رواية غوثهم الفصل المائة والسادس والسبعون 176 بقلم شمس محمد



 رواية غوثهم الفصل المائة والسادس والسبعون  بقلم شمس محمد

‏يا مَن أظهر الجميل، وستر القبيح،
يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر،
يا حَسَنَ التجاوز، يا واسع المغفرة
يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى،
يا منتهى كل شكوى، يا كريم الصَفح،
يا عظيم المنّ،
يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها،
يا ربنا ويا سيدنا، ويا مولانا، ويا غاية رغبتنا.
_”ابتهال”
____________________________________
أخبرني كيف هان عليك قلبي؟
كيف يا من كنت أعتز بكَ في أيامي أمام العالم
وأخبرهم أنك من ربحته من الأيام؟
أيعقل أن تفصل بيننا الطُرقات ويصبح كل ما بيننا ذكريات؟
أيعقل أن ينسى القلب مكانه ويبتعد عن الحياة ويفضل الممات؟
كنت أتباهى بكَ أمام الناس والأيام وكنت أنتَ مقصد كل الأحلام..
ربما اليوم ليس يومنا، وقد يكون هذا العالم ليس لنا..
وقد تكون الأماكن بأكملها ضدنا، لكني لازلت في صفك أمام العالم، حتى لو العتمة هي دربك سأختارها لأجلك،
حتى لو الظلام كان مدينتك سوف أسكنها لأجلك،
حتى لو العالم لم يحبك، أنا سأكره العالم وأظفر بِحُبك..
حتى لو كانت قبيلتك بأكملها تمقت وجودك، أنا ورغمًا عن أنف القبيلة سوف أنصر حُبكَ، ولو كنت وحدك في مواجهة العالم
فأنا ضد العالم ومعك، ولو كل العالم أصم أُذنيه عن حديثك
أنا وحدي من بين كل العالم من أسمعك..
لا تقلق بشأن العالم وقسوته، فأنا نور ليلك وضُحى نهارك
ولأجلك أبيع العالم فقط كي أكون معك..
<“سرىٰ طيفُكِ مرة أمام القلب وراح من بعدها العقل”>
هي مرة واحدة تتم سرقة القلوب بها بغير عودةٍ أو رجوعٍ، مرة واحدة فقط يُسلب فيها المرء نفسه وهويته وتضيع عنه، فعبثًا يجد نفسه في المكان ولا يعلم لأي هويةٍ ينتمي، وبأي أرضٍ يرتمي، مرة واحدة يُهزم فيها المرء ولن يستطع أن يعوض تلك الخسائر ولو لمرةٍ بحياته..
فهل يستطع أن يعوض المرء نفسه عن فقدانه لنفسه؟.
_ما تردوا !! هي دي مين وإيه علاقتي بيها؟.
هدر بها “إسماعيل” بصوتٍ عالٍ يعبر عن شتات حاله وضجيج عقله الفارغ من الأساس وحينها قاطعه “إيـهاب” بصوتٍ عالٍ وقد طفح كيله للأسف ولم يعد يتحمل أكثر:
_مراتك، علاقتك بيها إنها مراتك وفرحك عليها كان المفروض من أربع شهور فاتوا، بس جت الدنيا لطشت فيكم بالقلم وآخرها النهاردة وأنتَ واقف قدامها تسألها أنتِ مين يا “إسماعيل”..
ولأن صدى الحقيقة عاليًا كما ضربة السيف..
تجمد “إسماعيل” بموضعه وشلت حركته وقد زاغ ببصره بعيدًا وهز يتذكر نظرتها له حينما لامته وعاتبته بعينيها بحديثٍ لم يفهمه، لكن صدق من قال أن في حالة العجز عن الكلام، تكون العيون نواطق، صُدمَ كأنه تلقى ضربة فوق رأسه شلته وشلت حركته وقد كرر باستنكارٍ كأنه حقًا لا يعلم إلى أي مكانٍ ينتمي:
_مراتي !! مين دي اللي مراتي؟ أنا مش فاكر إني أتجوزت؟ مراتي إزاي يعني؟.
شعرت في تلك اللحظة “سمارة” بالقهر بدلًا من “ضُـحى” فما بال صاحبة المصاب نفسا؟ وجدت نفسها تقف بخوفٍ بينهما حتى قال زوجها ردًا عليه بثباتٍ واهٍ يواري خلفه خوفه من تلك اللحظة:
_للأسف أنتَ ناسيها، بس لو بتسأل دي مين وكانت هنا بتعمل إيه فدي مراتك وأنتَ كاتب كتابك عليها من شهور، وعلى فكرة أنتَ وهي كنتوا بتحبوا بعض أوي، وهي أتمسكت بيك كتير جدًا بس اللي عمرها ما كانت تتخيله إنها تلاقيك راجع ناسيها ومش فاكرها ولا فاكر حتى أيامها..
كانت صدمة أكبر من كل الذي مر به، وقف بشتاتٍ وصوت أنفاسه المُضطربة يُعبر عن حاله المؤلم للعين التي ترى، فجأةً ضرب الألم رأسه ونزل فوق عينيه مُباشرةً فأمسك رأسه بكلا كفيه وردد بصوتٍ خافتٍ:
_دماغي..آه دماغي.
كان يتألم من وجع رأسه وقد هرول له شقيقه يضمه في عناقهِ بينما في تلك اللحظة وصل “مُـنذر” الذي وقف بينهما حائرًا وسألهم بقلقٍ عن سبب تواجدهما، فالتفت له “إسماعيل” يسأله بلهفةٍ قلقة ولازال أثر التعب يتضح عليه:
_هو أنا ممكن أكون ناسي مراتي بجد؟.
أدرك رفيقه أنه علم بتلك الحقيقة المخبوءة عنه والتي كان لابد من الإفصاح عنها، لذا تصنع الثبات وقال بتفسيرٍ:
_آه للأسف، فقدان الذاكرة مش زي ما التلفزيون بيجيبه والهبل اللي بيحصل دا، الفقدان أنواع كتيرة وأسبابه أكتر، ومن ضمن الأنواع دي ذاكرتك، حصلها فقدان في شريحة مهمة كانت خلال فترة من حياتك، والفترة دي هي الأخيرة اللي ظهرنا فيها كلنا، تقدر تقول أنتَ آخر سنتين عندك مش موجودين لا هما ولا ناسهم، والجديد واخد المكان دا، دا غير الأدوية اللي خدتها وللأسف كانت جرعات كبيرة على فترات قصيرة فدمرت الذاكرة، أنتَ اتعالجت آه وخدت جلسات وجرعات علاج بس لسه محتاج علاج تاني..
زاغ بصر “إسماعيل” وابتعد عن محيط جسد شقيقه ثم تنهد بثقلٍ وخوفٍ، كانت النيران مُضرمة فيه وعيناه هي خير الدليل على صراعه مع ذاته، ترك المكان وقبل أن يقترب منه “إيـهاب” أوقفه “مُـنذر” بقوله الصارم:
_سيبه، هو لازم يكون لوحده علشان يعرف اللي فيها، هو أكيد هيتصدم بس لازم عقله يرجع تاني يشتغل ويرجع لوعيه، واحدة واحدة كله هيرجع تاني بس بحدود، أهم حاجة بس إن اللي يتقاله يكون موجود فعلًا بلاش حاجة تشتته، ولو عاند ورفض يتقبل خلوه براحته، أكيد دا رد فعل طبيعي إنه ينكر كل دا.
