لسة نعيمة ولا إيه ؟

بالفعل كانت منال لا تزال نعيمة حيث لم يعد هناك من تستيقظ مبكرًا لأجله، ربما باتت تهرب بالنوم من وحدتها لذا فتحت بعد دقيقة تطالع ابنها بنعاس

ولم تر دينا بعد ولكن الأخيرة أسرعت تظهر أمامها وتردف باشتياق :

- وحشتيني يا ماما

تفاجأت منال بها وأسرعت تعانقها باشتياق وسعادة وسط ابتسامة صالح وبسمة وداغر الذي دفعهما قليلا ليمر للداخل هو وزوجته

لم تبدأ ديما في حديثها عن أحمد بل تحدثنا عن أمور عدة خاصة بمجالهما ، وستذهب ديما عن رحلتها إلى فرنسا ومناظراتها مع ثائر وعن تجربة مع الصحافة الفرنسية حتى اطمئنت أسما كثيرا لذا .....

تحمحمت ديما ونظرت لها بترقب تسترسل :

- أسما هو أنا ممكن اسألك سؤال شخصي شوية ؟

استشفت أسما مغزاها وابتسمت بتجمل تجيبها :

- اتفضلي

انطلقت ديما بشكل مباشر وعيناها تلتقط ردة فعلها :

- بخصوص أحمد

رفزت أسما مطولا ونطقت متسائلة بنبرة جادة :

- هو ده السبب من الزيارة دي ؟

حاوطها إيطار الحرج لذا از دردت ريقها وأجابتها بصدق :

- الحقيقة أيوة ، بس ده ما يمنعش إني فعلا كنت بتمنى اشوفك واتعرف عليكي ، واني مبسوطة جدا بكلامنا مع بعض دلوقتي ، عايزة اقولك إني قليل لما بحس تجاه حد بالألفة والراحة وده حسيته معاكي دلوقتي ، كأني اعرفك من زمان جدا ، وبتمنى إنك تفهميني وتسمعيني وما تحكميش حكم متسرع عليا .

تنفست أسما بعمق واعتدلت في جلستها تضع راحتيها على تنورتها في رتابة قائلة بنبرة باتت رسمية :

اتفضلي يا ديما سمعاكي .

تقبلت ديما رسميتها ونطقت توضح :

- أول حاجة لازم تعرفي أن أحمد انفصل عن زوجته تماما وبلا عودة ، لأني واثقة من اللي سمعته عنك إنك مش هتقبلي بكل الأحوال تسمعيه وهو متجوز ، بس دلوقتي ممكن تديه فرصة وتسمعيه .

وجدتها كما هي تستمع ولا يظهر عليها أي تعابير ولكن في قرارة نفسها تفكر وتتساءل عن سبب الانفصال ؟ ومتى ؟ وماذا خلفه ؟

تابعت ديما بترو :

- أنا ماقدرش أضمنلك أي حاجة للأسف بس كل اللي ممكن اقولهولك إنك مش هتخسري حاجة لو قبلتي تقعدي معاه مرة تانية وتتكلمو ، اللي عرفته من أحمد إنه معجب بيكي من فترة طويلة ، وأحمد شخصية خجولة شوية .

بيحتاج حافز علشان يقدر يكمل ، المرة اللي قابلك فيها وانتي صدتيه هو محاولش تاني واحترم ده منك ، بس المرة دي هو محتاج فرصة .

مازالت تتمتع بالصمت والتفكير لذا مدت ديما يدها تربت على كفها وتستطرد

- حاولي يا أسما تسمعيه ، وصدقيني أنا هكون معاكي وهشجعك في أي قرار تاخديه وتأكدي إني مش هتعامل معاكي بصفتي مرات أخو أحمد ، لا خالص ، أنا هتعامل من هنا ورايح بصفتي صديقتك ، ده لو تقبلي طبعا

صمتت لهنيهة ثم تطلعت عليها لبرهة وابتسمت تجيبها بعد تفكير بنبرة خافتة متروية :

تمام يا ديما ، أنا هقابله وهسمعه ، وطبعًا اتشرف إننا نبقى اصحاب أنا وانت ، بس عندي سؤال ، أحمد عنده أولاد قد إيه ؟

تنهدت ديما وتنهيدتها أوحت لأسما أن هناك خبايا كثيرة وصعابا أكثر قبل أن تجيبها :

- عنده اتنين ، بنت وولد ، وأكيد لو فيه نصيب هتتعرفي عليهم

في مكان ما

وقف رشدي مجاورًا لثائر أمام السيارة الأولى ، ينظر للبعيد ويفكر ، وثائر يظهر متعجبًا من هذا اللقاء المفاجيء.

