رواية غوثهم الفصل المائة والتاسع والسبعون
فكم للهِ من تدبير أمرٍ،
طوتهُ عن المشاهدةِ الغيوب
ومن كرم ومن لطفٍ خفي،
ومن فرج تزولُ بهِ الكروب
ومالي غيرُ بابِ الله بابٌ،
ولا مولىً سواهُ ولا حبيبُ
كريمٌ منعمٌ بَرٌّ لطيف،
جميلُ السَتر للداعي مُجيبُ
إلهي مِنكَ إسعادي وخيري،
ومنك الجودُ والفرجُ القريب.
_”النقشبندي”
____________________________________
الكُل يسأل كيف السبيل للنسيانِ..
إلا أنا أتساءل كيف السبيل للتخلص من النسيان؟ كيف أعود لداخل قلبك من جديد واستقر به وأتخذ منه مكانًا لي؟ أعلم أن رُبما يكون سؤالي في غاية القسوةِ لكن تلك القسوة بذاتها تسكن بداخل قلبي من اليوم الذي غربني فيه موطني عنه،
تحديدًا بهذا اليوم الذي خشيت على نفسي فيه وذهبت إليه فوجدته يُنفيني عن نفسه وعن أرضه وكأني ما كنت ذات يومٍ لهذه الأرض ساكنة، ولهذا الموطن أقاتل،
اليوم أقف أمام الناسِ وأتساءل كيف الخلاص من خذلانٍ كان وطني سببه؟ كيف السبيل إلى الوصال بعدما هجرتني؟ وكيف أعود لك وأنتَ بنفسك عن حنايا مُحيط غربتي؟ أتعلم في يومها أصابت الخيبة قلبي، وشعرت أن الأرض تميد بي، ويوم أن ذهبت كي أجدك مُنصفًا لي، رأيت في عينيك قسوة حاكمٍ على سجينٍ بريءٍ، لكنه لم يعترف بتلك البراءة، فكانت خيبة قلبي تمامًا كما السجين الذي عاش عمره بالأسرِ ويوم أن سمحوا له للخروج إلى زيارةٍ لم يأتِ أحدٌ لرؤيته،
هل خُيلت لك قسوة المشاعر؟ إذن تخيل أن قسوة مشاعري تفوقها قلبًا وقالبًا، ولو كنت لا تعلم لماذا، دعني أخبرك أنك الحاكم والزائر وأنا المسجون البريء الذي انتظر منك فقط نظرة حنونة، وحتى تلك بخلت على القلب بها..
<“لم يكن سهلًا عليَّ أن أنسى موطني في عينيكِ”>
في كل الحكايا ستجد طرفًا مظلومًا والآخر ظالمه،
لكن في بعض الحكايا ستجد كلا الطرفين مظلومين، فمن يُحاسب بذنب غيره على تدمير حياة غيره؟ من يُلام وأهل الذنب بأنفسهم ينكرون حقيقة الذنب الواقع؟ من يُلام من بين طرفين غدرت بهما الناس في دُنيا لم تنصف إلا الظالم قاسي القلب؟ مَن مِن بين الناس يعترف ويُقر بذنبه والمظلوم بذاته وُضِعَ في خانة الظالم.
كانت الأسئلةِ منها تخرج من فاهها بقهرٍ تشعب للقلب والروحِ، كانت تسأل بصوتٍ عالٍ وقهرٍ وهي تضرب فوق خافقها وتتهمه بعينيها حتى وجدته يضمها ويخطفها في عناقه كأنه ينفي التُهم عن نفسه ويُكذب حقيقة حديثها بنسيانه لها وتخطيه أمرها..
والأسئلة بأكملها الجواب شفهيًا لن يُجديها نفعًا، لذا كان الجواب مختلفًا حيث خطفها في عناقه يحتوي نوبتها وهي تبكي وتصرخ حتى كُتِمَ صوت بكائها وصرخاتها في كتفه وهي تهزي بغير تصديقٍ كأن العقل فر منها:
_نسيتني ليه يا “إسماعيل” وواجع روحي عليك..
والجواب منه حتى لو كان كاذبًا لكنه علاج الروح المُتألمة، فلم يبخل عليها أكثر من ذلك، لذا ضمها يمسح فوق رأسها وقلبه يؤلمه لأجلها هي، لكنه هتف بصدقٍ مستمعًا تلك المرة لقلبه بدلًا من عقله:
_دا أنا نسيت نفسك ونفسي ومانستكيش يا “ضُـحى”..
والجواب هُنا على هيئة حروف تشكل دواءً..
والداء في الروح نفسها والقلب يأمل حتى ولو بكلمة كي يشفى، ابتعدت عنه وضرباتها تتزايد بشكلٍ واضحٍ، بينما نظرات العين ما إن تلاقت وجدت فيه عينيه صدقًا كبيرًا وبالغًا حينما احتضن عينيها كما كان يفعل دومًا، أمطرت عيناها بعبراتٍ لم تتوقف بينما هو فكان حديثه بنظراته قبل فمه حينما تفوه بصدقٍ:
_يمكن العقل ناسيكِ ومش فاكرك ولا فاكر أيامك، بس وربنا اللي خلق الدنيا دي كلها ومن بين كل ناسها خلاكِ نصيبي، أنا قلبي مش ناسيكِ، كل ما آجي أنكر أني أعرفك بحس إن فيه حاجة غلط، كأن دا مكانك أصلًا وأنا اللي غريب، هنكر مكانك إزاي وأنا من أول مرة شوفتك فيها من بعد رجوعي مش قادر أنساها؟.
والحديث رغم الدواء به، إلا أنه كان العِلة بذاتها، كيف يخبرها أن العقل ينساها والقلب يعرفها؟ كيف يبريء نفسه من ذنبٍ هكذا ودماء قلبها عالقة بيدهِ؟ كيف للقلب أن يسع حقيقة مؤلمة مثل هذه أن العقل محى كل الماضي والقلب بطلب البدء من جديد؟ لذا كان جوابها مستفسرًا بقهرٍ منه بسبب حديثه:
_قصدك بالكلام دا نبدأ من جديد؟ عاوزني من تاني أرجع حياتي معاك ونبدأ نحب بعض كأننا غرب عن بعض؟ طب وجوازنا؟ أنتَ عارف إن كان زماننا دلوقتي في بيتنا متجوزين ولو ربنا أراد كان زماني ممكن أكون حامل كمان؟ عاوزني أرجع غريبة عن مكاني من تاني؟ عاوزني أفضل قدامك أجدف في بحر مالهوش آخر؟ أنا مش هقدر أكون غريبة تاني في عيونك يا “إسماعيل”.
والحديث منها كان غريبًا، جعله يقف تائهًا أمامها وهو يسألها بتعجبٍ:
_يعني المفروض أسيبك؟ عاوزاني أديكِ ضهري وأمشي؟ أنا كل اللي قدرت أفتكره إني عارفك، عارف إني مش ناسيكِ، اليوم اللي مسكت فيه قسيمة الجواز مافتكرتش غير أول مرة شوفتك فيها، مستغرب إنهم قالوا إنك مراتي، واللي أنا عارفه إني يدوب عارف عينيكِ، أنا بقيت بفكر فيكِ وبفتكرك أهو، ساعديني..
