رواية علي ناصيه الحب الفصل السابع 7 بقلم حبيبه محمد


رواية علي ناصيه الحب الفصل السابع بقلم حبيبه محمد




-فَركِشّتي مَعّ عُمران ! إنتي مَجنونه يا ياقوت ! في واحده تِسيب راجل بِيحبها بالشكل ده !. 


مش فاهمة ليه كل اللي حواليّا شايفين إني عملت جريمه وليه بيقولوا عليّا إني قاسية؟ هو أنا غلطت إني اخترت أعيش حياة كويسة؟ هو أنا غلطت إني قولت مش هكمّل عمري مع حد بيحبني آه، بس مش قادر يعيّشني زي ما بتمنى او في نفس المستوى بتاعي؟.


ليه الناس عايزين يقنعوني إن الحب لوحده كفاية !.

بس أنا عارفه ومقتنعه إن الحب من غير أمان بيتحول لوجع وانا إيه اللي هستفيده من حضن مليان مشاعر لكن عايشه في ضيقة وخوف من بكرة؟ .


إيه اللي هستفيده من راجل بيحبني بجد، بس مش قادر يجيب ليا أبسط طلباتي ومستلزماتي؟ يخرجني ، يفسحني ، يحتفل بيا كل يوم !.

ليه أحب راجل أحارب معاه عشان نعيش كويس مش يحارب هو عشان يعيشني كويس؟.


هو فاكرني هعيش على المشاعر وبس؟ ما هو المشاعر دي بتشبع القلب آه، بس البطن والجَيب ما بيشبعوش بيها. 


وأنا مش هضحي بعمري وأفضل أستناه تحت إسم إنه يمكن يلاقي شغل ، يمكن يتحسن، يمكن الظروف ترحم ،أنا مليش دعوة بالـ (يمكن)، أنا عاوزه واقع ملموس، عاوزه بكرة يكون مضمون.


عمران راجل طيب، ما قولتش حاجه، بس الطيبة لوحدها مش كفاية اصل الطيبة ما تدفعش إيجار، وما تجيبش دهب، وما تفتحش بيت. 


وأنا عاوزه راجل واقف على رجليه، راجل قادر يدي فـ ليه أستنى؟ وليه أضحّي وأنا شايفة الطريق الأسهل قدامي؟.


أنا مش هفضل أعيش دور البطلة اللي تستحمل وتقعد تقول: الحب يكفيني والحقيقه إن الحب ما يكفيش حد !.


الحب محتاج فلوس، محتاج بيت، محتاج شكل قدام الناس وأهو أنا اخترت اللي هيريّحني اللي عنده فلوس وبيت وشغل ثابت، واللي يعرف يعيشني كويس من غير خوف من بكره !. 


اللي عاوز يعيش على حب وبس يخليه لنفسه اصل أنا مش هكمّل حياتي فقيرة ومكسورة بحجة إنه بيحبني!. 

ومتأكده إني لو أنا وافقت بابا مستحيل كان يوافق!.


أنا ما أنكرش إني في الأول اتشدّيت لعُمران ، إتشدّيت لرجولته، لشهامته، لطريقته وهو بيدافع عني من غير ما يفكّر. 


كان أول راجل في حياتي حسيت إنه بيحبني لشخصي مش عشان فلوسي، ولا عشان شكلي، ولا عشان أي حاجة تانية هو خلاني أصدّق إن في لسه حب نضيف في الدنيا.


بس مع الوقت؛ اكتشفت إن النقاء لوحده مش بيكفي. اكتشفت إن الطيبة ممكن تبقى سلاح ضعيف قدام قسوة الحياة. 


هو كان بيحبني بصدق، وأنا صدقت، بس إيه اللي حصل؟ السنين بتعدي، ونفس الكلام بيتكرر: استحملي، بكرة أحسن والبكرة عمره ما جه وأعتقد مش هيجي أبداً .


يمكن الناس تقول عليّا سطحية!.

يمكن يقولوا إني بعت الحب واشتريت الفلوس .


