رواية تراب القمر الفصل الرابع بقلم نورهان علام
بعد ما قاعدت على البحر شوية وكنت مشفقة عليه لانه اول ما وصلنا الشقة كمل الشغل بعد ما طلب لنا أكل. قعدت في البلكونة عشان على البحر وأكلت، ومَرَّ نصف ساعة لقيته واقف بيخبط على البلكونة. كان باصص في الأرض وهو بيكلمني، يمكن عشان شعري باين جزء منه. رفعت عيوني ناحيته وقلت:
"نعم؟"
"أنا لازم أنزل... احتمال أغيب كتير. أنا طلبت كل حاجة ممكن تحتاجيها. هتفتحي الباب بعد نص ساعة تاخدي الشنط من على الباب وتقفلي تاني."
كنت عارفة إنه مش هيسيب لي موبايل. بحاول أستوعب ليه أصلًا! أكيد مش ههرب! مش هكلم حد من أهلي يجي ياخدني. لو كنت عاوزة بعمل كده مكنتش وافقت على الجواز ده.
نزل فعلاً، ولما خرجت وراها لقيت الأكل بتاعه زي ما هو. بصيت له بتوهان وحيرة؛ يمكن بدأ إحساس تاني يتكوّن تجاه يوسف غير الخوف والريبة! ويمكن أنا بكدب على نفسي، لأنّي فعلاً بدأت أطمئن له، ويمكن من غير قصد خفت عليه. بس الإحساس ده دلوقتي حاجة مختلفة! حسّيت بالشفقة تجاهه: إنه ما كلّش، وكمية القهوة اللي ترفع الضغط وهو أصلًا ضغطه عالي، وإنه طول الوقت مسحول في الشغل. عشان أهرب من الإحساس ده قلت إنه أكيد ضغط شغل وإنه أكيد هيرجع يرتاح زي أي شخص.
قمت وكملت فرجة على الفلوجات عشان زهقانة؛ مرّ الوقت وبديت أخاف. هو اتأخّر كده ليه؟ كان نازل 8:30 الساعة، وحاليًا داخلة على 1 بالليل. خايفة من القعدة لوحدي أكيد... أصل هخاف عليه ليه يعني؟؟
خرجت البلكونة للمرة المليون بتفرّج على البحر حتى لو بالليل فشكله يجنن. بعد ساعة كمان سمعت الباب اتفتح. أصلاً الباب رقمي له باسورد ومتصّل أكيد بموبايل يوسف، بيعرف يفتحه ويقفّله عن بعد!
دخل وكان شكله مرهق، وكان في إيده شنطة فيها حلويات وأكل. حطهم على الترابيزة، ورأسه هيّنادي عليا لاقاني خارجة من البلكونة فقال:
"كلتي؟"
هززت راسي فابتسم، وقلع البليزر وقعد على الكنبة وقال:
"طب تعالي اتعشي معايا."
ابتسمت له وقعدت قصاده وفتحت الأكل وهو فتح اللابتوب على الترابيزة وعيونه عليه، وخالد في مكالمة:
"يوسف... الساعة 2 بليل يا حبيبي، سبني بالله عليك هموت وأنام."
"بطل مرقعة وكمل شغل يا خالد، أنا ورايا أكوام. اللي بتعمله ده شغلك أنت مش شغلي!"
"هو صحيح إنّي هتنقل إسكندرية؟؟"
"شكلك كده هنشحنك أنت وليلى على إسكندرية قريب."
"والله حرام... خليك أنت قاعد مع مراتك يا رب تتخنقوا."
"كمل شغلك يا حيوان بدل ما أوريك الاعتراض على أوامر جدي."
