![]() |
رواية الشبح العاشق الفصل الخامس بقلم رباب حسين
يا لقسوة من خانوا الأمانة وتجردوا من أثقل ما يحمله الإنسان على عاتقه.... قسمٌ نطقوه بألسنتهم ثم دفنوه في سراديب الجشع!...
كيف يطيب لطبيبٍ أن يمد يده على جسدٍ ضعيفٍ كأنه بضاعة على رف السوق؟ كيف يرى أنفاس الناس أرقامًا ودموعهم أثمانًا وأوجاعهم بابًا للربح..... فيساوم على الألم كما يُساوم على سلعة تافهة؟.... الطبيب الذي يخون قسمه ليس طبيبًا هو تاجر موت يرتدي معطفًا أبيض..... يظن نفسه يبيع ويشتري ويحسب أن الجسد سلعة وأن الروح عملة ناسيًا أن الميزان عند الله أثقل من كل ذهب الدنيا..... يا من تتملصون من العهود تذكروا أن القسم الذي تنكرتم له سيشهد عليكم وأن الأمانة التي بعتموها ستلعنكم وأن كل دمعة مريضٍ ظلمتموه ستعود في أعناقكم دينًا لا يُمحى وانتقام شنيع.... فالطب رحمة لا تجارة وأمانة لا خديعة وقسم صادق لا ورقة تُرمى....
دخلت ليان العناية المركزة وعاينت المؤشرات الحيوية للفتاة ونظرت إلى وجهها الملائكي ثم قبلتها وهي لازالت تحت تأثير المنوم فنظر لها وئام بإعجاب وهي تقبلها فقال : مامي ليان
ابتسمت ليان ونظرت له ثم ظهر علامات الألم على وجهها فقال : رجلك بتوجعك صح؟
ليان : عرفت منين؟
وئام : ما أنا كنت واقف بيها ووجعاني أمال خرجت بعد ما خلصت العملية ليه؟.... الدكتورة مينفعش تلبس كعب
ليان : عارفة بس أنا مكنتش بدخل عمليات طويلة كده
وئام : الظاهر كده هتدخلي عمليات كتير.... واضح إن مفيش دكاترا في المستشفى
ليان : حقيقي.... عمك رافض يجيب حد مكانك
وئام : طيب.... روحي إنتي وأنا هفضل جنبها
ليان : لا.... إنت علمتنا إننا نفضل جنب الحالة لحد ما تستقر
وئام : بجد.... طيب كويس افتكرتي حاجة أنا علمتهالك غير المعاملة السيئة
ليان : لا الصراحة إنت دكتور ممتاز وكنت بستفيد منك جدًا.... ما ده اللي كان بيصبرني على طريقتك..... عارف إني كنت بخلي البنات يسجلو المحاضرة بتاعتك لما بتطردني من المحاضرة عشان كنت بزعل إني مسمعتش الشرح بتاعك
وئام : وتفضلي طول الليل تسمعي في صوتي بقى وأنا بشرح
ليان : مالك بتقولها كده زي ما تكون تامر حسني يعني..... اه كنت بسهر اسمعها بس مش عشان صوتك
وئام : يخرب بيت لسانك يا شيخة..... روحي أجري..... لو حصل حاجة هاجي أبلغك
ليان : وهي هتستنى لما تجيلي وأجيلها؟!
