رواية ذكرى ويوسف الفصل الاول
_اتطلقتوا ليه؟
_إحنا الإتنين كنا بنحب الورك.
_بتستعبطي!
_ما تفكك مني ومن حكايتي بقى؟
_ما أنا عايزة أعرف يا ذكرىٰ!
_مشفتش في فضولك وصراحتك!
ابتسمت وعدلت هدومها
_دا كدا كدا، ها احكيلي بقىٰ!!
_يادي النيلة! يا بنتي الموضوع عدى عليه كتير أوي وأنا خلاص تخطيته ومعدش في دماغي، وبصراحة عايزة أستغل السفرية دي وأغير جو فمتنكديش علينا يا إسراء.
_براحتك يا ستي أما نشوف آخرتها، أنا هقوم أنزل الماية شوية.
قامت ومسكت أنا تليفوني بقلب فيه، هي مش سفرية استجمام، دي سفرية شغل، بس إحنا استغلينا إننا مسافرين دهب وأتحركنا قبل التيم بكام يوم عشان نغير جو، ودي أحسن حاجة حصلت.
الهروب سهل يمكن يكون أسهل حاجة أتعلمتها في يوم، رغم كل الأسئلة إلي هتفضل بدون إجابة، الدنيا كدا أسهل.
على بليل وصل باقي زمايلنا، ولإننا هنبدأ شغل تاني يوم قررنا نخرج يومها بليل كلنا سوا.
وعلى الساعة ٩ جهزت، لبست فستان صيفي طويل ولميت شعري في ضفيرة عشان أحميه من الرطوبة وقبل ما أنزل لقيت باب أوضتي بيخبط، فتحت الباب بإستغراب
_بشمهندس أيمن؟ خير؟
_تأخرتي قلت أطمن عليكِ، الكل مستني تحت.
_تطمن عليا؟
رفعت تليفوني إلي كان في إيدي قدامه
_تليفوني شغال على فكرة كان ممكن ترن عليا، أو كان ممكن دينا، صاحبتي، ترن عليا !
_آسف لو أزعجتك، هبقى أرن بعد كدا.
حركت راسي بتمام
_أمال فين دينا؟
ظهر الضيق على ملامحه
_مش عارف تقريبًا سبقت هي مستنية تحت.
يعني مش عارف مراته فين وجاي يطمن عليا؟!
_طب اتفضل وأنا نازلة وراك
_بس ..
_وبعد كدا مراتك دينا، صاحبتي هي إلي تتصل تطمن عليا.
ابتسمت قبل ما أقفل الباب في وشه، أخدت نفس عميق من ضيقي وبعد دقايق نزلت وراه، الكل كان متجمع في مطعم الفندق.
_يا أهلا باللي غدروا بينا وجم قبلنا يغيروا جو
_النفسية محتاجة أجازة والله، المرة الجاية معانا بقىٰ.
_متعوضة إن شاء الله، بس أيمن يحن عليا ويقعد بالولاد.
ابتسمت وبصيتله
_يقعد بيهم طبعًا، هو ليه مين غيركوا.
ابتسم بارتباك وسكت وقعدنا طول العشاء بنتكلم شوية في الشغل وشوية عن حياتنا لحد ما بدأوا يتكلموا عن الجواز، أيمن رمىٰ كام إفيه عن الحياة بعد الجواز وقد أيه هي نكد وهم، قرفت منه حقيقي!
الراجل إلي يقلل من مراته قدام الناس مهما كان شيك ومحترم مبشوفهوش غير راجل...مقرف.
قلت بصوت فض الدوشة وخلاهم سمعوني
_الجواز رابط مقدس، مفيش حاجة في الدنيا مفيهاش مشاكل، الشغل فيه مشاكل، الدراسة فيها مشاكل، الصداقة فيها مشاكل، أي حاجة في الدنيا فيها مشاكل، وبصراحة بشوف وصف الجواز بالنكد عشان فيه مشاكل زي أي حاجة في الدنيا سطحية، الجواز نعمة من عند ربنا، وعشان ألفناها وأعتدنا وجودها بقت حِمل، بدل ما نحمد ربنا بقت أسهل حاجة الشكوى، وبدل ما نحاول نصلح ونحل المشاكل بقينا نمشي نكره خلق الله في جواز، رغم إن في قصص كويسة، وجوازات ناجحة وحكايات ربنا مبارك فيها.