قفل معاه عشان خالد عاوز ينام، وخلّص أكل بسرعة ورجع للورقة والقلم وفضل يشتغل لميت الأكل. قومت وسبّته، دخلت الأوضة اللي قال لي هناك، وقلّلت عليا وبدأت هدومي بيجامة واسعة ومريحة أوي ونمت لأول مرة من غير فستان. كان نوم جميل، جميل ومريح. قلقت على الفجر لأني اتعودت أصحى أفتح البلكونة عشان ينزل يصلي وأنا أصلي كمان. قومت من مكاني لقيت صوت موبايل يوسف بيرن، أعتقد دا منبهه. لبست الفستان ورفعت شعري المدمر حرفيًا وخرجت بنعاس كبير عشان المنية مش بتوقف. لقيته نايم على الكنبة وهو قاعد! واللاب على حجره! القلم في إيده والموبايل هينفجر من الرن. أنا فكرت هو نام لكن شكله إنه بيشتغل من ساعة ما خلّص الأكل!
قفلت المنبه وقربت منه هزيت كتفه برفق عشان يصحى، لكنه كان نايم بتعب مش حاسس بحاجة. هزيت كتفه أقوى وانا بقول:
"يوسف... يوسف، الفجر آذن... يوسف!"
قام مفزوع مرة واحدة وقال:
"ورد! ورد... أنتِ كويسة!!"
لحقت الباب قبل ما يقع وقفلته وانا بقول:
"الفجر آذن، قوم اتوضّى عشان تلحق الصلاة."
اتعدل في قاعدته وفرك وشه وشعره عشان يفوق وعيونه مغمضين من التعب والنعاس فقال:
"معلش، ممكن تجبيلي دواء الضغط وأي مسكن من شنطي؟"
"لا."
رفع عينه فيّا وهو مش فاهم، فقلت:
"انزل صلّي واطلع تنام، الصبح تاخد الدوا بعد الفطار. أنت مصدّع من قلة النوم."
قام وقف بابتسامة شبه مش موجودة وقال:
"مِنفعش أنا، بجد ورايا ملفات وإيميلات لازم أرجعها، وبكرة طول اليوم مشغول لازم أستغل الوقت ده."
"أنت حر، بس بالطريقة دي متتوقعش إنك هتعيش كتير."
ابتسملي ابتسامة هزليّة ودخل اتوضّى ونزل بسرعة عشان الإقامة. صليت الفجر ودخلت المطبخ عملت بيض بالطماطم وسخنت فينو، وروّقت الورق بتاعه بسرعة وقعدت مستنياه عشان ياكل، لأنه أكل حاجات خفيفة أوي امبارح.
"إيه دا؟"
كان سؤاله لما فتح الباب وشاف الترابيزة قدامه. فرّكت كف أيدي بتوتر—إيه اللي أنا عملته دا؟ وعملت إيه أصلاً؟؟؟
"عملت لنفسي بيض بالطماطم..."
"طب ومكلتيش ليه؟"
"أصل... أنا استنيته يبرد، مش بعرف أكل الحاجة سخنة أوي... اقعد كل، هيعجبك."
"وانتِ يهمك هيعجبني ولا لا؟"
نظراته وابتسامته خبيثة، عاوز يوصل لحاجة مش موجودة أصلاً. بصيت له بتحدٍ وسحبت الطبق قصادي وقلت:
"أكل أنا، ملكش دعوة بالطبق."
توقعت إنه هييجي ياخد الطبق مثلاً ويأكل، لكن إنه يقرب مني قوي عشان يبقى الطبق قصاده دي ويرتني. بصيت له بتردد وبعدين ضيقت عيني وبديت أكل، وكمان هو عمل زيي، وأكلنا إحنا الاتنين. غسّلنا أيدينا، وأنا غسلت الطبق بسرعة مع الطاسة ودخلت الأوضة، لقيته دخل الأوضة اللي جنبي، فقلت باستنكار وبرود:
"أمش كنت هتكمل شغل؟"
"كنت... بس مراتي قالت كلمة، دفعتني أنزل أصلي وأطلع أنام. وأنا زوج شاطر بسمع كلامها."
بصيت له بقرف ودخلت الأوضة وقلّقت الباب. دقيقة وخرجت وقلت له:
"إيه زوج ومراتي اللي بتقولها دي؟ هو أنا عشان أعمل أكلك بقيت جوزك!!"