وئام : أنا شبح على فكرة..... هعرف أتصرف اه واجيلك في ثانية عادي
ليان : اه صح.... ماشي يا عم الشبح.... أنا لو معرفتش أنام هرجع تاني..... بصراحة قلقانة عليها أوي
وئام : ماشي
قبلتها ليان مرة أخرى وخرجت لتطمئن والديها ثم ذهبت إلى المنزل وعند باب المشفى وقفت تتألم من قدمها ووجدت لؤي يتحرك بسيارته فوقف أمامها وقال : تعالي أوصلك يا ليان
ليان : مش عايزة أتعبك بس
لؤي : مفيش تعب ولا حاجة.... اطلعي بس شكلك تعبان
ركبت ليان السيارة تحت نظرات الغضب من وئام وزفر بقوة فارتعشت أضواء الغرفة فنظر حوله وحاول أن يهدأ من روعه ثم نظر إلى الفتاة ليذهب ليرى اسمها فوجده (جنة)
فقال اسمها وابتسم وجلس بجوارها..... أما ليان فكانت تتحدث مع لؤي في السيارة الذي قال : طول عمري بقول عليكي شاطرة.... ما شاء الله أثبتي نفسك في أول يومين
ليان : لا..... ده حظ مش أكتر
لؤي : حظ أو غيره المهم إنك قدرتي تنفذي المريض تحت إيدك..... أنا نفسي دكتور صادق يشاركني معاه ده حتى حالة دكتور وئام رافض أي حد يعالجها غيره
ليان في تعجب : ليه هو مش المفروض يعلمك يعني.... أعتقد إن هو رئيس قسم المخ والأعصاب
لؤي : اه هو بس بيدينا الحالات البسيطة بس لكن الحالات الصعبة لا
ليان : مشكلة ديه
لؤي : أدينا مستنين معجزة..... روما عاملة إيه صحيح؟
ليان : كويسة الحمد لله.... قربت تخلص وترجع
لؤي : روما شاطرة برده كانت دايمًا تطلع الأولى عليا
ليان : أيوة فاكرة المنافسة بينكم كانت شرسة
لؤي : ومع ذلك كنا أصحاب جدًا
بعد قليل وصلا إلى منزل ليان ونزلت وشكرت لؤي الذي ينظر إليها بإعجاب وصعدت إلى منزلها بدلت ثيابها وتوقفت لحظة تنظر إليهم فابتسمت ووضعتهم داخل الخزانة ثم دخلت المطبخ وأعدت الطعام وجلست لتتناوله وفتحت التلفاز فوجدت أحد المباريات الكروية فنظرت حولها وكأنها تبحث عن وئام ليتشاجر معها ليشاهد المباراة.... لا تنكر بأنه كان يأنس وحدتها التي عانت منها منذ وفاة والدها وبالرغم من مشاغبتهما المستمرة ولكنها اشتاقت له..... تناولت الطعام وغسلت الصحون ونامت..... وفي وقت متأخر من الليل كان وئام لازال بجانب جنة فوجد شادي يتسلل داخل الغرفة وينظر حوله خوفًا من أن يراه أحد فوقف في تأهب ليرى ماذا سيفعل ثم وجده يقوم بالعبث بأجهزة التنفس المتوصلة بجنة فأغلق وئام الأضواء فأمسك شادي هاتفه وقام بفتح الضوء به حتى يرى أزرار التحكم بالإضاءة ثم ذهب إليه فأضائها مرة أخرى وكاد أن يذهب ولكن أغلقه وئام مرة أخرى وأصدر صوتًا كفحيح الأفاعي فنظر شادي حوله في ذعر وحاول أن يضئ الأنوار مرة أخرى وعندما فتحها وجد الكرسي مرفوع بالهواء فنظر له في خوف ثم دفع وئام الكرسي نحوه فركض شادي خارج الغرفة وارتطم الكرسي بباب الغرفة فرفعه وئام ووضعه مكانه ثم لحق بشادي الذي ركض خارج المشفى في خوف ودخل سيارته وقادها وهو يتصل بصادق فدخل وئام السيارة معه وسمعه يقول : أيوة يا دكتور صادق.... معرفتش أعمل حاجة
صادق : ليه؟
شادي : معرفش.... فيه حاجة غريبة بتحصل في الأوضة.... زي.... زي ما يكون فيه عفريت جوا
صادق : عفريت إيه شادي إنت شارب حاجة ولا إيه؟!
شادي : بقولك فيه حاجة في الأوضة.... النور بيطفي لوحده وكمان فيه صوت مرعب جيه في دوني والكرسي أتحدف عليا.... بس بكرة بقى نشوف حل لكن مش هدخل الأوضة بليل
أنهى شادي المكالمة وذهب وئام مسرعًا إلى منزل ليان ووجدها نائمة فأيقظها وقال : ليان.... ليان
فتحت ليان عينيها في نعاس فوجدته يقف أمامها فجلست مسرعة وقالت : فيه إيه.... البنت جرالها حاجة؟!