كانت أمامه تائهة وهو كما البركان ينفجر بالحديث والكلمات، وهي أمام أمرين عليها أشد قسوةً من بعضهما، هل تمسك بيد البركان وتحتضن انفجاره، أم تنجو بنفسها من الهلاكِ وتترك البركان يحترق بالجميع وأولهم نفسه، تلاقت المُقل ببعضها بينهما وهو يرجعها بشيءٍ يصعب عليه أن يتوسل به، بينما هي سألته بكرامةٍ ذبيحٍ ضاقت عليه السُبلُ:
_طب ولو فضلت غريبة عنك كدا أعمل إيه؟ ترضهالي؟.
ثبت عينيه الجريحتين على عينيها المقهورتين، رأى نزاعًا بين العقل الواعي والقلب المُغفل، وقلبه يهمس له أن الخلاص من الليل المُعتم فقط في عينيها هي، كأنه يُنبهه أنه إذا أراد التخلص من العتمةِ عليه أن يلجأ لضحى النهار، فهل من يرغب في الوصول تُغريه الطُرقات الملتوية؟ لذا رفع كفه بحنوٍ ومسد فوق وجنتها بنعومةٍ وقال بعدما أنصت لقلبه:
_دا وأنتِ غريبة عني حسيت بيكِ، كنت حاسس إني أعرفك، آه زعلت لما قالولي إنك مراتي بس اللي زعلني إني ناسيكِ والمفروض أنتِ نفسي، علشان كدا بقولك نسيت نفسك اللي هي أنا ومش قادر أنسى أني أعرفك، ساعديني نرجع بدل ما نكون غُرب عن بعض، أنا حاسس وسطهم إني مش لاقي حد، أنتِ ليا يا “ضُـحى” صح؟ أمسكي أيدي ممكن؟.
وبين رغبة القلب وحديث العقل قامت حربٌ ولابُد من النصر بها لأيًا من الطرفين، لكن في تلك الحالة هل يخسر عقلًا أصر على النصرِ؟ لحظة أتى بها الكبرياء يضرب فوق مقتل الحق والعصيان بينهما لا يعلم هل يأخذ الحق في مكانه أن يتركه لوقتٍ آخر؟…
في الخارج كان التوتر بلغ أشده على الجميع بعدما طال البقاء بينهما وهكذا طال اللقاء، الجميع يطالعون وجه بعضهم بين حالة استنكارٍ ورفضٍ و”نَـعيم” يُهاتف ابنه بين كل حينٍ والآخر يطمئن منه على ما حدث والآخر يُخبره أن الأمور لازالت عالقة بالمنتصف، حتى فُتِحَ الباب وطل منه “إسماعيل” أمام الجميع بعينين متقدتين بنار الهزيمة، فقال “إيـهاب” للمأذون بجمودٍ:
_شوف شغلك يا مولانا، شكلها خلصت.
وقف “إسماعيل” إبانها في مواجهة “فـضل” وقال بأملٍ في النجاة من حياةٍ كُتِبَت عليه ولم يجد منها مفرًا وكأنه جبيسٌ بين أربع جدرانٍ:
_أنا مقدر موقفك بس مش حاسس بيه، حقك تدافع عن بنتك مني وتخاف عليها، إذا كنت أنا مش فاكرها يبقى إزاي هقدر أحافظ عليها، بس أعذرني أنا معرفش يعني إيه أب بيحب عياله، مجربتهاش يا عم “فـضل” وعلشان كدا اللي أنتَ عاوزه هيحصل.
وقعت الأفئدةِ من موضعها خاصةً مع خروج “ضُـحى” بعينين باكيتين وهي تطالعه أثناء حديثه مع والدها وفي تلك اللحظة التفت ما إن شعر بها خلفه ثم أضاف من جديد:
_بس مش دلوقتي، هطلقها لما أكون عاوز أطلقها وأنا فاكرها وعارفها، مش هطلقها علشان دي رغبة حد حتى هي نفسها مش عاوزة تطلق مني، أفرض عقلي رجعلي وعاوز مراتي؟ هعمل إيه يعني؟.
توسعت الأعين كافة وعلى رأسهم “إيـهاب” الذي وقف منشدهًا أمام شقيقه، فوجده يضيف بوقاحةٍ أو ربما حق تملك فيها:
_ماظنش فيه بنت أصول بتسيب جوزها في الظروف دي، المفروض تكون جنبه ومعاه لحد ما ربنا يمن عليه ويرجع، وعلشان كدا بقولك طلاق هطلق بس مش دلوقتي، لما أخف.
وفي الحقيقة هذا الحديث وتلك الجرأة لم تاتِ من فراغٍ، وإنما هناك من تسبب في ذلك، ولم يكن إلا “يـوسف” الذي ابتسم بسمة مكتومة، ثم عاد يرسم الجمود حينما تلاقت نظراته بنظرات زوجته التي رمقته ببغضٍ وهربت من عينيه، وفي تلك اللحظة قام المأذون بجمع متعلقاته ثم وقف وقال بصدقٍ:
_اللي تشوفه يابني وربنا يجمع بينكم في الحلال والخير، بس نصيحة مني سلم أمرك للخالق ووكل ربك في مشكلتك، مفيش إنسان سلمها للخالق ووكل ربنا في أمره وتعب، وربنا يردلك الغايب ويرجع اللي ضاع منك.
رحل الرجل بعدما استشعر خصوصية اللحظة العائلية، بينما “إسماعيل” فوقف في المكان يشعر أنه له، يرى بعين القلب أن هذا المكان مألوفًا له، حتى تلك التي تقف خلفه يشعر أنه يرغب من جديد في عناقها، لكنه وقف صامتًا يُطالعها بسكونٍ وهي بكل غباءٍ تبتسم رغمًا عنها، تمسكه بها في تلك الحياة جعل الحياة تعود..
وقبل أي مزايدات في الحديث وقف “إيـهاب” مع والدها يتحدث معه بنبرةٍ خافتة جعلت الآخر يتنهد بقوةٍ ثم قال بنبرة صوت المغلوب على أمرهِ:
_اللي تشوفوه يابني وربنا يقدم اللي فيه الخير، طالما دا هيساعده زي ما الدكتور قال يبقى خلاص إحنا ولاد أصول برضه، بس حماية بنتي فرض عليا حتى لو عقله رجع وافتكرها، بنتي في حمايتي وملزومة مني.
ابتسم له “إيـهاب” ثم شكره ممتنًا لأجل شقيقه، وبعد مرور دقائق أخذ شقيقه و”مُـحي” معهما وخرجوا من الشقة، وبعدما وقفوا أمام المصعد خرجت “ضُـحى” خلفهم تناديه بلهفةٍ:
_”إسـمـاعـيل”..!!
كانت تناديه خوفًا من رحيله، بينما هو وقف محله وشعر أن قلبه يُسلب منه، مجرد صوتها وهو ينادي بحروف اسمه جعله يعود لها بتروٍ بينما رحل شقيقه مع “مُـحي” الذي أنسحب بعد إشارة فقط من رأس “إسماعيل” له وقد اقتربت منه هي وسألته بلهفةٍ:
_يعني أنتَ فاكرني ولا لأ؟ عارف أنا مين؟.