"والله من أول يوم ناقص أغنيلك إنّي جوزك وإنك مراتي. العتب على إدراكك بقى."
ضحكت ضحكة مستفزة أوي ودخلت وسبّته بيضحك بخفة ومخبّي ابتسامة النصر والشماتة.
————————————————————————
فتحت عيونها ببطء وكسل، خمول غير عادي بعد ليلة طويلة نامت دون انقطاع. كانت أول حاجة شافتها هي عيونه العسلي؛ رجال آل صديق كلهم عيونهم عسليّة، لكن هو عسل مصفى. الرجل اللي ما كنتش بطيقاه طول عمرها بقى هو حبيب عيونها دلوقتي. ابتسمت له وهي بتقطع اللحظة الرومانسية دي:
"خالد أنا جعانة أوي."
بص لها بقرف وهو بيقوم من جنبها وقال:
"فصيلة زي أخوكِ اتخمدي يا ليلى، شكلك أحلى وإنتِ نايمة."
اتعدلت وهي بتسحبه عشان تحضنه وغمضت عيونها، وفعلاً كانت هتنام تاني في غضون ثوانٍ إلا إنه ضرب خدها بخفة وهو بيقول بخبث:
"أنا عارف اللاصقة دي كويس والنوم المتواصل."
ابتسمت لما فهمت التلميح، لكنها بصت له بقرف وقالت:
"اسكت شوية يا أبو العوريف."
"ليلى... تعالي يا حبيبتي نروح للدكتورة بتاعتك ونطمن."
"لا."
قالتها بحدة وقامت من حضنه. استدارت وأدته ظهرها. بَصّ لها بحزن عليها وقرب تاني من الناحية التانية عشان يتكلموا وقال:
"حبيبتي، إنتِ عارفة إنك أهم عندي من أي طفل تاني. أنا مستكفي بيكِ إنتِ وصالح."
"والعيلة... وبالأخص أبوك وأمك، مش مستكفين بحفيد واحد."
"وأنتِ متجوزة؛ العيلة ولا أبويا وأمي وانا معرفش؟ إنتِ مراتي، وأنا بقولك إن في حياتي نعم مغرّقاني. مش يمكن أنا مستحقش كل ده، إنتِ كفاية عليا يا ليلى وكتبتيلي عمر جديد مع صالح."
"بس أنت نفسك في بنت، مش قولت هتجيب بنت تجوزها لابن يوسف عشان تذله؟"
ضحك لما شافها بتتفك شوية وقال:
"إنتِ بنتي، وكفاية عليا إني بذل يوسف نفسه بحتّه منه."
"بس أنا بتوجع أوي من كلامهم يا خالد، محدش عارف اللي مريت به. إنت ويوسف وجدي وبس. حتى ماما بتضغط من غير ما تفهم أي حاجة. أنا بس تعبانه... محتاجة أرتاح، القصر كله ضاغط عليا."
"مين دول يا ليلى اللي تعملي لرأيهم قيمة؟
أعتقد أي واحدة دخلت القصر ده غريبة اتعلمت على إيدك إزاي تليق بعائلة الصدّيق. متخليشهم ينسوا أصلهم."
"أهدِ يا خالد، بتعصب لي؟
أنا غلطانة يعني إني بفضفض معاك؟"
"مش ههدى. لو على أمك وأمي فدول كبارنا منقدرش نغلط فيهم، لكني أحميكِ من أي حاجة تضايقك. لو قصدك القصر كله ضاغط عليك، لو بس واحدة من ستات عيال عمك لمحّت بحاجة زي كده، ساعتها الحساب يكبر. دول اتعلموا على إيدك إزاي يكونوا..."
"خلاص يا خالد، بلاش تتعبني."
اتخض برعب وهو بيلمِس بطنها وقال:
"ليلى، حاسه بوجع؟"
————————————————————————
الباب خبط: مرة، اتنين، تلاتة.
