رواية قلب السلطة الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم مروة البطراوي


 رواية قلب السلطة الفصل الثاني والعشرون 


ظلّ الصمت يخيّم، حتى بعد أن دخل "رائد الذهبي" إلى قلب البيت، وكأن حضوره لم يترك مجالًا لأي صوت سوى وقع خطواته. في العيون سؤالٌ، وفي القلوب وجس، وفي الهواء شيء يشبه الاحترام المغلّف بالريبة.

وبينما كان "رائد" يجلس في ركنٍ جانب، يراقب الحاضرين ببرودٍ رصين، دلف "مهاب" من خلف الجموع بخطواتٍ متحمسة، وقد تأخّر عن لحظة الدخول الأولى. ارتسمت على وجهه ابتسامة فيها من التصنّع أكثر مما فيها من الترحاب، وصوته علا وهو يتقدّم كمن يحاول اللحاق باللقطة:

– يا أهلاً وسهلاً بسعادة الباشا! البيت نوّر والله.

رفع "رائد" رأسه، أومأ له بإيماءة مقتضبة، ثم صافحه برشاقة محسوبة:

– الله يبارك فيك... متشكر يا أستاذ مهاب.

قال "مهاب" وهو ينظر حوله، كأنما يبحث عن نقطة توازن:

– العيلة كانت مستنياك من بدري... كويس إن الجو هدّي.

لم يردّ "رائد"، بل اكتفى بابتسامة خفيفة سرعان ما اختفت، ثم نظر نحو "نيرفانا" التي ما تزال تمسك بذراعه بلطف.

هنا اقتربت "عائشة"، وفي عينيها لمعة خفية، وهمست له:

– القمر جوه... مستنياك، خلّصنا كل حاجة.

ابتسم "رائد" في هدوء:

– تمام... أول ما تجهز أنا جاهز.

تقدّمت "نيرفانا" نحو "عائشة"، وهمست لها:

– ممكن أشوفها؟

– طبعًا يا حبيبتي، تعالى ورايا.

لكن "رائد" استوقفها بهمسةٍ ثقيلة:

– خليكي لطيفة... إحنا مش ناقصين دموع.

ضحكت "نيرفانا" في هدوء، ومشت خلف "عائشة".

فيما استند "رائد" في مقعده، لا يقول شيئًا، لكنه يرى ويسمع كل شيء.

وفي زاوية بعيدة، كانت "نيفين" تقف، تُتابع المشهد بهدوء مريب، كأنها لا ترى الحاضر فقط، بل تستشرف ما بعده.

---
قلب السلطة – 
بقلم: مروه البطراوى 💜

في الداخل، خلف بابٍ نصف مغلق، كانت "ليلى" ما تزال واقفة أمام المرآة، تتأمل ملامحها التي لا تعرفها.
هل هذه هي الفتاة ذاتها التي كانت تركض في ممرات المدرسة تلهث بالحلم؟
هل هذه هي التي كانت تضحك من أعماقها في شرفة بيت جدتها و هي صغيرة، وتدعو الله ألا تنتهي الإجازة؟

الآن، كانت واقفة كمن ينتظر حُكمًا.
يديها لا تعرفان أين تستقران، وعيناها معلقتان بمرآتها لا بعينيها.

همساتٌ من الخارج بدأت تقترب...
ثم صوتُ خطواتٍ ناعمة، تلتها نبرةٌ دافئة، طفولية، اخترقت الحاجز برفق:

– هو أنا ينفع أدخل؟

كان صوت "نيرفانا".
رقيقًا... كأنّه لا ينتمي لهذا العالم الصاخب المترقّب.
لكنّه حمل خلفه ثِقلًا لا يُستهان به، ثقل اللقب، والدم، والاسم.

شدّت "عائشة" الباب قليلًا، وأطلت برأسها:

– نيرفانا حابة تسلم عليكي.

لم تردّ "ليلى"، فقط نظرت نحو الباب، كأن عقلها يبحث عن ردٍّ مناسب، عن صيغة للترحيب، لكنها وجدت نفسها تقول بصوتٍ خفيض:

– تخشِّي.
دخلت "نيرفانا" بخطوة خفيفة، وعلى وجهها ابتسامةٌ بريئة، لا تخلو من فضولٍ دفين.
نظرت إلى "ليلى" بتمعّن، ثم قالت بحماسة طفلة:

– أنتي حلوة قوي.

ابتسمت "ليلى" ابتسامة باهتة، وقالت:

– وانتي كمان... قمر.

تقدّمت "نيرفانا" أكثر، ولمست طرف فستان "ليلى" بدهشةٍ مبهورة:

– ده اللي أنا اخترته! كنت حاسة إنه هيليق عليكي بالضبط كده!

نظرت "ليلى" إلى نفسها في المرآة للحظة، ثم تمتمت بخجلٍ دافئ:

– عجبك؟
– أوي! و... بابا هيعجبه كمان.
قالتها "نيرفانا" بثقة وابتسامة بريئة.

عند ذكر "بابا"، ارتعشت يد "ليلى" الخفية، ونظرت فورًا نحو الأرض.
لم تُعلّق. لم تسأل. لكنها شعرت أنّ جدران الغرفة ضاقت فجأة.

"نيرفانا"، من فرط عفويتها، لم تلاحظ ما تغيّر في ملامح "ليلى"، وأكملت بصدقٍ لا يحتمل:

– على فكرة، أنا قلتله من الأول إني موافقة...
قلتله: لو هي هتكون طيبة معايا، أنا هحبها.

