![]() |
رواية علي ناصيه الحب الفصل السادس بقلم حبيبه محمد
-وبعدين يا عُمر أعمل إيه مَع ياقوت أنا بجد تعبت مِن خِناقنا كُل يّوم سَوا !.
في كتير رجالة مظلومة في الحب، زي ما في ستات برضه مظلومة ويمكن الناس متعودة إنها تشوف دمعة الست وتتعاطف معاها..
إنما دمعة الراجل ساعات بتتخبّى ورا ضهره، وورا صوته العالي، ورا إنشغاله في شغله ،عشان بس محدش يفتكر إنه ضعيف أو مهزوم بس الحقيقة إن الرجالة كمان بيتكسروا مِنّ جواهم لما يّحبوا بِجد !..
طب مش يمكن الرجالة كمان بتتظلم في الحب؟
ليه الناس دايمًا واخدة فكرة إن الستّ هي الضحية، وإن الراجل هو الجاني رغم إن الحقيقة مش كده على طول.
في رجالة بتتحمّل، وبتسكت، وبتعدّي، وبتغلط مرّة، وبتعتذر ألف مره !.
إنما الستّ لو غلطت، بيقولوا “دي مشاعرها ،دي حساسيتها دي طبيعتها”.
أنا مش بعدل الكفّة عشان حد بس أنا بقول: اللي بيحب، بيتوجّع سواء كان راجل أو ست.
ويمكن أكتر وجع هو إنك تحس إنك مش متشاف، إنك مهما عملت ومهما حاولت، الطرف التاني شايفك مقصّر!.
واللي بيحصل مع ياقوت اليومين دول خلاني أفكر هو ليه الحب ممكن يتحوّل لوجع؟ ..
ليه بدل ما يبقى حضن وسند، يبقى خناق كل يوم وخصام مالوش آخر؟ يمكن لإننا كبشر عندنا طمع…طمع في الاهتمام، وطمع في الكلمة، وطمع في الطمأنينة، بس مش بنعرف ناخد ولا ندي من غير ما نوجع بعض.
وأنا ساعات بحس إني بتعاقب على إني بحب، وكأني متهم لمجرد إني راجل!.
كل خطوة محسوبة عليّا، كل غلطة بتفضل وصمة ما بتتمسحش ،يمكن الست لما تزعل، العالم كله يتقلب معاها عليك، إنما لما الراجل يتوجع، بيقولوا “شد حيلك، انت راجل”.
وكأن الرجولة معناها إن قلبك يكون حجر، وإنك ما ينفعش تحس ولا تضعف ولا حتّى إنك تتوجع!..
ياقوت ؛ عِشرة خمس سنين حُب وتعب !.
عَملت كُل اللي في مقدرة راجل زيي إنه يعمله عشان بَس يوصل لقلبها ويفضل محافظ على حّبها ،ورغِم كُل دِه إلا إنها فضلت بالنسبه ليا أصعب حاجه في الدُنيا !.
كان اختلاف الطبقات مَا بيّنا وظروف المعيشه وظروف العمل عائق موجود دايماً وسبب خناقنا أربعه وعشرين ساعه !.
ورغم حُبي ليها وتقبلها زّي ما هيا بدون حّتى ما أطلب مِنها تغير حاجه فيها إلا وإن ساعات كتير الحب بيكون تِقيل !.
مِش تقيل على القلب لا ؛ تِقيل على الروح !.
ساعات بحسّ إني أنا المتّهم طول الوقت، وكأني عايش في محكمة، وهي القاضي وهي المحامي وهي كمان اللي بتصدر الحكم!.
ياقوت مش وحشة بالعكس، دي حب عمري، بس دايماً ببقى عايز أقولها الحب مش خناقات، مش عتاب دايم، مش شكوى ما بتخلصش.
الحب راحة وإحنا ضيّعنا راحتنا وسط الزعيق واللوم.
وهو الحب المفروض يبقى محاكمة يومية؟ المفروض يبقى شدّ وجذب ما بين اتنين مش عارفين يسيبوا لبعض مساحة يتنفسوا فيها؟
أنا مش عايش عشان أتبهدل في الحب، أنا عايش عشان أتهنى بيه.