ابتسمت في نومها العميق شويتين، لكنها فتحت له الباب بنفس البيجامة اللي خرجت بيها على الفجر. ابتسم، وتعمّد ما يبعدش عيونه عنها، وقال:
"صباح الخير."
"أكيد ما قومتش من سريري عشان تقولي صباح الخير... عاوز إيه؟"
"عاوزك... تلبسي الفستان وتجهزي عشان ننزل نفطر تحت، وبعدين نعمل شوبينج سريع جدًا؛ لأننا هنكرره في بور سعيد. بس حاليًا نشتري حاجات لأنك مش هتقعدي طول اليوم في البيت لوحدك."
"القاعدة لوحدي أحسن من القاعدة معاك."
ضحك نفس ضحكتها المستفزة اللي ضحكتها على الفجر، فبصّت له بقرف مصطنع ودخلت الأوضة. هو راح البلكونة يستناها، وابتسامته مش قادر يخفيها. إنها بقت على طبيعتها وبترخم عليه، وكمان بقت تقلع الطرحة قصاده كتير. كل ده تقدّم كبير أوي.
بعد شوية خرجت، وكانت فاقت أكتر وجهزت خلاص، لكنها لبست فستان زيتي... ضيّق! ضيّق أوي كمان. فقال ببساطة:
"البسي فستان ليلى!"
"نعم؟ أنا لبست خلاص. ثمّ ماله الفستان؟"
"ضيّق يا ورد، كبيرة تروحي وتيجي بيه في الشقة. بدّلي عشان ما نتأخرش."
"مش هغيّره يا يوسف."
"ولا يهمك يا ورد... أدينا قاعدين نتأمل في بعض طول اليوم. إنتِ هتخسري خروجة على بحر إسكندرية وأكل كبدة بالليل، وحاجات تانية كتير."
"مفكرني هتهزّ وهغيّر رأيي؟"
ضحك بغرور، وكان هيقول إنه متأكد إنها هتغيّر رأيها، لكنه قال بخبث:
"لأ، إنتِ زوجة شاطرة هتسمع كلام جوزها عشان يقضوا يوم لطيف سوا."
"مش عاوزة يوم لطيف معاك. ثم إني مش زوجتك."
"أيوه، إنتِ مراتي."
...
بعد ساعة تقريبًا كانوا في مول تجاري كبير. ورد مكشّرة وهو متحمس، لكن قادر يخفي ده تحت رزانته المعتادة. كان ماشي مقربها منه، وأوقات كتير بيحاوطها عشان الزحمة. وصلوا لمكان معروف لملابس المحجبات، ولما كانوا على باب الدخول وقفت ورفعت حاجبها وقالت:
"رايح فين؟؟؟"
"داخل أختار معاكي. مش واثق في اختياراتك."
"وإيه اللي يضمنلك إني كنت بلبس فوط مطبخ قبل كده؟! ده أنا بنت هارون الغريب!!!"
"والله اختياراتك كانت فعلاً فوط مطبخ. ملهاش علاقة بالستر أصلاً."
"تقصد إيه؟؟؟"
"لو سمحت ممكن تعدّوني؟"
كان صوت بنت عاوزة تخرج، وهما واقفين سادّين الباب. فقربت ورد منه أوي عشان البنت تعدّي، وبعدين زقها برفق لجوه المحل. كانت نظراتها نارية وهو بيتفحص الفساتين، لغاية ما مسكت فستان وسألت على مقاسها. فمال عليها وقال:
"فيه حزام محدد الوسط."
"يعني إيه؟"
"يعني اشتري براحتك يا شاطرة، بس مش هيخرج ليكي من محيط أوضتنا."
"طب أنا هاخده بقى."
"هو أنا منعتك؟ متخليش حاجة في نفسك. جوزك بيقبض بالدولار."
تجاهلته وسابت الفستان، وراحت تشوف غيره. كانت مترددة جدًا، عمرها ما وقفت تختار فستان قبل كده. بَصّت على الموجود كله بضيق، وبعدين قالت له بزهق وتردد:
"مش عاجبني حاجة هنا."