رفع “إيـهاب” كلا كفيه يمسح وجهه ثم قال بصوتٍ متعب:
_أنا تعبت، بجد والله خلاص فاض بيا.
كانت زوجته أعلم الناس بحاله، هي الشاهدة الوحيدة التي تواجدت في كل الانكسارات والهزائم، وهي أيضًا من كانت ملجأ الحمىٰ له من بعد الصراع في الليالي، لذا تنهدت وهي تربت فوق ظهر ابنتها واستغفرت ربها، بينما “إيـهاب” فانتبه لتوهِ لملامح رفيقه فسأله باهتمامٍ بان حقيقيًا:
_أنتَ كنت جاي ليه؟ فيه حاجة حصلت؟.
أومأ له ولم يرد إخفاء الأمر فباغته بقوله مرةً واحدة:
_”چـودي” كلمتني فيديو من شوية.
شهقت “سمارة” بفرحةٍ بينما “إيـهاب” تبدلت ملامحه للدهشة ثم سأله بلهفةٍ عنها وعن حالها الذي ألمه ولم يعد قادرًا أن يُفصح عن ذلك:
_طب هي عاملة إيه؟ كويسة؟ قالتلك هي فين؟.
حرك رأسه نفيًا كأنه يشمل بالنفي إجابة واحدة لكل الأسئلةِ، كانت إجابته صادمة ومؤلمة إذ قال مُضيفًا فوق إشارته النافية:
_للأسف هي مش كويسة، باين عليها أثر اللي حصلها كله وأكيد مأثر فيها إنه لوحدها معاهم، قالتلي إن مرات عمها بتتعصب عليها وعمها هو الوحيد اللي بيتكلم معاها هناك، غير كدا قالتلي حد فينا يلحقها وقالتلي خلي “إيـهاب” ييجي علشان “أحـمد” بيخاف منه وهي مش هتزعل منك تاني.
قال والحديث في بعض الأحيان يكون خيبة..
حديث يقال فنرفض تصديقه حتى لا نختبر مرارة الخذلان، وهو الآن يختبر كلا الأمرين الخذلان من الموقف، والمرارة من الحديث، كان في لحظته تلك يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه في جوفها، أو تمنى لو كان تُرابًا، مع أقل هبوبٍ من الرياح يصبح هباءً منثورًا..
تنهد بثقلٍ ثم صمت لوهلةٍ وقال بإصرارٍ بعدها نبع من قوته:
_بكرة كل حاجة هتتحل، متقلقش أنتَ.
أنهى حديثه ثم شرد في الفراغ حيث اللاشيء وكأن الغد يبتسم أمام عينيه ويُعطيه لمحة سريعة عن شيءٍ يراه هو في قرارة نفسه والغد سيشهد التحقيق..
في الأسفل بجوار الخيول عتد الحائط تحديدًا..
وقف “إسماعيل” يحاول تذكر أي شيءٍ للموقف، حاول أن يستعيد الذكريات التي أوصلته لتلك النقطة لكنه لم يجد ما يسعف عقله، لذا أمسك رأسه حينما اشتد عليه الألم وقرر أن ينسحب بهزيمةٍ من أرض معركةٍ كان طرفيها هو والذكريات..
ولج غرفته يبحث عن أي شيءٍ يعرفه لكنه لم يجد، فتح الخزينة وظل يفتش بها حتى وجد صوره معها في عقد القران، ثم خاتم خطبته الذي يحمل اسمها، ثم عقد القران المُوثق باسميهما وصورتهما معًا…!!
حينها سقط جالسًا فوق الأرض وفي يده عقد قرانه عليها وكل ما يفكر به هو متى قابلها وكيف اصطفاها وماذا فعلت كي تطيء أرض حياته بقدميها؟ والأهم من كل ذلك كيف استطاع أن يأمن لها كي يتزوجها في نهاية الأمر وتصبح زوجةً له باسمه هو؟
كانت الفجوة ما بين الحقيقة وبين تقبله تتسع..
عقله يرفض التصديق، وقلبه يطالبه بالتدقيق، وهو بينهما يعجز عن التحقيق، وقع في هوةٍ ساحقة دمرت ثباته وهو يُفكر في أي شيءٍ عليه أن يبدأ وهو من الأساس نسى نفسه ونسى من هي من المفترض أقرب له من نفسه، انحدرت عبراته وبكى بقهرٍ حينما اشتد عليه كلا الوجعين النفسي والعضوي ثم ارتمى فوق الأرض بيأسٍ وكفه يقبض على العقد بوهنٍ..
ولأنها كانت مرآة نفسه كانت تماثله في الحال..
كانت ترتمي بجوار فراشها بالأرض وبجانبها ثوبها الأبيض الخاص بحلمها الوردي وعبراتها تنساب من وجهها تطول الفستان وتستقر على حباته اللامعة فتزداد اللمعة وهيجًا
ويزداد قلبها كمدًا..
أما هي فكانت تُكذب المشهد خشيةً من قسوة الخذلان.
____________________________________
<“لو أبصَر المؤمِن ما خَفي مِن لُطف رَبه،
لأستلَذ البلاء كما يَستلِذ العافية”>
إن البلاء هو خير الدليل على قوة الإيمان..
فلولا البلاء لما تأدبت القلوب وتهذبت النفس وأدرك المرء طبيعة الحياة أنها زائلة وهو نفسه زائلٌ، فلو أبصر المؤمن ما خفى من لُطف ربه، لأستلذ البلاء كما يستلذ العافية، كان سيدرك أن البلاء حُبًا له كما كانت هي العافية..
في سكون الليل وفي صمت السكون الذي غلف المكان، صدح صوت إذاعة القرآن الكريم من المطبخ الكبير في البيت حيث مقر جلوس “أيـوب” يتناول الطعام وحده بصمتٍ كما الحال المُطبق عليه وصوت المذياع خلفه بابتهالٍ يحبه هو ويحفظه عن ظهر قلب:
_”مَن لي سواك
ومن سواكَ يرى قلبي ويسمعه
أدعوكَ يا ربّ
فاغفر زلّتي كرمًا
واجعل شفيعَ دعائي حُسن معتقدي
وانظر لحالي ..
وانظُر لحاليَ في خوفٍ وفي طمعٍ
هل يرحَمُ العبدَ بعد الله من أحدٍ”..!
جلس في صمتٍ يتناول طعامه وبجواره وضع الابريق فوق الموقد الغازي كي يصنع لنفسه مشروبًا دافئًا يتناوله بدلًا من السعال الشديد الذي هجم فوق صدرهِ وقد مر عليه شقيقه في المطبخ ووقف يشرف عليه من علياءه ثم قال بسخريةٍ:
_يا حبيبي !! خدوا منك القمر وسابوك تعاني من السهر؟ لو منك أروح ليهم وأشوح بأيدي زي الواد “إيـاد” كدا واقولهم أنا عاوز مراتي ولو قالوا لأ، روح أخطفها ياض، هتفضل كدا مقضيها أجازات؟ إيه جوازة الهم دي؟.