كانت تسأله بغير تصديقٍ بينما هو تذكر حديث “جـواد” له حينما أخبره صبيحة اليوم:
_خليني أصارحك إن عقلك ممكن يكون فاكر أصلًا بس مش قادر يعترف بالحقيقة دي، اللي حصله في الشهور اللي فاتت خلى عقلك الباطن يسيطر أكتر عليك، وبالتالي العقل الواعي دوره رجع لورا وأدى لتأخر في الذاكرة، ممكن الذاكرة دي ترجع تاني أصلًا بمجرد ما تبدأ حياتك تتعامل فيها طبيعي، يعني اختلاطك بالناس من تاني هيخليك تفتكر واحدة واحدة، علشان كدا لازم تسلم بالأمر الواقع وتتعامل إنك فاكر، صدك للذكريات مش هينفعك بحاجة.
خرج من شروده على حركة رأسها وهي تسأله بصمتٍ وفي تلك اللحظة تنهد بثقلٍ ثم مسح وجهه وقال بتيهٍ:
_مش عارف بس حاسس، حاسس بيكِ، دا يكفيكِ؟.
ابتسمت له هي ومسحت عبراتها من فوق وجنتيها ثم قالت بصوتٍ مبحوحٍ من كثرة البكاء:
_كفاية، كفاية أوي طالما قلبك مش مغربني عنك.
رأى الحنو في عينيها وفي تلك اللحظة شعر أنه تسلق درجًا كان يصعب عليه أن يتحرك فوقه، كانت الخطوات مجهولة وهو يصل لقمة الطابق أمامها، حتى وهو يجهل بقية الخطوات التي أوصلته لها، لكنه أراد القرب المُباح له، لذا اقترب منها يهمس بخفوتٍ ما جعل عينيها تتسع بقوةٍ:
_سلام يا مطرقعة..!!.
قالها ثم عاد يُطالع عينيها الصافيتين بعدما تجلت فيهما اللمعة السارقة لقلبه كأنها تؤكد له أن من بين كل العالم هذا هو مأواه وضُحاه ومكانه، النهار من بعد ليلٍ مُعتمٍ، الحرية من بعد الأسرِ، الفرج من بعد الكرب، الموطن من بعد الغُربةِ، العودة من بعد الضياع، لذا ضمها من جديد يختبر هذا العناق الذي كُلما ضمها له يشعر أن هناك في الحياة ما لم يُكتشف بعد، وفي تلك اللحظة التي ضمها بها، صدح صوت “أسماء” تطلق الزغاريد تعبيرًا عن فرحتها بابنتها حتى فُزِعَ “إسماعيل” وابتعد عنها بينما “ضُـحى” تورد وجهها أمامه حينما تركها ونزل من فوق الدرج بخجلٍ كمن قُبِضَ عليه في الجُرم المشهود..
____________________________________
<“أيخون المرء عهدًا قطعه بالقلب للعين؟”>
الغدر ذنبٌ والخيانة إثمٌ..
أما عهدي لكِ فهو حقٌ، والحق لا يُرد بغير الحق، وحقك للعين على العين نظرة أملٍ من بعد الألم، نظرة الحياة من بعد الموت، نظرة لذة الوصول من بعد العناء في الطريق، لكِ أنتِ كامل الحق ولي أنا كل الواجب لتحقيق حقك، تستحقين الوفاء من كل قلبي
ولو كان القلب خائنًا سأعلمه الوفاء فقط لأجل عينيك،
فتلك العين وطنٌ لا يُخان..
بعد انتهاء التجمع في بيت “فـضل” رحل “يـوسف” بزوجتهِ من البيت وبعدما مر من جوار بنايته بالسيارة انتبهت هي له فالتفتت بنظرةٍ حادة تطالعه فوجدته يتجاهل نظرتها تلك ثم أخرج لُفافة تبغه وقام بإشعالها وهي حينها وصلت لذروة الغضب منه بعد قطيعة دامت بينهما لليوم الثالث، فقالت بعنفوانٍ:
_إحنا رايحين فين إن شاء الله؟ البيت عدىٰ أهو.
رمقها بطرف عينه ثم تنهد بقوةٍ وقال بنبرةٍ هادئة أمام قوتها:
_رايحين مشوار مهم أنا وأنتِ.
وحينها اندفعت هي في وجهه تُخبره بصرامةٍ وتحدٍ له:
_مش عاوزة أروح في حتة معاك، ومش عاوزة أكون معاك، وأنا بس نزلت من البيت علشان ماما متعرفش حاجة ومش عاوزاها تزعل منك، بس مافتكرتش أني ضعيفة وماليش شخصية، ونزلني لو سمحت وروح مع نفسك.
التفت لها برأسهِ يطالعها بنظرات حادة بسبب رفعها لصوتها عليه وقد ظهر التحدي أكثر في عينيها وهي تبادله النظرة بأخرى تُماثلها، وحينها اقترب يُلثم وجنتها بقبلةٍ مسروقة قبل أن تصده هي وتمنعه عن هذا الفعل، وما إن عاد يستقر فوق المقعد طالعته بنظرات حادة وغاضبة بطيف خجلٍ زار ملامحها بعد فعله الوقح، وقد غمغمت هي بحديثٍ التقط منه فقط:
_راجل وقح وقليل الأدب.
التفت لها يُخبرها بمزيدٍ من الوقاحة التي تصفه هي بها:
_طب كويس إنك عرفتي، بتقصري علينا المسافات أهو.
وحينها شهقت هي بصوتٍ مسموعٍ لكنها تجاهلهت حديثه ثم تصنعت النوم على زجاج النافذة وحينها حرك كفه نحو وجهها فابتعدت عنه سريعًا بشكلٍ ملحوظٍ وما إن استفسر بعينيه قالت هي بتهكمٍ مريرٍ تقصد بذلك سابق حديثه:
_إيه عاوز تطبق وشي؟ ولا يكون بتطمن إنه محتاج كسر؟.
والحديث منها يؤلم الروح ويقتل النفس، خاصةً إذا كان الفعل منه بغير قصدٍ أو وعيٍ، لكنه بكل أسفٍ يتذكر غضبه في تلك اللحظة، يتذكر أن ضيقه وغضبه تسببا له في فقد عقله حينها، لذا عاد يلتزم الصمت من جديد وسكت عن الحديث، عيناه تخونه وتُطالعها خِلسةً وهي تجلس بصمتٍ وقلبه يُحدثه أن يفعل أي شيءٍ لأجلها، لذا حرك كفه بعيدًا عنها ثم قال بصوتٍ خافتٍ:
_أنا آسف، حقك عليا علشان زعلتك مني، أنا قليل الحيلة قدامك يا “عَـهد” وأكيد مش هقدر أزعلك وأمد أيدي عليكِ، دي تتقطع قبل ما تعملها، رغم إنك ضربتيني بس أنا عديتها علشانك وعلشان خاطر عيونك على قلبي، سماح المرة دي.
ولأن كرامة الأنثى بداخلها تشعر بالألم لم تهتم بما يقول، هي فقط تجاهلته كما فعل هو خلال الأيام الماضية وتركته يتحدث دون أن تُبالي به، لذا عادت تصمت وتضع رأسها فوق النافذة وتركت عقلها تلك المرة يصفع قلبها الغبي الذي رحب بحديثه واستمع لنبرته وكلل عُذرهِ بكل حقٍ..
