![]() |
رواية هواجس معتمة الفصل الخامس بقلم ايات عاطف
-عشان كده قتلتُه يا آسر!
الكلمة خرجت مني زي الرصاصة،
حتى أنا اتفاجئت من قوتها.
كنت ببصله ودموعي نازلة غصب عني، وهو واقف قدامي عينه اتسعت بصدمه، كأنه اتشل من الكلام.
فضل ساكت ثواني، بعدها اتكلم بصوت هادي غريب، فيه سخرية مقصودة:
-سلمي… إنتِ مشوشة، وانتِ عارفة ده. أكيد بيتهيألك، زي كل حاجة.
كلامه كان زي السكينة.
بس المرة دي أنا ما سكتش، ما استسلمتش.
بصيتله ودموعي بتغرق وشي، وقلت بصوت ثابت رغم رعشة جسمي:
-لا يا آسر، أنا مش بخرف.
أنا متأكدة إنت اللي قتلت عمر.
أنا افتكرت كل حاجة، افتكرت اليوم ده.
نفسي اتقطع، بس فضلت أتكلم:
-انت كنت موجود… آه كنت موجود يا آسر!
فتحت باب البيت ودخلت، لأن عمر كان مديك نسخة من المفتاح.
دخلت وقعدت معانا كأنك عادي، عملتلي عصير، وأنا شربته.
ومن بعدها ما حسّتش بحاجة…
مسحت دموعي بسرعة وكملت بصوت مكسور:
-أنا متأكدة إنك كنت حاططلي حاجة في العصير.
ليه يا آسر، ليه عملت كده؟!
هو ما ردش على طول…
بصلي بثبات، وبعدها فجأة ضحك.
ضحكة باردة… ضحكة مريضة.
وبدأ يسقف بإيده كأنه بيتفرج على مسرحية:
-برافو يا سلمى، برافو!
انك افتكرتي كل ده…
عينه كانت بتلمع بجنون وهو بيكمل بتحدي:
-بس قابليني مين هيصدقك؟
محدش هيصدق واحدة مريضة زيك!
دموعي نزلت أكتر وأنا بصرخ فيه:
-قولي قتلتُه ليه يا آسر!
لييييه؟!
هو انفجر فجأة صوته علي، بقى كله هوس وعصبية:
-عشان بحبك!
عشان انتِ من حقي أنا!
ومسك إيدي بقوة، صوته بيترجاني وبيأمرني في نفس الوقت:
-انتِ بتاعتي يا سلمى، فاهمة؟
انتِ ملكي أنا، مش ملك حد غيري.
حسيت إني مخنوقة، إيده كانت بتوجعني، بس الوجع الحقيقي كان جوايا.
بصيتله بعيون مليانة قرف وقهر، وصوتي خرج ضعيف لكن حاد:
-أنا بكرهك…
انت مريض يا آسر.
سكت…
بس عينيه كانت بتولّع.
نظرة مليانة جنون، نظرة معرفتش أهرب منها.
بصلي ببرود فجّرني من جوا،
وساب إيدي كأنه بيتحداني بسكونه.
قال بهدوء غريب، بس صوته كان زي السُم:
-عايزة تروحي تبلغي؟… بلّغي.
بس صدقيني محدش هيصدقك.
انتي ما معاكيش دليل يثبت إن أنا.
كل الشهود هيثبتوا إني كنت مسافر يوم الحادثة.
وقف لحظة، وبعدين قرب مني أكتر، صوته بقى أهدى بس أوقح:
-وبعدين لو حتى فكرتي تخطي خطوة ناحية القسم…
مش بعيد تلاقي خالك حبيبك راح لعمر هو كمان.
الكلام وقع عليا كالصاعقة.
دموعي نزلت أكتر من غير ما أعرف أرد.
اتجمدت مكاني، وقلبي كان بيدق لدرجة وجعتني.
إزاي؟!
إزاي يعرف يطعني بالطريقة دي؟
حسيت نفسي مخنوقة، قومت واقفة بسرعة.
كنت عايزة أهرب من وشه، من جنونه، من كل حاجة حواليّ.
بس قبل ما أخطي خطوة، لقيته واقف قدامي، سد طريقي.
بصلي بعينه اللي مليانة لعب وغرور وقال ببطء:
-فكّري كويس يا سلمى، أنا مش هأذيكي.
بس لو بقيتي معايا.
الاشمئزاز غرقني.
بصيتله بنظرة كلها قرف، وصوتي خرج متقطع من الدموع بس واضح:
-في أحلامك يا آسر.
وعدّيت من جنبه بخطوات سريعة، كأني بجري من كابوس مفتوح.
سيبته ورايا، ودموعي مغرّقة وشي، نفسي مش قادر يدخل صدري.
وصلت بيت خالي وأنا مش حاسة برجلي.