فين الغلط في كِده ؟.
-قولتلك ألف مره يا عمران إن ياقوت مِش شبهك ولا عمرها هتكون شبهك ، دي مِن مكان وإنت من مكان تاني خالص ! هيا تفكيرها في حاجه وإنت تفكيرك في حاجه مختلفه تماماً ، إنت بتحلم تعيش في حُب هادي وهيا بتحلم بحب كله مغامرات وتقديمات وتريندات ! إنت بتدور على الراحه وهي بتدور على التعب !.
-يَعني أعمل إيه يا عُمر أنا بّحبها ! وده مش من يوم ولا اتنين ده من خمس سنين !.
-اللي مش شبهك عمره ما هيكون ليك يا عمران مهما فضلت تتمسك فيه ، الحب مفيهوش إنك تغير روح حّد ، الحب هو إن الروحين يلاقوا بعض في نص الطريق وإنتوا مش عارفين تلاقو النص ده أصلا !.
-عاوزني يعني أسيبها ؟ بعد كل ده ! بعد ما حياتي بقيت مربوطه بيها ؟.
-الحّب اللي يتعب صاحبه مّيبقاش حّب ! يبقى وهم .
المشكله إن أنا عارف إن سبب الخناقات الكتير اللي بيني وبين ياقوت اليومين دول مش جاي من فراغ !.
هي كالعادة لما عرفت إن الشركة اللي استلمت فيها شغلي الجديد مشّتني بعد ما صفّوا الموظفين، الدنيا كلها قلبت وبقيت من غير شغل، ومن يومها وهي متعصّبة وبتتخانق معايا على طول.
هي مش بتشوف إني مجروح من جوا مش بتشوف إني أنا اللي قاعد وحاسس إني وقعت من جبل ومش عارف أقوم منه !.
هل هو سهل عليا اللي بيحصل ده وهل هيا فاكره إني متقبل إني اكون عاطل بالشكل ده؟.
هي بس شايفة إنّي “راجل من غير شغل”، وبتعايرني طول الوقت إني معايا شهادة حتى مش عارف أشتغل بيها كلامها بيدبحني أكتر من فقداني للشغل نفسه!.
أنا مش كسلان، ولا هربان من المسؤولية، بالعكس أنا كل يوم بفكر ألف مرّة أعمل إيه وازاي أبدأ من جديد بس الضغط اللي بعيشه منها خلاني مخنوق.
وبدل ما تبقى سند، بقت حمل زيادة على قلبي وكل كلمة منها زي سهم، كل مقارنة زي طعنة وأنا ماليش ذنب إن الظروف كسرتني.
أنا محتاجها تبقى جنبي، مش فوق راسي محتاجها تفهم إن الرجولة مش مرتبطة براتب آخر الشهر، وإن الكرامة مش مرتبطة بكارت حضور وانصراف أنا محتاجها تصدق إني هقوم تاني، حتى لو وقعت دلوقتي.
بس الحقيقة… إن صمتها ما جاش، وعطفها ما بانش، واللي بان كله غضب وضغط وكلام جارح والوجع الحقيقي مش إني من غير شغل…الوجع الحقيقي إني من غير حضنها اللي يطبطب عليّا وأنا واقع!.
يمكن الشغل يضيع ويتعوّض، ويمكن الشهادة تفضل محطوطة في الدرج سنين لحد ما ييجي يوم تنفعني لكن الحب؟ الحب لو ضاع مش بيرجع.
سكت عُمر بعد ما قال آخر كلام ليه وانشغل بتلفونه عني كإنه بيكلم شّخص مهم !..
وأنا سكت وقعدت أفكر إزاي احل المشكله اللي ما بينا دي من غير ما واحد فينا يفكر يسيب التاني او يسيب الخناقه ما بينا تكبر اكتر !.
كنت مخطط إني لو أتثبت في الشغل اول مرتب ليا هقبضه هدخل بيه جمعيه وادفع قِسط الشقه الأخير وبعدها هروح اتقدم ليها واجيب ليها الشبكه اللي نفسها فيها والباقي هيجي براحه لكن ، كل ده ضاع في غمض عين !.