تعجبا ممتزجا والترقب ، يخشى أن تكون هناك مهمة جديدة يجب عليه البدء فيها وهو بالطبع لن يستطيع الرفض ، يتمنى ألا يكون الأمر متعلقًا يارتوا لذا تساءل مضطرًا بعدما كان مقررًا ألا يسأل :

موضوع سها وصل لفين ؟

زفر رشدي وصمت قليلاً ثم أجابه بوضوح وعيناه تتطلع للأمام حيث يقف على مرتفع ويظهر تفاصيل المدينة :

- ما تسألش عن سها لإنها مطولة معانا ، لازم تتعلم الأدب كويس ، أبوها وأمها النهاردة كانو طالعين من المقر مش مصدقين إن دي بنتهم ، و أوعى تفكر إنك ظلمتها القبض زي دي ، هي فعلا كانت هتسافر له وهتقدم تنازلات وإرتوا مش هيتردد لحظة إنه يشغلها لحسابه وده كان هدفه أساسًا ، علشان كدة هي مطولة معانا لحد ما تعرف قيمة اللي كان في ايديها

أوماً ثائر متفهما ولكنه إلى الآن لم يصل لسبب هذا اللقاء لذا تساءل بترقب والقلق ينهش جدران قلبه :

أومال إحنا هنا ليه يا سيد اللوا ؟

التفت رشدي يحدجه بنظرة عابرة ثم عاد يتطلع إلى الأمام ويشبك كفيه خلف ظهره ناطقا بنبرة حادة يخفي بها توتره :

- أنا كنت عايز أطلب منك إيد حماتك

الصدمة احتلت تقاسيم وجه ثائر وانعقد لسانه لثوان قبل أن يكرر مستنكرًا :

حماتي ؟ اللي هو إزاي ؟

التفت رشدي يواجهه بملامح متجهمة ونطق مدافعا بقوة زائفة :

اللي هو إزاي يعني إيه ؟ طالب إيدها على سنة الله ورسوله ، وافقت وافقت ما وفقتش يبقى خلاص

يحاول ثائر أن يستوعب طلبه ولكن عقله عاجز ومتخبط لذا تساءل :

وانت تعرف حماتي منين ولا شوفتها فين يا سيادة اللوا ؟

باغته رشدي بنظرة محذرة ينطق بهجوم مبطن بالحرج :

- إنت بتسأل السؤال ده للوا في المخابرات ؟ جرالك إيه يا ثائر ، هي العين هتعلى عن الحاجب ولا إيه ؟ مش انت اللي كنت مراقب وعارف كل حاجة عن ديما وعيلتها قبل حتى ما تجيلك فرنسا ؟

استمرت الصدمة ماكثة عند ثائر الذي نطق بتعجب :

اووووف اووووف ، ده الموضوع كبير ، طب واحدة واحدة كدة يا باشا

وفهمني ، اللي حصل ده حصل امتى وازاي ؟

زفر رشدي بضيق فهو لا يحب أن يُوَصِّب في مثل هذه المواقف ولكنه مجبر على الشرح لذا عاد جونغته المهيمنة ونظر للبعيد يشرح :

- أنا عارف قصتها من الأول ، كل حاجة عن ديما وعن عيلتها واضحة قدامي ، بس أول مرة أشوفها فيها كانت يوم فرح ولادها ، أنا رجعت على الفندق بليل علشان موضوع توماس وشوفتها والموضوع عدى بس لما قعدت مع نفسي وفكرت قولت ليه لاء .