ابتسم لها بحنية وقال:
"نروح مكان تاني. المول كبير، وفيه مولات كتير جنبنا."
كانت مفكرة إنه هيرفض، أو هيقول إنه وراه شغل، أو حتى يزهق، لكن كان في ترحيب غير متوقع في صوته. أكون مبسوط. ابتسمت بخفة، واحترموا لمكان تاني.
دخلوا، ووقعت عينها على فستان أحمر... خطفها، وخطفه هو كمان!
لكن... يلبسها أحمر؟!
هو عارف إنه مش حرام، لكنه ملفت جدًا. هو أصلًا بيقع في غرام الأحمر، ومتاكدة إن أي حاجة هتلبسها حمراء—even لو طرحة—هتسحره. لكنه مش هيسمح بكده.
قبل ما يتصرّف، عرف إن مافيش مقاسها. كملوا رحلة البحث الطويلة لغاية ما مر ٣ ساعات. الوقت مش في صالحه، ولو فضلوا كده هيتأخر على معاده كمان ساعتين. لكنه ماكانش عاوز يكسر بخاطرها وهو شايف إنها بدأت تتحمس وتبتسم وتخرج من هنا زي زمان. آه، كانت بتصادف إنه يدخل مول في بورسعيد يجيب حاجة، وغالبًا إكسسوار موبايل، ويلاقيها.
ابتسامته الهادية وعيونه مراقباها... وهي حلاله، حتى لو في حواجز كتير. بس يكفيه جدًا إنه مش شايل ذنب وهو بيأكل كل تفاصيلها وحركتها وكلمتها.
"الحساب فيزا ولا كاش يا فندم؟"
كانت واقفة جنبه وهو بيخرج كريدت كارت. في ثواني كانوا خارجين من المكان وهي مشتريه فستانين وحاجات تانية للحجاب. كان معه ساعة واحدة بس!
"كده هنروح؟؟؟"
بصت له بتردد. هو كده كده هيخدها بعد اجتماعه، يتمشوا على البحر ويملّوا كبدة زي ما هي بتحب. فهمت من سكوته إنه ممكن يكون عنده شغل، فقالت:
"انت هتروح شغلك امتى بقى؟ أنا زهقت منك؟؟"
ضحك بخفة وقال:
"مافيش دعوة بالشغل، إنتِ عاوزة تعملي إيه تاني؟"
قربت منه وقالت مرة واحدة بطريقتها الرخمة:
"عاوزة أعملك كيس ملاكمة وأضرب فيك للصبح."
"طب عيب على فرق الزجاجة حتى."
رفعت عيونها على الطول الفارع—هي مجبتش 165—رفعت حاجبها وسكتت، وبعدين قالت:
"انت المفروض توصل شركتكم دي امتى؟"
"شركتنا! قوليلي يا بنت الغريب، إنتِ عارفة إيه عن شغلنا؟"
"هممم، بسمع إنكم ناس نصابة ولتغسلوا أموال، وأعتقد إنك... مش لاقية حاجة لايقة عليك، بس شكلك بتشتغل أوي يعني."
ضحك وهو بياخد الشنط اللي لسه في إيدها ويتحرك جنبها لخارج المول وقال:
"بصي يا ستي، شغلي الأساسي... بصراحة أنا معنديش شغل أساسي."
قطعته في نص كلامه وقالت بسخرية:
"يعني عواطلي؟"
"في أيام بتمنى أكون فيها عواطلي أرحم من الطحن اللي أنا عايش فيه. إحنا شركة كبيرة ولينا اسم في السوق للاستيراد والتصدير. أكتر شغلنا تصدير بصراحة. عندنا فرع في مينا بورسعيد؛ ده اللي أنا وأبويا ماسكينه. بس الضغط عليا وشغال معايا خالد وعم محمود الراوي. فرع إسكندرية بقى ماسكه سبع من عيال عمي، وعمي معاهم."
"يعني فردين في بورسعيد و8 في إسكندرية؟"
"شوفتِ يا ستي؟ جوزك X4."