-يا عّم سيب التلفون اللي في إيدك ده وساعدني ! هو أنا مِش قاعد معاك !.
-اساعدك في إيه يا عمران إنت عارف دي المره رقم كام اللي تشتكي ليا فيها من ياقوت على مدار السنين دي كلها واقولك نفس الكلام ياقوت مش شبهك ! مش شبهك !.
-اومال شبه مين يا عُمر ؟ هو أنت وهي ليه شايفين إن الفلوس والوظيفه والشقه وكل الحاجات دي أهم ما كل حاجه في الدنيا !.
-عشان هي دي الدنيا يا صاحبي ! اصل لو ربنا سهلها معاك وجبت الشقه واتجوزت فيها ومعرفتش تصرف عليها مش لما تيجي تقولك جعانه هتقولها بحبك ! ولا لما تحتاج هدوم أو مستلزمات شخصيه هتقولها بحبك ! الحب مبيأكلش عيش يا عمران !.
-نظرتكم سطحيه للحياه بشكل غير طبيعي !.
-لا يا عمران مش سطحيه فوق إنت من جو عبدالحليم حافظ واحبيني واحبك وحب تحت الشجره ! الدنيا دلوقت اختلفت معاك فلوس وشغل وشقه تتقدم وتتجوز واحتمال بسيط تعرف تعيش كويس لكن لو نقص حاجه من التلاته دول ملكش لازمه في الدنيا يا صاحبي !.
-هيا اللي مآزمه الدنيا عليا يا عُمر ! قولتلها هبيع حتت الارض اللي ورثتها مِن ابويا واشدد بيها قسط الشقه والباقي نجيب بيه الشبكه والحاجات المهمه وبعد كده ربنا يفرجها لكن هيا رافضه !.
-هتروح تتقدم لأبوها بطولك من غير ما يكون معاك شغلانه ولا دخل ثابت ! إنت عايش في زمن إيه يا عمران ؟لو الدنيا بالبساطه اللي انت بتتكلم بيها دي مكنش حد غُلب !.
-إنت ليه مصمم تقفلها في وشي ! ليه حاسس إنها هِي اللي كلمتك وحفظتك الكلمتين دول عشان تسمعهم ليا ! .
-نعم ؟ تحفظهم ليا ازاي يعني انت عبيط ؟ هو أنا اعرف ياقوت منين أصلا عشان اكلمها هيا مره واحده اللي قابلتها فيها معاك ومن سنه ! هتتبلى عليا بمصيبه ولا إيه يا جدع انت !.
-بس بس فِي إيه وشك قلب كده ليه مكانتش كلمه اللي قولتها مالك إتعصبت كده ليه ؟.
-عمران بص إنت طلبت نّصيحتي وانا نصحتك وقولتلك ياقوت مش شبهك ومش هتتفقوا تكملوا مع بعض بالشكل ده وإنت حر ! اللي يريحك أعمله .
-أنا هقوم أمشي أنا غلطان إني قعدت أتكلم معاك أصلا ده انت واد بومه !.
سيبته وقومت مِشيت من فوق القهوه اللي كنا متعودين نقعد عليها أنا وهو كُل يوم أصل أنا مليش في الدنيا دي غير عُمر صاحبي ، اهلي اتوفوا من سبع سنين في حدثة عربيه وسابوني لوحدي ، عُمر كان صديقي ورفيق سنين الكليه لحد ما اتخرجنا وفضلنا برضو مع بعض بإختلاف شوية تفاصيل صغيره كده .
والد عُمر كان راجل مرتاح مادياً عشان كده قدر بالواسطه يشغله في بنك تبع واحد صاحبه وطبعا أتوسط ليا أنا كمان لكِنْ مقدرتش أكمل فيه وانا مدرك حُرمانية الفوايد والقروض !.
شكيت للحظه إن ممكن الفلوس اللي بحسبها تكون فيها بذرة حرام عشان كده إستقلت وسيبت البنك رغم إن شغله كان كويس ! .
لكن شغلي في البنك عُمره ما كان حلم مِن احلامي !.