ضحك “أيـوب” رغمًا عنه ثم ترك ملعقة الطعام قبل أن يبتلعها وقال بقلة حيلة حقيقية:
_هعمل إيه يعني؟ محتاجينها هناك وهي مش قاعدة بتلعب برضه، ماهي هناك طلعان عينها ولوحدها من غيري، بس عادي يعني ما أنا واخد إني أكون لوحدي وبعرف أتصرف مش بغلب يعني، ربك المُعين يا أبو “إيـاد”.
ضحك شقيقه ثم ربت فوق كتفه وقال بوجهٍ باسمٍ:
_ربنا يعينك يا حبيبي ويقويك ويكرمك، أنتَ علشان ابن أصول بس وقلبك طيب، لو حد غيرك أكيد مكانش هيقبل وكان هيفتكره دلع من مراته، ولا كان حكم عليها ترجع وتفضل هنا زي ما هي بتفضل هناك، بس أنتَ مش كدا وهما عشمانين فيك، المهم أعملي كوباية أعشاب معاك، صدري ورم من الكُحة..
تحرك “أيـوب” يقوم بسكب المشروب لهما سويًا ثم عاد يجلس بمواجهة شقيقه ثم قدم له الكوب وهو يقول بحبٍ ومودةٍ طغيا على حديثه:
_بألف هنا على قلبك، ألف سلامة عليك.
ابتسم الشقيق له بحنوٍ ثم أخذ الكوب وفي تلك اللحظة صدح صوت هاتفه فأخرجه من جيبه يجاوب على المُتصل لكنه ما إن لمح الرقم الغريب من دولةٍ أخرى عقد حاجبيه أولًا ثم جاوب بعجبٍ ساوره وقد لاحظ ذلك “أيـوب” الذي سأله بملامحه، لكن الآخر فتح السماعة الخارجية وقال بوقارٍ:
_السلام عليكم مين معايا؟.
_أستاذ “أيـهم العطار” معايا؟
هكذا وصله الرد وقد زادت حيرة الأخوين لكنه جاوب أولًا بثباتٍ:
_آه يا فندم أنا، مين حضرِتِك؟.
_أ…أنا “هدية”.
هكذا جاوبته الفتاة وقد زاد تعجبه وأنزل الهاتف عن أذنه يسأل شقيقه بسخريةٍ سببها كان اسم الفتاة التي تُخابره هاتفيًا:
_هي مش الهدايا كانت بتتبعت؟ بقت تتصل تستأذن دلوقتي؟.
ارتسمت بسمة يائسة فوق شفتي “أيـوب” بينما الآخر عاد لوقاره يكمل المخابرة الهاتفية بقوله الصارم الذي لم يُناسب المحتوى:
_أيوة يا آنسة مين باعتك؟ قصدي بتكلميني ليه يعني؟.
ضحك “أيـوب” عند فهمه مقصد الجملة الأولى بينما “أيـهم” فجاهد نفسه كي يُكبح جماح ضحكاته قبل أن يفتضح أمره في المكالمة وقد قالت المُتحدثة بيأسٍ وضيقٍ:
_يا فندم أنا بكلمك واللي أديتني الرقم أم ابنك “أمـاني” وهي عارفة إني بكلمك دلوقتي، أبوس إيدك لو تقدر تيجي تلحقنا تعالى، أعمل أي حاجة وساعدنا خلينا نرجع تاني مصر ونرتاح من الهم دا، عمرنا بيضيع هنا بقالنا شهور ومحدش حاسس بينا.
عقد حاجبيه وسرعان ما تبدلت ملامحه لقسوةٍ غير مُفسرة الملمح وبالأخص حينما أتت بسيرة طليقته التي سحبت الهاتف وقالت بصوتٍ مُتعبٍ للغاية كأنها تتوسله ببكاءٍ وندمٍ:
_”أيـهم” أبوس إيدك اسمعني، أنا هنا بموت كل يوم بقالي شهور ومش لاقية حل، كل ما آجي أهرب من القرف دا أغرس فيه أكتر، الحيوان اللي أتجوزته طلع نصاب وشمال، بيشتغل في الدعارة ويجيبلي هنا الناس تسهر وتتبسط، ومش لاقية حل، ودلوقتي علشان رفضت بقى بيضربني ومقطع جسمي كله، أبوس إيدك أتصرف، هعيش خدامة تحت رجلك طول العمر بس ألحقني..وغلاوة “إيـاد” عندك تلحقني
فرغ فاهه وذُهِل من الحديث وزاغ ببصره فوق وجه “أيـوب” الذي ظهر الهلع فوق ملامحه هو الآخر حتى قال “أيـهم” بصوتٍ جامدٍ يُعبر به عن فقد سيطرته:
_أنتِ حد مسلطك عليا كل ما حياتي نرتاح شوية تيجي تاني تخربيها؟ جاية ليه تاني يا ست أنتِ؟ ما تبعدي عني شوية وعن ابنك اللي ما صدقت إنه ينساكِ ويفرح في حياته شوية، مش هقدر أساعدك لو فيكِ إيه، عارفة ليه؟ علشان دي نتيجة طمعك واختيارك اللي أنتِ اختارتيه، دي حياتك اللي بصيتي فيها للناس، ودا جوزك اللي كنت بتتمنيه، مقدرتيش اللي عندك كله وجاية تستنجدي بيا؟ أنسيني وأنسي ابنك اللي جاية دلوقتي تفتكريه، مش هنكد عليه برجوعك وهو فرحان بأخوه اللي جايله في السكة..
كان صارمًا وقويًا ورافضًا في حديثه حتى بكت هي بصوتٍ عالٍ وتقطعت أنفاسها وقبل أن يُغلق قطعت فعله باندفاعها وهي تقول:
_استنى بس أبوس أيدك، أنا هنا ماليش حد، اعتبرني ست واقعة في ضيقة ولجأت ليك، أنسى كل اللي فات بينا علشان خاطر ابنك، أنا هنا تعبت، بعمل كل حاجة غصب عني، مجبورة على الحرام وست في الغربة لوحدي، ومعايا بت غلبانة وصغيرة، محدش هنا راضي يساعدنا، أبوس أيدك..
توسلته باكيةً حتى أنقطع الإتصال بينهما فصرخت هي وارتمت فوق الأرض وقد ركضت لها “هدية” تحتضنها وتحتويها بين ذراعيها وكلتاهما تشارك الأخرىٰ في البكاء والحسرة، بينما ببيت “العطار” أنقلبت الجلسة ليطغى التوتر فوقهما ويرنو الصمت الثقيل حتى سأل “أيـوب” شقيقه عن فعله في هذا الحال، فأتاه الجواب الصارم:
_مش هعمل حاجة، مش هقدر أبوظ حياتي وحياة ابني تاني بسببها، أنا ما صدقت ينساها ويعيش الحياة اللي كان نفسه فيها، دلوقتي أرجعها تاني حياته علشان تدمره أكتر؟ هي أكيد غبية، وأنا أبقى غبي أكتر منها لو فكرت أسمع كلامها تغور في داهية زي ما غارت أول مرة.
لاحظ “أيـوب” حاله وتبدل وضعه ففضل الصمت بدلًا من أي حديثٍ يقال يدمر تلك الجلسة وينهي على العلاقة بينهما، فضل الصمت لكن في قرارة نفسه يرغب في المعاونة ومد يد العون لمن هُم في حاجته، عاد الصمت يرنو من جديد بينهما وكلًا منهما يحمل في نفسه همومًا بثقل الجبال..