بس الحقيقة إني اخترت نفسي، اخترت ما اتكسّرش وأنا شايفة كل أحلامي بتتسرّب من بين إيديا الحب لو ما قدرش يحميني، يبقى هيكسرني وأنا مش مستعدة أتكسّر.


أنا عاوزه عيشة واضحة، فلوس، بيت نظيف في مكان كويس، راجل واقف على رجليه مش مكسور وعاطل ومطرود !.


 أنا مليش دعوة هو قلبه عامل إزاي ولا بيحبني قد إيه، الحب عندي مش هو كل حاجة الحب من غير أمان ما يسواش قرش والأمان بالنسبه ليا ؛ فلوس ومكانه كويس .


-هو الحب لوحده بيأكل عيش يا منى؟ الحب حلو، آه بس الحب من غير فلوس زي الورد من غير ميّة، بينشف بسرعة ،عمران بيحبني، ما أنكرتش، يمكن حبّ عمره ما هيتكرر، لكن أنا مِن حّقي إني أختار اللي يعيشني كويس وفي مستوى مِش اقل من المستوى اللي عايشه فيه !.

-للدرجه دي يا ياقوت عندك إستعداد تضحي بكل المشاعر الحلوه اللي عمران كان بيقدمها ليكي عشان شوية ورق !.

-شوية الورق دول هما اللي بيعملوا للإنسان قِيمه ! الإنسان من غير فلوس زي اللي ملوش ضهر ، تقدري تقوليلي لو تعبت الصبح ومكنش معانا حق الكشف كان لما يقولي بحبك هخف ؟ ولا لو حملت وخلفت كان هيقدر يصرف عليا وعلى إبنه وهو ملوش دخل ثابت ! أنا بفكر بالعقل مش بالقلب يا منى .


-محدش بيفضل فقير طول عمره يا ياقوت ، وعمران ما شاء الله عليه من زمان وكلنا عارفين قد إيه إنه إنسان هايل وممتاز ودماغه متكلفه ، ده كان مرتب الاربع سنين على كليته لكن لولا الواسطه كان زمانه معيد قد الدنيا ، اه الدنيا ملطشه معاه شويه في حوار الشغل بس زيه زي باقي شباب البلد الدنيا تلطش معاهم شويه وبعد كده ربنا يفرجها !.

-وليه ميكونش زي عمر صاحبه ؟ لو كان زمانه لسه شغال في البنك كانت الدنيا بقيت احسن واتحسنت وكان زمانَ مخطوبين من سنه لكنه طلع ليا في بِدّع الحرام والحلال .

-هو الحرام والحلال بالنسبه ليكي بِدّع يا ياقوت ! شرع ربنا بالنسبه ليكي بِدّع !.


-وهو انتي فاكره كل الناس في الدنيا دي ماشين بالحرام والحلال ؟ ما كله بياكل عيش وخلاص جات عليه هّو ؟ ما كان يشتغل ويحافظ على وظيفته زي باقي الناس مبسوط كده يعني وهو بيتبهدل من شغلانه للتانيه وفي الاخر بيطرد مِنها !.

-عارفه يا ياقوت الفرق اللي بينك وبين عمران إيه ؟ إنه حبك بجد لكن إنتي عمرك ما حبتيه ، إنتي أعجبتي بيه ، كان راجل مميز عن باقي كل الرجاله اللي تعرفيهم وإنتي بالنسبه ليكي كنتي دايما بتحبي تملكي كل ما هو مميز لحد ما فكرتي عمران إسوره أو خاتم من ضمن الحاجات اللي بإيدك تشتريها وتلبسيها وقت ما أنتي عاوزه وتقلعيها وقت ما انتي عاوزه ، الفرق إن عمران كان عاوزك بجد ، وانتي كنتي عاوزه تثبتي لنفسك إن مفيش حاجه صعبه عليكي ابداً .


الكلام وقفني؛ حسيت كأن حد مسك مراية وحطّها في وشي وأنا مش عاوزه أبص كلامها كان تقيل وواضح بالنسبه لواحده زيي إتعودت دايماً على الحقائق الكذابه !.


دخل جوايا من غير استئذان، وخلّاني أسكت، وانا مش عارفه أرد عليها إنتي ما حبتيهوش بجد ؛مكنتش متخيلة إن الجملة دي بالذات هتهزني كده. 