ورغم إني خريج كلية تِجاره إلا إني كنت شاطر جداً في مَجال النيتوركس والراوترس ودايما كنت باخد كورسات في آي حاجه ليها دعوه بِمجال البرمجه ومعايا شهادات كتير تفيدني في المجال ده بِجانب إني كنت شاطر جداً في تصنيع برامج مختلفه ليها دعوه بتحليل البيانات والهندسه البيئيه للمجتمع والحاجات دي .
لكن كالعاده ؛ الأحلام بتفضل بالنسبه لينا مجرد احلام !.
فوقت مِن سرحاني وانا ماشي على الرصيف مقرر أرجع البيت على صوت تلفوني وهو بيرن لقيت الإتصال مِنها هِي بعد مرور يومين على خِصامي أنا وهِي !.
فرحتّ لفكرة إنها لأول مره قررت تبادر هِي وتصالحني فرديت عليها بسرعه وبلهفه ؛ اصل الراجل مننا لما بيقع بالحب بيبقى شكله بايخ اوي !.
-ياقوت!.
-عمران عاوزه اشوفك ضروري.
-مفيش مشكله إنتي فين وانا اجيلك ؟.
-في كافيه ماتيتيا بتاعنا متتأخرش .
وبالرغم من كل الخناق والوجع اللي كان ما بينّا، إلا اني وافقت أقابلها من غير ما أفكّر يمكن جوايا كان لسه فيه أمل صغير، أو يمكن أنا اللي مش قادر أقطع الحبل اللي بيربطني بيها مهما اتشد واتقطّع.
وأنا ماشي في الطريق للكافيه، كنت حاسس إن رجلي بتودّيني لوحدها، زي ما كانت بتودّيني زمان من غير ما أفكّر؛ “ماتيتيا” مش مجرّد كافيه بالنسبالي ده شاهد على كل ضحكة اتقسمت بينّا، وعلى كل مرّة عينها كانت بتلمع وهي بتبصلي.
وانا في طريقي قابلت بِنت صغيره بتبيع ورد أحمر مِن اللي هيا بتحبه فقررت أشتري ليها مِنه وتبقى حركه رومانسيه مِن زي ما هيا دايما تلمح بكده في بوستات الفيس وريلز الإنستا وريبوست التيك توك .
كنت واخد بالي من كل حاجه هيا بتحبها وبتكرهها .
وصلت اخيرا الكافيه ودخلت وأول ما عينيا وقعت عليها، حسّيت إن قلبي اتخطف ليها زي اول كل مره اشوفها فيها .
كانت قاعدة في مكانها اللي متعودة تختاره، مستنّياني. ورغم كل اللي عملته فيا الفترة اللي فاتت، رغم كل كلمة كسرتني وكل عتاب دبحني قلبي أول ما شافها رجع يتعلّق بيها كإنه طفل لقى حضن أمّه.
في اللحظة دي، عرفت إن الحب مش منطق مش بيقيس ولا بيحسب الحب ضعف وأنا ضعيف قدامها.
مهما جرحتني، لسه جوايا حاجة ماسكة فيها، حاجة مش عايزة تسيب كنت واقف أبص عليها من بعيد وأقول لنفسي: “إزاي قلبي لسه قادر يحبك بالرغم من كل ده؟”.
خطواتي كانت تقيلة وأنا رايح ناحيتها، بس قلبي كان بيجري أسرع من عقلي وأول ما قربت، رفعت راسها وبصّت ليا بالنظرة دي اللي مهما حاولت أهرب منها، بترجع تمسكني تاني.
قعدت قصادها ؛الكرسي حسّيته أهدى مكان في الدنيا، مع إني جوايا كان في عاصفة وهي قاعدة قدامي، شعرها مرمي ع كتفها، ملامحها متشددة كإنها جايه ومعاها كلام تقيل.
بس برغم الشدّة دي، عيني وقعت على التفاصيل الصغيرة إيدها اللي كانت بتلف في الخاتم اللي في صباعها اللي كان هديه ليها في آخر عيد ميلاد ليها وعملت زي ما هيا كانت عاوزه نزلت على ركبي وقدمته ليها وسط صحابها ومعارفها واتصورت ونزلت على النت !.