وإن كنت لا تعلم فتلك هي الحياة..
ماضيها لن يُفنى وإنما هو يعود ويستقر في العودة،
ثم بكل تجبرٍ على الحاضر يتعدىٰ، فلا يغرنك ثقل الماضي
ولا تنساق خلف قوة الحاضر، فأحذر من كلا الأمرين،
وإن كنت لا تدري، فماضيك وحاضر هما السلاح
وأيامك هي العُنق، وتذكر أنكَ حتى الآن لا تعلم أيهما ضربته أقسى..
____________________________________
<“ولأن الخيول عنيدة، يثور منها من كان أصيلًا..”>
تمتاز الخيول الأصيلة بالعناد الدائم..
قوة غير متشابهة مع غيرها ممن هُم على شاكلتها، فمن قال أن الخيل لا يسقط؟ الخيل الأصيل يسقط، لكنه إن سقط يثور ويعود ويقوم بالحرب وحدهِ بغير إعانة، لذا أترك الساحة لقتالٍ ولا تأبى، فالحُر هُنا سيقوم ويعود لأنه كان ولازال أصيلًا..
ظُهر اليوم التالي..
فاق الخيل من مرقده ورفع رأسه بشموخٍ يُنافس آشعة الشمس في حِدتها ولمعتها الساقطة فوق عينيه، صفات الخيول اجتمعت به، ونظرات الصقر كانت تُميزه وهو بين الناس يسير برفعةٍ لا يكترث بكل جبانٍ ضعيفٍ يمر من طُرقاته التي لا تحمل في سيرها إلا الأقوياء مثله..
سار “إيـهاب” بشموخٍ يرفع رأسه وسط الجموع ومعه في الجوار “مُـنذر” الذي كان يُكاتفه في سيره لحين نقطة الوصول، بينما الأعين الباقية كانت تتمركز عليهما في السير، الجميع هُنا يعلم ما حدث، وما سيحدث، وبالأخص عند اقترابه من هذا البيت، بينما هو فلم يكترث من الأساس، وحديث نفسه يُقال بدواخله فيتردد بقول:
“أنا الخيل الحُر في الميدان
لن تجد غيري حُرًا،
فهل كان يومًا الحُر بجبانٍ؟”
وصل البيت وطرق بابه بقوةٍ وقد فُتِحَ له بواسطة الرجل الكبير الذي تجمد بمحلهِ ما إن لمحه أمامه حتى أنه فقد القدرة على الترحيب أو حتى المُجابهة بالحديث، بينما “إيـهاب” فتنهد بقوةٍ ثم قال بجمودٍ:
_السلام عليكم يا حج، هينفع نتكلم ولا..؟
ترك حديثه بخارج الأقواس حتى يصل مغزى الكلامِ لمن هو أمامه وقد رحب به الرجل بإشارةٍ من كفه فولج كلاهما الشقة وقد ولج الأول في الحديث مباشرةً بقولهِ:
_بص يا حج، أنا جاي ليك بالذوق، راجل لراجل ومش عاوز أي حاجة منك تانية، بس أنا جاي أقولك إنك مش هترضى بالظلم، وابنك ظالم يا حج، خد البت من حضننا وهو عارف إنه مش هيقدر عليها ولا حتى هيعوضها عن أهلها اللي راحوا وسابوها، أنتَ وهو وحتى جدتها محدش فيكم عمره قدر يعوضها، يبقى الحل إيه؟ البت ترجع بالأدب أحسن، مش كدا أحسن يا حج؟.
أخفض الرجل رأسه بخجلٍ ولم يجد ردًا يُجابه به في الحديث، بينما “مُـنذر” اقترب منه يقول الحقيقة التي من المؤكد أن هذا الرجل لا يعلمها أو رُبما هي مخبوءة من ابنه في طيات صفحات الإدعاء الكاذب:
_يا حج أنتَ لو فاكرها هناك مبسوطة تبقى غلطان، البت هناك بتعيط وعايشة في جحيم، ابنك واخدها للوجع نفسه ويحطها هناك، دي عيلة يتيمة وصغيرة، قاعدة مع ولاد عمامها وسط أهاليهم اللي عايشين معاهم وهي محرومة من المشاعر دي، هي هناك بتتظلم ولو فضلت هناك أكيد هتتعب، عنوان ابنك فين بقى؟.
هتف حديثه الأخير بنفاذ صبرٍ وطاقةٍ مُعدمة، بينما أتاه الرد من حيث لا يحتسب حيث المرأة التي جاوبت عليه بنبرةٍ تتشدق بحديثها بنزقٍ وبضحكةٍ مستهترة بصلب الحديث:
_آه وماله يا ضنايا، ياخي دا أنا مشوفتش في بجاحتكم، صدق اللي قال إن اللي أختشوا ماتوا، جايين عاوزين إيه وإحنا ما صدقنا ربنا يتوب علينا وعليها من الهم دا؟ قال وبتحبوها قال، صعبان عليكم إنها تعيش حياة نضيفة؟ يا عينكم الجامدة.
التفت لها كلاهما وعينا “إيـهاب” ترميها بحممٍ مشتعلة وقد وقفت ترفع له حاجبها بتحدٍ، فإذ به يتجاهها والتفت لزوجها يُخاطبه بجمودٍ بدأ يُسيطر عليه:
_أظن يا حج عند دخولي هنا كان كل كلامي ليك إني بكلم راجل لراجل بس اللي بيحصل دا غلط، مراتك كدا بتوقعنا في غلط وأنا لو سيبت نفسي عليها مش هسكتلها يا حج، بالأدب خرجها برة الكلام وهات عنوان ابنك ورقمه علشان أكمله وأقدر أقابله أجيب بنتنا منه، وياريت تساعدني علشان ألحق حفيدتك بنت ابنك اللي مات وهو موصيك عليها.
في تلك اللحظة شهقت المرأة بصوتٍ عالٍ ثم ضربت كفيها وفتلت بجوارها الأيسر وهي تقول بطريقة سوقية:
_نـعم يا عين أمك؟ هي مين دي اللي بنتكم؟ بقى إحنا بنحارب علشان ننضف سمعتنا وسمعتها وتيجي أنتَ تقول بنتنا؟ بنت مين فيكم؟ إذا كان خالها الشمال اللي شغله كله في الحرام ولا أنتَ رد السجون اللي ليه سوابق وماشي سايق الناس كلها بدراعك ولا أخوك الملبوس اللي شغله كله في الشمال مع صاحبه ضيع عقله وطير مخه وأخرتها راح السرايا الصفرا؟ هي ناقصة وقفة حال؟ تكبر إزاي دي وسط القرف دا؟ دا أنا أخاف أقول اسم واحد فيكم لساني يتوسخ…
كانت تضغط فوق الجراح ولا تكترث بصرخات الروح..