_بس قليلين أوي يا ذكرىٰ، قليلين ومش بيتكلموا حتى، أغلبهم بيخاف من الحسد، فبقى الكلام كله يطلع من الوحش، كل الآراء زي الزفت، حاجة تصد من الدنيا بحالها مش من الجواز بس.
_صدقيني الجواز دا رزق ونصيب، ومينفعش تحربتك تكون زي تجربة غيرك، حتى لو مفيش قصص كويسة بتتحكي، مينفعش تبني تصوراتك عن الجواز من حكايات وتجارب فاشلة، كل واحد وليه نظرته متمشيش ورا حد، لما يجي وقتك عيشي تجربتك بدون خوف، بقناعاتك أنتِ مش قناعات حد تاني يا مريم.
ابتسمت وهزت راسها
_عندك حق، ويمكن دا إلي بيلبسنا في الحيطة، المشي ورا ناس تانين من غير حتى ما نفكر.
سكتوا للحظة فَدينا بصت لجوزها، حسيت إنها هتقوم تضربه دلوقتي، في اللحظة دي ابتسمت وكتمت ضحكتي أنا كمان عايزة أقوم أضربه.
قاطع تفكيري زميلي مصطفى وهو بيقول:
_ربنا يطمنك يا بشمهندسة.
رفع إيده وبين لينا دبلته وكمل
_دا أنا مليش غيرها، والكلام السلبي الكتير دا بيقلقني.
_صدقني في الحلو زي ما في الوحش، الجواز بس محتاج صبر وتغافل، وعشان الناس بتستسهل الوحش بقى كتير أوي وصوته عالي لدرجة أنه غطىٰ على الحلو مش أكتر، المهم أنك تطمن عشان تطمنها، أنت لو قلقان قيراط فهي قلقانة الـ٢٤.
إسراء كل دا كانت بصالي بدهشة بس مشاركتش في الحوار، هي الوحيدة إلي تعرف أن تجربتي في الجواز فاشلة، مكانتش مصدقة إلي بتسمعه.
الكلام طال لحد ما الكل طلع وفضلت أنا وإسراء بس، خرجنا من الفندق.
قعدنا قدام البحر،
آخر الليل وفي لسعة برد رايقة
فكيت شعري وغمضت عيني بستمتع باللحظة، والسلام النفسي إلي مبيتكررش كتير.
_وبعدين؟
فتحت عيني وبصيتلها بضحك
_هاتي إلي عندك هاتي، الكلام هيقف في زورك يجرالك حاجة.
ضحكت وسألتني بحذر
_بصراحة استغربتك، إزاي الكلام الحلو دا على الجواز يطلع منك رغم إنك...
_مُطلقة
بصت لي بأسف فقولتلها بابتسامة
_الموضوع مبقاش بيزعلني، أو الكلمة يعني مبقتش تأثر أوي.
سِكتت وسكت والفضول في عينيها هيموتها فكملت كلام وأنا بضحك.
_يا بنتي مش معنى إني فشلت في الجواز إن كل جوازات إلي في الدنيا زفت يعني.
_لا بس على الأقل نظرتك ليه هتتغير.
_دا لو أنا أتبهدلت ونفدت بجلدي من الجواز مع إنها مش قاعدة، بس عكس توقعك، أنا كنت سعيدة في جوازتي، كنت متجوزة راجل زي القمر، راجل بمعنى الكلمة.
سكتت وأتنهدت وقولت بعدها وأنا بلعب في صوابعي
_بس هو النصيب، الحمدلله.
_أمال فين المشكلة!
رجعت خصلة من شعري لورا وقولت وأنا بستسلم لفضولها اللذيذ.