أما هو فتألم من صمتها لكنه عاد يضع طاقته في القيادة التي تهورت منه رغمًا عنه بسبب غضبهِ الأعمى، يعلم أنها تعاني بسبب تغيره، ويعلم أن هو من بين كل العالم من أعتبرته أمانًا وأمنًا لها، لكنه يأمل أن تلك المحاولة تُكلل بالنجاحِ، لذا وصل في وقتٍ قياسٍ وأوقف سيارته في مكان البداية، بداية كانت بادئة بعهدٍ لا يُخان حتى لو القلب بنفسه خان..
حركت عينيها هي نحو المكان فوجدته يتنهد هو بثقلٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة يرغب في استماعها له قبل أن تُصدر حكمها:
_ينفع تيجي معايا؟ هننزل وندخل جوة ومش عاوزك تخافي والله مش هعملك حاجة تزعلك، ولو مش عاوزة براحتك مش هجبرك والله، أنا اللي يهمني راحتك وإنك تكوني معايا مرتاحة ومبسوطة، قولتي إيه يا “عـهد”؟.
ولأنها تعلم أنه لم يكن من ذاك النوع الذي يبعد عنه كل البُعد فيرضخ بالقول ويعلن خضوعه، فقررت أن تعانده وترفض مطلبه بحدةٍ منها بالغة أتت منها بقول:
_لأ مش موافقة، وروحني لو سمحت بدل ما أطلب عربية تيجي توصلني وخليك هنا ابكي على الأطلال وشغل طفيت الشمع رميت الورد يا حبييي، علشان أنا مش طايقاك خلاص.
أومأ لها هو موافقًا بقلة حيلة مُقدرًا لحجم مشاعرها المتألمة منه ثم ترجل من السيارة وتركها هي وحدها بالداخل تراقبه بتعجبٍ وببسمةٍ نصرٍ وهو يدخل المكان وحده وتركها، لكنه فتح الباب فقط ثم عاد لها بهدوءٍ يفتح الباب وقبل أن تتحدث وتستفسر، وجدته يُخرجها من السيارة ثم قام بحملها وهي تصرخ بملء صوتها ثم هددته بقولها:
_أقسم بالله لو ماسبتنيش هصوت وألم عليك الدنيا وأقول خاطفني مش راضي يسيبني، سيبني بقولك بقى أنا مش عاوزة أكون معاك.
شددت مسكته لها ثم أوقفها بقوله الغير مُبالٍ بها:
_صوتي وصرخي، واللي ييجي هقولهم حرامية سارقاني، بعدين أنا محدش يمشي كلامه عليا، هتيجي يعني هتيجي، وأهمدي بقى هديتي حيل أمي، دا أنا لسه يدوب عند الباب مدخلتش.
صمتت أمام وقاحته التي تمادت كثيرًا وولجت معه بصمتٍ حتى وضعها فوق المقعد ثم عاد يغلق الباب ثم عاد يجلس بمواجهتها وهو يقول بسخريةٍ:
_أنتِ الوحيدة اللي مش هينفع تقولي خدني لحم ورماني عضم، علشان اللهم صل على النبي، أنا كتافي وقفت مكان الشيل.
بالله هل لو قامت بقتلهِ وفصلت رأسه عن جسده ستخسر أي شيءٍ؟ من المؤكد ستربح راحتها أمام وقاحته هو، كانت تحاول أن تلتزم بالصمت لكنه لم يترك لها فرصة حتى وجدته سحب المقعد ثم اقترب منها وقال بهدوءٍ:
_أنا بضحك من غُلبي على حالي، عارف إنك زعلانة وأبقى بجح لو شايف إنك مالكيش حق تزعلي، بس يومها أنا رجعت مقهور على نفسي، كنت حاسس إني محتاج أخرج اللي جوايا ولقيتك جاية تزودي الطين بلة يا “عـهد” مقدرتش أقف أكمل كلامي ولقيتك أنتِ جاية عليا، عارف إنك تعبانة بس أنا كمان تعبان زيك ومضغوط، واللي فيا صعب.
انتبهت له وبدأت توليه كامل اهتمامها، بينما هو فكره تلك اللحظة التي رأى نفسه بها بكامل ضعفه وقلة حيلته وهو يقول لها بخيبة أملٍ:
_”جـواد” يومها قالي إن بنتكس من تاني وبقيت بفقد أعصابي بسرعة ودا مؤشر غلط، وقالي إن بيني الجنون شعرة واحدة، وبالمعدل دا أنا كدا هتجنن من الضغط اللي عليا، مش عارف إيه اللي ممكن يتعمل في الحالة دي غير أني يدوبك أقدر أقف ثابت، مش قادر أتخيل أني ممكن أكون مكان “إسماعيل” في يوم وأنتِ بتعاني زي “ضُـحى” كدا، حقك عليا بس والله مش بأيدي، عيب أني أقف قصادك وأقولها ليكِ…
تردد في حديثه وهو أمامه فسألته هي بخوفٍ:
_هي إيه يا “يـوسف” اللي خايف تقولها؟ قول أنا سامعاك.
عاد بعينيه يُلاقي عينيها ثم تنهد بقوةٍ وأخبرها بتحسرٍ:
_خايف، عيب أقول كدا بس أنا خايف يا “عـهد”.
وهي صادقة تلمح الصادق، فرأت في عينيه صدقًا لم تراه من قبل، لمحت خوفه وصراحته كونه اصطفاها هي من بين الجميع يُخبرها بحال قلبه وعقله، ولأن الحُب ميثاقٌ لعهود المُحبين بدأت ترتخي أعصابها أمامه فإذ به هو يضع رأسه فوق ساقيه بالتحديد فوق حجرها ثم قال بصوتٍ مهزومٍ:
_مش عاوز أروح هناك تاني، فاضل أمل واحد ليا قبل ما أضيع، واللي أنا فيه دا مخوفني، خايف أرجع لورا وأضيع تاني، خايف أوصل للمرحلة اللي “جـواد” مخوفني منها دي، علشان خاطري خليكِ معايا ومتسيبينيش، خليكِ يا “عـهد” معايا، حتى لو وجودك معايا بيأذيكِ أبوس إيدك خليكِ، مش هعرف أقول كدا لحد غيرك أنتِ.
وفي تلك اللحظة هرعت العبرات من عينيها ثم ضمت رأسه بكلا كفيها تمسح فوق عينيه ثم قالت بصوتٍ مُحشرجٍ باكٍ:
_مش هسيبك، أنا معاك علطول يا “يـوسف” وفي ضهرك، اللي أنتَ خايف منه دا كله هنعديه مع بعض أنا وأنتَ، يمكن أكون زعلانة منك بس مش هقاطعك يعني، بس ليه مقولتش ليا؟ كنت عرفني يومها أكيد ماكناش وصلنا لكدا، ليه يومها سكت؟.
رفع رأسه لها ثم حركها بقلة حيلة كأنه يُخبرها عن قلة حيلته التي جعلتها تتنهد ثم عادت تضع رأسه فوق ساقيها وربتت فوق خصلاته وفي تلك اللحظة أدرك هو أنه أصاب الهدف في اختيارها هي من بين كل النساء، لذا عاد لها وجلس فوق رُكبتيه ثم قال بصدقٍ:
_يرضيكِ إيه وأعمله علشانك يا “عـهد”؟.