أنا اللي طول عمري بشوف نفسي أذكى من إني أتسجن في كلمة زي الحب كنت فاكرة إني أقدر أتحكم في كل حاجة، في قلبي، في قراراتي، حتى في الناس اللي حواليّا! يمكن عشان أنا اتعودت على كده .


بس معاه…لأ، عمران كان حاجة مش شبه أي حد قابلته قبل كده أول مرة شُفته حسيت إنه ثابت، واقف على أرض صلبة، مش بيتأرجح زي باقي الرجالة اللي في حياتي. 


فيه هدوء غريب، كأنه مش محتاج يثبت نفسه بالكلام ولا بالمظاهر طريقته كانت مدهشة: قليل الكلام ، بس كل كلمة ليها وزن، وكل موقف يبان فيه معدنه الحقيقي. 


حسيت إن وجوده جنبي زي حصن، مش زي ظلّ بيروح وييجي.


كنت بحس إنه بيشوفني بعين مختلفة مش بيقيسني بجمالي، ولا بلقب عيلتي، ولا باللي معايا!. 


كان بيشوفني كإنسانة، ولأول مرة لقيت نفسي عاوزه أبان على طبيعتي قدام راجل من غير ما أخاف يتغير إحساسه بيا.

عمري ما أفتكرت إن ده ممكن يكون حب !.


بس مع الأيام، بدأت الصورة تختلف بدأت أبص حواليّا. أصحابي اللي من سني، اللي يمكن أقل جمال ولا ظروفهم أبسط مني، كل واحدة فيهم كانت بتتخطب وتتجوز في مستوى أحسن من اللي عمران يقدر يوصله. 


وأنا؟ لقيت نفسي داخلة في دوامة: ليه أقبل بأقل؟، ليه أضحي بحاجات أنا متربية عليها ومتعلمة أعيش بيها؟


ساعتها اكتشفت إني مش باصة لعمران كإنسان، أنا كنت باصة ليه كإنجاز. 


كأنه حاجة حلوة ومميزة لقيتها في طريقي وقلت: لازم تكون ليّا ،زي ما أشتري فستان غالي لمجرد إنه شدّ عيني وأول ما يبهت أو يبان إنه مش مناسب، أسيبه من غير ما أفكر مرتين.


أنا قاسية؟ 

آه يمكن بس مش قادره أقنع نفسي إني غلطت يمكن هو فعلاً حبني بجد، ويمكن أنا ما حبتوش بجد.


أنا بس أعجبت بيه أعجبت بكونه مختلف أعجبت بفكرته مش بيه هو.


ولما لقيت إن الفكرة مش هتعيّشني زي ما أنا عايزه، لقيتني بتراجع وبقول: لأ، مش هو ده. 


يمكن غيري شايفني ظالمة، شايفني ببيع راجل حقيقي عشان وهم الماديات بس أنا شايفه إنه هو اللي مقدرش يثبتلي إنه يقدر يواجه الدنيا بيا، إنه يحميني من بكرة ويوفر ليا معيشه أحسن !. 


|| ما تصبرنيش بوعود وكلام معسول وعهود..

أنا ياما صبرت زمان، على نار وعذاب وهوان||. 


-شوفتي حتى الست معاها حَق ! حتى هِي زهقت من الوعود والكلام ! أنا مش غلطانه يا منى .

-يا ياقوت، الفرق إن أم كلثوم كانت بتغني عن واحدة اتكسرت من الوعود، مش عن واحدة بترمي حد بيحبها من غير ما تدي نفسها فرصة تفتّش في قلبها لقرصه ليه ، انتي بتبرّري قسوتك بكلام أغنية بس مش كل كلمة في أغنية تنطبق على حياتنا ،عمران مكنش بيكدب عليكي ولا بيضحك عليكي هو كان بيحاول أيوه فشل، وأيوه وقع بس مش معنى كده إن قلبه كان كدّاب!.