كانت تنصر الظُلم في قلوبٍ أدماها الزمن قهرًا حتى أصبحت مبهمة الهوية والملمح، ولأن الحديث في بعض الأحيان يمثل خنجرًا مسمومًا، شعر “إيـهاب” بالنيران تضرم بصدرهِ فما كان منه إلا أنه أخرسها برد فعلٍ حاد حينما هدر في وجهها بقوله الصارخ:
_أخرسي !! مش عاوز منك كلمة واحدة ولا نفس حتى، أخرسي بدل ما أقطع لسانك وأخليكِ العمر كله زي الكلب مالكيش أي لازمة، روحي في ستين داهية تاخدك بدل ما أجيب رقبتك أنا.
توسعت عيناها أمامه لكنها لم ترد أن تصمت وتتراجع عن فعلها، فهدرت هي الأخرى بقولها:
_لو فكرت تقرب مني ولا تعمل حاجة هجيب راسك تحت رجلي وأصوت وألم علبك الناس كلها لحد ما يبانلك صاحب ويخرجك من هنا يا رد السجون يا تربية الشوارع، ولو فيكم راجل يوريني نفسه وأنا أكسر عضمه وأقطع لحمه بسناني.
من جديد تضغط فوق الزر الخطأ؛ فلا تلومن إلا نفسها إذا مست الكهرباء جسدها، لذا وفجأةً سُحِبَت منفضة السجائر من فوق الطاولة ثم ضُربت بالخزانة الزجاجية “النيش” الذي سقط زجاجه أرضًا بكل محتوياته بواسطة “إيـهاب” الذي فعلها وهو يتنفس بحدةٍ وصوتٍ مرتفعٍ وعيناه لا تُنذر بأي خيرٍ، بينما هي ضربت خافقها بقوةٍ وهي تقول بتحسرٍ:
_يبتليك بمصيبة يا شيخ، نيش أمي يا بعيد منك لله، ياكش يتكسر عضمك، منك لله يا “إيـهاب” يحرق دمك يا شيخ..
قبل أن تُكمل الصراخ والنواح دفعها حتى سقطت فوق المقعد فمال يمسك ذراعي المقعد ثم قال بنبرةٍ جامدة يأمرها بالصمتِ قائلًا:
_وربي اللي مش هحلف بيه كدب، يمين بالله لو فتحتي بوقك تاني، لأخدك أقعدك جوة النيش دا لحد ما يبانلك أنتِ صاحب هنا، لو بوقك أتفتح مش هستخسر فيكِ تأبيدة كمان، تحبي تشوفي رد السجون هيعملك إيه لو فكرتي تزني على ودانه؟ لو عاوزة مش خسارة فيكِ..
أومأت بخوفٍ وهلعٍ وسكتت وهي تضم كفيها لصدرها، بينما هو التفت للرجل وقال بلهجةٍ آمرة وصلدة:
_بقولك إيه؟! أنا جيت بالأدب الأول وطلع مبيجيبش، هات رقم ابنك وعنوانه بالأدب ولا تحبني أقل أدبي يا حج؟ أظن كان بينا اتفاق وابنك خلى بيه، يبقى تخليني أرجع حقي منه، علشان مش أنا اللي ياخد على قفاه ويسكت.
سكت الرجل وأخرج هاتفه يطلب رقم ابنه وما إن جاوب وظهر ذلك من نظرته في وجه “إيـهاب” قام بخطف الهاتف منه ثم أمر الشاب بقوله:
_من غير كلام ولا سلام من أشكالك علشان أنتَ عيل صغير، بنتنا ترجع كل حاجة هتبقى في أمان وتبقى تمام وغلطك هيعدي، مرجعتش وفضلت زي ما أنتَ كدا، أبوك وأمك تحت عيني وحمايتي، واللي تقدر عليه أعمله، بس أنا عندي كتير أوي، أولها مفيش إبرة علاج هتدخل لأبوك وأمك ولا دكتور هيفكر يدخل ليهم هنا، واعتبرهم مخطوفين، تجيب البت من تاني لحضن خالها وجدها “نَـعيم” أوعدك أبوك وأمك يفضلوا بخير، ها قولت إيه بقى يا أبو حميد؟.
ترك حديثه بغير حديثٍ آخر وكما يقال للحديث بقية..
أما “أحمد” فكان القلق ينهشه وكل الأفكار تأكل في عقله وهو يتخيل طل سوءٍ وسوءٍ قد يطول أهله، وقد لاحظت ذلك زوجته التي كانت تقف بجواره ولاحظت تبدل ملامحه وطيلة صمته فقالت بتهكمٍ وتشفٍ به:
_تصدق أنا فرحانة فيك؟ علشان أنتَ جايبها بس عند فينا وفي خالها وعاوز تثبتله إنك الأحسن منه والأنضف كمان، بس دا في أحلامك الكلام دا لما أخرب حياتي وحياة ولادي علشان خاطر أنتَ مش قادر تنسى الحب القديم لأمها، جايبها علشان تكون صورة منها في كل حاجة قدامك وأنا أولع بجاز، عاوز تخليها هنا علشان تفضل فاكر أمها وحبك القديم ليها، اللي أخوك فاز بيه وأنتَ لأ، ويا رب ييجوا ياخدوها منك.
أنهت حديثها الذي أوضح قهرها ثم رحلت من أمامه وتوجهت للداخل بينما هو وقف بذهولٍ وخوفٍ في نفس الآن من تلك اللحظة، لتوهِ يختبر قسوة في كل شيءٍ، قسوة من نفسه أولًا، ثم القسوة ممن هم حوله، لذا وقف يحاول لملمة شتات نفسه وفعل أي شيء يغيثه من نفسه وقسوتها عليه قبل أن يُهلك..
____________________________________
<“لكل فردٍ نصيبٌ من اسمه، فكن رابحًا لنصيبك”>
لكل شخصٍ في تلك الحياة نصيبٌ من اسمه..
فكن رابحًا لنصيبك ولا تتركه ينسلت من بين يديك ويربحه غيرك، تمسك بحقوقك كما يتمسك كل عدوٍ بالانتقام من غريمه، وكأن كل شيءٍ ضدك في هذا العالم،
ولا تبالغ في حب الأشياء فتتفاجيء بفقدانها،
وإنما تمسك بحقك بها حتى تحصل على دوامها..
اليوم الثالث عشر يمر بغيرها، ألقت عرضها ثم حرمت عليه نفسها واختفت من الحياة، لم يراها ولم يعلم من أين يأتِ بها في تلك الحياة، والتأنيب من نفسه كان يُلاحقه، لذا جلس وحده يبحث عنها في المكان الذي أعتاد أن تأتيه به وتؤنسه، لكنه لم يجدها..
ارتدى “باسم” ثيابه ووقف أمام المرآةِ عصر اليوم ثم هندم نفسه بثيابٍ رسمية بعض الشيء حتى ولجت له “كِـنز” وقبل أن تتحدث تفاجأت بهيئته فسألته باهتمامٍ ولهفةٍ عن طلته:
_على فين العزم كدا طيب؟ لابس ومتشيك ورايح فين؟.