تنضج من الهيمنة إلى التيه والشرود وهو يوضح باستفاضة إلى ثائر :

- إنت عارف إني قاعد لوحدي ، ماعنديش ولاد ، وكلها كام شهر واطلع ع المعاش ، فكرت وقولت يا راجل بدل ما انت عامل إزعاج للي حواليك

التفت ينظر إلى ثائر ويشير بإصبعه نحوه قائلًا :

- وأولهم إنت

عاد جونغته يسترسل :

دور لنفسك عن حد يونسك في العمر اللي باقيلك ، واحدة بنت حلال وطيبة تتكلم معاها وتسمعها وتسمعك واهو لو مت في البيت الاقي حد يعل عليا بدل ما جثتي تتحلل زي ما بقينا نشوف ونسمع

أنصت له ثائر وأيده في تفكيره ولكنه لا يعلم موقف منال وأولادها من هذا

الأمر لذا تحمحم يردف وهو يواجهه التفكير :


- أنا معاك طبعا في اللي انت بتقوله ، وبالعكس أنا شايف إنك اتأخرت أوي في اتخاذ القرار ده ، بس بصراحة ماعرفش هي هتكون ردة فعلها إيه ، وما قدرش اديك أمل يا سيادة اللوا ، الموضوع بالنسبة لها ممكن يبقى صعب

عاد رشدي يلتفت له تلك المرة طالعه بنظرة متأملة ثم مد يده يربت على كفه ويردف :

- اعمل اللي عليك والتيسير من عند ربنا

تحرك خطوة باتجاه السيارة ولكنه عاد يلتفت وينظر لثائر نظرة حادة ويستطرد بنبرة متسلطة :

بس اعمل اللي عليك بضمير زي ما كنت بتعمل لنفسك ، ويالا اركب علشان أوصلك .

في تركيا

لم يعد يطيق هذا الحال

فمنذ أن جاءا إلى هنا وهي لا تعيره اهتماما ، كل ما يشغل عقلها هو تحقيق أهدافها ، لم تهتم حتى لأمر صغيرها وتركت رعايته له


لقد أصبح الوضح كالتالي ، هي تخرج وتتسوق وتوثق لحظاتها بالتصوير والعرض وهو يمكث في المنزل يراعي الصغير ويطهو الطعام .

لقد كان يظن أنه برحيله من مصر ستفتح له أبواب الفرص ، وسيحظى بمعارف جدد، وحياة أفضل ، ويحقق الكثير من الأحلام ، ولكن الواقع بدا أشد مرارة مما كان عليه في السابق .

وكلما حاول اتخاذ موقف حازم وجد نفسه محاصرًا بقيود من عجز ، عاجز عن اتخاذ موقف ، خاصة وأنها يوما بعد يوم تزداد سطوتها ويشتد عودها وتقوي نفسها من خلال ذلك الأسامة وعروضه التي لم ترق له .

ليحتل عقله سؤالا بات يتردد ، هل يعود إلى مصر ؟ وإن قرر العودة فعلى ماذا سيعود ؟ ولمن سيعود ؟ وكيف سيعود وقد باع كل ما يملكه هناك ؟ و نقوده تتبخر في سماء أحلام واهية لم يز منها سوى سرابا وجميعها تصب في مصلحة زينة فقط .

كان يفكر وهو يقف في المطبخ يضع الصحون في الغسالة لتأتي زينة من خلفه تتحدث بلا مبالاة وهي تلتقط نسخة من مفتاح المنزل :

أنا هنزل یا کمال ، رینو نام ابقى خد بالك منه ، ولو البيت ناقصه حاجة ابقى كلمني وانا هاجبها وانا جاية .

التفت ينظر لها بتفحص ، ترتدي بنطال جينز مجسم وبلوزة قصيرة وخصلاتها جمعتها على هيئة جديلة ، من يراها يظنها فتاة مراهقة وليست زوجة وأم .

أظلمت نظراته وتصاعد غضبه ونيرانه ليتساءل بترقب وهو يخطو باتجاهها والغضب يتقدم معه :

- إيه اللي إنت لبساه ده ؟

زفرت بملل وتكتفت تقلب عينيها وتردف :

- اسطوانة كل يوم بقى ، مهو لازم تعطلني .