-يعني أنا أستنى لحد إمتى؟ لحد ما أكبر وألاقي نفسي ضحّيت بشبابي عشان أوهام؟ أنا عاوزة أعيش دلوقتي، عاوزة اللي يقدر يفتحلي الدنيا من غير وجع دماغ مش اللي يربطني بمشاكله وهمّه!.


-ياقوت اللي بيدوّر على الراحة بس، عمره ما هيلاقيها. الحب مش رفاهية تختاريها زي فستان يعجبك أو لا الحب اختبار وانتي اخترتِ الأسهل، اخترتِ الأمان المادي، واخترتِ تريحي دماغك بس افتكري مش كل اللي بيملك بيدّي ومش كل اللي فقير في جيبه، فقير في قلبه.

-قصدك إيه ؟.

-قصدي بكره هتندمي ، هتندمي إنك سبتي قلب كان بيحبك بجد، ورُحتي لقلب طمّاع، قلب مستكتر وجودك مع صاحبه، فضّل وراكي لحد ما خدك منه واللي يبيع صاحبه عشان واحدة يقدر يبيع الدنيا كلها عشان واحدة تانية برضه.

-إنتي مكبّره الموضوع ليه ؟ هو إيه يعني؟ هو مش أول واحد يسيب صاحبه عشان واحدة! ما الناس كلها كده كل واحد بيدوّر على مصلحته وبعدين أنا مالي أنا؟ أنا عايشة لنفسي مش لعمران او لغيره !.


-إنتي مالكش ذنب إنه خان صاحبه بس ليكي ذنب إنك اخترتي تمشي معاه رغم إنك عارفة الحقيقة اللي ما صانش عشرة صاحبه، مش هيصونك واللي ما خافش من جرح قلب صاحبه ، مش هيخاف من جرح قلبك!.

-إنتي متخيلة إني محتاجة حد يصوني؟ أنا مش محتاجة حد! أنا محتاجة اللي يعيّشني زي ما أنا عاوزه وبس .

-يبقى يا ياقوت انتي اللي اخترتي الفلوس على القلب. وافتكري كلامي كويس الفلوس بتتغيّر، والقلوب الطمّاعة عمرها ما بتشبع ويوم ما تلاقي نفسك غريبة في وسط اللي حواليكي، افتكري إنك إنتي اللي اخترتي الطريق ده.

-خلاص يا منى أنا مش ندمانة واللي اخترته دلوقتي هو اللي شايفاه صح وسواء غلط أو صح، أنا اللي هتحمله مش حد تاني أنا همشي عشان ورايا حفله باي .


خرجت من الكافيه وأنا ماشيه بسرعه كأني عاوزه أسبق أي فكرة ممكن تزنّ في دماغي الشارع زحمة، الناس رايحة جاية بس جوايا كان فاضي، فاضي بطريقة بتخوف.


مسكت شنطتي جامد، كأنها الحاجة الوحيدة اللي مسنداني، وكل ما أفتكر كلام منى أضحك ضحكة صغيرة وأقول لنفسي: هي بتبالغ أنا اخترت الصح، أنا اخترت اللي يعيشني زي ما أنا عاوزه.


بس الضحكة ما كانتش بتكمل، كانت بتتكسر أسرع من اللي قبلها.


دقّات قلبي بقت عالية، ووشي مولّع، وكل ما الكلمة دي ترجع ترن في دماغي: اللي يبيع صاحبه عشان واحدة، ممكن يبيعك إنتي كمان.


الكلمة دي كانت زي مسمار في صدري حاولت أطلّعها، بس مش عارفه.


لما وصلت للعربية، فتحت الباب بسرعة وقعدت، وسندت راسي على الدركسيون طلعت تنهيدة تقيلة كأنها شايلة عمري كله.

قلت جوا نفسي: أنا مش ضعيفة أنا اخترت وأنا مش هرجع.


بس لأول مرة سؤال صغير بدأ يخنقني من جوّه: طب ولو منى كان عندها حق؟.


هزيت راسي بسرعه وكأني بمنع وجود آي احتمال لحاجه زي دي دورت العربيه ومديت إيدي اشغل الكاست بأعلى صوت وكأن دي كانت الطريقه الوحيده عشان أغطي على اي صوت جوايا .


|| ما تصبرنيش ما خلاص أنا فاض بيّ ومليت..