التفت لها يخبره بسأمٍ من غياب تلك المختلة التي اجتمع بها صدفةً ثم اختفت من الحياة كما الرمال التي تهرب وتفر في أقل هجومٍ من الرياح:
_رايح أشوف المجنونة اللي دماغها تعبانة دي راحت فين، رمت طلبها وفجأة اختفت لا بتيجي ولا بترد ولا بتتكلم، ومش عارف أوصلها، هروح أشوفها لا يكون جرالها حاجة، هلحقها قبل ما تنزل الزفت النادي وتخرج بعدها ولا تروح…
قبل أن يُكمل حديثه قاطعته هي بقولها:
_حلاوتك !! أنتَ عارف وحافظ كمان مواعيدها؟ وتقولي أنتِ مكبرة الموضوع وشايفاه من وجهة نظرك؟ أومال سيادتك بتهبب إيه بقى؟ دا أنتَ حافظ كل تفاصيل حياتها عنها، حرام عليك نفسك يابني تعبتني، دا أمك لو هنا كانت طبت ساكتة من أفعالك فينا دي، ربنا يهديك لحالك.
زفر بقوةٍ ثم قال بجمودٍ كأنه يود الهرب من الحقيقة التي تطارده:
_أنتِ مش فهماني بجد، الموضوع كله في حاجة غلط، هي مش زي ظروفي، اللي هي بتصرفه في يوم، أنا بجيبه في شهر شغل، حياتها مش زي حياتنا، بصي لبسها وبصي عيشتها، وبصي مكانها فين؟ دي على الأقل لازم تكون في نص مستواها، بس الفرق بين المستويات بيني وبينها مخليني خايف حتى أدخل حياتها، هتتظلم معايا ومش هتقبل الوضع دا.
كانت تعلم أنه يختلق الأكاذيب كي يهرب من اقترانه بها، كانت تعلم أنه في قرارة نفسه يود خطفها من بين العالم ويزرعها في بيته أمام عينيه ولو طلبت نجمة واحدة من السماء، لأتى لها بمجموعة شمسية، لذا واجهته بالصعب في قولها:
_كل دا مش مهم عندها ومش هيفرق في حاجة، هي مش عاوزة فلوس ولا عاوزة لبس ولا عاوزة الكلام الفاضي دا، دي عاوزة حب وحياة وتعيش محبوبة في حضن يكون ليها، عارف أول مرة خدتها في حضني؟ قالتلي إن بقالها سنين محدش خدها في حضنه لدرجة إنها متعرفش الناس بتحضن بعض إزاي، دي واحدة جعانة للحب والمشاعر، وأنتَ بعنادك وجبروتك دا فيك حنية تكفي الدنيا كلها، هتبخل بالحنية على اللي محتاجها؟ دا أنتَ مبخلتش كدا بحريتك على الناس..
وضعت الحقيقة نصب عينيه فلم يجد مهربًا من الكلمات ولجأ للصمت، بينما هي فبعدما واجهته اقتربت منه تربت فوق كتفه وقالت بحنوٍ كأنها تستخدم كل الطرقات الممكنة:
_سيبك من الحسبة والناس والحياة والمجتمع، لو أنتَ عاوزها بجد اعتبرها فرصة ليك وجاية علشان تكسب نفسك وتكسبها هي كمان، ساعدها تتعالج وخليها تروح مصحة، أقف جنبها وأديها حبك وحياتك وأنتَ بنفسك هتشوف دي هتبقى عاملة إزاي، هتملى عليك حياتك وتتورهالك وهتبقى اسم على مسمى بجد، بس بلاش تهرب منها..
أنهت الحديث ثم أولته ظهرها بينما هو فوقف حائرًا في أمرهٍ مُشتتًا في خيارهِ، لكنه خرج من الشقة ثم تحرك من المكان بدراجته يقصد بيتها الذي يحفظ طريقه عن ظهر قلبٍ، وما إن وصل هناك وقف بجوار سيارتها وهو يعلم أن الأمر يأخذ مجرد دقائق عابرة وهي ستخرج من البيت..
وقف وطالت به الدقائق لدقائق أخرى وهي لم تخرج له، لذا ما إن لاحظ تأخرها ولج الحديقة يبحث عنها، ومن الحديقة ولج البيت عن طريق الباب الزجاجي المفتوح المُطل على صالة البيت وما إن ولج رآها ترتمي فوق الأرض وحقيبتها بجوارها، حينها انقبض قلبه وركض نحوها يرفعها عن الأرض وهو يضرب وجهها بكفهٍ ويلهث بذكر اسمها لكنها لم تجاوب عليه وظلت فاقدة للوعي، مد كفه بتحسس موضع نبضها وحينما استشعر حركة النبض رفعها فوق كفيها وركض بها من المكان..
كانت خطواته واسعة بها وهو يتجه بها نحو سيارتها بعد أن التقط المفاتيح الخاصة بها وقد وضعها بالسيارة ثم قادها بسرعةٍ جنونية وكل رغبته أن يسير بها للمشفى قبل فوات الوقت وضياعها من يديه، مد كفه للخلف يتحسس وجهها الشاحب وبشرتها الباردة وحينها أنقلبت مشاعره فوق بعضها، وأصبح كل أمله فقط أن تبقى حية ويزال فيها النفس، حينها لو تطلب الأمر سيضعها بوسط محمية طبيعية قبل أن تُسرق منه..
____________________________________
<“كانت خطوة صعبة لطريقٍ أصعب لكنها المحاولة”>
تلك الصعاب التي نخطوها لطريقٍ صعبٍ..
فعلناها هربًا من الطريق الأصعب، لذا كلما وجدت الطريق شاقًا وصعبًا عليك أن تعلم أن الطريق الذي هربت منه كان يفوق هذا في كل شيءٍ، فلولا الصعوبات لما اضطررنا أن نُبدل الخطوات بين الطُرقات ونرى الأصعب والأصعب..
كل شيءٍ فعله لأجل تكفيرٍ عن آثامٍ هو لم يقترفها لكنه تطوله، يد التغيير طرأت فوق حياته منذ أن اكتشف حقيقة والده وغدره بكل من هُم حوله، لذا قصد أن يتحرك إليه، وافق على تلك الرحلة التي عرضت عليه نحو “إيطاليا” حيث مقر تواجد والده الجديد، هو يعلم أن الذهاب إليه لن يُجدي نفعًا لكنه يحاول حتى لو بجزءٍ بسيطٍ بشق التمرة أن يعود بجزءٍ من تلك الحقوق..
كان يقود السفينة وهو رُبانها وقد أنهى عبور المياه المصرية وأصبح بمقدمة المياه الإقليمية الدولية، حينها بدأت الغربة تعتريه وبدأ يشعر بنفسه غريبًا كما اعتاد، هو هنا يواجه أكبر المخاوف التي أوقعت قلوب الناس، لكنه برغم كل ذلك ولا مرةٍ استشعر هذا الخوف، وإنما في كل مرةٍ كان يرى الحياة من موضعه هو، يرى النقطة من وجهة نظره، فيربح بشجاعةٍ..
أخرج من حلته الكُحلية صورة لخطيبته التي أعطتها له أمها كما طلب هو منها، وحينها أعطته صورة لها في صغر عمرها وهي تضحك بسعادةٍ وسط الدُميات القطنية التي تعشقها هي وقد كتب في ظهر الصورة بصدقٍ:
“عزيزتي صاحبة الاسم الذي أتى حاملًا صفته..
أنا أحبك، ولا احتاج من كل العالم سوى حُبك”.