طلعت تريند وسط الناس عشان بس ارضيها .
لكن عينيها كان فيها قلق مخلوط بغضب، وأنفاسها كان باين فيها توتر.
وبالرغم من كل الخوف اللي كان مالي صدري من اللي ممكن تقوله، في لحظة لقيت نفسي ببتسم ابتسامة هاديه كده، مش عارف جاية منين، يمكن من حنين قديم، يمكن من غباء القلب اللي مش عايز يصدّق إنها ممكن تكون النهاية.
كل اللي كنت حاسه وأنا قصادها إن مهما جَرَى أنا لسه متعلّق بيها. زي الغريق اللي ماسك في قشّة وسط البحر، عارف إنها مش هتنقذه بس برضه مش قادر يسيبها.
-وحشتيني أوي بصي جِيبت ليكي ورد زي ما كُنتِ عاوزه .
-عمران لو سمحت أنا مش طالبه أقابلك عشان نتصالح .
-أمال عشان إيه ؟ .
-أنا جيت انهارده اقولك إن لازم ننهي كل حاجه بينا العلاقه دي خلاص إنتهت .
ورغم جمالها اللي يشفع ليها على ألف خطأ إلا وإنها كانت قاسيه عليا أوي المره دي !.
بصيت ليها وانا مش فاهم علاقة إيه اللي لازم تنتهي ؟ علاقتي أنا وهِيا ؟ علاقه صحابها كلهم كانوا بيحسدوها عليها ؟ علاقه إتمنى فيها ألف شخص يكون مكانها !.
ليه لما بنقابل حد بيحبنا بجد بنقسى عليه بالشكل ده !.
-كل ده عشان مشيت من الشغل يا ياقوت ! ما أنا لسه قادر الاقي شغل تاني جديد وإن شاء الله هعمل جميعه واكمل الاقساط وهاجي أتقدم ليكي زي ما اتفقنا ! إيه اللي حصل لكل ده !.
-خليني معاك للأخر وخليني اسألك كام سؤال مهم كده حتى لو لقيت شغل جديد هتقدر تنفذلي اللي أنا عاوزاه؟
هتقدر تجيبلي الشبكة بالمبلغ اللي بابا هيطلبه؟
هتقدر تدفع حق فستان الفرح اللي نفسي فيه؟
هتقدر تعمل فرح في المكان اللي أنا حاطاه في دماغي؟
إنت خمس سنين مش قادر تدفع أقساط الشقة، هتعمل كل ده إزاي؟ بوظيفة الله أعلم هتلاقيها إمتى!.
مِنّ زمان وأنا كنت عارف قد إيه إن ياقوت إنسانه سطحيه وهوائيه !.
إنسانه مش شايله هّم حاجه في الدنيا غير بكره هتسافر فين ؟ هتخرج فين ؟ هتجرب إيه جديد إنهارده ؟.
إنسانه كان كل همها تستعرض نفسها قدام صحابها وقرايبها !.
عرفتها عن طريق الصدفه لما واحد كان هيسرق منها شنطتها وانا ادخلت ودافعت عنها من يومها إتعرفنا على بعض ، كانت في كلية فنون جميله وانا في تجاره .
إتعرفنا على بعض ، شدتني بجمالها ، عفويتها ، طاقتها في حب الحياه ، حبها للمغامره ، كانت مليانه تفائل ، كان فيها كل حاجه تقدر تجذب راجل زيي ناحيتها !.
في الاول كانت متقبله عمران زي ما هو ، مطلبتش مني اغير حاجه في نفسي ، حبتني زي ما أنا ، لحد ما اتخرجنا وهيا اشتغلت بالواسطه برضو وانا فضلت الدنيا تخبط فيا يمين شمال !
من وقتها وهي اتغيرت ، فكرها اتغير ، طموحها اتغير، اسلوبها وطريقتها اتغيرو ، حتى أحلامها اتغيرت !.
وكأنها فاقت فجأه وإكتشفت إني منفعش أكون ليها ، وكأن العَبد الفقير أذنب لما بص لفوق ووقع في غرام الاميره !.
لكنها طلعت الأميره الشريره للأسف .