بين لي إنت الإخلاص وأنا أضحي مهما قاسيت..

ده مفيش في الدنيا غرام بيعيش كده ع الأوهام..

والحب الصادق عمره ،عمره ما يحتاج لكلام||.


قاعده سامعها ومش قادرة أقول إذا الصوت بيقوّي فيّ قراري ولا بيخلّي الشك يكبر جوايا . 


الكلمات دي بتنطق بحُكم، بحقيقة قاسية: إن اللي بيحب بجد مش محتاج كلام ووعود، مش محتاج يبرّر وجوده. بس أنا، أنا حسّيت دايمًا إن وعود عمران كانت برضا، مش بجبروت، وإنه كان بيبني على قد ما يقدر.


يا تِرى أم كلثوم معايا ولا ضدي؟.

هل هي بتهمسلي: كفاية صبر، الحقّي نفسك قبل ما الوقت يسرقك ولا بتقولي: انسي الكلام الفارغ، ريحي قلب اللي بيحب بصدق؟.


في لحظة بصوت الست عيني دمعت من غير ما أخد بالي مش من حنين ولا ندم واضح بس من حيرة قديمة. 


الصوت كان عامل زي مراية، بيرجعلي صورة أنا أحيانًا ما 

بحبهاش: البنت اللي تختار الراحة بدل الالتزام، اللي بتخاف تتهشم وبتختار الأمان.


يا ترى يا أم كلثوم… يا ترى؟

معايا لما اقول: كفاية صبر، أنا تعبت؟ ولا ضدي لما أقول: إوعى تخسري قلب بيحبك بجد؟.


والإجابة تفضل متعلقه جوايا ، زي نغمة بتكرر نفسها في راسي أنا دلوقتي بين سطرين: سطر الحكمة اللي بتحارب الصبر الفارغ، وسطر الرحمة اللي بتطلب تظهر من غير سبب واضح. 


••••••••••••••••••••••••••••


-طيب حاضر جاي اصبر يالي بتخبط !.


معرفش نِمت إزاي أو حتى نِمت وقَت قّد إيه ! وكأني قررت أهرب كعادتي مِن زعلي بالنوم وزي كل مره كنت فاكر إني هقوم وهحس بجسمي متكسر حسيت بإحساس تاني غريب ! احساس بالراحه بعد ما أمي زارتني في الحلم وطبطبت على قلبي .


كانت دي اول مره من شهور طويله أمي تزورني في الحلم ، كانت وحشاني بِشكل غِير طبيعي ! وكأنها حتى وهيا بعيده عني وفي دُنيا غير الدُنيا دي مهانش عليها قلب إبنها التعبان وجات تزورني وطمني !.


كانت جّميله كالعاده زّي إسمها جّميله ؛ لابسه فستان أبيض طويل وواسع ، ووشها منوّر بابتسامة عُمري ما نسيتها ،كنت في مكان واسع مليان خضره وزرع وورد ! كل حاجه حواليا كانت مريحه بشكل أول مره أعيشه واحس بيه من زمان !.


كانت ماسكه في إيديها الإتنين غّصنين ، واحد كان مليان ورود حمرا غامقة قوي، لونها تقيل كأنها دم متجمد، وحواليه شوك كتير لدرجة إن مجرد النظر ليه وجع إيدي. 


والتاني كان غصن زيتون أخضر، بسيط وهادي، أوراقه بتنور تحت الشمس كأنه جاي من جنة تانية.


وقفت قصادي، مدت إيديها الاتنين وقالتلي بصوت دافي:

-شايف يا إبني؟ واحد فيهم شكله مُغرِي، لونه قوي، بس كله وجع، كله جروح لو مسكته هيعورك والتاني يمكن بسيط، يمكن مش ملفت، بس مليان بركة وسلام، هو ده الخير ربنا دايمًا بيخيرنا، وإحنا اللي بنغلط ونمد إيدينا للحاجة اللي تجرّحنا.


ساعتها حسيت إن قلبي بيرتاح لأول مرة من زمان مدّيت إيدي للغصن الأخضر، وأول ما لمسته حسيت بدفا بيجري في عروقي، كأني بتشحن من جديد.


