رواية هالة الفصل الاربعون
في الفيلا آثار الإعياء على وجهها، ولاحظ أنها كلما صعدت درجة سلم تمسكت بالحائط.
اقترب منها دون أن يتكلم ترك كوب عصير برتقال دافئ على الطاولة، ورقة صغيرة بجانبه:في ناس بتستحق تعيش وإنتي منهم.
لم تعرف من كتبها لكنها ابتسمت لأول مرة منذ شهور.
مرّ يومان على الملاحظة الغامضة من الحارس الجديد، وابتسامة هالة التي كانت كوميض شمعه في عتمة متواصلة.
لكن التعب لم يرحل، بل ازداد خبثًا كأن جسدها يُعلن التمرد.
وفي صباحٍ حار، كان سراج يعقد اجتماعًا مع بعض شركائه في صالة الفيلا.
صراخ وضحكات، كلمات تجارية لا تهتم بالبشر.
كانت هالة تمشي في الرواق المقابل، تحمل صينية الشاي بيد مرتجفة، وكل خطوة تُكلفها نبضة من روحها.
ثم حدث ما لم يتوقعه أحد.
سقطت الصينية، وتحطمت على الأرض، والزجاج تناثر في كل الاتجاهات.
ثم هوت هالة على ركبتيها… ثم ارتطمت بالأرض بقوة، جسدها كأنه فارغ من الروح.
شهقة جماعية.
وصوت سراج يقول بحدة:إيه العبث ده؟!
لكن الصدمة لم تكن له، بل للجميع… حين اقترب منها الحارس الشاب، نزع سترته، ورفع رأسها عن الأرض.
صرخ:بتموت! جسمها ساقط تمامًا!
وسرعان ما ظهرت سيدة خمسينية، بملابس أنيقة، تمشي خلف أحد الضيوف.
اقتربت بسرعة، انحنت على هالة، ثم صرخت:هي عندها أعراض نزيف داخلي أو انهيار شامل بسبب نقص الحديد شيلوا التمثيل ده ودوها المستشفى حالًا!
نظر إليها سراج باستغراب:حضرتك مين؟
أجابت بحدة وهي تقيس نبض هالة:أنا د. لُبنى مراد، استشارية أمراض الدم كنت جاية مع الضيوف كرفيقة عائلية، لكن اللي قدامي مش لعبة البنت دي بين الحياة والموت!
خلال دقائق، كانت هالة في سيارة الإسعاف.
وفي غرفة الطوارئ، وبعد الفحوصات… توقفت د. لبنى أمام سراج وقالت:هالة مش بس مصابة بفقر دم حاد عندها مؤشرات على حالة نقص امتصاص حاد بسبب صدمة نفسية طويلة المدى.
صمت رهيب.
تابعت:البنت دي متدمّرة من جوا حرفيًا. لو كانت وصلت متأخر شوية كنا خسرناها.
وفي اللحظة دي لأول مرة، نظر سراج إلى نفسه، ولم يجد تلك الهيبة التي كان يتحدث بها.
وجد ظلال رجل وقف على جسد امرأة حتى كاد يدفنها حيّة.
في فيلا العائلة الواسعة، كانت الأجواء كعادتها… مليئة بالحركة والضحك والنقاشات التي لا تهدأ.
الجد عاصم الدمنهوري جلس في الشرفة، يتناول شايه المعتاد، ويستمع لحكايات أحفاده يُخفي وراء ابتسامته الصامتة مراقبته لكل تفاصيلهم.
في الداخل.