-يمكن كلامك صح، أني مقدرش أجيبلك كل اللي بتحلمي بيه دلوقت وممكن أحتاج وقت طويل عشان أوصل لحاجات زي دي بس لو بتحبيني بجد، هتستحمّليني على قد ظروفي وقد حالي ، الحب مش تجارة يا ياقوت الحب سند!.
-و أستحملك على ظروفك ليه؟ هو أنا أقل من صحابي اللي اتخطبوا واتجوّزوا ناس وفّرت لهم كل اللي عايزينه؟ ليه أنا الوحيدة اللي لازم أتنازل وأصبر وأعيش ناقصة؟ أنا ليه ما أبقاش زيهم وأحسن منهم كمان !.
الكلمات دي جرّحتني أكتر من أي حاجة مش بس لأنها قارنّتني بالناس… لكن لأنها حطّتني في خانة “الأقل”.
حسّيت في اللحظة دي إن رجولتي نفسها بتتهزّ، وإن الحب اللي متمسّك بيه بيتحوّل لميزان أرقام ومقارنات، وأنا دايمًا فيها الخسران!.
-ياقوت أنا يمكن فعلاً مش قادر أجيبلك كل اللي بتحلمي بيه دلوقتي ويمكن مقدرش أعمللك فرح زي صحابك ولا أجيبلك شبكة غالية ولا أديكي اللي انتي شايفاه عند غيري
بس أنا قادر أديكي نفسي قادر أديكي حب عمري كله، قادر أبقى ضهرك وسندك طول ما أنا عايش!.
-ودول هينفعوا بإيه لما تيجي تتقدم ليه ؟ المثل بتاع إحنا بنشتري راجل إنتهى يا عمران وطال عليه الزمن ، دلوقت إحنا بنشتري مستقبل ، وسقف وباب ،مقدم ومؤخر ، الحب مِش هينفعني في حاجه لما نجوع أنا وانت ومنلاقيش ناكل !.
-أنا بس عايزك تستحمّليني على قد اللي أقدر أقدّمه ليكي دلوقت واكيد ربنا هيكرمني ولو بتحبيني بجد، هتلاقي فيا راجل يستاهل إنك تراهنِي عليه حتى لو الدنيا وقفت قصادنا!.
-الحب لوحده مش بيعيش يا عمران وأنا مش هقدر أضيع عمري في رهان على واحد نفسه ينجح بس الواضح كِده إن عمره ما هينجح ، أنا آسفه .
قالت آخر كِلمه ليها وقامت وقفت ومشيت سابتني لوحدي بدون حتى ما تسمع ردي الاخير على كلامها الي وقع على قلبي زي الشوك وكل ذنبي إني كنت عاوز آسقي الورده واهتم بِيها !.
قمت من على الكرسي تقيل كإني شايل هم الدنيا فوق ضهري ورجلي كانت بتمشي بس قلبي واقف مكانه.
خرجت من “ماتيتيا” والهوى ضرب وشي، بس ما حسّيتش بيه كنت حاسس إن الهوى نفسه تقيل، خانق صدري زي كلامها اللي لسه بيرن في وداني.
الشارع كان مليان ناس رايحة وجاية، ضحك ووشوش عادية، وأنا ماشي وسطهم زي الشبح حاسس إن كل خطوة أبعد من اللي قبلها، مش عن الكافيه عنّها هي.
إيدي كانت بتترعش من القهر، مش عشان رفضتني!.
لكن عشان قلّلت منّي ،قلّلت من حُبي، من رجولتي، من كل محاولاتي.
كلامها وهي بتقارنني بصحابها كان أسوأ من أي جرح، خلاني أحس إني دايمًا “الأقل”، دايمًا الغلط، دايمًا العجز اللي بيتحط قصاد العين!.
مكنتش قادر أمشي فوقفت تاكسي رغم إن المزانيه اللي كانت معايا كانت يدوب لكني مقدرتش اخد الطريق مشي للبيت ، ركبت التاكسي بسرعه وعرفته العنوان ، سندت راسي على الشباك وغمضت عِيني وكل حاجه خسرتها في حياتي بتعدي من قدام عيني زي آخر سبع دقايق مِن حياة الإنسان .
||ضيعتّ عليه العُمر يابويا..