ابتسمت رغمًا عنها وقالت بحزنٍ حاولت أن تحتويه بين كلماتها:
_أنا من يومها مش عارفة آكل، سديت نفسي، وريني هرجع آكل إزاي من تاني بعد عملتك، ولا أطبقلك وشك يمكن تفهم؟.
أدرك هو مقصدها لذا اعتدل واقفًا ثم أمسك كفها وقال بنبرةٍ حنونة حاول فيها إخفاء تعبه الذي أخذ يظهر عليه:
_هعملك أنا الأكل بأيدي وأنتِ لو حابة ساعديني، مش حابة اتفسحي هنا وشوفي باقي الحيطان اللي رسمت عليها، وشوفي الكنبة اللي هناك دي عملتها بالجرايد القديمة وعلب سجاير.
توجهت هي نحو الداخل حيث جدارٍ من بين الجدران سرق نظرها واقتربت تقف أمامه، فوجدت لوحة خطفت أنظارها، حيث رسم البحر الهائج فوق الجدار وهو يحاول أن ينجو من الغرق ويمد كفه للأعلى وهناك كفٌ يمتد له كي يغيثه ولم يكن صاحب الكف إلا “أيـوب” الذي تعرفت عليه هي من ملامحه، وفي النصف الآخر كان رأس “يـوسف” أشبه ببركانٍ ينفجر فوق كتف صديقه الذي لم يكن أحدًا سوىٰ “أيـوب” أيضًا واختصر الحال بيت شعر “أحمد فؤاد نجم” حينما اقتبس له وكتب:
_”أنا كنت وحداني والدنيا واخداني
عايز ونيس تاني يقاسمني في الأحلام”.
وقفت تبتسم هي بحبٍ لتلك العلاقة التي أصبحت مؤخرًا واضحة وأن الرفقة بينهما توطدت حتى أصبح كلاهما لا يأمن إلا بكنف الآخر مُلقيًا بحمله فوق كتفه، التفتت تراقب المكان بعينيها وقد وجدت نفسها مرسومة من جديد بثيابٍ بيضاء وخلفها وضع جناحين لطيرٍ وكتب أسفل اللوحة:
_أنتِ الطير وأنا الجناحان،
أنتِ المرسى وأنا التائه وسط الطوفان،
تضاد نحنا لبعضنا، فأنا الخوف وأنتِ
لي الأمان، أنا المُبدع وأنتِ الشغف فوق الجدران،
أنتِ وفني بداخلي سيان، فارغٌ أنا وأنتِ
شغفٌ يسحب معه الحياة وفي دمي تسريان..
وفي تلك اللحظة كل خطأٍ له مغفورٌ، وكل عذرٍ مقبول..
كل العهود يُقبل الأسف عن خيانتها، وكل التغير يُفهم مقصده..
____________________________________
<“لن أخبرك عن فرحتي، ستفعلها بدلًا عني عيناي”>
قالوا في قديم الزمان أن العيون نواطق..
لذا تجد أعين عاجزة عن التعبير والوصف بما يموج في النفس، لن تجد نظرات عاجزة عن الحديث ولو فعلتها الألسنةِ، ستجد القلوب ظاهرة في الأعين والأعين بما تكتم الأفواهُ نواطق..
سعادة غريبة طرقت الباب ولو لم تكن كاملة، كانت تظن أنه حُلمًا من أحلام اليقظة وأن العقل لجأ لتلك الحيلة كي يهرب من ألمه، لكن هل يهرب المرء من نصيبٍ قُدِرَ له وأصبح له مكتوبًا؟ سعادة جعلت القلب يملك جناحين ويُحلق فوق السماء كما الطيور التي تحررت من الأسرِ، شعورها الآن لن تستطع وصفه مهما فعلت..
فشتان بين حالها قبل المجيء وبعده..
تمامًا كانت كما الفكرة العالقة في رأس مُبدعٍ ولم يجد من الشغف ما يدفعه لتنفيذ تلك الفكرة، كانت تُشبه الفكرة العالقة بالرأسِ تزعج عقل صاحبها، فلا هي تتركه يتحرر، ولا هي أصبحت أكيدة وتم تنفيذها، لكن الآن وفي لحظتها تلك هي تشعر أنها فكرة أصبحت أكيدة وتم تنفيذها ووضعها في خانة الإبداع..
تذكرت همسه لها من جديد قبل أن يرحل وكأنها رضت وارتضت بقلبها القليل منه كما لو كان الكثير من كل شيءٍ، جلست تضم صورته في هاتفها بجوار خيله والضحكة لم تبرح شفتيها وفي تلك اللحظة صدح صوت هاتفها برقم “قـمر” فجاوبت هي بلهفةٍ:
_إيه يا حبيبتي، عاوزة حاجة؟.
تعجبت الأخرى من طريقة الرد لكنها تجاوزت كل ذلك ثم قالت بثباتٍ وهدوءٍ حتى لا تساورها بالقلق:
_لأ أنا بتطمن عليكِ، كلمت “عـهد” أتطمن عليها بس واضح كدا إن “يـوسف” بيصلح غلطته، قولت أشوفك عاملة إيه، أنتِ كويسة يا “ضُـحى”؟.
قفزت الأخرى من فوق الفراش وهي تسألها باستنكارٍ فرح:
_كويسة؟ دا أنا عمري ما حسيت إني كويسة زي دلوقتي، حتى يوم كتب كتابي عليه كنت خايفة وقلقانة، أنا دلوقتي قلبي مش مكفي حجم الفرحة اللي شايلها، حاسة إني طير بقى حر أخيرًا يا “قـمر” وبعيش، حتى لو مش فاكرني بس قلبه مصدقني، وزي ما حس بيا أول مرة هيحس بيا تاني، هيعرفني ويحس بيا..
ضحكت لها “قـمر” ثم دعت لها بما تود وترغب ثم أغلقت معها وعادت تقوم بإكمال ما تفعل في مطبخها، بينما “ضُـحى” فقفزت من موضعها وظلت تدور حول نفسها مثل الصغيرات أسفل ١الأمطار، وفي الخارج كان “فـضل” يراقبها كي يطمئن عليها وبجواره وقف “عُـدي” الذي ضحك رغمًا عنه ثم حدثه بنبرةٍ خافتة:
_تفتكر لو كان حصل اللي أنتَ عاوزه كان دا هيبقى منظرها، بنتك الليلة دي كانت هتنام مقهورة ومش بعيد كانت تتجنن على حبيبها وتبقى حدوتة بايخة زي الأفلام، بس دي واحدة فرحانة من قلبها، واحدة بتحب بجد، سيبها أبوس إيدك، سيبها تفرح بنفسها وبيه يا بابا، أبوس إيدك.