وقف أمامها يحدق بها ، يبحث عن الاهتمام عندها ، في السابق كانت تتلهف المراضاته حينما يغضب أو يثور، وتسعى لي تهدئة بطرق عديدة جميعها كانت تروق له ، ولكنها الآن تتجاهله بشكل مضاعف ،

لم يحتمل هذه الفكرة التي قفزت على عقله لذا صح يكرر :

- بقولك إيه اللبس ده ، مش هتنزلي كدة ، ومش هتنزلي من أساسه ، ومن هنا ورايح أنا اللي هنزل وهمسك شغل سوشيال ميديا ​​وانت هتقعدي في البيت ، واللي اسمه أسامة ده هتقطعي معاه وملكيش دعوة بيه تاني ، فهمتي ؟

طالعته باستهانة ولم تعر حديثه ولو مقدار ذرة اهتمام بل تساءلت بملل :

وبعدين ؟ عرفني كدة هتمسك بشغل السوشيال ميديا ​​إزاي ؟ إذا كان كل اللي بيتابعوني داخلين يتفرجو علشاني أنا ، عاجبهم كلامي أنا ، واسلوبي أنا ، فكرك لو دخلت وصورت حد هيعبرك ؟

جن جنونه وآلمته نرجسيته لذا رفع سبابته يحذرها بغضب متفاقم يخشى ظهوره للعلن :


- ما تستفزنيش يا زينة ، أنا لحد دلوقتي سامحلك تعملي اللي إنت عايزاه . بس لو زودتي معايا هيبقى عليا وعلى أعدائي وساعتها هننصفي كل ده ونرجع مصر تاني ، وانت عارفة إني أعملها مافيش حاجة هتمنعني .

وقفت تحدق به لبرهة ، هي تعلم أنه مازال يمتلك القليل من السلطة عليها بحكم زواجهما ، وإن جابهته الآن ربما ستخسر الكثير ، لذا عليها أن تخطط في صمت وتفاجئه بالتنفيذ ، لقد أصبحت بطاقة محروقة بالنسبة لها ولأحلامها ويجب أن تتخلص منه في أقرب وقت لذا......

زفرت بقوة ثم حررت كفيها وسألته في محاولة ظاهرية منها بأنها تخشاه :

- كل ده ليه يعني يا كمال ؟ علشان لبسي ؟ ولا علشان بحاول وبعافر أعمل حاجة لينا ولابننا ؟ هو انت مفكر أني مبسوطة بخروجي كل يوم وانت قاعد هنا مكاني؟ مانت عارفني كويس وعارف إني بحب قعدة البيت أكثر ، بس لازم اشتغل وافحت في الصخر علشان نعمل حاجة ، وع العموم علشان ما تزعلش أنا هدخل أغير هدومي ، وانت اقعد كدة واستهدى بالله وفكر كويس وبلاش شغل الأطفال بتاعك ده احنا كبرنا ع الكلام ده ، استغفر الله العظيم .

قالتها وهي تتحرك باتجاه غرفتها لتبدل ثيابها وعلى محيها ابتسامة نصر خبيثة حيث أنها على يقين أنها استطاعت تثبيته بكلمتين منها إلى أن تجد سبيلا للابتعاد عنه ، واليوم قبل غد ستتحدث مع أسامة بخصوص ذلك

في غرفة ثائر مساءً

تمددت ديما تنكمش داخله كقطة تقطن داخل كومة فرو ، تسرد له ما حدث بينها وبين أسما وهو يستمع لها بإنصات حتى انتهت لذا مال يقبل مقدمة رأسها ثم اعتدل يردف بثقة :

كنت واثق إنك هتعرفي تقنعيها ، هي طبعًا حقها تخاف ورحلتها صعبة خصوصًا مع شمس وليل، علشان كدة إحنا لازم الفترة الجاية تكون حوالين أحمد وبندعمه ، ولازم نحتوي أولاده علشان يفضلو تحت جناحنا ، هما بيمرو بفترة صعبة جدا ، مع إني كنت شايف إن موضوع أسما ده يتأجل شوية .

بس يمكن أحمد محتاج حد جنبه الفترة دي ، لإنه للأسف مش هيعرف يتعامل مع الأوضاع دي لوحده ، واعتقد إن أسما دي هتعرف توجهه ، أنا شايف إن عندها توازن شوية

أومأت مؤيدة فهذا ما رأته في شخصيتها بالفعل لتؤكد على حديثه قائلة :

دي حقيقة يا ثائر، شخصيتها مثقفة وواعية وعندها حكمة في التصرف ، أتمنى إن أحمد فعلا يقدرها وأتمنى شمس وليل يتقبلوها

إن شاء الله يا حبيبي

زفرت بارتياح وكادت أن تغفو حيث تثاءبت ولكنه تحمحم ينظف حلقه

واستطرد بترقب :

- فيه حاجة كدة لازم تعرفيها ؟

تساءلت وهي تشعر بحاجة ملحة للنوم :

- خير يا ثائر ، قول .