دخلت أوضتي بسرعة، وقلبي بيرتعش.
لقيت ملك ومريم قاعدين مستنياني،
أول ما شافوني جريوا عليا بقلق:
-مالك يا سلمى في إيه؟
لكن أنا ما كانش عندي طاقة أشرح.
ما كانش عندي كلام يوصف اللي شفته.
كل اللي خرج مني صوت مكسور:
-معلش سيبوني لوحدي.
اترددوا، عينيهم مليانة خوف عليا.
بس أنا كررت بانهيار أكتر، بصوت أعلى وأنا بترعش:
-قلتلكم اخرجو برّه لو سمحتوا!
بصوا لبعض بتردد، وبعدين خرجوا بخطوات تقيلة.
أنا عارفة إنهم كانوا قلقانين عليا، يمكن لأول مرة يشوفوني بالمنظر ده.
بس ما كانش عندي اختيار، ما كنتش عايزة
حد يشوفني وأنا منهارة للدرجة دي.
قعدت على السرير، ودموعي ما وقفتش.
حطيت وشي في إيديا وأنا مش عارفة أعمل إيه.
صوت آسر ما بطلش يرن في وداني:
"محدش هيصدقك كل الشهود معايا."
كنت على وشك إني أتهد، أستسلم.
بس فجأة افتكرت…
الكارت.
الكارت اللي ياسين سابهولي يومها، وقاللي:
"لو احتجتي أي حاجة اتصلي بيا."
إيدي اتسحبت بسرعة ناحية درج الكومودينو.
فتحته وأنا بترعش، ودورت فيه بجنون لحد ما لقيت الكارت.
مسكته بإيد مرتعشة، عينيا مش قادرة تركز من الدموع.
الرقم قدامي، وقلبي بيتدق بجنوني.
جبت الموبايل، وإيدي بتتهز وأنا بكتب الأرقام.
ضغطت على زر الاتصال…
وحطيت التليفون على ودني.
كل ثانية وهو بيرن كانت بتسحب عمري.
نفسي متقطع، إيدي بتترعش أكتر وأكتر.
دموعي بتغرق خدي، ولساني مش قادر حتى يكوّن كلمة.
كل اللي مستنياه…
إنه يرد.
---
"ياسين:
كنت قاعد في مكتبي،
الليل هادي بشكل يخلي الواحد يسمع دقات قلبه.
الأوراق قدامي مفتوحة،
بس دماغي سرحانة في حتة تانية خالص.
الموبايل رن،
رقم غريب مبيّنش اسمه.
اترددت ثانية وبعدين رديت:
_ألو؟
سمعت صوت بيترعش من العياط،
صوت مخنوق كأنه خارج من بين دموع:
-ده رقم الظابط ياسين؟
اتعدل جسمي فجأة على الكرسي، الصوت ده مش غريب عليا،
رديت وأنا مش فاهم:
_أيوه مين معايا؟
الصمت سيطر ثواني،
وبعدين لقيت صوتها بينهار:
-أنا سلمي اللي كنت متهمة في قضية قتل عمر المهدي.
جسمي اتجمد،
القلم وقع من إيدي،
قلبي دق بسرعة مش طبيعية.
رديت عليها بقلق:
_مالك يا سلمي، إيه اللي حصل؟
سمعتها بتاخد نفس متقطع،
وقالت وهي شبه منهارة:
-الحقني يا ياسين، القاتل أنا عرفته، أنا افتكرت كل حاجة.
وقفت من مكاني بسرعة،
الكلمة نزلت عليا زي صاعقة.
رديت بصوت مصدوم:
_هو مين؟ قوليلي!
اتكلمت بخوف واضح:
-مش هعرف أتكلم هنا هستناك بكرة الصبح في كافيه the moon" في وسط البلد، هقولك كل حاجة هناك.
قلبي اتقبض، قلت بسرعة:
_تمام هكون عندك الصبح، خلي بالك من نفسك.
قبل ما أكمّل، هي قفلت الخط.
سكت،فضلت ماسك الموبايل في إيدي
وصوتها المكسور بيرن في وداني.
حاسس إن قلبي بيتقطع عليها،
قد إيه ضايعة، وقد إيه محتاجة حد يسمعها.
ولأول مرة،حسيت إن القضية دي مش مجرد شغل…
دي حياة بنت بتغرق، بقت جزء من حياتي.
وأنا بقيت جزء من إنقاذها.
---
"سلمي:
كنت حاسة إن رجلي مش شايلاني من كتر القلق.
قمت بسرعة دخلت الحمام غسلت وشي،
لبست أول هدوم لقيتها قدامي من غير حتى ما أبص في المراية.
كنت حاسة إني طايرة من الخوف،
إيدي بترعش وأنا بظبط شعري.