_كنا صغيرين، قرايب من وإحنا عيال، قربنا أكتر لما دخلنا نفس الكلية، حبينا بعض، وإتجوزنا وإحنا في الكلية، أتحدينا أهالينا لحد ما وافقوا، محدش كان موافق نتجوز صغيرين كدا، بس إحنا أصرينا أوي لحد ما أتجوزنا، كنا طايرين من الفرحة، فرحي دا كان أحلى يوم في حياتي.
ابتسمت وعيني لمعت وأنا ببص للبحر قدامي والهوا مطير شعري حواليا:
_كنت سكرانة من الحب وطايرة من الفرحة، برقص وأتمايل ومش شايفة اي حاجة تانية غيره، ومش شايفة نفسي غير في عينه، كان أحلى يوم في حياتي وعمري ما نسيت مشاعري وقتها، عشنا مع بعض أيام متتنسيش، نجحنا سوا وأتخرجنا سوا وأشتغلنا سوا، بس الدنيا ممشيتش على كيفنا، كنا صغيرين أوي قدام مشاكلها، وكل ما المشاكل تكتر نحاول ونعافر أكتر.
بدل ما نتحكم احنا في مشاكلنا،
اتحكمت هي فينا.
نستنا الوعود إلي خدناها
وحطت نقطة في نهاية قصتنا.
_مشاكل أيه دي إلي تنهي قصة زي دي!
_أهالينا مسابوناش في حالنا، بنت قريبته كانت بتحبه مسابتناش في حالنا، الكل راهن على فشلنا، وفجأة لقينا نفسنا في حرب، مكناش طرف فيها أصلا، كل حاجة كانت ضدنا.
بصتلي بحزن، واتنهدت أنا بابتسامة:
_وصلنا لمرحلة معدناش قادرين نستحمل كل المشاكل دي، كانت غلطة، مكانش ينفع نتجوز بدري بالشكل دا.
أتفقنا إحنا الأتنين على البعد في نفس اللحظة إلي حسينا فيها إن كل حاجة أكبر مننا.
_لو رجع بكِ الزمن هتكرري نفس الغلطة تاني؟
حركت راسي بآه وأنا بضحك وعنيا فيها بقايا دموع خبيتها بسرعة
_حتى لو غلطة، كانت غلطة حلوة، غلطة مش ندمانة عليها، ولا أتمنيت لحظة أنساها، غلطة مع الشخص الصح.
عنيها لمعت وهي بتقول:
_أول مرة أشوف واحدة مطلقة بتتكلم عن طليقها كدا.
_كنا عايزين نحافظ على الصورة إلي بنشوف بيها بعض، عشان هو ميستاهلش أشتمه لما تيجي سيرته، ولا لما أفتكره حتىٰ.
_يا سلام على الحب يا سلام.
_دا مش حب، دا اسمه إحترام
_بس يا خايبة أيش فهمك أنتِ، دا أنا لما بجيب لبنت عمتي سيرة الأكس بتلعن فيه لحد سلالته السابعة، دا لولا القيود الإجتماعية كان زمانها مشرفه في أبو زعبل بعد ما جابتله عاهة مستديمة، دا أنتوا كدا طالعين من فيلم أوي.
ضحكت على كلامها وأنا برد
_أغلب إلي بحكيلهم بيقولولي كدا، بيقولولي أنتوا قصة من زمن تاني.
_طب والله عندهم حق.
_هو فين دلوقتي؟
_سافر بعد طلاقنا على طول.
_قرر يخاصم الدنيا.
حركت راسي بآه فسألت:
_بيوحشك؟
رميت عليها المخدة إلي في إيدي.
_أنتِ جاية تقلبي عليا المواجع يا زفتة أنتِ!!
ضحكت وهي بتشيلها عنها:
_ما تجاوبي من سُكات، الله!
_أنتِ طالعة فضولية لمين يا إسراء.
_لخالي، دا مدرستي في الفضول، ها بيوحشك؟
ابتسمت
_مش عارفة! يمكن أتعودت على الفراق وقلبي جمد.
