![]() |
رواية الشبح العاشق الفصل السابع بقلم رباب حسين
تلك اللحظة التي تلتقي فيها العيون لأول مرة ليست مجرد نظرة عابرة بل هي نافذة تُفتح على روحٍ أخرى.... في عينيه قرأت كل الحكايات التي لم تُكتب بعد وسمعت نبض قلبه يترجم نفسه بلغةٍ لم أعرفها من قبل لغة لا تحتاج إلى حروف ولا أصوات.... فقط بريق صادق يفضح السر..... كانت نظرته كمرآة صافية تعكس صدق المشاعر كاعترافٍ خجول يسبق الكلام وكأن قلبه استعان بعينيه ليبوح بكل ما يختبئ فيه لم يكن هناك وعدٌ ولا قسم ومع ذلك شعرت أن العمر بأكمله قد وُلد في تلك اللحظة.... كل الأصوات خفتت وكل الوجوه تلاشت ولم يبق في الكون سوى عينيه.... كانت نظرته بطيئة لكنها تنساب في داخلي كما ينساب النور في عتمةٍ قديمة تذيب برود السنين وتوقظ شيئًا دفينًا لم أجرؤ يومًا على لمسه..... شعرت وكأنني أذوب في بحرٍ من الطمأنينة يلُفني دفء غريب لا تفسير له.... لم تكن مجرد عيون ونظرة عابرة بل كانت وعدًا صامتًا بأن ثمة حبًا يولد هنا.... حبًا لا يحتاج إلى كلمات يكفي أن يظل حيًا في تلك النظرة الأولى التي باحت بما عجز اللسان عن قوله.....
قاطع هذه النظرة صدمة وخوف.... خوف من أن يكون هناك من خطف تلك الروح البريئة.... من أن تكون قد قتلت على يد من لا يرحم..... وقفت عاجزة هل أطلب من والديها أن يسمحا بتشريح الجثمان؟.... ولكن توقفت عندما علمت سبب الوفاة فليس هناك شبهة جنائية فدخلت الغرفة وأغلقت الباب ودخل وئام خلفها ينظر إليها في حزن على دموعها فقال : أول مريض بيموت تحت إيدك مش بيتنسي.... المشكلة إن جنة كمان صغيرة وتوجع أي حد غريب.... مش هقولك بكرة تتعودي عشان لحد دلوقتي متعودتش أشوف مريض بيخرج قدامي من المستشفى ملفوف في كفنه..... الأول كنت بحس إني مقصر بس بابا الله يرحمه قالي كلمة... قالي " مهما كنت دكتور شاطر عمرك ما هتحارب قدر ربنا ولا تدي عمر لحد خلاص مكتوب إنه يموت دلوقتي"..... إنتي عملتي اللي عليكي وده قدر ربنا
ليان في بكاء : أنا زعلانة عليها أوي ومرعوبة يكون حد عملها حاجة كمان وإني سيبتها ومشيت وحد أذاها
وئام : لا.... محدش أذاها.... الحالة مكنتش مستقرة.... على العموم أسألي لؤي هو أخر دكتور عاين الحالة
ظلت تبكي أمامه مما جعل قلبه حزين على هيئتها فحاول أن يرتب على عاتقها ولكن مرت يده بجسدها فأغلق عينيه في غضب ثم قال : شوفي التحاليل بتاعتي يا ليان.... لازم أفوق
ليان : حاضر..... هروح أشوف قسم الأشعة
ذهبت ليان إلى قسم الأشعة وطلبت النتائج فنظر بها وئام وهي تحملها بيدها وقال : مش شايف حاجة.... أو مش فاهم صراحة
ليان : هروح للؤي
زفر وئام في غضب قائلًا : يادي لؤي.... أبعتيه لروما
ليان : لا.... مش هبعت لروما حاجة
وئام : وأنا مش عايز لؤي.... ها
ليان : ماشي.... إنت شكلك عايز تتعرف عليها أصلًا فا ماشي
ابتسم وئام واتصلت ليان بروما وقالت : أزيك يا روما عاملة إيه؟
روما : الحمد لله يا حبيبتي..... فينك كده مختفية؟!
