رواية الغرفة الخالية الفصل السادس بقلم مصطفى محسن
بعد اللي حصل مع الحاجة سعاد وهي بتقول الكلمات الغريبة، الجو في الشقة اتغيّر بشكل مريب.
النور رجع ثابت، لكن كان فيه ريحة دخان خفيف ماليه المكان.
أنا ومحمد واقفين مش قادرين نتحرك… أحمد قاعد في الركنة ساكت تمامًا، كأنه تمثال.
الحاجة سعاد بصتلنا وقالت:
ـ "خلاص… ارتاحوا. أحمد هينام دلوقتي شوية."
وبهدوء شديد راحت ناحية باب الشقة وفتحته. قبل ما تخرج، بصتلنا بنظرة فيها خبث وقالت:
ـ "ما تسيبوش أحمد لوحده."
وقفلت الباب وراها.
أنا قعدت على الكرسي، جسمي كله بيتنفض.
محمد بص على أحمد وقال بصوت مرعوب:
ـ "يوسف… أنا مش قادر. إحنا لازم نمشي… دلوقتي حالًا."
قلتله:
ـ "إزاي؟ العقد! والفلوس! وحتى لو خرجنا… هنروح فين الساعة دي؟"
محمد مسك راسه وقال بصوت واطي:
ـ "مش عارف… بس إحنا في مصيبة."
قعدنا فترة ساكتين. أحمد كان غارق في النوم، نفسه تقيل، وكل شوية يطلع من صدره صوت غريب… كأنه "همهمة" جاية من جوه.
قمت أقرب منه، حطيت إيدي على كتفه أهزه… فجأة عينه فتحت وكانت سودا كلها.
ابتسم ابتسامة صغيرة وقال بصوت مش صوته:
ـ "إنت وعدتني مش هتسيبني يا يوسف."
أنا اتجمدت.
محمد جري شدني لورا وقال بخوف:
ـ "ده مش أحمد!"
أحمد فجأة قفل عينه ونام تاني، كأن ولا حاجة حصلت.
قعدنا طول الليل صاحيين، مش قادرين نقفل عينينا.
ولما الساعة بقت خمسة الفجر، سمعنا صوت فتح باب أوضة حمدول… وخرج.
كان ماشي ببطء، وبصلنا وقال:
ـ "الوقت قرب يا ولاد."
محمد رد عليه وهو متوتر:
ـ "وقت إيه؟ قول بقى… إحنا مش فاهمين حاجة!"
حمدول وقف في نص الطرقة وقال:
ـ "لما يتكلم اللي جوا… ساعتها هتعرفوا."
ودخل أوضته وقفّل الباب.
أنا بصيت لمحمد وقلتله:
ـ "واضح إن اللي جاي… أعمق من اللي فات."
ساعتها حسيت إن الشقة دي مش مجرد مكان ساكنينه… دي سجن.
وإحنا مش عارفين مين السجّان: حمدول؟ ولا الحاجة سعاد؟ ولا "اللي ساكن جوه أحمد."
الليلة اللي بعدها كانت أَرعب من اللي قبلها.
أنا ومحمد كنا قاعدين في الصالة، أحمد نايم على الكنبة.
وفجأة… سمعنا خبط على الباب.
محمد قرب بخطوات بطيئة وفتح.
لقى بركات البواب، بس عينه مليانة قلق.
قال بصوت واطي:
ـ "ينفع أدخل؟"
محمد قاله:
ـ "اتفضل يا عمي بركات."
دخل وقفل الباب بسرعة، كأنه خايف من حاجة.
قعد قدامنا وقال:
ـ "أنا… أنا عارف إيه اللي بيحصل هنا."
قبل ما يكمل كلامه، أحمد اللي كان نايم فجأة فتح.
عينيه … وعينة كانت سودة كلها.
بص لبركات وابتسم ابتسامة مرعبه وقال بصوت غليظ:
ـ "إنت جيت يا بركات؟ نسيت اتفاقنا؟"
بركات اتشنج مكانه، رقبته بترتعش.
حاول يرد:
ـ "أنا… أنا مش قادر أسكت… لازم يعرفوا."
وفجأة، لمبة الصالة بدأت تطفي ووتفتح بسرعة.
بركات اتخض وقطع كلامه، وبصلنا بخوف شديد.