نزلت من الأوضة،
وأنا خارجة لقيت مريم واقفة في الصالة،
بصالي بنظرة طويلة كأنها بتقرأ اللي في قلبي.
قالتلي فجأة:
-رايحة فين يا سلمي؟
اتلخبطت،
رديت بسرعة وأنا بتجنب عينيها:
-عندي مشوار مهم.
قربت مني بخطوة،
وصوتها كان هادي بشكل مستفز:
-أجي معاكي؟
اتجمدت،
رديت بارتباك:
-لا مش هينفع، لازم أروح لوحدي.
رفعت حواجبها وكأنها بتتحداني:
-لأ أنا جاية معاكي، مش هسيبك.
فضلت أبص في عينيها وأنا محتارة،
قلبي بيقوللي ما ينفعش بس عقلي بيهمسلي “خليها تيجي”.
في الآخر استسلمت وقلت:
-ماشي، بس متسألنيش.
نزلنا مع بعض،ركبنا العربية،
هي مسكت الدركسيون وقالتلي بهدوء:
-أنا هسوق.
سكت،
ولما سألتني:
-رايحين فين؟
قلت لها:
-وسط البلد.
بدأت تتحرك بالعربية،
فضلت أبص من الشباك،
وكل شارع ندخله مش شبه الطريق اللي المفروض نروح فيه.
قلبي بدأ يوجعني.
و مش عارفه ايه اللي خلاني امسك موبايلي و ابعت لياسين اللوكيشن بتاعي ع الواتساب.
بصيت لها:
-مريم، ده مش الطريق.
بصتلي وهي سايقة وعينيها ثابتة:
-عارفة أنا بس عايزة أوريكي حاجة.
حسيت إني مش فاهمة حاجة،
رديت بقلق:
-حاجة إيه؟
ابتسمت ابتسامة صغيرة:
-لما نوصل هتعرفي.
سكت،
بس روحي كانت بتصرخ جوايا.
بعد شوية وصلنا،
لقيت نفسي في مكان غريب…
شارع مقطوع، حواليه أرض فاضية،
وبيت وحيد واقف في نصه كأنه شبح.
بصيت لمريم باستغراب:
-ده بيت مين؟
ردت بهدوء غريب:
-بيتنا القديم.
قبل ما ألحق أفتح بقي،
اتفتح باب البيت،
وخرج آسر.
ابتسامته كانت مرعبة،فتح دراعاته كأنه بيستقبلني من سفر:
-سلومه حبيبتي…
كده تتأخري عليا؟ وحشتيني.
اتجمدت في مكاني،
صوتي طلع مخنوق:
-إيه اللي جابك هنا يا آسر؟
ضحك وهو بيهز صباعه:
-تؤتؤ عيب تسأليني سؤال زي ده.
اتلفت بسرعة لمريم،
عيني مليانة خوف:
-مريم إنتِ اللي قولتيله إننا جايين هنا؟
ردت بكل برود:
-أيوه.
اتصدمت،
دموعي نزلت من غير ما أحس،
صرخت فيها بعصبية:
-إنتِ مجنونة؟!
أنا همشي.
لفيت ضهري عشان أسيبهم،
بس قبل ما أخطي خطوة سمعت صوت المسدس ورايا.
اتجمدت،
اتلفت ببطء…
لقيت مريم، رافعة المسدس عليا.
بصتلها بصدمة:
-مريم إنتِ بتعملي إيه؟
سكتت…
ولا كلمة.
آسر قرب مني،
مد إيده ومسكني من كتفي،
ضحك باستمتاع وهو بيقول:
-أقدملك العقل المدبر لكل اللي حصل. مريم، أعز صحابك.
لولا خطتها العبقرية ما كناش نجحنا في أي حاجة.
كنت ببص في عينيه ومش قادرة أستوعب.
هو كمل وهو بيضحك:
-هي اللي فكرت تحطلك حبوب هلوسة مع العلاج…
حتى الأكل اللي كنتي بتاكليه.
شوفتي الخطة، زكية مش كده؟
فضلت واقفة، دماغي بتلف،
ولا كلمة قادرة تخرج من بقي.
آسر شدني من دراعي وقال بغلظة:
-يلا على جوه، يلاا اتحركي.
مشيّت وراهم وأنا تايهة،
قدامي البيت بيفتح زي فم وحش عايز يبلعني.
لكن قبل ما أدخل،
صوت جه من ورايا هز الأرض كلها:
-أثبت مكانك انتَ وهي!
اتجمدت،
أنا وهما لفينا في نفس اللحظة.
ولقيت ياسين واقف…
مسدسه مرفوع ناحيتهم…
وعينيه نار.
كنت هجري عليه، بس آسر سبقني،
مسكني من شعري وشدني وراه،
حط المسدس على دماغي وقال بيصرخ:
-لو قربت خطوة واحدة، هقتلها!