صمت لهنيهة يفكر ثم أردف بترقب :

اللوا رشدي قابلني النهاردة ، وطلب مني حاجة .

تبخر نعاسها ودب الذعر في أوصال قلبها حيث ظنت أن هناك خبر سيعكر صفو حياتهما الحديث لذا نهضت تواجهه متسائلة بملامح متأهبة :

- خير ؟

أعادها لجحرها الأمن يربت عليها مهدناا يقول :

- ممكن تهدي ، ولا هو أي حاجة بقى فيها اسم اللوا رشدي بتوترك ؟ الراجل طالب القرب بس .

قطبت جبينها بعدم فهم لترتفع قليلا مستريحة على صدره تتفحص ملامحه باستفهام :

- يعني إيه ؟

ابتسم وتعلقت مقلتاه في خاصتها يترقب ردة فعلها حينما أفصح عن طلب رشدي بشدة :

طالب إيد والدتك

بلاهتها جعلته يبتسم عليها، ومع ذلك لم تزل بل ظلت على حالتها تطالعه باستنكار لبرهة من الزمن قبل أن تستفهم :

- بتهزر صح ؟ طالب إيد والدتي إزاي ؟ ويعرفها منين أصلا ؟ اللوا رشدي ؟

أوماً يملس على خصلاتها بنعومة وتتفهم صدمتها ويجيبها بإيماءة :

- أنا كمان استغربت زيك كدة، بس فعلا هو طالب إيد والدتك مني، يعرفها منين دي ما ينفعش نسألها، بس هو شافها في فرح أخواتك، وانت عارفة إن اللوا رشدي ما عندوش أولاد ومن وقت ما اغت... اله مراته من أكثر من ١٨ سنة وهو عايش لوحده ولشغله وبس، الراجل كلها كام شهر ويطلع ع

المعاش وعايز انسانة طيبة تونسه في اللي باقي من عمره ، وانا شايف إن معاه حق ، وشايف كمان إن مامتك من حقها تلاقي إنسان يونسها ويعوضها عن اللي عاشته وشافته ، ولا إنت ليكي رأي تانى ؟

انتظرها لتوضح ما تفكر به حيث شردت قليلا ثم أجابته متخبطة من أثر الطلب :

- لاء مش مسألة رأي تاني ، بالعكس أنا كنت بتمنى فعلا إن ماما تفكر في الخطوة دي ، وخاصة الفترة دي بقت لوحدها ، بس الموضوع مفاجئ، واللوا رشدي ؟ بصراحة آخر حد اتوقع إنه يطلب الطلب ده .

شرد كلاهما لثوان ثم عادت تتساءل بترقب :

طيب هنفتح معاهم الموضوع إزاي ؟ وهنقولهم إنك تعرفه منين ؟ وبعدين كدة مش خطر عليك ؟ لاء أنا مش مستوعبة فعلا


تنفس نشاط وكان قد فكر من قبلها وأرشده رشدي على الحل فقال مطمئنًا لها وهو يتلمس وجنتها بحنان :

- ولا خطر ولا أي حاجة خالص ، رشدي صاحب بابا أصلا ، وهنقول إنه كان موجودًا في الفندق صدفة وشافها وسأل عليها بعد ذلك ، بس تفتكري داغر هيقبل ؟

هزت رأسها بلا تجيبه بمعرفة مسبقة وقد زارها بعض الإحباط :

ولا داغر ولا دينا ، الاتنين مش هيتقبلو الفكرة بسهولة .

ضيق عيناه يتساءل بانزعاج :

ليه ؟ ده حقها ، هما اتجوزو وكل واحد فيهم لقى شريك حياته ، وهي حقها تلاقي حد يشاركها حياتها .