وقف “فـضل” من جديد يُتابعها وهي تمسك بفستانها الأبيض وتتراقص به أمام المرآة فزار الدمع مُقلتيه فورًا وقلبه انتفض لأجلها من موضعه وفي تلك اللحظة تنهد بثقلٍ ثم قام بتنشيط نفسه حينما مسح وجهه وفركه بكلا كفيه ثم قال بقلة حيلة وغلبٍ:
_خليها يابني، أهو على الأقل رجعت تفرح تاني، لما نشوف أخرتها هتكون إيه، وياريت لو يتجوزها ويخلص نفسه ويخلصها من العذاب دا اللي هي عايشة فيه دا، ربنا يفرحها ويفرجها عليها وترجعلي من تاني زي ما اتعودت عليها، وحشتني وهي بتضحك أوي…
أنهى الحديث ثم ولج الغرفة لها فوجدها تلتفت له وهي تبتسم بسعادةٍ ثم ارتمت عليه تعانقه بقوةٍ ثم ضحكت وهي تقول بفرحةٍ لم يخمد لهيبها:
_تعبتك معايا يا وزهقتك بس حقك عليا، شوفت إني كان معايا حق وإنه هيحس بيا ومش هيخسرني؟ مكانش هيقدر ينساني ويكمل حياته، أنا جواه وصعب يعديني ويكمل لوحده من غيري، تفتكر حد يعرفني وينساني؟.
ضحك هو ثم ضمها له وقال يمازحها بقلة حيلة:
_وريني بقى شطارتك وخليني أشوف هيفتكرك إزاي.
رفعت حينها رأسها لوالدها وقالت بتحدٍ وإصرارٍ له كأنها لن تبرح حتى تبلغ القمة التي تودها وتصل لها:
_هيفتكر، وغلاوة أمه هخليه يفتكر ابن “دهـب” ويعرفني ويرجع اللي كان بينا كله، حتى لو أضطريت افكره بأول مرة حضني وباسني فيها هعمـ……..
حينها بُتِرَ حديثها ما إن ولج “عُـدي” وقبض فوق فمها يكتم بقية الكلمات أمام والده الذي توسعت عيناه وحينها أدركت هي إلى أين وصلت بالحديث جحظت بعينيها للخارج، فيما قال شقيقها بلهفةٍ:
_حقك عليا يا حج، عيلة وغلطت، دي حلها يتقفل عليها هنا ومتخرجش من البيت غير على بيته قبل ما نتفضح ولو تحب تغسل عارك عينيا والله، بس أمسحها فيا أنا.
كان لازال يقبض على فمها وهي ترسم البراءة فوق وجهها أمام والدها الذي ضرب كفيها بيأسٍ ثم هدر بصرامةٍ وعنفٍ:
_أخرج وكلملي “إيـهاب” والحج يا “عُـدي”.
سقطت القلوب من محلها وعاد الخوف لهما بينما هو التفت يوليهما ظهره وقال بضحكةٍ مكتومة قبل أن تفضح أمره:
_قوله ييجي ويجيب أخوه ياخد مراته قبل ما تجرسنا بنت ال*** دي، دي هتخرج الكبت بتاع الأيام اللي فاتت عليا، لم أختك ياض.
ضحك له “عُـدي” ثم ضمها لصدرهِ وهي تضحك وما إن خرج “فـضل” أخفض رأسه لها يقول بحبٍ بالغٍ لها ولأجل فرحتها الظاهرة في عينيها:
_وحشتيني أوي، كانت وحشاني “ضُـحى” اللي مش بتبطل ضحك وهزار، يغور زعلك في داهية لو هيخفي فرحتك دي عننا.
صدمها بحديثه ومشاعره التي قلما ظهرت لها، لكنها ضمته بقوةٍ تمتن له على تواجده ودعمه لها طوال الوقت تذكرت كيف كان يقوم بدور الجيش لها أمام كل الغزاة، لذا لم تبخل عليه بقولها:
_أنا عارفة إن الشكر بينا مش هينفع، بس أنا بشكرك على وجودك معايا ووقوفك جنبي طول المدة اللي فاتت، ولا مرة وقفت ضدي وخليت بيا وزهقت، كنت رامية حملي عليك وأنا متطمنة وعارفة إنك معايا وفي ضهري، يا بخت اللي يسند عليك يا “عُـدي” عمره ما يميل.
ولأن حديثها كان صادقًا وصل قلبه وتمركز به فلم يعِ لنفسه إلا حينما ضمها لثم جبينها ثم ربت فوق كتفها وأضاف فقط معبرًا عن مشاعره التي بدأت تظهر في عينيه:
_وأنا معاكِ، في كل وقت ومكان هتلاقيني، حتى لو في بيتك نفسه معاه هناك واحتاجتيني هتلاقيني، أنا آه مش علطول هعرف أقولك كلام حلو، بس خليكِ متأكدة إنك وقت ما تحتاجيني هتلاقيني، قبل الكل، إياك بس ماتنسينيش لما هو يفتكرك..
والحديث منه لم تجد عليه ردًا..
فقط ظلت بعناقه تُؤمن نفسها من كل خوفٍ،
هذا الأخ الذي قيل في حقه أنه أعظم الكلام،
وهي الآن يشتد عضدها بأخيها
وتُشدد به أزر نفسها.
____________________________________
<“الليل بجوارك يا قمري سمرٌ، والرفقة معك عُمرٌ”>
الليل يمر بجوار من نُحب والعمر كذلك..
لكننا نتمنى العُمر يُعاد ويتكرر من جديد، فهل هناك فرحة تُضاهي فرحة القلب حينما يستأنس بجوار من يُحب ويتكرر العمر معهم من جديد؟ فياليت كل الأيام بجوار من نُحب تتكرر،
وياليت كل ما فات بغيرهم يعود.
أنتصف الليل وما بعده، وقد جلس “أيـوب” فوق فراشه يسعل بقوةٍ ألمت صدره ورئتيه، وكذلك ألمته عظام جسده لكنه حاول أن يقوم بفك حصاره من أوامر زوجته التي أصرت على جلوسه بتلك الطريقة، لكن كيف له أن يقوم ويرفض حديثًا هي أعطته له من القلب؟ غرق في التفكير يتذكر أمه حينما كان صغيرًا وأوىٰ إلى فراشهِ بتعبٍ وأمه تراقبه بعتابٍ وحينها سألها ببراءةٍ كاذبة:
_هو أنا عملت حاجة؟ بتبصيلي كدا ليه يا “رِقـة” كأني كلت أكلك؟.
وقتها اقتربت تجلس بجوارهِ ثم وضعت الدواء في فمهِ وقالت بضحكة العتاب المصاحب لنظراتها:
_لأ مش بتسمع الكلام، قولتلك بلاش تخرج من البيت وأنتَ تعبان كدا، وبرضه خرجت وروحت مع أخوك الشغل، وبابا قالي إنك تعبت هناك، أعمل فيك إيه بقى غير إني أزعل منك علشان مش بتسمع كلامي؟ بتاخدني على قد عقلي يا “أيـوب”؟ بتستغل انشغالي مع أختك وتمشي من ورايا؟ أزعل منك يعني؟.
ولأن الخصام منها كان قتلًا من نوعٍ آخرٍ..
وهو يحب الحياة لأنها هي الحياة بذاتها ضمها بقوةٍ رافضًا حديثها بينما هي مسدت فوق خصلاته ثم لثمت رأسه وهي تمسح فوق وجهه وتقرأ له ما تيسر من القرآن الكريم، ضمته وهي تود حمايته طوال العمر بداخل قلبها..