أمي ابتسمت وقالتلي وهي بتحط إيدها على كتفي:

-ما تزعلش من اللي راح يا حبيبي ما تفتكرش إن أي وجع بييجي من غير حكمة ربنا بيشيل عنك اللي مش ليك، حتى لو قلبك كان متعلق بيه صدقني اللي جايلك خير، إنت بس استنى.


كنت واقف قدامها مش قادر أتكلم، كل اللي عملته إني فضلت أبص في وشها وأحاول أحفظ ملامحها تاني وهي فضلت تبصلي بابتسامة كلها طمأنينة، لحد ما بدأت الدنيا حواليها تبهت، والزرع يختفي، والصوت الوحيد اللي فضل في وداني هو صوتها وهي بتقول:

“اختار دايمًا الغصن الأخضر، وما تخافش… أنا معاك.”.


صحيت بعدها وإحساس غريب بالراحة مالي صدري كان في كلامها حكمه قدرت أفهمها ، فوقت على صوت خبط فوق الباب قوي خلاني قومت بسرعه متوتر ومستغرب مين اللي ممكن يجيلي !.


فتحتل الباب بسرعه فقابلتني بِنت بِجمال هادي ، شَعر إسود طويل ، عيون لونها عسلي واسعه ، بّشره بيضه بخدود حّمره ، كَانت دي أول مره أخد بالي إن -مِسك- جارتي جميله بالشكل ده !.

وكإني بدأت من اللحظه دي اشوف كل حاجه حواليا بشكل تاني مختلف .


-مِسك ! إيه يا بنتي الخبط ده كله خضتيني!.

-اسفه والله بس بابا كلمني وكان قلقان عليك إنك منزلتش قعدت معاه على القهوه زي عادتك فجيت أشوفك كويس ولا لا !.

-معلش راحت عليا نومه كنت تعبان شويه طمنيه وقوليله هغير هدومي وهنزل ليه حالا .

-إنت كويس بجد ولا بتقول كده خلاص ؟.

-وهو في حد مش كويس بيقول إنه مِش كويس ؟.


-أه في ناس بتقول إنها كويسين وهما من جوّاهم بيتقطعوا، وبيضحكوا وهما قلبهم موجوع في ناس مش بتحب تتقلّ على اللي حواليها، فبيفضلوا ساكتين لحد ما التعب يغلبهم.

-و إنتي بقى شايفاني من النوع ده؟

-شايفاك إنك بتحاول تبان قوي، بس الحقيقة إنك تعبان وتعبك مش جسدي، ده تعب قلبك وعقلك يمكن حتى النوم اللي أخدك ده مش نوم راحة، ده هروب وصدقني الهروب مش هيغيّر حاجه، بالعكس بيزود الوجع.

-أول مره أخد بالي إن في حد مركز معايا بالشكل ده !.

-لو بصيت حواليك هتلاقي في ناس كتير بتحبك وإنك مش لوحدك في الدنيا دي .


-معنى كده إنك بتحبيني ؟.

-إنت جاري ، وصاحب طفولتي ، وأقرب صاحب لبابا ، طبيعي إني اهتمّ لأمرك وأركز معاك بس مش معنى كِده إني بحبك !.

-ومالك إتكسفتي كده أنا بسأل سؤال عادي ! متضايقيش كده !.

-وهضايق ليه ؟ إنت سألت وانا جاوبت عَنّ إذنك .


خرجت مسك من غير ما تبص وراها وأنا فضلت قاعد متسمر مكاني، عيني ملزوقه في أثرها وهي بتبعد. 


حسيت بحاجة غريبة، حاجة مش قادر أفسرها زي ما يكون قلبي اتاخد غصب عني وما رجعش.


مكنتش قادر أستوعب إني لأول مره في حياتي أشوف مِسك بالشكل ده واسألها السؤال الغبي ده !.


إزاي قدرت أنسى صديقة الطفوله ؟ اللي كنت بقطع معاها الشارع وانا ماسك إيدها؟ اللي كنا بنلعب في جنينة على اول الشارع ونستخبى من الشمس تحت الشجرة الكبيرة؟.


