رواية لست وحدي ( كاملة جميع الفصول ) بقلم ميرنا عصام

 

رواية لست وحدي كامله جميع الفصول بقلم ميرنا عصام 

صحيت على نور الصبح اللي دخل من الشباك، قمت من السرير بخطوات تقيلة، اتوضيت وصليت. بعد كده حضرت فطاري وحطيته على الطرابيزة الصغيرة في البلكونة.
قعدت أكل وأنا ببص للشارع الهادي، والنسمة الباردة اللي بتميز بداية اليوم… بس حتى اللحظات دي مش قادرة تخفي الفراغ اللي مالي قلبى.

الوحدة وحشة جدًا من بعد ما بابا وماما اتوفوا والبيت ده فاضي عليا أنا بس..أنا وأحزانى.

خلصت فطارى ودخلت ألبس علشان أروح شغلى .لبست وخدت شنطتى ونزلت .
دخلت المدرسة اللى هى بقيت جزء من يومى ....
دخلت فصلي، ومن أول ما شافوني الأطفال جريوا عليّ بضحكات بريئة وعيون مليانة حب، كأنهم بيعوضوني عن حضن مفتقداه.
واحدة منهم مسكت إيدي وقالتلي ببراءة:
– يا ميس، وحشتينا.

ابتسمت وقلبي ارتاح شوية، كأني بلحظة صغيرة رجعت أتنفس من جديد.
الأطفال دول بقوا هما الشئ الوحيد اللي بيهون عليا يومي. معاهم بحس إن لسه ليا قيمة، وإن فيه ناس مستنياني.

وأنا بوزع الكراسات على الاطفال، عيني وقعت على كرسي فاضي في آخر الفصل.
قولت في نفسي: يا ترى مين الطفل اللي هييجي يملأ الكرسي الفاضي ده؟
وبعدين رجعت أكمل مع باقي الأطفال.

بدأت الحصة، والأصوات الصغيرة حواليا كانت عاملة جو مختلف… في طفل بيرفع إيده متحمس عايز يجاوب، وطفلة بتضحك من قلبها علشان جاوبت صح.
رسمت ابتسامة على وشي وأنا بكتب على السبورة، وكل ما أبص في عيونهم أحس إني بعيش معاهم لحظات نقية بتنسيني ثقل الوحدة اللي برا باب الفصل.

---
عدى اليوم الدراسي وسط ضحكات وأسئلة بريئة، وواجبات صغيرة كتبتها في الكراسات. ومع كل لحظة معاهم، كنت بحس إني برجع أتنفس من جديد.

رن الجرس معلن نهاية اليوم، وجروا الأطفال على باب الفصل يودعوني واحد ورا التاني.
فضلت واقفة لحد ما آخر واحد خرج، تنهدت ولميت أوراقي في شنطتي ومشيت.
......
دخلت المكتبة الكبيرة زي كل يوم اللى في وسط البلد ، وروح الهدوء اللي فيها على طول بيهدي أعصابي.
رحت على الطرابيزة المفضلة ليا، ولقيت عمو محمود قاعد هناك زي عادته، بيصنف كتب على الرفوف.
 
– سألت بابتسامة خجولة:
صباح الخير يا عمو محمود، عامل إيه النهارده؟ 
رد علي بابتسامته الدافئة:
–صباح الخير يا حور، الحمد لله… وإنتى عاملة ايه يا بنتى؟ 

قعدت معاه شوية نتكلم عن الكتب، عن الروايات الجديدة، والقصص اللي وصلت المكتبة، وكأن الوقت وقف حوالينا.
بعد شوية، خدت الرواية اللي كنت عايزة أقرأها، وابتديت أغوص جوه السطور، وعمو محمود جنبي يشرحلي بعض الحاجات عن الكتب بحب وحنية.

بعد شوية، شكرته وودعته، وغادرت المكتبة وأنا حاسة بشوية دفء جوه قلبي…
اليوم خلص، ومستعدة ليوم جديد يبدأ بالمدرسة والروتين اللي عايزة أخوضه تاني.

---

وفي اليوم التانى
  أول ما دخلت الفصل لقيت طفل واقف قدامى، يبتسم بخجل.
– صباح الخير يا ميس… أنا اسمي معاذ ، النهاردة أول يوم ليا هنا.

ابتسمت له وقلت:
– صباح الخير يا حبيبى… أهلًا بيك وسطنا،أنا مس حور..
وكملت كلامى وأنا بحاول أطمنه:
متقلقش، هتلاقي هنا أطفال طيبين وهيحبوك بسرعة. 
ضحك بخفة وقال:
– ماشى يا مس حور

ابتسمت وأنا أشوفه بيحاول يتأقلم مع المكان، وحسيت بحاجة دافية جوايا… يمكن علشان شفت الفرحة الصغيرة اللي على وشه وهو بيتكلم معايا.
كملنا شوية نتكلم عن الفصل ، ولحظات بسيطة زي دي خلت اليوم يمشي بسرعة أكتر.