خرج من شروده على قدوم “قـمر” وهي تحمل الطعام فوق الحامل الخشبي العريض ثم وضعته فوق الفراش وجلست بمقابله وهي تبتسم له ثم رفعت كفها تتحسس جبينه ودرجة حرارته وما إن وجدتها انخفضت عن السابق قالت بفرحةٍ:
_الحمدلله درجة الحرارة نزلت كتير، ربنا يبعد عنك الكُحة بس وهتكون تمام، ولو على العضم ووجعه متقلقش هو مضاد حيوي شديد شوية وهتكون بخير، عاوزاك تاكل شوربة الخضار دي كلها وبعدها تشرب الشوربة أم لمون دي وتنام علشان البرد اللي ماسك فيك دا يخرج، هتسمع كلامي صح؟
طالعها بقلة حيلة وحرك كتفيه لها ثم تقدم للأمام وقال ساخرًا وهو يمسك بالملعقة:
_قال يعني لو مسمعتش كلامك هتسمي عليا وتسكتي؟ ما أنتِ حجزاني هنا بقالي ساعتين بعدين شوربة خضار إيه دي اللي الساعة اتنين ونص الصبح دي؟ مفيش عندك أي حاجة خفيفة شوية؟ مش هقدر آكل دلوقتي والله.
حركت هي رأسها نفيًا ثم أخذت الطعام من أمامه وبدأت تُطعمه في فمه بينما هو أخفى نظراته اليائسة أمامها حتى لا يتضح عليه فرحته بعودتها وسعادته باهتمامها المبالغ به، لكن في حقيقة الأمر شعر أن ضوء البيت عاد بعودتها له، ظل معها بعينيه وقلبه بينما هي تجاهلت نظراته ثم تحركت من أمامه وعادت له من جديد ثم مدت كفها تسانده وما إن تمسك بكفها وجدها تقول بصوتٍ هاديء:
_تعالى معايا علشان تغسل إيدك وتغسل وشك علشان تفوق شوية، يلا وعلى فكرة أنا معاك هنا علطول مش همشي تاني، كل طير أحق بعشه، وأنا طيري أولى بيا، “ضُـحى” خلاص بتفوق لنفسها أهيه وحياتها بتتصلح هي و “إسماعيل” خلاص.
ابتسم لها بحنوٍ ثم ضم كتفها بذراعه يستند عليها وهو يتحرك ثم قال بنبرةٍ خافتة وهادئة:
_عقبال حياتنا يا قطة ما تتظبط هي كمان، بقولك إيه مفيش خروج من هنا تاني قبل ما أفوق من الحالة الهباب دي، أنا تعبت من غيرك هنا، حتى وأنا بقولك أنا كويس، ماكنتش كويس، كنت بكدب عليكِ علشان متقلقيش، بس أنا كنت محتاجك.
_كنت؟!
سألته هي باستنكارٍ بالغٍ كأنها تستفسر منه هل هو لم يعد في حاجةٍ لها، بينما هو واصل عينيه بعينيها في لقاءٍ كان يشتاق له بين المُقل وهي تُزيد السؤال بعينيها فقال هو مُعدلًا حديثه:
_كنت ومازلت محتاجلك، علطول هتلاقيني محتاجلك.
وببسمةٍ واسعة أهدتها له شددت مسكتها عليه ثم قالت تطمئنه:
_وقت ما تحتاجيني هتلاقيني معاك، أنا ربنا خلقني في الدنيا دي علشانك يا “أيـوب” مش دا كان كلامك؟ إني منك وليك؟ مش هقدر بصراحة أسيبك علشان أنتَ وحشتني أوي، بعدين ما أنتَ اللي عملت فيها شهم زيادة عن اللزوم وكل شوية تقولي خليكِ خليكِ، لما خلتني هناك تعبت في بُعدي عنك أهو.
ولأن تعبه أرهقه استقام في وقفته ثم اعتدل أمامها واشتد عوده حينما انتصب في وقفته كما عقارب الساعة حينما تتعامد مع بعضها في نفس التوقيت:
_أنا تعبت آه بس أنا برضه أنا مبقعش، أنا سلمت أمري لربنا وقولت ربنا يكرمنا ويجعله في ميزان حسناتنا من باب فك كرب مسلم، هتعيشي الدور بقى عليا هفوق عليكِ.
ضحكت هي له ثم قالت بموافقةٍ:
_أبوس إيدك فوق، أنا راضية بس فوق وأقف على رجلك من تاني بدل الدور اللي مخليك وشك مخطوف دا، سلامتك من كل شر وأذى في الدنيا دي.
عاد هو لصمته بينما هي جاورته تقوده للمرحاض ثم عاد وخرج بعدما استفاق بدفعة مياه بادرة لوجهه جعلته يخرج ويقف بجوارها ثم ابتسم لها وقال بحبٍ وشوقٍ لتلك اللحظة:
_تعالي علشان نصلي مع بعض، مش هقدر أنزل دلوقتي.
دقائق مرت عليهما وهو يأم بها في الصلاة وهي خلفه تستشعر النعيم المعجل في الدنيا، صوته وهو يقرأ القرآن بخشوعٍ في الصلاة وإتقانه في القراءة جعل عينيها تذرف العبرات وهي تشعر أنها نالت أكثر ما تمنت، وحصلت على مكافأةٍ كانت هي مقصدها والمقصد يفسر بجملة “صـبر أيـوب”.
____________________________________
<“أنا أملك الوحيد في تلك الحياة المؤلمة”>
من موقعي هذا أرسل لكَ سلامي..
أنا الذي يبخل على كل الناس بأقل فعلٍ احفظ لكَ من كل كلامي،
أنا الذي كان يبغض كل قربٍ أصبحت لأجلك لا أكره إلا المسافات التي تفصل بين قربنا، أخبرني هل ترضى لي ذُلي وأنا لك أحفظ كل ما في كُلي؟.
بعد مرور يومين..
في الإمارات العربية المتحدة كانت “چـودي” تجلس فوق الأريكة بفرحةٍ وهي تتابع التلفاز وبجوارها في كل مكانٍ أكياس الحلوى المُغلفة وهي تأكل بنهمٍ لطالما تأكدت من أمر عودتها، حتى أن تلك الثياب التي ابتاعها لها “مُـنذر” كانت سببًا في سعادتها البالغة تلك، لذا أثر الفرحة كان ظاهرًا عليها بشكلٍ واضحٍ..
أما هو فكان يقف بجوار عُلب الطعام وهو يقوم بتحضير الطعام لها، وقد تعجب هو من نفسه وهو يعمل بكل تلك الطاقة لأجلها هي، تعجب من قدرته وتحمله لفتاة صغيرة وهو الذي لم يبغض إلا كلمة الطفولة التي حُرِمَ منها، لذا كان يبتسم بسخريةٍ وهو يضع لفافة تبغه بين شفتيه ويداه تعملان على تحضير الطعام لها..
صدح صوت هاتفه برقم زوجته فعاد يجاوب على المكالمة فوجدها تطمئن عليه وعلى الصغيرة وعلى أحوالها حتى قال هو بحيرة حقيقية:
_ماشي الحال، بحاول أهو بس برضه دي مسئولية عليا، أنا عمري ما كنت فاهم يعني إيه طفل غير لما درست علم نفس، والدراسة غير الواقع، اللي أنا أعرفه كله بفعل حُبي ليها، لما نشوف آخرتها مع عمها هتكون إيه.
