رواية صرخات انثي الفصل المائة والسادس عشر
الليل يحتدم بصراعه القوي ليطغي بسلطته الواهية، والصمت يستحوذ على المكان، يعلن تربع النوم بعرشه الثقيل على أغلب ركاب الطائرة، الا هو، كان يستند برأسه على حافة نافذة الطائرة، شاردًا بالفراغ من أمامه، وعقله يتضخم بجل ما يهاجمه.
استمد "عُمران" نفسًا طويلًا، واستدار جواره، يتأمل غفوة يوسف فوق كتف جمال الجالس بالمنتصف، ابتسم وهو يراقبهما قليلًا من الوقت، ثم جذب هاتفه يتلصص على حسابات زوجته الاجتماعية، فعلم من نشاطه بأنها مازالت مستيقظة.
فعل مكالمة فيديو، ومال برأسه تجاه النافذة مجددًا، يحكم الهاتف حتى لا يراها أحدٌ، فأتاته تجيب مرحبة بوصلة غرامه، وتهتف بعشقٍ:
_عُمران!
ابتسم وهو يطالعها بهوسٍ، وبدون أن يتطرق عنه كلمة، يستمتع بصوتها من السماعات بينما يحافظ على صمته حتى لا يشعر بهما أحدٌ، في حين أنه يكتب لها على المحادثة
«لسه صاحية ليه؟»
علمت بأنه لا يريد الحديث حتى لا يستيقظ أحدٌ جواره، أو يستمع أحدٌ لحديثه، فأجابته بضجرٍ:
_مش جايلي نوم، بحاول أشتغل على الملفات اللي فاطمة إدتهاني، وبصراحة كده أنا كنت شاكة إنك ورا الحركة دي، وكنت ناوية أتصل بيك أخانقك جامد بس أنت قلبك حس بيا وسبقتني .
تهدلت شفتيه بابتسامة ناعمة، بينما يكتب لها
«قلبي اللي حن واشتاقلك، زي ما اشتاق لوجودك جنبي في الشغل كتف بكتف، كنتِ بتقضي معايا وقت أطول بالشركة، وبردو كنت بحس أني مفتقدك، أنا عشان تعبك وفيت بوعدي ومأجبرتكيش تنزلي الشغل، بس خلاص يا بيبي
Your vacation is over أجازتك انتهت..
«
منحته نظرة غاضبة، وصاحت:
_خلصت إزاي أنا هولد بعد اسبوع! إنت محضرتش كلام دكتور يوسف!
راقب انفعالاتها بابتسامة هادئة، وكتب لها
«مين قال أني عايزك تنزلي دلوقتي، أنا بس بعملك تنشيط ذاكرة عشان لما تقومي بالسلامة تكوني بدل فاطمة، لانها هتأخد أجازة فترة حملها. فلازم تكوني جاهزة لكل شيء»
وأضاف بجدية تامة
«كيانك هو شغلك يا مايا، بلاش أجازتك تنسيكِ اجتهادك ونجاحك طول السنين اللي فاتت، أنا بحب أشوفك ناجحة وقوية، وشغلك هو اللي علمك تكوني كده»
غامت ملامحها في بقعة الحزن الدامية، وانخرط بصوتها حشرجة البكاء:
_إنت مش عايز تنزلني عشان أكون مكان فاطمة، إنت عايز تنزلني عشان أكون بدالك إنت طول السنة دي صح؟
وخز قلبه بقسوةٍ وهو يراها تحاول إزاحة دموعها دون أن يراها، فكتب لها:
«جمال أو آيوب يقدروا يعملوا ده، أنا عايزك تكوني بقوتك اللي اتعودت عليها منك..
مايا حبيبتي، دموعك أغلى من روحي يا عمري، أنا عارف إني ظلمتك معايا، عارف أني أناني، بس صدقيني أنا مش عايز أكتر من السلام النفسي اللي يخليني مطمن وقادر أوهبك كل الحب والسعادة اللي شوشت عقلي من كتر التفكير»
رسالة أخرى كتبها، ومازال يتطلع لها عبر الكاميرا
«إنتِ عمرك ما رضيتي بعذابي، بس باللي بتعمليه ده بتجلديني يا مايا!..»
أزاحت دموعها فور سماع كلماته، وعادت ترسم ابتسامة صغيرة:
_أنا بس بحاول أهون عن نفسي غيابك، أنا مش عارفة هستحمل إزاي من غيرك.
كتب لها ببسمة هادئة:
_هتبقي في أحسن حال، أنا راسملك صورة من مكاني هنا، هتبقي
The best business woman(أفضل سيدة أعمال)
أجمل وأحن مامي في الدنيا، أعظم زوجة، وأقرب صديقة وحبيبة لقلب جوزك، شوفتي حبيب قلبه صورته جميلة في عيونه ازاي؟»
تحررت ضحكاتها وقالت بتفاخر:
_كده هأخد مقلب في نفسي فاخر من الأخر.
بنفس ابتسامته دون لها
«يحقلك كل الدلال يا حبيبي..
على فكرة جوزك حبيبك بيعمل كل ده عشان يساعدك تسترجعي نشاطك، أنتِ من ساعة ما قعدتي من الشغل وإنتِ بقيتي كسولة، ومش بتحبي الخروج، كل حياتك بقت نوم في نوم، زمان كنتِ بتتمنى إننا نخرج مع بعض، حاليًا أنا اللي بقيت بسعى لده واجابتك مبلحقش أخدها من كتر تفكيرك في النوم يا بيبي!»
قهقهت ضاحكة ، وصاحت باستهزاءٍ:
_كنت عارفة إني حسدتك من كتر كلامي عنك، وإنك هتمل وهتبعد.
واعتدلت تقص له وضحكاتها ترتفع:
_كنت بتكلم مع صديقاتي من كام يوم في جروب الدفعه، كانوا أغلبهم بيشتكوا إن أزواجهم ملوا من هرمونات الحمل، وفي منهم اللي زهق من كتر ما مقضين أغلب يومهم على السرير، وأنا طلعت بكل فخر واديتهم حتة ريكورد تمجيد في البشمهندس اللي أحن عليا من مامي الله يرحمها، ولما كان يقولي تعالي نتغدى بره أو نخرج كان بيرجع يلاقيني نمت في سابع نومه، عمره ما اتضايق أبدًا ولا واجهني بأي تقصير، فشكلي كده اديتك عين حمرا وجاي تجبرني أنزل الشغل!!
شاركها الضحك ويده تدعم استناده على النافذة، بينما يشير باصبعه بأن تصمت ولا تضحكه، وحينما فشل أرسل لها ينبهها
«جمال ويوسف جنبي، صوتك خارج من الايربودز!»
كممت فمها تحجب ضحكاتها،فسلم رأسه للمقعد ومال يتأملها ببسمة جعلتها تعود لحزنها من جديدٍ، هاتفة بارتباكٍ:
_عُمران أنا مش هقدر أتحمل اللي هيحصل معاك، أنا خايفة عليك أوي.