دخلت المكتبة بعد انتهاء اليوم الدراسي، وروحت على الطرابيزة المفضلة ليا… وبصيت حواليا وفجأة لقيت شاب طويل قاعد مكان عمو محمود.
سألته بدهشة:
أومال عمو محمود فين؟ 
 رد بابتسامة بسيطة:
تعبان شوية، وأنا قاعد مكانه لحد ما يكون كويس.

وقفت شوية مستغربة وبصيت له كويس… وبعدين بدأت أمشي بين الرفوف، وأنا بحاول ألاقي الرواية اللي كنت بقرأها.
رفعت راسي وبصيت على الشاب اللى قاعد مكان عمو محمود، فقلت:
– الرواية اللي كنت بقرأها مش لقياها وقولتله على اسمها. 

بص ليا بابتسامة صغيرة:
– اه هي هنا.... معلش، أنا يمكن غيرت مكانها شوية، كنت برتب المكتبة.

ابتسمت وشكرته، وأخدت الرواية بين إيديا وقعدت مكانى.

 وكل شوية كنت برفع راسى وبلاحظ حركاته البسيطة وهو بيرتب الكتب. الجو كان هادي، ومع ذلك في حاجة مختلفة… حاجة ما قدرتش أحددها.
لما قرب وقت الغروب، جمعت حاجتى وحطتها في شنطتى ومشيت .
خرجت من المكتبة، والهواء البارد لمس وشى، ومعاه شعور غريب… كأن اليوم ده كان مختلف عن أي يوم تاني، بس مين يعرف؟ 

.......
تاني يوم، وهي داخلة المدرسة، سمعت صوت طفل بينادي عليها:
– مس حور

بصت ولقته الطفل معاذ اللي جه جديد امبارح. ركض ناحية حور وحضنها بحرارة.
ابتسمت وحضنته وفجأة بصيت شوفت الشخص اللى جاى يوصل معاذ … نفس الشاب اللي كان قاعد في المكتبة امبارح مكان عمو محمود.

بصتله مستغربة وسألته بفضول:
– هو… أنت والد معاذ؟

ابتسم مازن بهدوء:
– لا… أنا عمه مش أبوه.

هزيت راسى بفهم، وبصيت لمعاذ:
– يلا سلم على عمو علشان ندخل المدرسة.

ابتسم معاذ وسلم عليه، حضنه، وبعدها ودعه بحماس.
دخلت حور ومعاذ المدرسة، والجو كله هادي، بس الفضول في عيونها تجاه مازن فضل موجود.

خلصت حور يومها الدراسي، ورجعت المكتبة زي العادة.
لما دخلت، لقت مازن واقف قدامها مباشرة، ابتسم ليها وقال:
– أنتي… مس حور، اللي معاذ أول يوم رجع من المدرسة كان بيحكي عنها وفرحان.

حور رفعت راسها مستغربة شوية، وحست بفضول خفيف:
– آه… أنا مس حور.

ابتسم لها وقال:
– عرفت اسمك من معاذ… كان طول اليوم بيحكي عنك، وقال أنه حبك جدًا.

حور حست بشئ من الفضول وقالت:
– هو… معاذ عايش معاك ولا ايه؟

ابتسم مازن بخفة، ونظر إليها بعينين فيها حنان:
– لا… معاذ أبوه متوفى، ومامته هي اللي بتربيه… وأنا بحاول على قد مقدر أكون جنبه علشان ميحسش بفقدان أبوه.

حور شعرت بحزن خفيف على معاذ وبعدها قالت:
– ربنا يرحمه… وبإذن الله تقدر تعوضه عن فقدان أبوه.

مازن بص لها بعينين فيها تقدير وحسّ بالامتنان لكلماتها، لكنه ما قالش حاجة… بس ابتسامته خففت الجو حوالينهم شوية.

حور قعدت تكمل قراءة الرواية، وكل شوية كانت ترجع عينيها عليه، والفضول تجاهه بدأ يكبر شوي… وفي نفس الوقت حست بشعور دافيء تجاه الطفل الصغير اللي كانت سمعت عنه أمور كتير من أول يوم..

سادت لحظة صمت قصيرة بينهم، قبل ما يرفع مازن عينه لها ويسأل بفضول هادئ:
 انتي… متعودة تيجي هنا كتير؟

ابتسمت حور بخفة وهي بتعدل الرواية بين إيديها:
– آه… تقريبًا يوميًا بعد المدرسة. المكان هنا مريح، وبحب أقعد أقرأ شوية قبل ما أرجع البيت.

هز مازن راسه بابتسامة صغيرة:
– واضح إن المكتبة دي بالنسبالك مش مجرد مكان للكتب.

نظرت له حور للحظة وقالت بهدوء:
– يمكن لأنها أكتر مكان بحس فيه إني مش لوحدي.

الكلمات خرجت منها عفوية، وبعدها بسرعة رجعت تبص في الكتاب كأنها بتحاول تهرب من اللي قالته.

مازن ما علقش، لكن نظرته اتغيرت… وكأن جواه بدأ يحس بحاجة مشتركة بينهم.

تعليقات