رواية انين الروح الفصل الثالث بقلم الست ورد
مرّ أسبوع..
كان عبارة عن رعب حقيقي.
أنوار الشقّة كلها منوّرة،
لكن العتمة جوايا أكبر.
حالة اكتئاب مسيطرة عليّا،
وبرن عليه طول الوقت.
موفاش بوعده...
كل مرّة يكلّمني خمس دقايق بس ويقفل.
حالتي النفسية انهارت.
وفي نص اليوم
فجأة جالي وجع في بطني،
وجع عمري ما حسّيته.
كنت عاوزة أطنّش،
أقول لنفسي عادي وهيعدّي..
لكن الألم كان صعب أوي،
كأنه سكاكين بتقطعني من جوّه.
لبست أي هدوم من غير ما أعرف حتى أنا بلبس إيه،
وقفت أوبر وقلت للسواق على عنوان المستشفى.
هو أول ما شاف وشي اتغيّر وقرأ التعب في ملامحي،
سرّع على طول ووصلنا بسرعة قياسية.
ولما جيت أديله الفلوس رفض:
"روحي يا بنتي اكشفي على نفسك.. الفلوس مش مهمة، ربنا يحميكِ."
نزلت وأنا مش قادرة حتى أنطق كلمة "شكراً".
أول ما دخلت الاستقبال جريوا عليّا،
وبعدها ماحستش بنفسي..
أغمي عليّ.
فتحت عيني لقيت نفسي في أوضة كلها أبيض في أبيض.
الممرضة جنبي بتعلّقلي المحاليل.
"حمدلله على السلامة."
" إيه اللي حصل؟"
"الدكتورة جاية حالاً وهتفهمك."
دخلت دكتورة كبيرة في السن،
وشها بشوش وهادي.
"حمدلله على السلامة يا بنتي."
"الله يسلمك يا دكتورة.. هو فيه إيه؟"
أشارت للممرضة بعينيها تخرج برّه،
وقعدت جنبي وقالت بهدوء:
"بصي.. كل حاجة بنمر بيها بتبقى خير لينا."
قاطعتها والذعر مالي قلبي:
"ممكن أعرف أنا مالي؟"
مسكت إيدي وقالت:
"الجنين مات.. وبصي متخافيـ."
قاطعتها ودموعي مغرقه وشي،
ولساني بينطق متقطّع:
"أنا كنت حامل؟"
"ماكنتيش تعرفي؟"
هزّيت راسي وأنا بعيط.
"مات إزاي؟"
"ده بيكون بسبب سوء تغذية، إجهاد، اكتئاب ومشاكل نفسية..
لكن الحمدلله، أخوه لسه عايش. صحتُه كويسة، اهتمي بنفسك وبأكلك ونفسيتك عشان ابنك يتولد بخير."
حضنت بطني وعيطت بكاء موجوع.
الدكتورة ضمّتني كأني بنتها،
تطبطب على ضهري.
كنت حامل..
وبسبب إهمالي لنفسي ولصحتي،
فقدت واحد.
جرح عمري ما هسامح نفسي عليه.
وعمري ما هسامحه..
هو السبب في كل اللي بيحصلي.
اتغيّر علشاني وعلشان ابني؟
أول ما ابني يتولد، هطلب الطلاق.
أنا أستحق إنّي أتحب وأحب.
بس قلبي يردّ عبدالرحمن حبيبك
كان حبيبي فعلاً.
قبل الجواز كان رومانسي،
حنين، بيخرجني ويفسّحني.
أجمل شهر في حياتي كان شهر جوازي الأول.
وبعدها بقى شخص عملي، مهمل، بارد..
نسيني.
الذكريات هاجمتني وأنا على سرير المستشفى.
فضلت تحت الرعاية يومين.
ظاهرياً كويسة.. لكن الحقيقة؟ بضحك على نفسي.