كان يخبر الصورة ما لم يقدر إخبارها هي به، تأكد من حبه لها وتأكد أن ما يراه في عينيها له لم يكن إلا حُبًا، وما إن تيقن من حبها له حسب نفسه من ضمن الفائزين، ولأجلها هي وحدها يُخاطر بعمره وحياته بأكملها حتى لا يقترن اسمها النقي باسمه هو ووالده فيطولها الأذى منهم، قطع كل تلك الأميال بشجاعةٍ بعد قفز الخطوة الأولى والغاية مُحددة…
“إيطاليا” حيث مقر تواجد والده مع عائلة “ماكسيم” التي تعمل في الأعمال الغير مشروعة، وهو فقط لأجل من يحب يفعل هذا الشيء ويذهب لهناك كي يعود بحق “يوسف” أولًا قبل الآخرين، لقد كلفه الأمر عمرًا بأكمله الآن هو يسعى كي يعوض هذا الثمن..
في مصر..
كانت “حنين” تتجهز للحضور لعملها وقد نزلت مبكرًا عن موعدها كي تمر على “فاتن” تطمئن عليها كما وعدته، وما إن وصلت إليها جلست معها والأخرى ترحب بها بسعادةٍ لحضورها حتى قالت وهي تضع العصير أمامها:
_عارفة؟ لما عرفت إنك جاية يا “حنين” قلبي طار من الفرحة وكنت مبسوطة أوي إنك هتيجي تقعدي معايا، بيني وبينك أنا قبلتك عوض من ربنا ليا والواد “نـادر” واعتبرتك بنتي اللي مجبتهاش، دا أنا أبقى محظوظة لو أكون أم لبنوتة حلوة زيك كدا.
ضحكت لها “حنين” ثم قالت بأدبٍ وخجلٍ:
_دا شرف ليا والله إني أكون بنتك، وعامةً مش عاوزاكِ تقلقي، أنا هاجيلك كل يوم وأتطمن عليكِ زي ما وعدت “نـادر” وعرفته ولو محتاجة حاجة عرفيني وأنا عيني ليكِ.
ضحكت لها “فاتن” بسعادةٍ ثم قالت بحماس أمٍ تسعى لكسب فرحة ابنها الوحيد الذي أدمى الحزن والحب قلبه:
_مش عاوزة منك غير إنك تفضلي مع “نـادر” وبس، صدقيني دا واد غليان رغم إنه كان يبان عكس كدا، بس والله قلبه أبيض وطيب والخير لسه جواه موجود، هو أبوه بس اللي كان السبب في بوظانه وقلبة حياته، إنما غير كدا هو ميعيبهوش أي حاجة، ربنا يرده بالسلامة لينا علشان نفرح بيكم بقى.
ابتسمت لها “حنين” بخجلٍ ثم عادت تخفض رأسها وهي تتذكر هيئته من جديد، كان لها أبعد ما يكون كي تحصل عليه، تقريبًا وجدت بطلها الخاص وتلك المرة ليست في أسطورة ضمن الأساطير الخيالية، وليست في رواية كما تعيش في عوالم القراءة، وإنما هو بطلٌ من أرض الواقع، لذا ضحكت حينما تذكرت طلته فجر اليوم بحلة العمل وكيف وقفت أمامه مشدوهة بهيبته وجاذبيته، بينما هو كان يبتسم لها وهو يودعها..
فكان يُلقي لها سلامًا..وهي تسأله أين السلام في وداعك؟.
____________________________________
<“بعض القرارات التي يأخذها العقل تكون نتيجة دمار القلب”>
في بعض الأحايين وإن لم يكن أغلبها..
تاتِ بعض القرارات بغلبةٍ من العقل بعدما يتدمر القلب، تلك القرارات التي نأخذها بيقينٍ أنها الأصلح، وقد تكون كذلك حقًا لكن القلب قبلها كان يموت ويتعب ويعيش الحياة في كمدٍ، وما يترتب على ذلك تكون قرارات عصيبة من العقل..
في نزلة السمان بالتحديد ببيت “نَـعيم”..
كان يجلس “إسماعيل” وحده بالخارج بجوار الخيول وعيناه لم تبرح موضع الكتابة، كلما يأس عاد وطالع الجدار وما سبق ودونت يداه مُفتشًا في نفسه عن سبب الكتابة، وعن الذكرى نفسها، وقع أسيرًا بين كلا الأمرين ولازال يشعر بشيءٍ مُبهمٍ يسكنه ولا يعرف كيف يصل له، حاول أن يتذكر أي شيءٍ، فلم يبقَ له إلا نظرة عينيها الأخيرة وهي تنسحب من أمامه..
زفر بسأمٍ ثم أرجع رأسه للخلف وتنهد بقوةٍ يراقب السماء الواسعة، وهو يتعجب من حالته، لقد عانى لما يقارب الأربعة أشهر بداخل مشفى الأمراض العقلية، ثم بدأ في الجلسات النفسية والتأهيل الجديد لتقبل الحياة والمجتمع، ثم وعيه وإدراكه لفقده جزءًا من ذاكرته، لكن الكارثة الكبرى كانت في نسيانه لها هي..
أتى “نَـعيم” يجاوره ثم ربت فوق كتفه وقال بهدوءٍ:
_طول عمرك وش خير، يوم ما رجعت البيت من تاني الفرح رجع معاك مرتين، مرة بيك ومرة بخبر حمل “آيـات” وبعوض ربنا ليا بعد الغربة دي كلها عن ابني، صدقني يا بني والله أنا عمري ما قدرت أشوفك مش مني، أنتَ زيك زي ولادي ولو الكلام دا ظلم يبقى ربنا يحاسبني عليه، بس أنتَ أقرب ليا من نفسي، متزعلش نفسك وبكرة كل حاجة ترجع زي الأول تاني.
بان الحزن جليًا في عينيه وهو يقول بتهكمٍ لاذعٍ:
_ترجع إزاي يعني؟ اللي راح مبيرجعش، عقلي لو رجع فهو راجع خربان مش فاكر نص الحاجات اللي تفرحني، أنا ناسي إن “مُـحي” اتغير ومبقاش يفوت فرض في بيت ربنا، ناسي إن “مُـنذر” طلع عايش ورجع تاني وكمان اشتغل ومتجوز، ناسي إن “إيـهاب” خرج من السجن واتجوز وكمان خلف، ناسي إني أنا نفسي متجوز والمفروض حسب كلامكم بحبها أوي، ناسي أهل “يوسف” ومين “عـهد” كمان؟ مش كانت “شـهد” وكان ناوي يتجوزها؟ راحت فين؟.
طالعه “نَـعيم” بحيرةٍ ثم أطلق زفرة قوية تبعها بقوله:
_”شـهد” للأسف مقدرتش تكمل معاه الحكاية لآخرها، وصاحبة النصيب كانت “عـهد” اللي يتعملها تمثال، ولو على “شـهد” فهي اتجوزت “نـادر” وبعدها اتطلقت منه وبعد شوية مشاكل كدا انتحرت وماتت، كل دا مش مهم ومش هيفيدك بحاجة لما تفتكره، المهم بجد إنك تفتكر مراتك، البت يابني بقالها شهور مقطعة قلوبنا، مكانتش كدا، وعمري ما شوفت ضحكتها مفارقة وشها، دا أنتَ كنت بتقف على الباب تستناها علشان تلمح ضحكتها ليك من على بعد، حتى لو مش فاكرها، سيبها تدخل حياتك.