أومأت مؤيدة عن قناعة ليتابع بنبرة ثاقبة :

- بصي ، أنا كدة كدة كنت ناوي أعمل عزومة كبيرة هنا ونجمع فيها كل الحبايب ، هنعزم اللوا رشدي كأنه صاحب بابا وأهو يبقى لقاء تعارف ، وهو عارف كويس هيعمل إيه ، ونجيب حد مختص ينظم العزومة دي ، ونلم كلنا تحت في الجنينة ، ومامتك وقتها هتشوفه وأنا متأكد إنه هيحاول يقول معاها علشان نمهد لها الأمر ولما اكلها بعد كدة تفكر كويس ، إيه رأيك ؟

مالت عليه تقبل شفتيه قبلة خاطفة ثم عادت تحدق به وتردف بالقبول :

- معاك طبعًا ، وهتبقى فكرة ممتازة وفعلا مقابلتهم هنا الأول بالشكل ده هتخلي ماما تفكر بعد كدة لما نكلمها ، بس هنعمل ده إمتى ؟

تنهد بحرارة يجيبها بترييث :

- الأسبوع الجاي إن شاء الله ، أجهز بس كل حاجة ونحدد اليوم سوا ، وبالمرة تكلميهم عن مشروع المؤسسة بتاعتك

تنفست السكينة ونظرت له بامتنان للحظات ثم أردفت :

- ماشي يا حبيبي ، إن شاء الله نجهز لكل حاجة سوا ، بس أنا بردو لسة مستغربة طلب اللوا رشدي ، ما طلعش سهل خالص

قالتها وهي تعود أدراجها إلى حضنه ليبتسم ويحتويها ويغمض عينيه استعدادًا للنوم هامسا بخفوت :

- سهل مين ؟ ده هو اللي مربيني

في الصباح

لم يمر ليلها في هدوء داخلي

بل انشغلت بالتفكير بأحمد ذو الفقار ، كلمات ديما عنه ، بل والتنقيب عنه بنفسها وعن هويته وشخصيته التي بالطبع لنها ملامحها من خلال

مواقع تواصله الاجتماعية ولكن يكفيها أن تحدد كيفية التعامل معه و مع أولاده .

هي تحب خوض التجارب الشاقة ، ليست ممن تتجردن من المسؤولية بل تحب أن تتحدى نفسها وتنجح في التحديات .

اتخذت قرارها أن تتحدث إليه وتخبره برغبتها في اللقاء به ، عليها أن تحدد وتجمع منه أكبر قدر من المعلومات كي ترتبها وترى ماذا ستفعل .

ليست متسرعة ، ولا مندفعة ، ما عاشته سابقًا وضعها على خط بداية درب التأني ، وأخذت فيه شوطا طويلا حتى اجتازت أولى الحواجز ، وباتت تستطيع أن تزن الأمور من حولها .

غرفت بالإعلامية العقلانية والعاطفية في آن ، ونجحت في الجمع بين المنطق والحب لذا التقطت هاتفها وطلبت رقمه وجلست على طرف فراشها تنتظر إجابته .

لم تنتظر كثيرا حيث أجاب متلهفا بعدما احتفظ برقمها :

- أستاذة أسما ؟ صباح الخير .

صوته ونبرته جعلاها تلتقط نفسًا داعما ثم حدثته بنبرة متزنة هادئة وجادة

:

- صباح الخير يا أستاذ أحمد ، لو وقتك يسمح ممكن نتقابل بعد ساعة ؟

انفرجت أساريره وكأنه يتعرض لصاعقة حب للمرة الأولى لذا أجابها متلهفا

بحماس كبير وهو يقف في شرفة غرفته ويتأمل الخارج كأنها أمامه :

- أه طبعا يسمح ، تحبي نتقابل فين ؟

ترقبت حماسه بابتسامة متعجبة ثم أجابته برقي :

فيه كافيه في شارع ***** اسمه ***** ممكن نتقابل هناك

أوماً كأنها تراه ونطق وهو يلتفت للداخل ليستعد :

تمام ، هكون في انتظارك هناك

- تمام

أغلقت معه وبدأت تنهيدة حارة وجلست تفكر لثوان في طريقه ثم نهضت لتستعد لهذا اللقاء

بعد وقت

جلسا في المكان المتفق عليه وقد جاء لهما النادل بكأسين من عصير البرتقال

الجزء الأكبر من التوتر كان من نصيب أحمد الذي وكأنه ينتظرها تتحدث حيث لا يعلم من أين يبدأ ، كان قد جهز الحديث أثناء قدومه ولكنه أصيب بالصمت في حضرة عينيها وابتسامتها الهادئة .