تنهدت هي ولم تجد من الحديث ما تتم إضافته كي تواسيه أو تُشدد بأزرهِ، وإنما تعجبت لما لم يُفصح لها عن مشاعره في غيابه عنها، تعجبت من عدم إفصاحه عن مكنون قلبه، لذا حينما طال الصمت منها وران بينهما، استثقل هو تلك اللحظة فسألها:
_ساكتة ليه يا “فُـلة” كدا؟ قولي أي حاجة.
استمع فقط لصوت أنفاسها العالية ثم بعد لحظة صمتٍ منها باغتته بسؤالٍ غريبٍ عليه منها:
_مش عاوز تقولي حاجة خالص؟ يعني مش حاسس أي حاجة وأنتَ بعيد عني وحاسس إنك عاوز تقول؟.
ولأن فقره في مشاعره أتى في التعبير عنها، تعجب من سؤالها لكنه حاول أن يتحدث ورغم محاولاته فشل، فأضاف أخيرًا بآخر ذرات قدرته على التحدث:
_عاوز أقول إني كاره الغُربة، مش علشان أنا غريب هنا بس علشان أنتِ مش معايا، واكتشفت حاجة مهمة كمان، أي مكان في العالم لو من غيرك هيكون صعب أعيش فيه، طلعتي أنتِ اللي بتحلي الأماكن مش وبتخلي فيها ونس يا “فُـلة”.
تزايدت ضربات قلبها من حديثه وشعرت أن كل شيءٍ حولها يدعوها لفرحة العمر التي تأتي لمرةٍ واحدة فقط، كانت ترغب في القفز من موضعها والصراخ عاليًا في وجه العالم لكنها بدلًا عن ذلك دعت له بالتوفيق، فأدرك هو خجلها وفرحتها بالحديث، فقرر ألا يبخل عليها بالمزيد لذا فتح المحادثة الخاصة بهما ثم أرسل لها أغنية استمع لها صُدفةً وقرر أن يُشاركها معها:
_يا حبيبي، يا حبيبي
لو ترضهالي يا حبيبي يطول عليا الليل يوماتي،
يا حبيبي، دايمًا في بالي يا حبيبي
وواقفة من بعدك حياتي، ويوماتي ببعت السلامات
وادعيلك تقصر المسافات، وواحشني نكمل الحكايات.
أرسل لها هذا المقطع ثم أرسل رسالة بصوته لها كانت صادقة ولا يعلم كيف بدأت تلك المشاعر تفضح نفسها عليه:
_بصي، أنا شكلي كدا حبيتك وحبيت حياتي علشانك، يمكن اللي فات دا كله ماكنتش مصدق إن الحياة ممكن تكون بتراضيني، بس لما بعدت عنك عرفت إن البعد عنك صعب والأصعب إنه يكون بإرادتي، يا شيخة غريبة الدنيا دي وأنا طول عمري عايش فيها قاتل، طبيعي دلوقتي أكون قدام عيونك مقتول؟.
أرسل الرسالة وقد تردد لعدة دقائق قبلها هل يتركها أم يقوم بحذفها لكنها قد كانت استمعت لصوته بالفعل فانتظر ردها عليه حتى وجدها كتبت له باختصارٍ:
_قاتل أو مقتول بقيت نصيبي وأنا نصيبك، هي دي الحكاية.
وهذا هو المقصد من حكايته،
سواء كان قاتلًا أو مقتولًا هي نصيبه وقدره، هي وحدها من ولج هو حياتها غريبًا فأصبحت له البلدة الحنونة، هي قائد جيشه الذي تغاضى عن أخطائه في حق موطنه ثم أشارت له على طريق الفرصة الجديدة، ثم أمسكت كفه وسارت به لبداية الأمل..
شرد مبتسمًا فيها وفي ملمح وجهها، عيناها وآهٍ منها تلك الأعين التي تسلب من المرء رُشدهِ فيغدو في حضرة نظراتهما حائرًا في أمره، في تلك اللحظة أتت الصغيرة ووقفت أمامه تراقبه ثم تشدقت بسخريةٍ:
_ودا من إيه طيب؟.
انتبه لصوت الصغيرة فاعتدل في وقفته وثبت عينيه عليها وهي تبتسم له وحينها اقترب منها ثم جلس أمامها على رُكبتيه وقال بصوتٍ هاديءٍ:
_دا من اللي اسمه حب، عرفاه أنتِ الحب دا؟.
ضحكت له بسخريةٍ وقالت بتقليدٍ لطريقة “إيـهاب”:
_إحنا ناس مؤمنة بالله منعرفش غير حب ربنا وبعدها بابا وماما ودول ربنا يرحمهم وحب الرجالة الجدعان اللي أنا وسطهم، غير كدا عيب وغلط وعمهم يقطعني.
ضحك رغمًا عنه ثم صفعها بخفةٍ فوق وجنتها وحملها ووقف بها وهو يقول بصوتٍ ضاحكٍ بعدما لثم جبينها:
_ماهو معاه حق بصراحة، دا مين اللي أمه داعية عليه ويفكر يدخل البيت برجله دي علشان يطلبك؟ دي هتبقى وقعته سواد فوق دماغ أهله، وخصوصًا مني، أنتِ مش هينفع تتجوزي.
قامت هي بضمهِ بذراعيها الصغيرين وفي تلك اللحظة صدح صوت الجرس فقالت هي بخبثٍ له:
_دي تلاقيها البت المايعة اللي كل شوية تيجي، إيه رأيك نكلم مراتك تيجي تشوفها بقى وبالمرة تساعدها في اللي هي بتعمله.
توسعت عيناه بغير تصديقٍ لكنه تحرك بها تجاه الباب ثم فتحه ليجد في مواجهته “أحـمد” الذي هدر بصوتٍ جامدٍ:
_لو مدخلتنيش هطلع على السفارة علشان ياخدوهالي منك، أنا مش هسيب بنت أخويا ليك، مش هفرط في لحمي علشان كلامك الأهبل دا، هاتها بالأدب أنتَ بدل ما أخلي السفارة تاخدها منك بالقانون ونخسر كلنا، وساعتها وريني مين هيساعدك..
_أنا، أنا اللي هساعده وهاخد روحك بإذن الله.
أتى الصوت من الخلف وقد التفت “أحـمد” لصاحب الصوت فوجد أمامه “يـوسف” يرمقه بنظراتٍ ثاقبة وحينها قال “أحـمد” بغيظٍ منهما:
_هو أنتوا مجانين؟ أسلوب البلطجة بيجري في دمكم؟ أنتَ مش الغريب اللي جيت محدش عارفلك أصل من فصل وحياتك وتاريخك كلها ماضي هباب؟ أنا مش هسكت ليكوا، هطلع السفارة وأجيب حقي وحق بنت أخويا منكم.
وفي لحظته وفي حديثه دفعه “يـوسف” ثم أغلق الباب ثم قام بخطفه ووضعه خلف الباب وقبض فوق عنقه ثم هدر من بين أسنانه:
_استعد بقى بروح أمك للي جاي مني ليك، علشان هتخرج من هنا على المستشفى، بسم الله يلا نبدأ..