وأنا ليا مّعاه حِكايات حِكايات حِكايات..
على حِسّب وداد قّلبي يا بوي||.
الكلمات لزقت في روحي، كأنها بتتغنّى عشاني أنا.
قلبي اللي لسه بيحبها رغم كل الوجع، قلبي اللي لسه متمسّك بيها مع إني عارف إنها خلاص مش ليا.
ولقيتني ببتسم ابتسامة مكسورة آه يا دنيا، هو ده نصيب القلب اللي اختار يمشي عكس العقل!.
وصلني التاكسي للمكان اللي قولتله عليه ونزلت بعد ما حاسبته طلعت العماره للدور التالت و دخلت البيت اللي ورثته من أبويا وأمي.
البيت اللي كان أمان ليا، سند، مش باقي فيه غير ريحتهم اللي لسه عايشه حواليا.
شقة واسعة وجميلة، بس في عينيها ماكانتش كفاية!.
رفضت تعيش معايا هنا، طلبت غيرها، وأنا ما رفضتش! عملت كل اللي هي عاوزاه عشان ما أزعلهاش، عشان أقول لنفسي إني راجل بيقدر يوفر اللي بتحبه .
قعدت على السرير، ماسك دماغي بإيديا، والحيطة قدامي بتسألني من غير كلام: ليه نصيبي كده؟ ليه نصيبي دايمًا يبقى خسارة؟ ليه كل مرة أفتكر إني قربت ألمس حلمي ألاقيه بيبعد؟.
ليه أتحط في كفّة الوحدة، ويتسحب مني كل اللي حبيته كأني ما استاهلش غير الفراغ؟
ليه أتباع بالسهولة دي؟ هو أنا رخيص للدرجة دي؟
القلب بيتقطع، والعقل واقف عاجز لقيتني ببص للسقف وبضحك ضحكة باهتة ضحكة فيها سؤال مالوش إجابة:
“هو ده نصيبي؟ ولا أنا اللي اخترت أعيش دايمًا مغلوب؟”
||وأنا صابر على المقسوم ..
يمكن يرجع ليا في يوم ..
وتكون ليا معايا تاني يا بوي||.
•••••••••••••••••••••••••••••
وفِي مَكان تاني ؛ دّخل عُمر كافيه هادي غير المعتاد، قعد في الركن اللي بيحب يقعد فيه دايمًا، كرسيه مواجه للشارع، كأنه مستني حد طلب قهوته السادة، وفضل يحرّك المعلقة فيها من غير ما يشرب، عينيه بتدور في المكان وتسرح بعيد.
وبعد شوية الباب اتفتح، وطلّت بنت تخطف النظر من أول لحظة شعرها نازل على كتفها بلون بني غامق بيلمع مع ضوء الكافيه، عينيها واسعة، فيها قوة وغموض في نفس الوقت لبسها بسيط بس أنيق، وجسمها واقف بثقة كأنها عارفة إنها مميزة من غير ما تحاول.
خطواتها كانت ثابتة وهي ماشية ناحيته، كل عين في المكان تابعتها، لحد ما وقفت عند ترابيزة عُمر قلبه دق بسرعة، ابتسامة صغيرة طلعت منه من غير ما يقصد، وبص لها كأنه كان عايش اللحظة دي في دماغه من زمان.
وأول ما قعدت قصاده بص ليها وقال، بصوت هادي فيه عتاب خفيف:-
-إيه اللي آخرك عليا كِده يا ياقوت ؟.
-كنت بخلص كل حاجه مع عمران عشان ميبقاش فيه باب موارب يدخل منه ويخرج براحته .
-كنت عارف ومتأكد إنك عمرك ما هتعرفي تكملي معاه إنتي عمرك ما كنتي شبهه ولا هتكوني شبهه!.
-على الأقل هو حاول يثبت إنه يقدر يمكن على طريقته كان بيحبني!.
-الحب مش بس كلام ومحاولات فاشلة يا ياقوت الحب فعل والراجل لو ميعرفش يوقف على رجله، إزاي هيشيل اللي معاه؟ عمران غرقان في عجزه، وأنا عارف إنك مش هترضى تعيشي غرقانة معاه!.