ولأنها من طلبت منه اللقاء وهذا ما بدا ظاهريا تحمحمت تبادر هي بالحديث قائلة :

- أنا عرفت من ديما إن إنت وزوجتك انفصلتو ، المرة اللي فاتت كنت صريحة جدا معاك ، لإن مهما كانت أسبابك فأنا مش من النوع اللي يقبل يكون طرف ثالت في أي علاقة ، بس دلوقتي أظن الوضع اختلف ، وفيه طرف مش موجود ، علشان كدة بقى عندي استعداد أسمعك .

أوماً لها متقبلا كلماتها ، بل أنها تعطيه انطباعًا جديدًا كم هي إنسانة متفهمة ، تخطو خطوة صحيحة تجاهه ، لذا عليه أن يكون صريحًا معها ، ليخبرها كل شيء ، مشاكله ، أخطاؤه ، مخاوفه ، عقاباته ، ليضع أمامها كتابه كاملا تقرأه بتأن وتقرر بعدها هل تقبل به أم لا ، وفي كلتا الحالتين سيحترم قرارها .

از درد ريقه وتنفس يطالعها بعمق ويردف بهدوء مبطن بالألم الذي يتجلى بوضوح في عينيه المنكسرة :

- أنا طبعا متشكر جدا ليكي إنك قررتي تديني فرصة وتسمعيني ، ويمكن كان معاكي حق المرة اللي فاتت ، أنا اتسرعت في اللقاء بيكي قبل ما أخد خطوة الانفصال ، بس صدقيني ده كان لإني شوفت فيكي أمل كنت محتاجه في حياتي ، لإن للأسف تجربتي كانت مختلفة شوية ويمكن قاسية وأنا كنت الطرف الغلط فيها ، ودلوقتي بحاول اصلح الغلط ده بأي طريقة ، علشان كدة أنا هكون صريح معاكي وهحكيلك على كل حاجة .

طالعته بإنصات وعقلها يفكر ، هل يمكن أن تكون قصته أشد ألما وقسوة من قصتها ؟ سترى .

صمت لبرهة لا يعرف من أين يبدأ ثم بدأ يخبرها من بداية حبه الأعمى لتلك السها ، وكيف للإنسان أن يحب معذبه ويتعلق تعلقا مرضيا بمن يغرز أنيابه في قلبه .

بعد أسبوع

في حديقة فيلا ثائر ، حيث تم إعداد مائدة كبيرة تبدأ من بداية الحديقة وتنتهي إلى نهايتها ، ضمت قرابة الخمسين مقعدا .

وتم تحضير أشهى الاكلات من خلال شركة منظمة لهذا العشاء الكبير ، فالجميع الليلة مدعو ، و بدأ توافد الحضور وكان في استقبالهما ثائر وديما يرحبان بهم بسعادة .

اصطف الجميع حول الطاولة ، صقر وزوجته ، وخالد وزوجته ، وحضر دياب ويسرا ، صالح ودينا ، داغر وبسمة ، منال وأسما ، علياء وأمجد ، أحمد وشمس وليل ، رشدي ، والأولاد جميعهم .

تحرك النوادل حولهم يضعون الطعام بحرفية والجميع في حالة ود وترحيب . أصبح وجه ثائر مشعًا وهو يرى هذه اللحظة ويعيشها ، منذ عام كان يخشى أن يموت غريبا في بلد بارد ، وحيدا ، وسط أعدائه ة، والآن هو يجلس بين أحبابه وعائلته وأولاده وينعم بالسلام مع امرأة السلام .

هذه التي تجلس تطالع الجميع وتوزع ابتسامتها بحرارة ولمعان يسكن عينيها ، هكذا تأملت وتحققت آمالها ، حلمت وصبرت ووثقت وتفاءلت بالخير الذي يعم حياتها الآن مع أولادها ورجلها الاستثنائي الذي التفتت تطالعه بنظرة حب وسعت المكان بأكمله ، وبامتنان يفيض من مقلتيها ليبادلها ابتسامة بأنهما يسمعان ما يفكر به الآخر .


تعليقات