حركت كتافي بقلة حيلة
_مش عارفة.
سكت شوية وبعدها قلت بصوت مهموم:
_بس عارفة أصعب حاجة في الطلاق فعلًا؟
_أيه؟
_فراق الزوج دا مش زي أي فراق في الدنيا
أصعب حاجة فيه أنه كان أقرب حد، كان جزء من كل حاجة، كان أساسي في أيامك، بتنامي على صوته وبتصحي على صوته، أكتر حد فاهمك في الدنيا من غير ما تتكلمي، بيحس بيكِ من نظرة عينك، شريك في كل مكان، في كل شعور، في كل ذكرى وضحكة كأنه خد حتة معاه من قلبك قبل ما يمشي.
_دا واحشك بالقوي!
_لا، كان أيام الطلاق بس، كانت أيام صعبة أنما دلوقتي لاء، يمكن الذكريات توحشني، أنما هو لاء.
إسراء جميلة، كانت أول مرة مهربش من الحكايات من فترة بسببها هي، حسيت أني بتكلم بسهولة، ودي معجزة بالنسبالي، محصلتش من ساعة ما هو مشي.
_صباح الخير فطرتي؟
بصيتله بقرف، الموضوع زاد أوي، إسراء كانت واقفة جنبي على وشها نفس تعبير الخنقة فردت عني.
_فطرنا آه، ما تروح تشوف شغلك يا بشمهندس أيمن، وتسيبنا في حالنا.
_أنا بكلم ذكرى، متتدخليش.
عنيها وسعت من وقاحته فرديت بعصبية
_بشمهندسة ذكرى بالنسبالك! وإسراء ليها كل الحق تدخل، ياريت تروح تشوف شغلك عشان زودتها أوي.
بِعد وراح يكمل شغله فتأففت وقالت اسراء
_ما تروحي تقولي لمراته! دا عايز حد يلمه!
_وهي ذنبها أيه يا إسراء، هشوف حل بس مش دينا، لازم يكون له حد.
مكناش فطرنا فأكلنا حاجة سريعة وكملنا شغل، كان عندنا إجتماع في الموقع فأتغدينا وأتجمعنا هناك في نص اليوم نناقش المشاريع إلي معانا.
حط مصطفى الورق قدامنا وقال بعملية
_في مهندسين كمان هينضموا لينا عشان تنفيذ المشاريع بتوصية من الشركة طبعًا.
حركت راسي وأنا ببص على الورق لحد ما قابلني مشروع قلبي أتحرك مجرد ما شفته!
المشروع دا أنا عرفاه،
حفظاه وحافظة تفاصيله!
عشت معاه أيام وليالي.
إزاي وصل لإيدي تاني!
معقوله يكون هو!
_مين إلي رسم المشروع دا !
كنت بسأل وأنا عارفة الإجابة،
حفظاها ومتأكدة منها، كنت بسأل وأنا بفتكر الليالي الطويلة إلي كنا فيها سوا
ليالي مليانة ضحك وأحلام وكوبايات شاي كتير وسهر للصبح عشان المشروع دا يخلص، ليالي بتنتهي بينا وأنا نايمة على كتفه مكان مذاكرتي وشغله.
مصطفى فوقني وهو بيرد عليا باسمه، إلي قولته معاه في سري.
_بتاع ...بشمهندس يوسف المهدي.
إسراء عنيها وسعت وهي بتبصلي، وأنا حاولت أداري توتري ورعشة إيدي وأنا باخد نَفس عميق.
كانوا بيتناقشوا في الشغل بصوت عالي وأنا في دنيا تانية لحد ما الكل سكت مرة واحدة في دخوله
_صباح الفل عليكوا يا بشمهندسين!
يوسف؟ يوسف هنا؟
طول عمري بختار الهروب عن المواجهة، بس عمري ما كنت أتخيل أتحط في موقف مضطرة أواجه فيه، هنا بالذات مش هقدر أهرب، مش هقدر أجري، هنا بالذات المواجهة مبقتش اختيار، دي قدر!