توسعت عيناه وسأله مستنكرًا وهو يردد خلفه:
_أسيبها !! عاوزني أخلي واحدة أنا مش فاكر منها أي حاجة تدخل حياتي؟ وأتعامل معاها عادي؟ مش هقدر أكيد، مش هقدر أحط عيني في عينها وأنا بكلمها وبتعامل معاها ومش فاكرها ولا فاكر أي أيام ليا معاها، هفضل خايف ومشدود، مش هقدر أعمل حاجة زي دي.
طالعه “نَـعيم” بعجبٍ في أمرهِ بينما في تلك اللحظة أقترب منه “إيـهاب” يهتف بصرامةٍ وقوةٍ لا تقبل أيًا منهما النقاش أو التحدي:
_يبقى خلاص، ترمي عليها يمين الطلاق وتسيبها تشوف حالها يا “إسماعيل” مش هنفضل معلقين بنت الناس زي بيت الوقف كدا، مش نصيبك يبقى نسيبها تشوف نصيبها بعيد عنك، مش هقبلها عليها إنها تفرض نفسها عليك وتخليك تحسسها إنها واحدة بتتعامل تقضية واجب، علشان لو أنا عندي أخت مش هخليها تتعامل بالمنظر دا، ولو عليا فاللي مش هرضاه لأهل بيتي مرضاهوش لبنات الناس..
كان حديثه كما السوط الحاد فوق جلدٍ عارٍ في ليالٍ باردة تحرق الجسم ما إن تسقط فوقه، صدمهما بحديثه وطالعه “إسماعيل” بتيهٍ ثم وقف أمامه يقول بعجبٍ واستهتارٍ بحديثه:
_أنتَ بتقول إيه ؟ هو أنا فاكرها ولا فاكر إنها مراتي علشان تقولي طلقها؟ هي لو عاوزة تطلق أنا معنديش مانع بس أبقى فاكرها حتى، واحدة شوفتها مرة بالنهار بليل طلعت مراتي، تاني يوم المفروض أطلقها؟ دا أنهى عقل اللي يقول كدا دا؟.
_بعقل واعي ميرضاش بالظلم للناس وأنا مش هقدر أقبلها ليها، مش هخليها تحس إنها في حياتك مجرد تقضية واجب بس، يبقى ليه بقى من الأول؟ طلقها ولو ليك نصيب وافتكرتها أوعدك إني هساعدك ترجعها، بس مش هقدر أخليها تيجي على نفسها أكتر من كدا، كفاية عذابها وأنتَ بعيد عنها كل المدة اللي فاتت دي..
سكت “إسماعيل” وكذلك “نَـعيم” الذي لمح وجه الحق في حديث “إيـهاب” لكنه لم يتفوه بذلك، سكت لأنه يعلم أن جزءًا من الحقِ يتجلى في قوله وصراحته، بينما “إسماعيل” فساوره الضيق وأخبره قلبه أن ما يحدث لم يكن منصفًا له، على الأقل هو يستحق فرصة معها جديدة إن كانت حقًا هي ضُحاه..
في تلك اللحظة تعجب من اللقب وكرره مستنكرًا..
من أين له بهذا اللقب وهو لا يعلم اسمها إلا أمسًا؟ كيف لها بنظرة عينٍ واحدة رمقته بها أن تسكن في الروح ومن بين كل العالم يُنصفها القلب؟ حالة شتاتٍ جديدة ضربته في مقتلٍ وهو يجلس بصمتٍ..
في حارة العطار ببيت “فضل” تحديدًا..
أقر وصمم على تناول وجبة العشاء مع الجميع بمن فيهم “أيـوب” الذي أتى ليطمئن على زوجته وأهلها، و “يوسف” الذي عاد من عمله وأتى بزوجته لهم، التفوا حول مائدة الطعام سويًا ومعهم “عُـدي” الذي بحث بعينيه عن شقيقته لكنه لم يجدها، فقالت أمه له بوجعٍ:
_زمانها جاية من شغلها بس مش هتاكل، زي كل يوم هتعمل كوباية شاي وتاخد مسكن وتقفل على نفسها، قولت يمكن النهاردة لما تيجي تشوفنا تقعد تاكل معانا، زمانها جاية أهيه..
في عُقاب الحديث ولجت “ضحى” الشقة وطالعتهم وهم يجلسون ويبدو المنظر أنهم ينتظرون قدومها، فألقت التحية بصوتٍ خافتٍ ثم تحركت من المكان نحو غرفتها دون أن تناقش أيًا منهم، وفي تلك اللحظة فاض كيل “فضل” ولم يعد يتحمل أي شيءٍ، لذا ترك موضعه ثم ولج خلفها الغرفة وقبل أن تغلقها على نفسها أخرجها منها أمام الجميع بهدوءٍ ثم قال بلهجةٍ آمرة:
_اقعدي علشان تاكلي مع أخواتك، مش هنفضل كتير كدا، هتضيعي نفسك ليه وعلشان مين؟ يا بنتي حرام عليكِ وشك مبقاش فيه خلاص، بقيتي موميا ضايعة، الحل إيه في اللي إحنا فيه دا؟ بتروحي مني يا “ضُـحى” وأنا ساكت وسايبك.
بكت أمامه وقالت برجاءٍ خافتٍ وهي تحاول فك يده عنها:
_سيبني يا بابا، علشان خاطري سيبني.
وهنا أتتها الزعقة بقولهِ منفعلًا بصراخٍ هادرٍ:
_لأ مش هسيبك، مش هسيبك تضيعي نفسك كدا كتير، صبرت كتير واتحملت أكتر وأنا شايفك بتروحي مني وتضيعي نفسك، بس كدا كتير، وحلها عندي بقى، طالما وجع بوجع يبقى مش هسيبك متكتفة كدا.
طالعوه بغرابةٍ وأولهم “يـوسف” الذي حرك عينيه نحو “أيـوب” فأوقفه بنظرة واحدة يخبره بها أنه معهم، بينما “فضل” نادى ابنه بقوله الحاد المنفعل ولازال يقبض فوق كفها:
_كلملي “إيـهاب” والحج “نَـعيم” وقولهم إننا عاوزين “إسماعيل” يطلق “ضُـحى” وكفاية لحد كدا، يرمي عليها اليمين وهي تشوف حالها طالما هو ناسيها وهي لسه مش قادرة تتقبل الحقيقة دي، مش كل يوم هسيبها تنام من القهر والزعل لحد ما ييجي يوم اخسرها ومتصحاش فيه، اللي عندي قولته ودا آخر كلامي، ييجي يطلق ولو ليه حاجة ياخدها وشكرًا لحد كدا.
والحديث ليس مجرد حديثٍ..
الكلمات لم تكن مجرد كلمات، وإنما هي خناجر تضرب في القلب وتجبر العقل على الخضوع لتلقي الرضا بصمتٍ وتقبل، حلق الطير فوق رؤوس الجميع وهلعت نظراتهم، بينما “ضُـحى” فيبدو أن الضربات لم تعد تؤثر بها، وكل ما فعلته فقط نظرة واحدة في عيني شقيقها الذي طالعها بيأسٍ وعيناه تخبرها من محاولةٍ أخيرة لأجلها، لكن تلك المحاولة من المؤكد لن تجدي بنفعٍ..

تعليقات