إزاي انسى البنت اللي كانت بتجري تبشرني إن باباها جاب ليها عروسة لعبة جديدة، وأنا أجري أوريها كورة الجلد اللي جابها ليا بابا؟.


كبرنا وعدت بينا السنين، وبقى كل واحد لُه دنيته وحياته حتى لما كنا بنشوف بعض، بقيت الحكاية رسميّة حدود وكلام عابر، سلام وسؤال وخلاص.


بس النهارده؛ النهارده أنا شُفتها بعين جديدة !عين عمري ما شُفتها بيها قبل كده.


كل حاجة فيها كانت غريبة عليّ فجأة ابتسامتها، نظرتها، حتى طريقتها وهي بتتكلم وتعاتبني! كأني أول مرة أعرف إن البنت اللي شاركتني ضحكة زمان ممكن تخلي قلبي يتلخبط بالشكل ده دلوقتي.


هربت من مشاعري بسرعه وانا بدخل الحمام وباخد دش سريع أفوق بيه نفسي وبعدين خرجت غيرت هدومي لترينج إسود رياضي إشتريته من اسبوع خطفت تلفوني ومفاتيح الشقه ونزلت على طول للقهوه اللي موجوده على ناصية الشارع .


قهوة "عم نعيم" صديق بابا الصدوق ، كان قدوتي في الصحوبيه ، كان بيحب بابا حب ملوش مثيل في الدنيا ، كان عنده إستعداد يفديه بروحه ، ولما بابا مات من كتر زعله عليه جاله السكر .


خد باله مِني ، كان مساندني وكأنه أب تاني ليا وأخ كبير قدمته ليا الدُنيا ، كان ليه مكانه في قلبي عمر ما حد قدر يوصل ليها .


قربت من الطربيزه اللي قاعد عليها واللي بتطل على ناصية الشارع على طول تشوف الناس وهيا مروحه من شغلها ، العربيات والتكاسي ، لقيته قاعد على الطربيزه بيشرب كوباية نعناع سُخن زي ما بابا كان بيحبه بالظبط .


-يا سلام ؟ هنتحايل على سعادة البيت عشان نشوف جمال خطوته !.

-حقك عليا يا عم نعيم بس الدنيا ملطشه معايا على الاخر والله .

-وهيا الدُنيا من امته مكانتش ملطشه مع حَد يا عمران ؟ متفكرش الناس دي كلها مرتاحه ، كل واحد عنده هم مشكل بس سايبها على ربنا .

-ونعمه بالله بس أنا تعبت اوي يا عم نعيم !.

-إن مع العسّر يسّرا يا ابني وعشان كده جايب ليك خبر حلو اوي .


-فرحني يا ام نعيم حكم الواحد بقاله شهور مفرحش !.

-امبارح زي دلوقت كده يشاء ربك وييسر الامور إن عربية راجل آوبهه تعطل هِنا وميعرفش يدورها ، قوم أنا عرضت عليه المساعده وطلبت من الواد شكمان ياخد العربيه ويصلحها ليه والحساب عليا ، خدت الراجل بقى وضايفته في قهوتي المتواضعه والكلام خد بعضه بينا عرفت إن عنده شركة نت .

-نت ؟ نت إزاي يعني !.

-يا ابني فتح دماغك شركة نت زي اللي الكشك اللي الواد جوجل فاتحه في الزاويه !.

-قصدك شركة برمجه يا عمي ! نت إيه بس !.

-ايوا برمجه دي المهم قعد اتكلم معايا وكده فقولتله عليك وإنك واد دماغك ذريه وحكيت ليه حكاية الواد نسناس اللي عمل إختراق لتلفون سعاد وخد منها صورها وهددها بيها وإزاي إنت عرفت تمسحها من عنده من غير حتى ما يعرف إنك السبب من على التبتوب بتاعك .


-اسمه لاب توب يا عم نعيم ! المسميات عندك في السما .

-هو أنا هدخل بيها الجنه يعني ! المهم ساب ليا الكارت بتاعه وقالي إنك تروح بكره تعمل مع افرنيو.