ليان : الشغل بس.... بقولك إيه هبعتلك أشعة مقطعية للمخ قوليلي إيه المشكلة عند المريض ده
روما : افتحي الكاميرا ووريني.... دكتور آسر جنبي كمان هيفيدك يعني
فتحت ليان الكاميرا وأظهرت الأشعة لها فنظرت بها قليلًا ثم وضعتها أمام آسر وطلبت منه أن يفحصها فقال : مفيش حاجة في الأشعة.... هو بيشتكي من إيه؟!
ليان : هو في غيبوبة
عقد آسر حاجبيه وقال : غيبوبة؟!.... طيب إعملي رسم للمخ شوفي بيبعت إشارات ولا لا.... بس أعتقد المخ مفيهوش حاجة..... طيب في شكوى من الكلى أو الكبد؟!
ليان : على حد علمي لا.... هو مريض بقسم المخ والأعصاب
آسر : طيب إعملي رسم للمخ وابعتيه لروما
أنهت ليان المكالمة ونظرت إلى وئام وقالت : هنعمله إزاي ده بقى
وئام : أخوف الممرضة تاني؟
ليان : ومين اللي هيعمل رسم للمخ؟..... أنا خايفة حد يروح يقول لدكتور صادق
وئام : أيوة..... ولو طلع الموضوع فيه شبهة يبقى بحطك في خطر أكبر
ليان : طيب هنعمل إيه؟!
وئام : طيب روحي شوفي نتيجة عينة الدم إيه
ذهبت ليان وطلبت النتائج وانتظرت قليلًا فنظرت إليه وقالت : مقولتليش حلوة روما؟
وئام : بس متفكرنيش.... قولتلك كلمي روما روحتي كلمتي آسر ده.... مش فاهم أنا ما كانت روما تقول يعني من نفسها طالما الأشعة مفيهاش حاجة
اتبسمت ليان وقالت : اااااه.... هي المشكلة فيا أنا بقى.... مش لؤي
نظر وئام بعيدًا عنها وتحمحم قليلًا ثم جاء طبيب التحاليل وأعطاها النتائج فنظرت بها ثم فحصتها وقال وئام : فيه حاجة غلط في التحليل
نظرت ليان إلى الطبيب وقالت : هو التحليل فيه حاجة غلط؟!
الطبيب : اه.... هو المريض ده هنا في المستشفى؟!
وئام : قولي لا
ليان : لا... ليه؟
الطبيب : فيه في دمه كمية كبيرة من مادة الباربيتورات.... ديه مادة بتساعد على الإرتخاء وكمان بتستخدم في بعض الأحيان مع البنج أو في جلسات العلاج النفسي كمهدئ
فتحت ليان عينيها في صدمة وقالت : طيب لو مريض غيبوبة خده..... يعمل إيه؟!
الطبيب : غيبوبة.... ده كده مش هيفوق بسهولة.... كأني بخدر المخ زيادة
ظهرت علامات الغضب على وجه وئام فارتعشت الأضواء بقوة فنظر الطبيب حوله في ذعر ثم نظرت ليان إليه وقالت : شكرًا يا دكتور
ثم توجهت إلى الطابق العلوي ولحق بها وئام وقال : واقفة هنا ليه؟
ليان : عشان تهدى.... أنا لما بتوتر بطلع لأي مكان عالي.... بحس إني سيبت كل مشاكلي تحت على الأرض.... شايف النجوم ديه؟!
وئام : إنتي بتعاكسيني؟!