أحمد قام واقف، ماشي ببطء ناحية بركات.
ولما قرب… بركات وقع على الأرض من الرعب.
محمد صرخ:
ـ "يوسف! امسكه!"
لكن قبل ما أتحرك… باب أوضة حمدول اتفتح.
خرج حمدول وهو ماسك حاجة غريبة… عصا خشب ملفوفة بخيوط حمرا.
رفعها وقال بصوت عالي:
ـ "يا من تحوم حولهم، ابتعد عنهم… لا تقترب. فأنا محاط بحائط من نار لا يراه أحد سواي، وكل من يقترب يواجه الجحيم في عيني."
أحمد اتشنج مكانه، وقع على ركبته، وصرخ صرخة عالية خرجت من صدره.
النور رجع تاني، وكل حاجة هديت.
أحمد رجع ينام على الكنبة كأنه مغمي عليه.
حمدول بص لينا بعصبية وقال:
ـ "أنا قلتلكوا… المكان ده هيقضي عليكم."
وسابنا ودخل أوضته.
بركات فاق مرة واحدة وهو مرعوب، بيبص على أحمد وبيمسك صدره كأنه مش قادر يتنفس.
قال بصوت متقطع:
ـ "أنا لازم أمشي… لازم أمشي دلوقتي."
وبالفعل، قام جري وفتح باب الشقة وخرج.
أنا بصيت لمحمد وقلتله:
ـ "مافيش حل غير إني أكلم أبويا الصبح وآخد منه ٦٠ ألف جنيه ونغور من الشقة اللي هلكتنا دي."
محمد رد بسرعة:
ـ "يا ريت يا يوسف… إحنا لو قعدنا هنا يوم تاني هنموت."
أول ما نور الصبح طلع، أنا كنت صاحي من غير نوم. محمد كان مرمي على الكنبة، عينه مفتوحة نص فتحة، واضح إنه تعبان.
أحمد لسه نايم.
قررت أمسك الموبايل وأكلم أبويا.
رد عليا بصوت نعسان:
ـ "خير يا يوسف، إيه اللي مخلّيك تتصل بدري كده؟"
أنا اترددت، قلبي بيدق ولساني مش قادر ينطق.
قلتله:
ـ "يا بويا… أنا محتاج ٦٠ ألف جنيه."
أبوه سكت شوية وقال:
ـ "ستين ألف؟! ليه يا يوسف؟ فلوس دي؟"
اتلخبطت، لكن تحت الضغط اعترفت… حكيتله كل حاجة من ساعة ما دخلنا الشقة:
الحاجة سعاد… أحمد اللي اتغير… حمدول الغريب… ولحد الليلة اللي فاتت.
صوت أبويا اتغير، بقى جد جدًا وقال:
ـ "يا ابني، ما تخافش. أنا هتصرف. إديني العنوان كامل بالظبط… وهبعتلكم الشيخ غلاب."
سألته:
ـ "مين غلاب ده يا بويا؟"
رد علي وقال:
ـ "لما يجيلك هتعرف. بس اسمع كلامه… متخافش يا يوسف."
قفلت الموبايل وأنا مش فاهم… مين الشيخ غلاب؟
بعد العصر، سمعنا خبطة على الباب.
فتحت… لقيت راجل ضخم، لابس جلابية بني، دقنه بيضا ، وعينه فيها هيبة تخوف وتطمن في نفس الوقت.
دخل وقال بهدوء:
ـ "أنا غلاب."
أول ما شاف أحمد نايم على الكنبة… وشه اتغير.
وقال بصوت عميق:
ـ "استغفر الله العظيم… ليه... ليه كده؟"
أنا ومحمد اتصدمنا.
سألته:
ـ "هو في إيه يا شيخ؟"
بصلنا وقال:
ـ "اسمعوني كويس. محدش فيكم يسيب الشقة. لو مشيتوا… أحمد هيموت. اللي ساكن جواه مش واحد ولا اتنين… دي قبيلة كاملة من الجن."
قبل ما نلحق نرد…
باب أوضة حمدول اتفتح.
طلع حمدول، ماشي بالراحة، عينه ثابتة على الشيخ غلاب.
الشيخ غلاب وقف مكانه، رفع راسه، وبص له بنظرة فيها تحدي وخوف في نفس الوقت.
وحمدول… واقف بنفس النظرة.