وئام : شادي كان عايز يفصلها من على الأجهزة
فتحت ليان عينيها في تعجب.... ما سبب ذلك؟.... وكيف لطبيب أن ينهي حياة مريض وأيضًا طفلة صغيرة وفي حالة حرجة فقالت : ليه؟!
وئام : معرفش.... أنا هرجع وإنتي حصليني أختفى وئام ليعود إلى غرفة جنة كي يحميها ونهضت ليان لتبدل ثيابها.... دخل وئام الغرفة ووجد رجل مسن يقف بجوار جنة فنظر له في تعجب ولكن ما زاد تعجبه أنه لاحظ أن هذا المسن يراه وينظر إليه فقال : متقلقش.... أنا زيك بالظبط
وئام : زيي إيه؟! في غيبوبة يعني؟
فتحي : اه.... أنا عارفك من قبل ما تدخل في الغيبوبة وتبقى كده.... أنا فتحي مريض غيبوبة هنا بقالي ٨ شهور
وئام : حضرتك غيبوبة بسبب المخ برده؟
فتحي : اه.... بس ليه كشفت نفسك كده؟
نظر وئام إلى جنة وقال : كان لازم أحميها
فتحي : وهتحميها إزاي وإنت كده؟!
عقد وئام حاجبيه وقال : مش فاهم
فتحي : يعني إنت متقدرش تعمل حاجة أخرك هتعمل زيي تتفرج وبس.... يعني أنا حاسس إن فيه حاجة بتحصل في المستشفى بس مش فاهمها
اقترب منه وئام وقال : فهمني طيب.... يعني إنت عارف ليه كان عايزين يخلصو من البنت ديه
فتحي : معرفش السبب الحقيقي..... بس هما أول مرة يعملو كده... أو أول مرة أشوف حاجة زي كده
وئام : هما مين دول وليه؟!
فتحي : عمك والزفت اللي معاه اللي اسمه شادي
وئام : فهمني يا عم فتحي الله يقومك من غيبوبتك يارب
فتحي : كل اللي أعرفه وشوفته بعيني إنه لما حد بيموت بيتغسل ويتسلم لأهله وهو متكفن وفيه دكتور عمل مشكلة على الحوار ده واترفض
وئام : طيب أنا كنت عارف الحوار ده؟
فتحي : معرفش .... بس إنت كنت بتيجي للعمليات الكبيرة بس لكن كنت مشغول في التدريس في الجامعة أكتر وبعد ما أبوك توفى وعمك مسك المستشفى الموضوع ده حصل
وئام في صدمة : معقول يكون بيعمل حاجة في الناس بعد ما تموت؟!
دخلت ليان الغرفة ووجدت الصدمة على وجه وئام فقالت : خير.... البنت جرالها حاجة؟
وئام : لا.... كويسة
اقتربت ليان منها لتطمئن عليها ثم نظرت إلى وئام وقالت : طيب فهمني.... مالك وحصل إيه؟!
وئام : عم فتحي قالي حاجة كده مش فاهمها
ليان في تعجب : عم فتحي مين؟!
وئام : إنتي مش شيفاه؟!
ليان : شايفة مين يا دكتور؟.... مش شايفة حد
نظر له وئام وقال : هي مش شيفاك ليه؟!
فتحي : هو الأغرب هي شيفاك إزاي؟
وئام : معرفش
نظرت له ليان وهو يتحدث إلى الفراغ فقالت : بتكلم مين طيب؟!
قص لها وئام ما قاله فتحي ثم قال : لكن هو بيقول مش عارف ليه حاول يخلص من جنة
ليان : طيب مين الدكتور ده؟!.... اسمه إيه يمكن نفهم منه؟!
وئام : تعرف اسمه يا عم فتحي؟!