ابتسمت ليان وقالت : لا.... مش قصدي كده.... دايمًا لما بشوف النجوم بحس إن عينيا بترسم أشكال.... بتحس كده؟
وئام : لا محستش بكده بصراحة قبل كده.... قوليلي يا ليان..... لما شفتيني أول مرة ليه اتعاملتي مع الموضوع عادي كأنه طبيعي؟
ليان : لا.... أكيد خفت يعني.... بس مبينتش..... يمكن عشان أصلًا عرفاك
وئام : طيب أنا عندي حل في الموضوع
ليان : هديت الأول؟
تنهد وئام وقال : اه.... بصي أنا هاخد قرص منوم من الصيدلية وهقف في الأوضة بتاعتي جنب الممرضة أول ما تيجي تاكل أو تشرب حاجة هحط المنوم في العصير وبعدين هتاخديني إنتي وتوديني أي أوضة فاضية لحد ما مفعول المادة اللي باخدها ديه يروح ونشوف ساعتها هفوق ولا لا
ليان : طيب أفرض فعلًا فيه مشكلة تانية والمادة ديه بس بتزود المشكلة مش أكتر؟!.... مين هيعالجك؟
وئام : ساعتها هنتصرف.... بس ماعنديش حل غير ده
ليان : طيب هنعمل كده إمتى؟!
وئام : بعد نص الليل بحيث الممرضة تبقى نومها طبيعي
ليان : ماشي
وئام : تعالي ننزل عشان ترتاحي شوية
ليان : إنت هتفضل معايا كده على طول؟
وئام : متضايقة مني؟
ليان : لا بس ملاحظة إنك مش سايبني خالص
وئام : بصراحة قلقان عليكي من شادي.... إنتي عملتي عملية تانية وده هيخليكي في خطر أكبر
ليان : بالمناسبة.... إوعى تختار حياتي على حياة حد تاني..... لو هضحي بنفسي عشان المريض يعيش مش مهم
وئام في غضب : مهم طبعًا
ليان : لا مش مهم..... أنا حياتي مش مهمة عند حد صدقني
وئام : مهمة عندي أنا
نظرت له ليان في تعجب فقال : مش معقولة مش ملاحظة يعني.... مخدتيش بالك ليه إنتي الوحيدة اللي سيبتها تقعد في شقتي؟.... مخدتيش بالك من الكلمة اللي كتبتها على المرايا؟
نظرت ليان إلى الفراغ وتذكرت ما كتب بهذا اليوم فعادت النظر له وقالت : ليه صح "لا للرجال"؟
وئام : عشان سامر كان باين عليه معجب بيكي ولؤي كمان.... عشان كده عملت في سامر المقالب ديه في الحمام.... مش طايق حد يبصلك.... من أول يوم دخلتي الشقة وأنا حسيت إني مش عايزك تمشي.... كأني كنت مستنيكي ولما عرفت إن أصلًا فيه بينا معرفة إتأكدت إن كان فيه مشاعر من قبل كده ليكي
ليان في صدمة : إيه؟!.... مشاعر؟.... ديه أخر حاجة ممكن أتوقعها منك ليا.... ولو فيه مشاعر كان هيبقى كره أكيد
وئام : شايفة إني بكرهك؟!
ليان : لا
وئام : ليان أنا بغير عليكي..... فهمتي ولا لسة
شعرت ليان بالخجل وتصبغ وجهها باللون الأحمر ثم قالت : طيب هروح أشوف لؤي عمل إيه مع جنة وكان فيه حاجة غريبة ولا لا
وئام في غضب : بقولك بغير عليكي تقوليلي هروح للؤي.... اه... اه فهمت.... عايزة تقوليلي إنك مش مهتمة يعني..... ماشي روحي
نظرت ليان له وقالت : مش قصدي كده خالص.... بس كسفتني.... ممكن تيجي معايا ولا شادي يقتلني عادي؟!
وئام : هاجي..... إتفضلي
ذهبت ليان إلى لؤي وسالته عن حالة جنة فأخبرها أن حالتها كانت غير مستقرة وأن جسدها كان هزيل والجراحة كانت معقدة والأنيميا ضعفت جسدها أكثر فلم تتحمل.... نظرت ليان إلى وئام في حزن فقال : عمرها.... ربنا يصبر أهلها.... يلا عشان نطمن على المريض اللي لسة خارج من العملية
شكرت ليان لؤي وذهبت إلى العناية المركزة فوجدت رامي بجانب المريض فقالت : أخباره إيه يا دكتور؟!