-إنترفيو ! متأكد إن معاك دبلوم يا عم نعيم ؟ ده انت كده طالع من الابتدائي بطلوع الروح .

-بتتريق عليا يا واد وانا جايب ليك شغلانه تكسبك ملايين ؟ طب قابلني لو اديتك الكارت .

-حقك عليا يا عم بهزر معاك ! متبقاش قموص كده بقى اومال .

-خد يا خويا خد على الله تبقى تفتكرني بكيلو هريسه بالسوداني في الاخر .


ضِحكت عليه عم نعيم كان صاحبي قبل ما يكون ليا اب وأخ ، كنت عارف إنه بيعمل كل حاجه بيقدر عليها عشان يفرحني ويلتزم بوصية صاحبه ليه إنه يخلي باله مني وكأن بابا كان عارف إن الواحد حتى لو كبر بيكون ضعيف وهو لوحده ومحتاج سند ليه دايما !.


-قولي عملت إيه مع البت أم اربعه واربعين دي ؟.

-سيبنا بعض .

-يا صلاة النبي واد يا عوض نزل قهوه ومشاريب للي قاعد كله على حسابي وشربات كمان للي عاوز .

-ياه للدرجه دي مكنتش بتحبها ؟.

-مِن ساعة ما حكيت ليا مواقفها معاك وقلبي قفل من نحيتها حكم القبول ده مش لآي حد !.

-أدينا سيبنا بعض بركة دعواتك يا عم نعيم .

-يا واد متزعلش نفسك دي مكانتش من نصيبك ، بالك إنت لو كانت من نصيبك كان ربنا يسر ليك الأمور وفتحها في وشك ، شوفت اول ما سيبتها جاتلك شغلانه حلوه إزاي دي كانت وش فقر عليك !.


-على رأيك هقوم اكلم الواد عمر افرحه .

-مين ؟ السلعوه؟ قولتلك يا واد إنت العسل ده مبرتاحش ليه مبينزلش ليا من الزور كده !.

-هو كل اللي اعرفهم كله مش طايقهم ؟ سرك باتع ولا إيه يا عم نعيم ؟.

-حكم إنت يا عمران يا ابن اخويا عبيط وقلبك زي البفتّه البيضه لسه متلسعتش من الدنيا عشان تعرف مين صاحبك من مين عدّوك وانا بقولك اهو الواد ده مبحبوش. 

-عمر صاحبي متخافش عمره ما هيعمل فيا حاجه وحشه متخافش .

-والله ما أنا خايف غير من ثقتك الزايده فيه دي وبكره تقول عمي نعيم قال .


ضحكت على كلام عم نعيم من قلبي، وحسيت الجو خفيف قمت وبعدت شوية خطوات وبعدت عنه عشان المساحة، طلعت تلفوني ورنّيت على عمر عشان أفرحه باللي حصل رنيت مرة وما حدش رد، رنيت تاني وفضلت وراه لحد ما السماعة فتحت.


سمعت ورا السماعة دوشة كبيرة؛ صوت موسيقى عالي، ضحك وصياح، كأنهم عاملين حفلة استغربت وقلت:

-إيه الدوشه دي؟ إنت فين يا واد؟


عمر من الجانب التاني بصوت عالي عشان عمران يسمعه:-

— أنا في حفله كده، يا عم شوية وهكلمك.


كنت هقفل وخلاص، بس قبل ما يقطع سمعته جنبَه صوت بينادي بإسمه بصوت أعرفه من زمان صوت حافظه صوت عشرة سنين ! وأيام وشهور .


اتجمّد كل اللي فيا وقفت في مكاني والكلام في السماعة بقي كله دوشه الموسيقى اللي سمعتها بقت بعيدة، قلبي ضرب بسرعة مش مفهومة، وحسيت إن الدنيا لثانية وحدة وقفت.


-عمر حبيبي بعدت ليه ؟.


كان صّوت ياقوت .

مستحيل اغلط فيه في يوم .

معقوله ؟ معقوله أكون غلطت فيه ! معقول أكون بشبه عليه ! لا مستحيل ده صوتها ، صوت ياقوت !.

الفصل الثامن من هنا

تعليقات