شاركها الحزن والضيق يستحوذ عليه، فكتب لها
«متفكريش في أي حاجة غير ابننا يا مايا، ابننا اللي هيأخد نصيبه الاكبر من حبك ودعمك ليه، أوعدك أني هرجع أعوضك عن كل حاجة، هنقضي أجازة طويلة أنا وانتِ وعلي ابننا في أي مكان ترتاحي ليه، بس البداية هتكون بمكة، نفسي أعمل عمرة وإنتِ وهو معانا.»
هزت رأسها بخفة، فعاد يدون لها
«يلا يا حبيبتي، استرجعي مهاراتك في مراجعة التصميمات، مش عايز ثغرة تعدي عليكِ، حاولي تنظمي وقتك ومش تضغطي على نفسك، مع السلامة».
قالها وأغلق مكالمة الفيديو، ثم نزع السماعات من أذنيه واستدار يراقب النافذة بشرود بما قرر أن يخوضه.
*******
مرت ساعات الليل حتى أشرقت شمس اليوم التالي، توقفت سيارة "أحمد" أمام المركز، فهبط يحرر باب زوجته الحزينة منذ أن تلقت من علي ما حدث مع أخيها، وبالرغم من تزعزع الأمور بينهما الا أنها لم تتمكن من عدم زيارته بالمشفى.
هبطت تتبع زوجها بصمتٍ، متخفية خلف نظارتها السوداء ووشاحها القصير الذي عقدته أسفل قبعتها، ليخفي رقبتها ورأسها بشكلٍ كامل.
استعلم أحمد عن رقم الغرفة، وصعد بها بالمصعد حتى الطابق المنشود، فمر يبحث عن رقم الغرفة، طرق الباب وفتحه مشيرًا لها بالدخول.
نزعت نظارتها وتلفظت أنفاسها الساخنة، ثم ولجت للداخل بقوةٍ وثبات، فوجدت علي يرنو إليها يستقبلها:
_فريدة هانم.
قالها وهو ينحني مقبلًا يدها، فمنحته ابتسامة رقيقة، ومالت تتفحص "نعمان" الذي هتف بعدم تصديق:
_فريدة!
تخطت علي، وجلست بخفة على المقعد المقابل له، وبصوتها الرقيق سألته:
_عامل أيه دلوقتي يا نعمان؟
رد ببسمة واسعة:
_أنا الحمد لله بخير، وبقيت أحسن لما شوفتك.
زمم أحمد شفتيه بنزقٍ، لحق بقوله:
_حمدلله على سلامتك.
رفع رأسه إليه وقال:
_الله يسلمك يا جوز أختي.
استدار أحمد إلى علي، وردد من بين اصطكاك أسنانه بغيظٍ:
_شوفت بيستفزني إزاي، ده اتخلق عشان يستفز اللي حوليه يا علي!
منع ضحكاته من الظهور، فهو يعلم مدى كره عمه إلى نعمان، فمال يهمس له برزانة، وكأنه يتعامل مع طفلٌ صغير:
_معلش يا عمي، هو ميقصدش ولا عنده المقدرة يجر شكلك وهو بالحالة دي.
لم تلين ملامحه بشكلٍ كاملًا، بل تمتم ساخطًا:
_الغلط عليك أنت يا دكتور، مكنش لازم تعرف فريدة بتعب الملزق ده، الله أعلم هو بيخطط لأي مصيبة، وحظه أن عُمران مش موجود، جايز أصلًا يكون بيستغل إنه مسافر كام يوم، مهو عارف إن لا انا ولا إنت نقدر نتعامل معاه، وإنت ما شاء الله مهدتله الطرق كلها وخصوصًا برجوعه معانا القصر، لو لسه مصر على قرارك ده اتصل بعمران وخليه يرجع.
وضع كفه يخفي بسمته، وتصنع بأنه يميل ليهمس له، مستغلًا انشغال نعمان بالحديث مع والدته:
_متقلقش يا عمي، لو حصل أي مخالفات منه أنا اللي هقف في وشه.
بعد أحمد رأسه للخلف ليمنحه نظرة ساخرة، مشككة بكل حرفًا نطقه، وباستهجان قال:
_أنت!!
اتسعت ضحكته وقال بكلمات بطيئة، سحبت انتباهه:
_متنساش يا عمي إن عُمران تربية إيدي، فخليك واثق إن لو خالي ضايقك بشيء هجبلك حقك وقتي.
زم شفتيه بعدم اقتناع، بينما يواصل علي حديثه، كأنه يحاول تهدئة طفلًا صغيرًا يريد مغادر المدرسة بأول يوم دراسي:
_طول ما أنا موجود إطمن ومتخافش، هقدر أعمله كنترول.
أدلى بشفتيه مستنكرًا امكانياته:
_ربنا يستر!
******
خرج "عُمران" برفقة أصدقائه من المطار، فوجدوا سائق الكرفان بانتظارهم، صعد "جمال" و"يوسف" على متنه، وتفحصا أرجائه بانبهارٍ شديد، حيث كان يتكون من مطبخ صغير، وحمام بنفس مقاسه، فراش طابقين علوي وسفلي، ومن جواره أريكة تنقلب لفراش مريح.
صعد جمال طابق الفراش العلوي، تمدد من فوقه هاتفًا باستمتاعٍ:
_مش عايز حد يصحيني غير بعد عشر خمستاشر، ساعه.
إرتكن يوسف على السرير السفلي، متمتمًا في سخطٍ:
_على الاساس إنك مهم أوي، ومصالح الدولة كلها هتعطل على عبحليم الغشيم!
أجابه بصوتٍ تحشرج بفعل نعاسه السريع:
_لم نفسك يا متعسر ونام، بدل ما اتقلب بالسرير فوق أنفاسك.
راقبهما عُمران بضجرٍ، فألقى حقيبته جانبًا ثم حل الاريكة ليصنع منها فراش، واحتله بهدوءٍ جعل يوسف يستريب لامره، فحاول جذبه لأطراف الحديث:
_سمعت يا عُمران، لولا دخولنا كلنا مع بعض كنت شكيت إنه فك السرير عشان يقع فوقي بيه زي ما كان بيعمل أيام الدراسة.
وجده يغلق عينيه مستندًا على ذراعه المثني أسفل رقبته، وبهدوءٍ غريب هدر:
_سيب كلابي هادية عنكم يا يوسف، بدل ما تنهش أمك أنت وهو!
ضم شفتيه باستنكارٍ:
_هتوقع أيه منك غير الوقاحة يعني، إنت مش محترم إن دي أول رحلة وأول أجازة أخدها من فترة طويلة، أساسًا لولا المصلحة تخص علي الغرباوي نفسه مكنش إداني الأذن بالسهولة دي، أنا من غير المركز حاله يقف، عشرات الستات هتمتنع عن الولادة، ووارد يتضاعف حالات الطلاق بسبب الحوار ده، أنا آ...
استكمل عنه عُمران باقي حديثه:
_ما تنزل من مركبة أحلامك على الأرض، وتدفي نفسك لحسن تأخد لطشة برد يا جو، أنا طالع رحلة تهون عليا مش فاضي أجري على قتيل بينازع ومحتاج سرنجة للبرد، أنا بفكر أكلملك سيفو سرنجة من دلوقتي احتياطي!
لملم سخطه وغيظه الشديد، وتمدد يفرد غطائه على ذاته وهو يتمتم بخفوت:
_أنا هخلص منك النهاردة، ومن غير تصبح على خير.
مال يدير له ظهره، فابتسم عُمران وحاول هو الأخير أن يستلقي، ولكنه لم يهتدي لنومه؛ فجذب هاتفه وأخذ يتفحصه بمللٍ، حتى استوقفه فيديو لأحد الشيوخ الذي يحب سماعهم، فاذا به يبتسم مع نهاية المحاضرة، ووجد ذاته يفتتح صفحته الرئيسية ويدون ما تلقاه من الشيخ الفاضل.
«الانسان بيتولد في لفة، ولما بيموت بيتلف في لفة، وما بين اللفة واللفة بيلف لف، إما يلف على طريق النبي، أما يلف على طريق أجنبي، لو لف على طريق النبي يدخل الجنه يرتوى، ولو على طريق الاجنبى مصيره بالنار يتشوى!»
أغلق الهاتف ووضعه جانبًا، ونهض يتجه للجزء المخصص للمشروبات، صنع كوبين من العصير، وعاد للأسرة، ينحني هامسًا بصوتٍ خافت:
_يوسف.
لم يأتيه ردًا من المنادي، فابتسم هاتفًا بسخرية:
_أنا عارف إنك صاحي فبلاش تصيع عليا.
فتح مُقلتيه وجلس بانزعاجٍ:
_نعم عايز أيه؟
ناوله الكوب، وإتجه يجلس قبالته على الأريكة، ناطقًا باستهزاء:
_هعوز أيه منك يا متعسر، مليت ومش لاقي حاجه تسليني، لسه ساعتين عما نوصل، فأيه رأيك ترغي في أي حوار.
وضع الكوب جواره، وسحب نظارة النظر الخاصة به يرتديها، مدققًا النظر فيه والدهشة تتحرر لتبدي واضحة عليه:
_عايزني أرغي معاك إنت!! لا كده أنا أتاكدت إن في حاجة مش طبيعية.
وأضاف وهو يميل مشيرًا على هاتف عُمران الملقي جواره:
_لو الشيخ ده سره باتع أوي كده هنزل كل الخطب بتاعته وأول ما ألقيك حررت كلابك السعرانة هشغلك خطبة، قولتلي بقى إسمه أيه؟
رد بهدوءٍ مدروس:
_إسمه أحمد عزب، ومش متابعه لوحده بس، متابع كمان الدكتور حازم شومان وأسامي كتير جدًا.
وبمكرٍ استطرد وهو يرتشف من كوبه:
_بس إنت مش محتاج للمشايخ عشان أكون هادي معاك، ده إنت حبيب قلبي من جوه يا جوو.
جحظت عينيه بشكل حرر ضحكات عُمران، فمال من كثرة الضحك، بينما يردد يوسف بصدمة:
_حبيب قلبك!! أنا كده إتاكدت إن شكوك دكتور علي كلها في محلها، إنت مش طبيعي يا حبيبي!
رفع الكوب يرتشفه بأكمله على ثلاث جرعات، ووضعه جواره مشيرًا له بحزمٍ:
_أنا غلطان إني ببل ريقك بكلمتين رايقين، نام يا يوسف.
تناول ما بيده وعينيه شاردة بالفراغ بذهولٍ، وما ان انتهى من كوبه، حتى تمدد قبالته بدهشةٍ، جعلته يناديه مجددًا:
_عُمران.
وضع يده فوق عينيه يمنع الاضاءة من التغلل بمُقلتيه، وهمهم يجيبه:
_أممم.
استدار يخبره بجدية مضحكة:
_إنت كويس!
اجابه وقد بدأ يندمج بالنعاس:
_نام يا يوسف.
تحلى بالصمت لخمسة عشر دقائق، وعاد يتمتم بعدم راحة:
_عُمران أنت فيك حاجة صدقني أنا أدرى منك بالحوار ده.
تحرر عن كل ثبات امتلكه وصرخ بعصبية:
_هو أنا مش قولتلك اتخمد، ولا لازم أقوم اطلع روح أمك عشان تتزفت!
انبهرت تعابيره، واتسعت ابتسامته بشكل جعل الاخير يعقد حاجبيه بدهشة، وخاصة حينما وجده يسحب الغطاء ويتمدد هامسًا بسعادةٍ:
_يا شيخ قلقتني عليك، كده اتطمنت!
راقبه عُمران بصدمة، وألقى بثقل جسده على الوسادة مرددًا بضيق:
_أتحكم في لساني الوقح إزاي ودول ورايا!! استغفر الله العظيم وأتوب إليه، يا رب سامحني أنا بحاول والله بس هما اللي معاتيه!
وعاد يتمتم من بين اصطكاك اسنانه على تجرد لسانه بالسب مجددًا رغمًا عنه:
_استغفر الله!
******
ولج بسيارته للچراچ المخصص للسيارات، كعادته لم يهين يومًا العامل المسؤول عن چراچ القصر، والذي يتمنى يومًا أن يترك سيارته بالخارج ليدخلها هو، بل كان يصفها بالداخل بتوازنٍ، ويمنحه أروع ابتسامة ويختم بقوله الذي يعود لنطقه في التو:
_تسلم إيدك يا عم سعد.
استدار العامل الذي ينظف سيارة من السيارات الخاصة بسيدة القصر "فريدة الغرباوي" ، يبتسم ببشاشةٍ، وهو يشيد به:
_الله يسلم عمرك يا دكتور علي، أنا هنقل لعربيتك، هخليهالك فلة، شمعة منورة.
وبالفعل حمل الرجل المسن أدوات التنظيف، وانتقل إلى سيارته، فترك "علي" حقيبته على أحد المقاعد البلاستكية، ونزع عنه جاكيته الجلد، أشمر عن ساعديه وإتجه إليه، يجذب الفرشاة المبللة بمسحوق التنظيف، وشرع بمعاونته لتنظيف السيارة، فابتسم العم وقال:
_المرادي مش هتخانق معاك، هفضل أعيد وأزيد وبردو هتعمل اللي في دماغك وهتساعدني، فهسكت أحسن.
ضحك "علي" وأجابه باحترامٍ لطالما إلتمسه منه الرجل:
_على فكرة أنا بحب أقف معاك الكام دقيقة اللي بخطفهم بغسيل العربية دول، وبعدين أنا سبق وقولت لحضرتك أني اتعودت أعمل كل حاجة ليا بنفسي، ومع ذلك حبيت مشاركتك معايا، انا بفضلك أصلًا عرفت تكات وأسرار تخلي إزاز العربية يبقى مرآيا، كنت مهما أغسل فيه كان بيجير بشكل غريب.
اتسعت بسمة العجوز، وقال يثني عليه:
_إنت ما شاء الله مش ناقصك علام من حد، ده أنا بدعي ربنا ليل نهار إن رامي ابني يبقى في أخلاقك وتربيتك وعلامك العالي.
عصر "علي" قطعة القماش وأخبره بتواضعه الملموس:
_إن شاء الله يبقى أحسن مني كمان، ربنا يباركلك فيه وتشوفه زي ما أتمنيت وأكتر.
رفع الرجل بصره للسماء وردد بتمني:
_يسمع منك ربنا يابني.
انتهى كلاهما من تنظيف سيارته، فتركه "علي" وإتجه يرتدي جاكيته ويعيد ترتيب ملابسه، ثم سحب ظرفًا مطويًا، وعاد يقترب منه، وعلى استحياء ناداه:
_عم مسعد.
أتى إليه يجيبه:
_أمرني يا دكتور.
مد الظرف إليه مبتسمًا، وقال:
_ده مصروف رامي، بلغه سلامي وقوله إني هستنى نتيجته السنادي على أحر من الجمر، عايزه يشرفني ويدخل طب، قوله دكتور علي بيقولك مكانك محفوظ عنده بالمركز.
التقط الرجل منه الظرف الذي إعتاد أخذه كل شهر لمتابعة دراسة ابنه بالثانوية العامة، وشكره بامتنانٍ لرقي أخلاقه حتى وهو يقدم له صدقة، أحاطها بقوله الحذر دون التطرق لأي لفظ يخدش به كرامته:
_يوصل يا دكتور، جزاك الله كل خير، ربنا يزيدك ويكرمك بابن صالح يكون بار بيك وبالهانم يارب.
اتسعت ابتسامة علي فرحة بدعوته البسيطة، فشكره وحمل حقيبته وإتجه للقصر، ومنه للمصعد، وفور أن خرج منه وجد زوجة أخيه تحمل عدد من الملفات ومن فوقهم الحاسوب، فاسرع تجاهها يجذب الحاسوب من فوق ما تحمله، وردد بانزعاجٍ مما تفعله:
_أيه كل ده يا مايا، أنتِ ناسية إنك على وش ولادة!
حلت عقدة معالمها من فرط اجهادها لما تحمله، فوضعت الملفات فوق الحاسوب الذي يحمله، وقالت وهي تستريح على أحد المقاعد المنتشرة بين الجناحين:
_كويس انك جيت يا علي، شيل بقى أنت، وإكسب فيا ثواب دخلهم لفاطمة وأنا هحصلك بس على مهلي.
ضحك على كلماتها، وردد مازحًا:
_هتركبي الدور الجاي ولا أيه؟!
منحته نظرة حازمة وهتفت بضجر:
_مش قادرة أرد عليك للاسف، روح يا دكتور هشم نفسي الأول وهاجي أخد حقي منك أنت ومراتك اللي قلبت على مرات أبويا فجأة دي، انا معرفش بجد أيه اللي حصلها وحولها بالشكل ده.
ضيق عينيه باستغرابٍ من جملتها:
_فاطمة!! دي بتحبك جدًا وبتعتبرك زي زينب بالظبط، وبعدين هي فاطمة ممكن تعمل حاجة في حد دي ملاك!
أشارت بيديها بغضب قبل حتى أن تستمع لحديثه:
_أهو طل ما أنت شايفها ملاك بجناحين كده مش هعرف أخد منك ولا منها حق ولا باطل.
وتابعت وهي ترتب حجابها الطويل بابتسامة هيام، وبصوت رغم أنه كان منخفض الا أنه كان مسموعًا إلى علي:
_هلوم عليك ليه، ما أنا بعمل المصيبة وبتدارى في أخوك، وأهو بردو بيطبلي وشايفني بسكوتة نواعم.
اتسعت ضحكة علي، وجذب أحد المقاعد يقربه من محل جلوسها، متسائلًا بجدية تامة:
_خلاص أوعدك أني مش هتحيز للطرف الأخر، وهسمع منك المشكلة كلها وكمان هحاول ألقى حل يرضي جميع الأطراف، ها كده تمام؟
هزت رأسها بعنجهيةٍ، وقالت وهي ترفع كتفيها بشموخٍ:
_بص يا دكتور، مراتك المصون اتفقت مع مديرها المغرور عليا، مع إني شاكة أنها عاملة معايا الواجب وبزيادة من وراه كمان.
ضم شفتيه بعدم فهم، فاستطردت توضح له:
_اخوك فجأة قرر يرجعني الشركة، وعايزني أستغل الاسبوع اللي قبل الولادة في مراجعة كام ملف بحيث لما ارجع بعد الولادة الشغل تكون ذاكرتي اتنشطت، بس فاطمة زودتها أوي ومدياني خمس ملفات لخمس مشاريع كبار، أنا من امبارح وأنا مشتتة بينهم ومش عارفة إذا كان تصميمات وحسابات المشاربع مظبوطه ولا لا، فكنت راحة أتخانق معاها وأخليها تشيل معايا ملفين تلاتة، بدل مهي ما صدقت ورمت عليا كل حاجة.
وأدلت شفتيها السفلية ببراءة مصطنعة:
_ شكلها كده عايزة تخلع الفترة اللي بقيالها من الحمل، وللاسف معاها حق ومحدش هيقدر يغلطها!
لم ينتبه علي لمزحها بالحديث، فلم يلتقط الا شيئًا هامًا، جعله يشرد بتفكيره إليه، وفسره كليًا بسؤاله الجاد:
_وليه عُمران عايزك تنزلي الشغل دلوقتي؟
ارتبكت مايا قبالته، لقد شدد عليها زوجها الا يعلم أخيه عن أمر سفره وخضوعه للعقوبة التي أتمنها عليها، فرمشت بارتباكٍ فاح رائحته إلى علي، وخاصة حينما تلعثمت:
_بيقول إني بقيت بقضي أغلب وقتي بالبيت وإن ده مش كويس، فعايزني أنزل عشان كمان لو فاطمة حبت ترتاح وتأخد أجازة عشان حملها أكون بدالها.
لم يبتلع علي حديثها، وبداخله يشعر أن هناك خطبًا ما، ولكنه احترم خصوصيتهما، ولم يشئ بطرح المزيد من الاسئلة، بل رسم بسمة مصطنعة، ونهض يحمل الملفات والحاسوب الوردي الخاص بها قائلًا:
_هدخلك الملفات واللاب لمكتب فاطمة، وهخليها تيجي تساعدك.
بددت توترها من صمته الغامض، وقالت:
_لا مش عايزاها تساعدني، أنا هدخل أدب خناقة معاها، بس إدعيلي انت أوصل بالسلامة.
قهقه ضاحكًا، وهو يخبرها:
_الجناح على بعد متر واحد منك يا مايا، شكل فعلًا قرار عُمران صح جدًا.
لوت شفتيها وبنزقٍ قالت:
_ومين هيقول آمين على وقاحته غير باباه!
ونهضت تجذب منه الملفات قائلة بنفور:
_هات الملفات أنا مش عايزة منك مساعدة نهائي، إنت اتخلقت عشان تشوف مراتك وأخوك وفريدة هانم ملايكة، معرفش مين هيجبلي حقوقي المهدورة في البيت ده!!
اتبعها وهو يكاد ينهار من الضحك، فحاول إيقافها قائلًا:
_ليه كده بس، أنا دايمًا بساعدك في كل كارثة بتعمليها، فاكرة الخناقة الاخيرة اللي حصلت مع فريدة هانم في أوضة السفرة، ولا خناقتك مع عُمران وقت ما فتحتلك باب المكتبة؟؟
وقفت محلها تفكر مليًا في حديثه، وعادت تضع الملفات فوق تلحاسوب الذي يحمله، هاتفة ببسمة رضا:
_فاكرة يا باشا أنت أفضالك مغرقاني.
حمل الملفات وخطى جوارها مبتسمًا حتى ولج للجناح، بينما استقلت هي غرفة المكتب، تنتظر أن تنظم لها "فاطمة"، الذي تكلف "علي" بإرسالها.
وجدها "علي" تجلس على الأريكة، وجهها يحمل بقايا لملامح الحزن التي حاولت إخفائه فور أن شعرت بوجوده، اعتدلت بجلستها وقالت مبتسمة:
_إنت رجعت يا علي؟
قرأها ككتابٍ مفتوح، وقد صدقت شكوكه كاملة، تحرر صوته الرجولي الرزين:
_ مايا بمكتبك، ومعاها ملفات خاصة بشغلكم.
انتصبت بوقفتها تتجه للمشجب، جذبت اسدالها ترتديه، قائلة :
_أنا كنت لسه رايحلها، كويس إنها جت.
راقبها بصمت، حتى اتجهت للسراحة تعدل حجابها، فلحق بها يتساءل:
_مش غريبة إن عُمران يسمحلها بالنزول وهي بالوضع ده!
تطلعت لانعكاس صورته ورددت بتوترٍ:
_عادي يعني، يمكن مش حابب إنها أتأقلمت على قاعدة البيت، متنساش أن مايا كانت شايلة نص شغل الشركة كله، وفجأة مبقتش تنزل خالص.
رنا إليها حتى بات قبالة عينيها اللاتي تتهربان منه:
_مخبية عني أيه يا فاطمة؟
ردت بنبرةٍ جاهدت لجعلها أكثر من هادئة:
_هخبي أيه يا علي، أنا مع القيء والدوخة المستمرة، مبقتش قادرة أنزل الشركة زي الاول، وعُمران ابتدى يلاحظ ده، فطبيعي إنه يطلب من مايا تكون جانبه.
شعر بأنه ولربما يتمادى، فضمها مقبلًا جبينها بحنانٍ:
_سؤالي مش محتاج منك ضغط الاعصاب ده كله، أنا واثق فيكِ لأبعد حد، وعارف أنك لا يمكن تخذليني أبدًا، زي ما أنا أمانك إنتِ كمان أماني وثقتي، وعُمري كله يا فطيمة.
اعتصرت دمعة حبستها قدر ما تمكنت داخل جفنيها، وفكت أسر يديها تحاوطه والحاجة إليه يلمسها برعشةٍ أصابعها المشددة على جاكيته، شدد من ضمتها والقلق يساوره بتلك اللحظة، وخاصة حينما نطقت بصوتٍ واجم:
_متسبنيش يا علي!
رده السريع أتى يطمئنها:
_وأنا ليا مكان تاني جنبك يا قلب علي!
ابتسمت والعشق يختلج أوردتها، فمنحها بسمة تحمل من العاطفة ما تمكنت من ضمها، بينما يخبرها بمزحٍ:
_ميسان هتقيم عليكي الحد.
انتفضت بفزعٍ، حينما تذكرت أمرها، فدفعته وركضت صوب باب الغرفة الجانبي، وضحكة علي تتبعها برنينها الساحر.
*****
فتحت باب المكتب، وولجت للداخل تبحث عنها، تمهلت بخطواتها حتى ألقت بثقلها على المقعد المقابل لمكتبها، تتطلع إليها بحزنٍ شديد، وصمتًا مزقته مايا بنزقٍ:
_لا بقولك أيه أنا لسه واخده إفراج من علي فمش ناقصة فرهدة التفكير في اللي مزعلك، إرمي مصيبتك مرة واحدة، أنا واحدة على وش ولادة ومستبيعة.
تنهدت بحزنٍ شديد، وقالت:
_علي شاكك أننا مخبين حاجة عليه.
انتقل الحزن إلى مايا، التي تجاهد للبقاء صامدة قدر ما تمكنت، فاحتشد بنبرتها:
_سألني وتوهت بالكلام، بالنهاية هيعرف.
وأضافت وقد تلألأت دموعها:
_أنا قلبي موجوع على عُمران، وزعلانه من نفسي أوي، لأني كنت أقدر أوقفه عن اللي هيعمله، بس شوفت بعنيا معاناته وعذابه الكبير طول الفترة اللي فاتت.
وبابتسامة ألم أبكت فاطمة، قالت:
_السبب الوحيد اللي خلاني مصدقش المشهد اللي شوفت فيه جوزي مع واحدة غريبة على سرير واحد هو إني كنت شايفة بعنيا إزاي كان بيجلد نفسه بعد ما فاق من الذنب البشع اللي ارتكبه مع الحقيرة دي.
وتابعت ببسمة واثقة رغم دموع عينيها، وبقوة تعجبت منها فاطمة:
_عُمران مفيش زي قلبه، مهما اكتسب عمر فوق عمره، مهما اتغيرت فيه صفات، حتى شكله الخارجي، قلبه مستحيل يتغير.
لم تشأ فاطمة أن تقطع حديثها الذي يهون عما تخوضه ميسان، فاستطردت ونظراتها تشرد بالفراغ:
_أنا عارفة إنه اتخلى عني في توقيت مهم بالنسبالي، بس مهما كان اهمية اللي أنا داخلة عليه مش هيكون بأهمية راحته وسلامه النفسي، صلاح توبته نفسها بتطمني على شكل علاقتنا اللي جاية، بتديني القوة والثقة في علاقتنا، بتشفي وجعي اللي قضيته طول فترة معرفته بالكلبة دي، وبتخليني عندي الثقة الكاملة إنه مش هيخوني أبدًا.
وتطلعت إلى فاطمة، تخبرها بابتسامة واسعة:
_تعرفي إني كنت في كل أجازة بينزلها عُمران لمصر كنت بصمم أخليه يحضر معايا حصتي مع المحفظة بتاعتي، كان بيحفظ معايا كل أجازة جزء، وعلى مدار السنين اللي كان بينزلها حفظ معايا القرآن كله.
وتنهدت في راحة وسكون:
_من صغره وهو مفيش في نقاء قلبه، كان بيعمل كل اللي يقدر عليه عشان ميشوفنيش حزينة، عمري ما أنسى وقفته جنبي وقت وفاة ماما الله يرحمها، كان أكتر حد حاسس بوجعي، وبيطبطب عليا من جوه قلبه، ولما أكون كويسة بحس أنه هو كمان مرتاح وحاسس بتحسن.
وابتسمت ودموعها تشق الطريق على وجنتيها:
_كنت بخبي جيتاره في كل مرة كان بيسفر فيها، عشان أضمن إنه يرجع السنة اللي بعدها، مهو عُمران زمان كان بيغني وكان متعلق جدًا بجيتاره، لحد ما علي منعه منه تمامًا.
ورفعت كتفيها بحيرة، وهي تخبر فاطمة:
_معرفش ليه فجأة اتحولت علاقتنا الجميلة لتعاسة بمجرد دخول العقربة دي لحياته، مبقاش ينزل مصر ولا بقى يرد على مكالماتي، عُمران اتبدل حرفيًا، وده شوفته بعنيا لما سافرت لندن أكمل تعليمي.
أخفضت وجهها تخفي دموعها المنهمرة، وهي تعبث بخاتم زواجها الألماس الذي ترتديه، استمدت قوتها وعادت تواجه فاطمة التي تستمع لها باهتمام ودهشة لسماعها تلك التفاصيل الخاصة عن قصة عشق "مايسان" و"الطاووس الوقح".
وحينما شعرت بأنها تخطت غصتها المؤلمة، قالت:
_إنتِ عارفة باقي تفاصيل اجبار فريدة هانم بجواز عُمران مني، وبالرغم من إن رفضي ليه كان ممكن ينهي الجوزاة دي الا أني وافقت.
وضحكت بصوتٍ ساخر وهي تخبرها:
_ممكن تفكري زي ما اغلب صديقاتي فكروني إني كده ببيع كرامتي، بس أنا كنت باصة على الموضوع من منظور تاني، إن الشخص ده في جوه قلبه مكان يخصني، زي ما في جوه قلبه مكان فيه ضوء بسيط مليان بالايمان وحب القرب من ربنا
سحبت نفسًا عميقًا، ورددت بكل فخر:
_ كنت عارفة إني هخوض حرب عشان أفوز بيه، وإنها مش أي حرب، حرب هتعود عليا بوجع نفسي كبير، خضتها عشان حبيته وعشان هو زمان وقف جنبي في كل مرة احتاجتله فيها، آه أوقات كتير كنت بستسلم وأفتكر اني حاولت أهرب منه مرة والمرة التانية أخدت قرار نهائي بالطلاق، بس في المرتين لمحت منه مشاعر بتديني الأمل ان خلاص هانت وأكسب الحرب اللي تعبتني، وفعلًا انتصرت وفزت بقلبه يا فاطمة، فأي شيء تاني مجرد رتوش هتداويها الايام.
ازاحت دموعها ومازالت ابتسامتها مرسومة:
_عُمران كان بينزل كل سنة لمصر تلات شهور، وبيفارقني تسعة، أنا عشت ألم فراقه باستمرار، تقدري تقولي اتعودت أن مهما بعد هيرجعلي، وبالذات المرادي.
تهاوى دمع فاطمة، ولم تجد ما ستقوله، فنهضت تضمها والاخيرة تحاوطها بحبٍ، والاحاديث قد توقفت عن مجراها بعد حديثها.
******
وصل الكرفان حي "موسى"، وقد اصطف بالمكان الذي وصفه مسبقًا للسائق عن طريق الهاتف، هبطوا يرتدون حقائبهم الصغيرة، وحملوا الأكياس الفخمة التي اشتراها عُمران خصيصًا إلى موسى من بوتيك" إيثان"، ليحضر بهم الحنة وحفل الزفاف.
تعجب "يوسف" و"جمال" من تدني الاجواء المحيطة بهما، بينما يتجول "عُمران" بسهولة بين الشوارع، حتى وصل لأحد البيوت البسيطة، وبالاخص لورشة صغيرة، مدون على لافتة عريضة خارجية لها "ورشة الاسطـى موسـى".
سبق" عُمران "خطاهم، وأسرع تجاه ذلك المنبطح أرضًا أسفل السيارة، يهاتفه بسخرية:
_حد يحن للشحم ليلة حنته يا بغل!
أتاه صوتًا مختنقًا من أسفل السيارة يهتف بعدم تصديق:
_خواجــــــه!!
دفع جسده القوي من أسفل السيارة، ونهض يبتسم ابتسامة واسعة، والشوق يحفل في عينيه بحماسٍ، فتح ذراعيه وهرع إليه ليحتضنه، ولكنه توقف يخفض ذراعيه الملطخان من الشحم بحرجٍ، ففجأه عُمران حينما لم يهتم باتساخ يديه وبادر بضمه بكل حبٍ، جعل الاخير يبعدهما عنه حتى لا يوسخ ملابسه، بينما يهتف ببسمة صافية:
_ليك وحشة يا خواجة، والله ما صدقت أما قولتلي إنك هتيجي وهتبات معايا ليلة بحالها، فكرتك لمواخذة بتأخدني على أد عقلي.
ربت على ظهره بحنانٍ، وردد بمحبة نبعت من أعماقه:
_أنا هروح لأعز منك يا أسطى!
ازدادت ضحكته وقال بحبورٍ:
_طب والله العظيم بحبك وليك وحشة، ده صابر هيزقطط لما يشوفك، ولا قمر مش هتصدق، على فكرة انا ركبت تكيف زي ما يكون قلبي حاسس أنك هتيجي تاني.
واستطرد وهو يشير للسيارة:
_اطلع سلم عليه عما أخلص المصلحة دي على السريع وأحصلك.
تفحص عُمران السيارة وبسخطٍ قال:
_هو إنت مش هتحرم تغشم! النهارده المفروض تكون بتستعد زي أي عريس.
قال بتلقائية وصلت إلى قلبه:
_أهي مصلحة هتقضى على السريع وهيطلعلي منها سبوبة حلوة، حد يقول للرزق لا.
اهتدت ابتسامة عُمران لمغزى ذلك الشاب البسيط، فقال يحمسه:
_ربنا يعينك يا أسطى، خلص وأنا هستناك فوق.
أنساه الحديث رفقته، رفقائه اللذان يتابعان حوارهما بدهشةٍ، أشار لهما بالاقتراب، وبدأ يعرفهما به:
_ده جمال وده يوسف اصحابي اللي كلمتك عنهم يا موسى.
جفف "موسى" يديه بالمنشفة، وصافحهما بحرارةٍ، هاتفًا بكل ترحاب:
_يا مليون مراحب بضيوف الخواجة، نورتوا الحي كله، أتفضلوا اتفضلوا يا بهوات.
رد عليه يوسف بابتسامة واسعة:
_منور بيك يا أستاذ موسى وألف مبروك لحضرتك.
مال تجاه عُمران يبتسم له بسمة علم مكنونها، وخاصة حينما همس له:
_حضرتك!!
عاد يصافح جمال الذي قال له بقمة الود والمحبة:
_أنا أصريت أجي مع عُمران عشان أشكرك على كل اللي عملته مع عُمران، حضرتك راجل محترم وعندك أخلاق عالية يا أستاذ موسى.
هز رأسه له بشكر وامتنان بينما يميل تجاه عُمران هامسًا بمرحٍ:
_آلاه حضرتك بردك!! الاتنين ولاد ذوات زيك يا خواجة!
تطلع جمال ليوسف بدهشة، فسرها بحديثه الهامس له:
_هو كل شوية يوشوش عُمران ليه؟ هو أنا كلامي فيه حاجة غلط يا يوسف؟
رفع كتفيه في حيرة:
_مش عارف يا عبحليم!
وما كادوا بالتوجه للداخل، حتى أنغمر الحي بتكدسات من الكتل البشرية، تهرع هنا وهناك، فارتد "جمال" و"يوسف" تجاه ورشة "موسى"، بينما يعلو الهتافات من خلفهما:
_الدبيحة هربت من حمص تاااااني يا رجـــــــالــــــــة!!
ألقى موسى المنشفة متمتمًا بسخطٍ:
_قصدك عاشر.
صعد جمال فوق ذراعي يوسف، وراح يتساءل بصدمة وخوف:
_دبيحة أيه؟؟ يلا نمشي من هنا أنا من البداية وأنا مش مطمن.
جحظت عيني يوسف وتخشبت ذراعيه، وخاصة حينما ظهر (عجل) سمين، يركض صوبهما، ومن أمامه يركض شابًا يحمل سكينًا يكاد يصل طوله لطول ذراعيه، ويصرخ باستغاثة:
_الحقنــــــي يا اسطى موســـــــــى!
ألقاه"موسى" فوق صندوق السيارة وهدر فيه غاضبًا:
_هو أنا مش هخلص منك ولا من بلاويك السودة دي، قولتلك ألف مرة سيب الجزارة لناسها، ولا أنت عاجبك فضايح كل اتنين وخميس دي، عرتني قدام الضيوف الله يعرك!
قبل يده وهو يخبره بنبرته الشعبية:
_انجدني يا اسطى الله يسترك دنيا وأخرة، دي جايه عليا وناوية تبج كرشي اكمني ادتها بطرف السطور على فومه، خد السطور دبها دبتين وهتفرفر منك.
لكزه بعصبية مضحكة:
_إلهي يفرفروك في ساعة رايقة، وأطلعك منها زي ما بيطلعوا الفار المبلول من المصيدة يا بعيد.
مال يوسف على جمال هامسًا برعب:
_يعني أيه يفرفروك يا جمال؟
أجابه وهو يراقب حركة الجاموس بخوف:
_اللي أعرفه حاجة واحدة بس، إننا لازم نمشي من هنا وحالًا.
طرق على كتفه لينتبه لما يتطلع إليه:
_إلحق!!
تطلع لما يتطلع إليه، فوجد عُمران ينزع جاكيته، ثم ثنى أكمام قميصه الابيض، وإتجه يفضل بين م
"موسى" و"حمص" الذي تمعن فيه بذهولٍ، يحاول تذكر أين رأه من قبلٍ، وبالرغم من تغيير شكل عُمران كليًا بعد نمو شعره، وارتدائه لملابس مختلفة عما كان يرتديها، الا أنه وأخيرًا تمكن من التعرف عليه، فهتف في سعادةٍ:
_خواجــــــــة!
منحه نظرة مرحبة، بينما ينتشل منه ما يحمله، وتخطاه بثباتٍ ترك الافواه مفتوحة على مصرعيها من خلفه، وخاصة حينما تمثل بنبرة شعبية زادت من صدمة جمال ويوسف:
_قيدوه حلو يا رجالة، شدوا الحبل جامد أوعوا يرخي منكم.
ضغط بركبته حتى تمكن منه، ومال يردد بصوتٍ خفيض:
_بسم الله... الله أكبـــر.
قالها وحرر السكين الكبير، بذبحة الخلاص ومن حوله تتعالى الهتافات، وكأنه حرر سيناء للتو:
_الله أكبــــــــــــــــر.
رفع موسى يده يحيي عُمران بتفاخر:
_عاش يا خواجــــة.
بينما من خلفه يهمس جمال إلى يوسف:
_طلع موبايلك وصور البشمهندس المحترم، وإبعتها للدكتور علي، هو كان شاكك فيه من الاول خليه يتأكد أنه بالفعل قلب على سفاح المعادي!
*******
حملت فريدة الصغيرة وخطت بالطرقة الخارجية، تحاول تهدئتها، بكائها يزداد بشكلٍ أهدر أعصابها، فربتت على ظهرها وهي تردد بانزعاج:
_مش معقول حقيقي، أنا مش قادرة أقف بيكِ كتير كده يا بنت!!
واستطرد وكأن الصغيرة ستفهم عليها:
_أنا مبحبش الدلع يا فيروزة فـ بليز متخلنيش أنزعج منك، خليكِ هادية وكيوتة زي ما كنتِ.
وأضافت ومازالت تشير لها:
_أنتِ مش بس شقية إنتِ مش بتسمعي الكلام وده في حد ذاته بيزعلني كتير، فممكن نوصل لحل متوسط تنامي ساعتين وتصحي ساعة كاملة بهدوء، أنا عايزاكِ تكوني في هدوء علي أخوكي وهو بيبي، بلاش عُمران وشمس كانوا مشاغبين جدًا.
كبت من خلفها ضحكاتًا كادت أن تصل إليها، بينما يتحرر صوته الرجولي الهادئ:
_فريدة هانم.
استدارت للخلف بلهفة، تحررت بمنادتها له:
_علــي!
رنا إليها، فأخذت تشكو إليه:
_شوف فيروزة الشقية مبهدلاني من ساعة ما رجعت من عند نعمان وهي رافضة تبطل بكى، أنا تعبت يا علي.
مد يديه يلتقفها منها، بينما يميل مقبلًا جبين والدته بحنان:
_سلامة قلبك من التعب يا حبيبتي، هاخدها معايا المكتبة ، وحضرتك تقدري ترتاحي في جناحك.
ابتهجت ملامحها وباتت تردد بصوتها الرقيق:
_Ali, you are very nice(علي إنت لطيف جدًا)
ومنحته إياها وأسرعت لجناحها، تندث بفراشها بإرهاقٍ، بينما يتمعن علي بالصغيرة التي بدأت بالهدوء بين ذراعيه، فضم شفتيه قائلًا:
_وأيه اللي زاعج فيروزة هانم يا ترى؟!
قبل يديها الصغيرة برفقٍ، وهمس وهو يتجه بها للمصعد:
_أيه رأيك أعرفك بالمقر السري بتاعي أنا والوقح، وأهو بالمرة أقرألك قصة لطيفة، هتعجبك جدًا، بس ننزل الأول نجهزلك البيبرونة بحيث يبقى أكل فيروزة هانم جاهز في أي وقت.
حركت الصغيرة يدها حركة خافتة، فعاد يقبل أصابعها وبضحكٍ قال:
_لو عُمران قفشني هيرفع عليا قضية!
وبالفعل ولج للمطبخ، يضع البيبرونة الخاصة بها بالجهاز الذي يحافظ على دفء الحليب، ثم حملها للمصعد مجددًا، ومنه إلى مكتبته السرية، حيث كان يقص لها بالفعل قصة، وكثيرًا ما كان يحملها ويخطو بها بأرجاء المكتبة حتى استسلمت للنوم أخيرًا.
******
عاونها على التمدد على الفراش، دعم "يونس" جلوسها حينما وضع وسادة خلف ظهرها، ومال ينزع ححابها برفقٍ متسائلًا:
_مرتاحة كده؟
منحته ابتسامة صافية، ومازالت ترتكن بيدها فوق ذراعه:
_ربنا يريح قلبك وبالك يا يونس.
جلس جوارها وبحذر من ملامستها لجروحها البارزة، قال بعاطفة ومحبة:
_بالي وقلبي هيرتاحوا لما تكوني بخير يا ست البنات.
تبسمت ومالت برأسها فوق صدره قائلة:
_أنا بقيت كويسة بوجودك جنبي يا يونس!
******
اتسعت مُقلتيها إنبهارًا بالالعاب التي يفترشها "عُمران" من أمامها، فحملت إحدهن وسألته بفرحةٍ:
_دي ليا يا خواجة؟!
مرر يده على طول شعرها الطويل بحنان:
_روح قلبه يا قمري، كل اللي شايفاه ده ليكِ يا صغنن.
أشار بيده لجمال الذي ناوله أحد الحقائب وهو يتابع الفتاة الصغيرة بفرحة:
_وبصي كمان جبتلك أيه!
طرح الفستان الأبيض من أمامها، فتركت لعبتها ونهضت تتلقفه وهي تدور به بسعادة:
_الله ده جميل أوي أوي، أحلى من الفستان اللي جابه موسى!
استقام بوقفته عن الأرض، ونطق برزانة:
_بتاع موسى جميل هو كمان، أيه رأيك تلبسيه النهاردة وإلبسي ده بكره؟
هزت رأسها باقتناعٍ تام، واستأذنت بتهذبٍ راق ليوسف وجمال:
_هو ينفع أنزل أوريه لماما صباح؟
قرص وجنتها برفقٍ ومال يطبع قبلة على خدها:
_ينفع طبعًا، يلا إنزلي.
حملته وهرولت للاسفل، فتابع رحيلها يوسف، وقال:
_سكر أوي البنت دي يا عُمران.
أكد جمال حديثه بقوله:
_فعلًا قمراية تبارك الله، بس مفهاش شكل من موسى خالص.
رد عليهما وهو يتجه للغرفة الجانبية، حيث وضع فيها حقائبه:
_شبه طليقته.
أتبعه يوسف للداخل، فوجده يبحث بين الحقائب بطريقة فوضوية، مما دفعه للسؤال:
_بتدور على حاجة؟
أجابه ومازال يبحث بين الاغراض:
_شنطة اللاب فين؟
رد يوسف وهو يحاول تذكر أين تركها بالتحديد:
_أعتقد بالكرڤان مع حاجتي أنا وجمال.
وأضاف باستغراب:
_هو أنت هتقعد هنا، مش هتبات معانا بالكرڤان؟
توقف عما يفعله، وحمل الحقائب يضعها جانبًا:
_مش هينفع أبات معاكم، كده هكون بهين موسى.
وأضاف مازحًا وهو يشير على المبرد من فوقه:
_ده ركب التكيف مخصوص عشاني، أقوم أسيبه وأنزل معاكم الكرڤان، أعقلها يا دوك.
ابتسم في حبورٍ، وقال يثني عليه:
_ربنا يجبر بخاطرك دايمًا يا عُمران.
اقتحم جمال مجلسهما، يردد بنزقٍ مضحك:
_يجبر بخاطره!! ده ردك على اصراره أنه يبات هنا، لا واضح إن علاقته اتطورت أوي باللي اسمه الاسطى ده، انا اتعاملت معاه بكل رقي واحترام عشان ردلي روحي من تاني، لكن أكتر من كده متتوقعش مني انت وهو.
واستطرد بغيظٍ أضحك يوسف:
_ولعلمك انا رجلي على رجلك، هتبات هبات معاك.
رد عليه عُمران ومازالت نظراته الثابتة تسقط يوسف ضحكًا:
_وهاخدك بالحضن كمان، مرضي يا عبحليم؟!
تعالت ضحكات يوسف، فمال عُمران يخبره:
_سيف سرنجة عدى الشلة كلها، حتى عبحليم يا يوسف!!
اقتحم صابر الغرفة، وهو يصرخ بجنون ولهفة:
_خـــــــــواجــــــــــــــة!!
وقبل أن يتحرك عُمران من محله، هرع إليه صابر يقفز من فوقه، وهو يضمه بسعادة غريبة للغاية، جعلت يوسف ينسحب وهو يهتف بضحكات مكبوتة على مظهر جمال الذي بدى وكأن زوجته تضم رجلًا أخرًا:
_طيب هأخد عبحليم أفسحه في المنطقة، وبالمرة أجيبلك شنطة اللاب وأرجع.
هتف فيه عُمران ومازال يضم صابر، المتعلق به:
_وهات شنطتي الخاصة يا يوسف، وأتأكد أن فيها مكنة الحلاقة، عايزين نروق العريس وصاحبه.
هز يوسف رأسه بتأكيدٍ، بينما هدر صابر ضاحكًا:
_أنا معاك على أي وضع.
دفع يوسف، جمال للخلف بينما يهتف الاخير باصرار:
_روح أنت انا هستناك هنا.
حاول يوسف أن يجعله يرافقه، ولكنه زاد من تمسكه بكلماته:
_قولتلك مش هتنقل لمكان يا يوسف، روح هات اللي تجيبه أنا هنا مع الوقح ده، أنا كنت هموت عشانه وسيادته بيحبلي هنا في الاسطى واللي داخله بحضن يودي الاداب ده.
قهقه ضاحكًا، وحاول اقناعه بقوله:
_عيب يا جمال إحنا أعقل من شغل العيال بتاع سيف وآيوب ده.
صاح فيه بتهجمٍ:
_هتمشي ولا أقلبلك على البلطجي ده وأشرحك زي ما شرح الجاموسة اللي تحت!
جذب يديه وقال باستسلامٍ:
_لا وعلى أيه، هنزل لوحدي وأمري إلى الله!
وبالفعل تركه يوسف وهبط للاسفل، متجهًا للكرفان، اغتسل وأبدل ثيابه، ثم بدأ يلملم الأغراض التي طلبها عُمران منه.
جذب حقيبة اللاب يضعها جانبًا، ثم وضع جوارها الحقيبة الخاصة به، فتحها يوسف ليطمئن بأن ماكينة الحلاقة موجودة بالفعل، وباقي اغراضه الخاصة، لف يوسف السحاب الكبير، فانتبه بأن السحاب الصغير لم يكن مغلقًا بالكامل، وعدد من الفيزات الخاصة به كانت مسربة منه.
حملها يوسف وهو يتمتم بتريث:
_مهمل طول عمرك!
تفاجئ يوسف بوجود جواز سفر خاص بعمران، وتذكرة سفر تاريخها بعد غد اليوم إلى السعودية، وخاصة مكة المشرفة، وجوارها ورقة صغيرة مدون بها عنوان إلى مكانًا معروفًا للغاية، وقد نسب بأنه قد تخصص بتطبيق شرع الله.
ارتجفت كل خلية في جسده، بشكلٍ جعل يديه هاشة عن حمله، فسقط من يديه أرضًا ومن خلفه سقط يوسف على المقعد، الآن يعلم كل ما خطط له عُمران، الإن تبين له صدق شكوك علي.
انزلقت دمعة من عينيه في وجعٍ شديد، وجل ما يمر إليه الأيام التي ذاق فيها الجميع مرارة بعده، أن احتملوا أمر سفر لعامٍ كامل هل سيحتملون أمر جلده؟؟
خرجت حشرجت صوته المحتقن بدموعه:
_ليه كده يا عُمران؟ ليه؟!!
ظل على تلك الحالة لثلاثون دقيقة، لا يعلم ما الذي، عليه فعله، هو ليس الشخص المناسب الذي سيفوز بأي تحدي قبالة شخص بعناد الطاووس!
شخصًا واحدًا فقط هو من سيتمكن من فعلها، هو الوحيد المؤهل لذلك، أزاح يوسف دموعه، ومدد ساقه ينتزع الهاتف من جيب بنطاله، رفعه لاذنيه بعد أن اختار جهة اتصاله، ترقب سماع صوته، وراح يردد ببكاءٍ:
_علـــي!!!!