سكتت لحظة وبعدين خبطت بإيدها بخفة على الترابيزة وقالت:
–يمكن معاك أنت الوضع مختلف؟ يمكن تقدر توريني إنك أقوى؟.
ابتسم ابتسامة واثقة، وقرب منها اكتر وقال:
– أنا مش ممكن يا ياقوت أنا عارف أنا الراجل اللي يديكِ اللي تستاهليه مش وعود بتتكرر كل سنة، لكن واقع خطوة ورا خطوة، وبنبني.”
عضّت شفايفها بتفكير، ولسه مبتسمة وقالت :
– بس يا عُمر لازم تعرف إن أنا تعبت من الخساير ومش عاوزه أخسر تاني.
رد من غير ما يسيب لها مجال للشك وقال:-
– معايا… عمرك ما هتخسري أبدا.
كانت الحقيقه واضحه زي الشمس لكن اوقات كتير الحب بيعمي العيون عن الحقيقه !.
ياقوت من أول يوم عينيها ما شافتش غير اللي فوق السطح وعمرها ما غاصت جوا، ولا اهتمت بقيمة الحنية ولا صبر ولا قلب بيتبني عليه حياة.
كانت شايفة الدنيا معادلة بسيطة: مين يقدر يجيب، ومين يقدر يوفّر عشان كده لما حطّت عُمر جنب عمران، قلبها مال للي معاه فلوس، للي جاهز، للي يعرف يديها من غير ما يقول “ اصبري ”.
أما عُمر فده كان حكاية تانية من أول لحظة شافها مع عمران، وعينه ما عرفتش تبص بعيد.
كأنها خطفته من غير ما تنطق. ومن وقتها وهو ماشي بخطوات محسوبة، بيستنى الفرصة اللي يوقع بينهم ويقرب هو مكنش صاحِب وفيّ، ولا حافظ العِشرة اللي بينهم، بالعكس كان كل يوم بيدوّر على سكة توصّله ليها.
اتشد ليها بعينيه وبقلبه وبطموحه، ولما لقى صراعهم بيزيد، دخل هو من البوابة اللي مفتوحة: بوابة الطموحات المادية اللي هي عاوزاها.
لعب على النقطة اللي وجعاها مع عمران، وقدر يقنعها إنه الراجل اللي هيمشيها على الطريق اللي بتحلم بيه.
اول مره شافها فيها كانوا قاعدين على ترابيزة في “ماتتيا”، عمران بيتكلم بحماس وهو بيحكيلهم عن الشغل الجديد اللي لسه داخله، وصوته مليان أمل رغم كل حاجة.
وعُمر كان بيهز راسه كأنه مركز معاه، بس الحقيقة عينه ما كانتش سايبة ياقوت الي كانت دي اول مره يقابلها فيها .
ياقوت كانت قاعدة قصادهم، شعرها سايب بحرية على كتفها، عينها بتلمع وهي بتضحك على كلمة قالها عمران، والضحكة دي بالذات ضربت قلب عُمر زي سهم.
في اللحظة دي حس إنه فقد السيطرة، كأنه اتسحب من عالمه ودخل عالمها.
ابتسامة بسيطة منها كانت كافية تهز جواه حاجة عمره ما حسها قبل كده بص لصاحبه عمران، وشافه بيتكلم ومش واخد باله من حاجة.
ومن غير ما يقصد، عمر حس بغيرة بتغلي في دمه: ليه تبقى معاه هو ومش معايا؟ ليه نصيبها يكون في إيده مش في إيدي؟.
ومن اللحظة دي عُمر عرف إنه ضعيف قدامها ومهما حاول يقنع نفسه إنها خط أحمر عشان صاحبه، قلبه كان بيقول له: “دي ليك… مش ليه” ومن هنا بدأ الصراع اللي انتهى بخيانته ليه !.
إختار يحب على سبيل إنه يخون ؛ وهِي إختارت الفلوس على سبيل الحب !.
ميزان غير عادل المظلوم فيه هّو ؛ صاحب الأحلام عمران .