ابتسمت وهي بتقوله:
"برضه مافهمتش شغلك إزاي. ألحين صحيح أنت بتقبض كام؟؟؟"
"30 ألف."
بصيت له باستغراب، لأن بالنسبة لعيلة الغريب الرقم ده مش حاجة، لكنه قال:
"30 ألف دولار."
————————————————————————
يوم شغل طويل. وصلتها الشقة على الساعة 5، وأديني بفتح الباب الساعة 1 بليل. توقعت إنها تكون نامت. المكان هادي جدًا، مافيش أثر لها، لكن النور كله منوّر. أدركت إنها مش بتنام غير في الضلمة.
دخلت البلكونة بعد ما لبست حاجة مريحة: شروال أسود وتيشيرت أسود خفاف. ملهمش علاقة أبدًا بجو الشتوية اللي بيهل علينا. كنت مستمتع بلسعة الهوا، وقاعد برتب الحاجة عشان هشتغل. ورايا حاجات لازم تخلص قبل ما نرجع بكرة على بورسعيد. اندمجت في الشغل شوية لغاية ما قطعني اتصال جدي. استغربت ورديت بسرعة:
"السلام عليكم يا جدي."
"وعليكم السلام يا يوسف. إنت يوم ما جيت ليا المكتب، باين عليك عاوز تقول حاجة وأجلتها. كنت عاوز تقول إيه؟"
غمضت عيني بتعب. محتاج راحة ومحتاج حد يفهمني. رغم إني أقرب حفيد على قلب جدي، والكل فاكر إن طلباتي مُجابة، لكن أنا متأكد إن طلبي ده هينزل. بس مفيش حل غير المحاولة.
"جدي... كلية ورد كمان شهر!
وبعدين أنا عاوزها تتواصل مع أهلها حتى بالتليفون، تشوف أمها، وأشتري لها موبايل جديد، وتخرج براحتها. أنا ما اتفقتش معاك على الحبسة دي يا جدي."
"يوسف، إنت عارف العُرف اللي أبويا أنا حطه ليا لما كنت عاوز أتجوز زينب—ربنا يرحمها. ومن ساعتها وأنا ماشي بالعرف ده. وشوف جوازة محمود ومراته!"
"أنا مش زي حد يا جدي، ولا ورد زي أي حد. أنا مش قادر أشوفها حاسة إنها عايشة معايا في سجن. عاوزها ترجع لكليتها ولحياتها."
"مش خايف لو رجعت لحياتها تقفل بابك؟"
"بلاش أقول حاجة... إحنا الاتنين عارفين إنها مش هتحصل. إنت متأكد إن ورد قوية، وطول ما إنت حاسبها مش هاشوف منها نظرة. أنا عاوزها تطمن ليا."
"مقدرش يا يوسف. وزي ما عارف إن ورد قوية، عارف إنها هوجاء. ويمكن لو سبت لها مساحة هتفتح عينك مش هتلاقيها. أنا مش عاوزها تضيع منك زي ما زينب ضاعت من إيدي يا يوسف. مش عاوز الماضي بحسرته يتكرر معاك. إنت مش بس حفيدي، إنت حتة مني. وجع زي ده يدفنك بالحيا يا حبيبي."
"يعني مطلوب مني إيه يا جدي؟ أنا تايه وتعبان."
"إنت عارف. مسافة ما ورد تحمل وتولد بالسلامة، هتبقى خلاص من عيلة صديق. هترجع الكلية وتزور أمها، وهتبقى ست البيت كله. أوعى تفتكر الكلام اللي قولته لبهية كان مجرد كلام!
ورد بمجرد حملها هتبقى ست البيت وست الكل. أنتم من بعدي يا يوسف."
"ربنا يبارك في عمرك يا جدي، بس عشان خاطري فكّر تاني."
"حاضر يا يوسف، بس ماتتوقعش حاجة غير اللي قولته."
قفلت معاه، وحطيت الموبايل مكانه. ولسه برفع عيني... لقيت ورد واقفة.
"يوسف!!"
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