رامي : كويس.... حالته مستقرة.... روحي ريحي يا دكتورة أنا هفضل جنبه.... إنتي تعبتي النهاردة وعارف إنك زعلانة على جنة
أماءت له ليان ثم ذهبت إلى غرفة الأطباء وعندما انتصف الليل ذهب وئام وأحضر حبة منوم ثم ذهب إلى غرفته وانتظر قليلًا حتى وضع حبة المنوم بزجاجة المياه وأغلقها وأعادها محلها.... انتظر حتى شرب منها الممرض ثم نام محله فخرج من الغرفة وأشار إلى ليان كي تدخل الغرفة ثم أخذت ليان جسده وذهبت به إلى غرفة أخرى ولم تشعل الأضواء بها وظلت بجواره حتى الصباح ووئام ينظر إلى نفسه وهو مستلقي أمامها فقال : شكلي حلو صح؟!
ليان : اه.... إنت مكنتش عارف شكلك أصلًا صح؟
وئام : لا.... بس بصي أنا وسيم إزاي
ليان : مغرور حتى وإنت شبح
نظر لها وئام في حزن فهو يعلم أنه عندما يستيقظ لن يتذكر كل ما حدث بينهما ومن الممكن أن يعاملها بذات المعاملة.... فاقترب منها ومد يده لها وقال في حزن : حاولي تلمسي إيدي
ليان : هتدخل في جسمي كده
وئام : لا.... من بعيد
قاربت ليان يدها من يده ونظر داخل عينيها وقال : حاسس بدفا إيدك
ليان : أنا مش حاسة..... ده ظلم على فكرة
وئام : جسمي قدامك على فكرة.... تقدري تلمسيني
ليان : لا اتكسف
وئام : بطلي كسوف.... إلمسي إيدي بإيدك التانية..... ساعتها هنحس إننا ماسكين إيد بعض
ليان : طيب لما تفوق أبقى أمسك إيدك
وئام في حزن : عم فتحي قالي مش هفتكر حاجة لما أرجع لجسمي
نظرت له ليان في صدمة وتلألأت الدموع داخل مقلتيها وقالت : لا..... يعني مش هتبقى فاكر أي حاجة من اللي هيشناها سوا
أماء لها وئام بلا في حزن فنظرت إلى جسده وهربت دمعة من عينيها ثم وضعت يدها الأخرى بيده فشعر وئام بلمستها ووجد جسمه كشبح يتلاشى فقال : ليان.... إيه بيحصل؟
نظرت له ليان وقالت : شكلك هترجع لجسمك تاني
نظرا إلى بعضهما البعض وكأن كلًا منهما يودع الأخر ثم نظر وئام إلى جسده وشعرت ليان ببرودة تقترب منها ونور يظهر بجوارها ثم تحرك من خلفها وتمسك بوئام فبدأت صورته توضح مرة أخرى فنظر وئام لها في تعجب وقال : إيه ده؟!.... أنا حاسس إني بقوى تاني
لاحظ أن ليان تنظر خلفه وهي تعقد حاجيبها وكأنها تتفقد شيئًا ما فنظر خلفه ووجد ضوء يتمسك به ثم اقترب هذا الضوء من ليان مرة أخرى ووضح صورته.... طار هذا الضوء أمامها وليان تفتح عينيها في صدمة وإذا بالضوء يتحول إلى وجه فتاة.... ظلت تنظر به.... نعم إنها هي.... جنة... ثم نظرت داخل عينيها ووضعت جنة يدها على صدر ليان وقالت : دلوقتي لازم تعرفي..... لازم تشوفي جواكي إيه.... لازم قوتك تظهر..... فتحي عينك.... شوفي اللي طول عمرك بتجري منه
وفجأة نظرت ليان بالغرفة فوجدتها ممتلئة بأشباح.... ليس كوئام..... بل أسوء... عيون جاحظة.... وجوه غاضبة أجساد ممزقة وملابس بالية ثم نظرت جنة إلى وئام وقالت : مش هنسيبك تمشي.... من النهاردة إنت القائد