فتحي : مش فاكر يا إبني
وئام : طيب هي ليه مش شيفاك؟
فتحي : يمكن عشان أنا متواصلتيش معاها زيك.... إنت دخلت جسمها لكن أنا لا
أماء له وئام ونظر إلى ليان وقال : أنا لازم أعرف إيه اللي بيحصل هنا
ليان : معلش فايت حضرتك حاجة مهمة.... حضرتك شبح
وئام : وديه كمان عايز أشوفلها حل.... أنا عايز حد يشوف الحالة بتاعتي ويقولي إيه سبب الغيبوبة وفي علاج ولا لا
ليان : عمك مش مخلي حد يدخل عندك ولا حد يعرف حالتك غيره
وئام : أنا ممكن أجيب التقرير بس مين هيقراه.... أنا مش بفهم في المخ والأعصاب
ليان : روما صاحبتي تخصص مخ وأعصاب.... هات التقرير وأنا هصوره وهي تقولي الحالة بالظبط.... بس ليه عايز تعمل كده؟
وئام : لو فعلًا زي ما عم فتحي بيقول يبقى أنا لازم أحمي الناس اللي هنا وكمان أنا صاحب المستشفى ديه لازم أعرف إيه اللي بيحصل بالظبط فيها وبعدين ليه رافض أي حد يدخل الاوضة عندي مش ده غريب
ليان : معاك حق..... الوضع فعلًا ميطمنش.... بس البنت ديه هنعمل فيها إيه؟
وئام : أنا هفضل جنبها مش هسيبها
ليان : وأنا هفضل هنا لحد الصبح
وئام : لو عايزة تنامي روحي الأوضة نامي شوية ولو حصل حاجة هبلغك بسرعة
ليان : لا هفضل معاك.... شكلك متضايق أوي
وئام : يهمك إني مبقاش متضايق يعني؟
ليان : أكيد مش حابة أشوفك كده
وئام : أنا أصلًا متضايق منك عشان ركبتي مع لؤي العربية
ليان : ده زميلي وعرض عليا يوصلني عشان رجلي كانت وجعاني أوي بجد وبعدين اتكلم معايا في حالتك كمان وكان مستغرب ليه ممنوع يدخل يشوف حالتك
وئام : ما هي فعلًا حاجة غريبة.... بس برده مش مبرر إنك تركبي معاه كنتي خدي تاكسي
ليان : لو معايا فلوس مش هتأخر يعني
وئام : أول ما هرجع من الغيبوبة هزود مرتبك
فتحي : لو افتكرتها أصلًا
نظر له وئام فأردف : كل اللي إنت شايفه دلوقتي لما تفوق هتنساها.... فيه ناس كتير قابلتهم وهما أشباح ولما فاقو نسيو كل حاجة
نظر لها وئام في حزن فقالت : فيه إيه؟.... زعلان ليه كده هو قالك حاجة تاني
وئام : لا.... مقالش.... روحي بس ارتاحي يلا
ذهبت ليان ونامت بغرفة الأطباء وفي الصباح استيقظت وذهبت سريعًا إلى غرفة جنة ووجدتها قد استعادت وعيها فاقترب منها وئام وأرشدها لبعض التوجيهات حتى يطمئن على الحالة فوجدت نظرة حائرة على وجه وئام فقالت في همس : فيه إيه؟
وئام : الحالة مش مستقرة.... فيه أنيميا عشان نزفت كتير.... إحنا نقلنا دم بس العملية صعبة على جسمها وهي ضعيفة
ليان : نديها حديد طيب؟
وئام : اه.... نحاول برده ولو كده ممكن ننقل دم تاني.... خليكي معاها هروح أجيب التقرير
ذهب وئام إلى غرفة صادق فوجد شادي يجلس معه وقال : طيب البنت كده المفروض إن الحالة تكون استقرت.... دور بقى على طريقة تانية نخلص بيها من ليان ديه
شادي : اطردها
صادق : تاني؟!.... ما قولتلك مش هينفع
شادي : خلاص إمنعها من دخول العمليات
صادق : وديه أعملها إزاي ؟...... إحنا في مستشفى وأنا مش هقف أمنع كل المرضى يدخلو عندها
شادي : خلاص.... لو عملت عمليات تاني ونجحت مفيش حل غير إن إحنا نخلص منها زي ما عملنا في وئام
فتح وئام عينيه في صدمة