رواية هالة الفصل التاسع و الثلاثون
المواجهة، اختفى سراج خلف غضبه.
غادر الغرفة، لكنه لم يغادر عقل هالة.
مرت دقائق تحاول فيها لملمة كرامتها، شتات نفسها، آثار نظراته وكلماته التي تركت جرحًا أعمق من أي ألم.
لكن الليل لم يكن رحيمًا…
تلك الغرفة صارت سجنًا لا أحد يسمع لا أحد يطرق لا أحد يسأل.
وفي اليوم التالي، كانت هالة جالسة على الأرض، ترتجف، ووجهها شاحب، وعيناها غارقتان في اللاشيء.
تطرق الباب.
دخلت الخادمة العجوز، توقفت، حدقت بها، لم تقل شيئًا لكن عيناها امتلأتا بالدموع دون أن تسأل.
أحضرت ماءً وغطاء، ووضعته جانبها بهدوء ثم همست:أنا شوفت كتير بس أول مرة أشوف واحدة قلبها لسه بينبض بعد اللي حصل فيها.
مرّت أيام وهالة لا تتكلم.
كل ما كانت تسمعه في الليل هو صدى كلمات:أنا اللي الكل يخاف منه.
كانت الشمس تتسلل بخجل عبر نافذة صغيرة لا تليق بمساحة القهر داخل الغرفة.
هالة جالسة على طرف السرير، وجهها شاحب، وشفتيها تميلان للزرقة.
تحاول أن تنهض، لكنها تتوقف في منتصف الحركة، تمسك بطرف السرير، تتنفس ببطء، وعيناها تتقاطعان مع دوائر من الزغللة وكأن الكون يدور.
استحملي شويه وهتعدي، زي كل مرّة.
همست لنفسها، وهي تضع يدها على قلبها الذي يخفق بلا نظام.
خطت خطوة نحو الباب، ثم ثانية وفي الثالثة، ارتطمت بزاوية الخزانة وسقطت على ركبتيها.
لم تصرخ فقط أغمضت عينيها، وكأنها تهرب من وعي يؤلم أكثر من السقوط.
بعد دقائق، دخلت الخادمة العجوز، شهقت، ثم جثت بجوارها بسرعة:هالة! هالة يا بنتي، فوقي!
نظرت إليها هالة بعين نصف مفتوحة، وقالت بصوت مبحوح:أنا كويسة بس الدنيا بتلف.
في المستوصف الصغير داخل الفيلا، جلس الطبيب يهز رأسه بأسف:فقر دم حاد جسمها بيستغيث. لازم علاج ومتابعة، وممنوع أي مجهود.
لكن سراج كعادته، وقف مكتوف اليدين، ثم قال بجفاف:كلموني لما تفوق إحنا مش فاتحين منتجع علاجي هنا.
نقلوها مجددًا إلى غرفتها، وجهها شاحب أكثر من العادة، أطرافها باردة لكنها حين دخلت، نظرت إلى المصحف على الطاولة، واقتربت منه ببطء.
وضعت يدها عليه وهمست:يا رب مدّني بقوة تهزّني من جوّا، لأني من برّا خلاص انتهيت.
وحدها، تكتب في دفتر صغير تُخفيه تحت الوسادة:أنا مش ضعيفة أنا مريضة.
أنا مش كسولة جسمي بيصرخ من جوا.
بس محدش سمعني يمكن لأن صوتي مش عالي.
بس في يوم، صوتي هيكون أقوى من الوجع وأقوى من اللي وجعني.
وفي أحد الأيام لاحظ حارس جديد يعمل