وفي آخر يوم قالتلي الدكتورة:
"بصي يا ورد، أنا معتبراكِ زي بنتي. أنا حجزتلك جلسة مع بنتي سما، دكتورة نفسية. هتروحي لها بكرة.. عشان نفسيتك وعشان اللي في بطنك. لازم يتولد وأمه مرتاحة."
هزّيت راسي، وفعلاً تاني يوم رُحت.
استقبلتني بحرارة:
"منوّرة يا ورد."
"بنورك يا دكتورة."
ضحكت وقالت:
"دكتورة إيه.. إحنا هنكون صحاب."
قعدت قصادها، حطّت نظارتها وقالت بجدّية:
"أنا دكتورة سما. لو التزمتي، حياتك هتتغير. أهم حاجة الالتزام. اعتبريني صحبتك، واحكيلي زي ما بتحكي لصحابك."
ودّتني لركن مبهج وهادي ورا ستارة رقيقة.
ألوانه دافية، جمبه ورد بينك يفتح النفس.
خلّتني أقعد وقالت:
"هسألك كام سؤال وتجاوبيني."
"ماشي."
"إنتي هنا ليه؟"
لمست بطني بابتسامة حزينة:
"علشان ابني.. وعلشاني."
"متجوزة؟"
"أيوه بقالي سنة."
"جوزك كويس معاكِ؟"
"بارد.. مكنش كدا قبل الجواز. دلوقتي مهملني، كأني مش موجودة. شغله رقم واحد في حياته."
"جربتي تتكلمي معاه؟"
"لا.. بس أفعالي بتقول."
"في رجالة ما بتفهمش أفعال.. وفي اللي بتفهم وبتطنش."
"طب أعمل إيه يا دكتورة؟"
"بصي يا ورد.. الراجل مش بيحس بقيمة الست إلا لما تقلل اهتمامها شوية بيه."
"يعني إيه؟"
"يعني مثلاً طول فترة سفره ما ترديش من أول رنّة. لو سأل كنتي فين، قولي مشغولة. لو كلمك، خلّي الكلام قصير. وفي نفس الوقت، استغلي الشهر ده لنفسك:
اتعلمي حاجة جديدة، غيّري ديكور الشقة، ازرعي ورد في البلكونة. الصبح شغّلي سورة البقرة. قوليلي بقى يا ورد، بتصلي؟"
سؤالها صدمني.
رديت بخجل:
"ساعات وساعات."
"ومستغربة حياتك مش عاجباكي ليه؟ بدايتها من إهمالك لصلاتك. التزمي."
هزيت راسي بخضوع.
"خلصنا كده أول جلسة.. من الأسبوع الجاي نبدأ شغل بجد."
قمت، ادّتني شوكولاتة:
"دي لشجاعتك إنك جيتي."
"مش عارفة أشكرك."
"ما تشكرنيش، ده واجبي. بس عندك واجب:
اكتبي كل يوم 4 حاجات ممنونة بيها لربنا،
واكتبي يومك وتدي له تقييم من 10."
ابتسمت وأنا بودّعها.. شخصية لطيفة وعسولة وتتحب.
مر يومين، تابعت فيهم مع دكتورة النساء.
ولما شفت ابني الصغير في السونار.. رغم إن عمره 3 أسابيع، دموعي غرقت الدنيا.
شعور جميل ولذيذ. الحمد لله.
نزّلت تطبيق يذكرني بالصلاة.
أول ما الأذان ييجي، أتوضى وأجهّز نفسي قبل ما الشيطان يوسوس.
بعد كل فرض أقرأ صفحة من القرآن وأدعي ربنا يرزقني بالذرية الصالحة ويهدي جوزي.
وبقيت أسمع بودكاستات، ايه المشكله، فاهم، وعي..
أحمد العربي بيكلم عن الصلاة بطريقة خلتني أحبها من قلبي.
مر أسبوع على كده.
وفي ليلة هادية.. حسّيت بخبطة جامدة.
الخوف سيطر عليّا، قمت أشوف إيه.
صرخت صرخة عالية لما شوفت...
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم