رواية حارة الربيع الفصل الثالث عشر
الجو: خانق مصباح واحد يتدلّى من السقف
شهاب جالس على كرسي خشب مائل، ظهره مستقيم، عينيه ما بتتحركش من وجه المتهم المقابل له.
على الطاولة: مسجل صوت، ملف أحمر، كوب شاي بارد.
المتهم بصوت مهزوز:أنا معرفش اسمه الحقيقي أقسم بالله! بيقولوله الشيخ بس!
شهاب بصوت منخفض لكنه قاتل:أنت اللي سلّمت شباب في سن أولادك لتحت الأرض
وفاكر نفسك هتخرج من هنا زي ما دخلت؟
المتهم يرتجف:أنا كنت خايف! قالولي لو بلغت هموت!
شهاب بهدوء:دلوقتي أنت عايش؟
سكت الرجل، وهبطت الغرفة في صمت كثيف.
أغلق شهاب الملف، وقام من مكانه، وقال للضابط المساعد:خده للحجز، وراقب أي زيارة جاية له.
في الخارج، أضاء سيجارته، نظر للسماء، ثم أخرج من جيبه ورقة صغيرة مكتوب عليها:اسم جديد ظهر: هدير عبد المنعم.
مين دي؟ وليه ظهرت في ملف مش من مستواها؟
تمتم بصوت بالكاد يُسمع.
لكنه شعر بشيء مختلف
اسمها لم يكن ككل الأسماء
وصوت داخلي وهو لا يؤمن بالحدس قال له:الملف دا مش عادي.
جلس وليد على الكرسي الخشبي المعتاد، أمامه صحن أرز، وشوربة دافئة، وريحة لحم محمّر.
كل شيء على السفرة كان كامل… إلا الشعور.
على الطرف الآخر: والده، يقرأ الجريدة كأن لا أحد بجانبه.
أمّه تصب الشوربة بصمت، ترتّب الملاعق بآلية حفظتها عبر السنين.
أخوه نايف يقلب في هاتفه، لا يتحدث.
أخته سارة تأكل بسرعة، وعيناها تبحثان عن شيء غير موجود.
هدوء خانق حتى صوت الملاعق على الصحون صار مزعجًا.
وليد بصوت هادئ لكنه مقصود:تفتكروا لو سافرنا يوم مع بعض نرجع نعرف بعض؟
الأب بدون أن ينظر:سافر أنت يا وليد إحنا عندنا التزامات.
سارة:ما تفتكرش إن جمعة وحدة هتغير سنين.
الأم:كل واحد دلوقتي عنده حياته وليد، متصعّبهاش.
سكت وليد بلع اللقمة كأنها حجر.
أحس إنه غريب في بيت يُفترض أن يكون وطنه.
كان يتمنى أن يقول أحدهم:فكرة حلوة يا وليد.
أو حتى:خلينا نجرب.
لكن لا شيء
كل شيء استُهلك: المشاعر، الجهد، وحتى الأعذار.
بعد العشاء، انسحب الجميع كعادتهم.
الأب إلى غرفته
الأم إلى المطبخ
الأخ إلى جهاز الألعاب
الأخت إلى حسابها على إنستغرام
ووليد؟
جلس في الصالة، وحده.
أطفأ الأنوار، وأشعل الأباجورة الصغيرة…
فتح دفترًا قديمًا… وكتب مشكلتي إني لسه شايف أمل في ناس استغنوا من بدري.
أنا مش يتيم بس في قلبي فراغ كبير.
فيه أبويا بس مش موجود.
فيه أمي بس مش قادرة.
وفيه إخواتي بس ما بنعرفش بعض.