رفعت "ليلى" عينيها، ونظرت إليها، بعينٍ غائمة، وقالت بصوت مبحوح:

– وأنا هكون طيبة جدًا... عشانك.

اقتربت منها "نيرفانا"، وفتحت ذراعيها فجأة، كأنها تعرف تمامًا ما تحتاجه "ليلى" في تلك اللحظة، وقالت:

– طب تعالي نتصوّر سوا... عايزة الصورة دي تبقى أول صورة لينا بره المدرسة.

تردّدت "ليلى" لوهلة، ثم انحنت قليلًا، واحتضنت الصغيرة، كأنها تختبئ فيها.

وفي الخارج، كان "رائد" يُدير وجهه جانبًا، كأنّه شعر بشيء.
أغمض عينيه للحظة... ثم فتحهما على قلقٍ دفين لا يعرف له اسمًا
---
قلب السلطة – 
بقلم: مروه البطراوى 💜

في الخارج، جلس "رائد الذهبي" في أحد أركان الردهة، حيث يمكنه أن يرى الجميع دون أن يُضطرّ للحديث مع أحد. كانت عيناه تتنقل بين تفاصيل المكان: الستائر، الأثاث، الوجوه، الهمسات، كأنّه يقرأ سطورًا غير مرئية تُكتب في الصمت.

"مهاب" كان يراقبه من بعيد، يُوازن خطواته، قبل أن يقترب أخيرًا ويجلس بجواره على طرف الكنبة، وقال بنبرة حاول أن يُجمّلها بالود:

– البنات جوه بيحضّروا، شكلهم لسه شوية... الجو النهاردة مش عادي.

لم يلتفت "رائد"، لكنه قال بهدوء ثابت:

– كل حاجة محسوبة عندي... والجو مش فارق.

ضحك "مهاب" بخفة، وقال:

– واضح... باين عليك دايمًا ماسك الأمور، حتى في عزّ الارتباك.

رد "رائد" بنظرة جانبية قصيرة، ثم قال:

– مافيش ارتباك... بس في ترقّب.
وأنا متعوّد أدخل أي مكان... والعيون تبصلي كده.

صمت "مهاب" للحظة، ثم مال بجذعه قليلًا وقال بصوتٍ أخفض:

– بصراحة يا رائد بيه، الناس كلها مستغربة.
يعني، حضرتك... مش بالضبط النموذج اللي بنت مدرسة بسيطة  تتوقعه، ولا إحنا كنا متوقعين إنك تيجي بنفسك كده و تطلب تتجوزها.

رفع "رائد" حاجبه، ونظر له مباشرة:

– تقصد إيه؟

تراجع "مهاب" في جلسته، وابتسم توترًا:

– لا لا، أقصد يعني... الموضوع فجأة كده، بدون مقدمات.
معلش أنا بس كأخوها، طبيعي أسأل وأسأل كتير.

قال "رائد" بهدوءٍ لا يخلو من الحسم:

– طبيعي تسأل... وطبيعي كمان تلاقي إن الإجابات مش دايمًا كاملة.

سكت، ثم أضاف وهو يلتفت ببطء نحو وجه "مهاب":

– لأن اللي بيدخل حياتي... بياخد وقته قبل ما يعرف كل حاجة.

هزّ "مهاب" رأسه كمن تلقّى تحذيرًا مغلّفًا بالمجاملة.

– مفهوم.

نظر "رائد" أمامه، ثم قال كمن يُلقي بجملة اعتيادية لكنها تحمل ما هو أعمق:

– أنا مش جيت أقدّم عرض... أنا جيت آخد قرار.

هنا، شعر "مهاب" كأن الغرفة ضاقت فجأة، وأن "رائد" لم يكن فقط ضيفًا... بل مالكًا جديدًا لطاولة الحوار.

وقبل أن ينبس بكلمة، خرج صوت "نيرفانا" من الغرفة الداخلية وهي تضحك، تبعها صوت "ليلى" هامسًا.

فابتسم "رائد" أخيرًا، تلك الابتسامة القصيرة التي لا تصعد لعينيه، وقال:

– والبداية دايمًا... بتتوزن بصوت الضحك.

---
قلب السلطة – 
بقلم: مروه البطراوى 💜

في الزاوية المقابلة، وقفت "نيفين" ساكنة، تُمسك بكفّيها بعضهما البعض، كمن يُخمّد رجفة لا يودّ أن يراها أحد.
عينها لا تفارق الباب المغلق، حيث دخلت "نيرفانا" قبل دقائق، وخلفه تقف ابنتها... وحيدة، هادئة، متماسكة – أو هكذا تأمل.

كان صوت ضحكة "نيرفانا" قد اخترق الصالة، تبعه صوتٌ خافت لـ "ليلى"،
ضحكةٌ لم تُطَمئن "نيفين"، بل زادتها وجعًا.

تنفّست بعمق، كأنّها تحاول أن تحشو صدرها بشجاعة مصطنعة.
حاولت أن تتذكّر آخر مرة رأت فيها ليلى تضحك بصدق.
كانت تضحك وهي بتحكي لها عن أول مرتب، وعن أول مرة قدرت تشتري هدية لصاحبتها من فلوسها.
أما اليوم... فابنتها تضحك وهي في فستان اختارته لها ابنة رجل لا تعرفه جيدًا، لكن عليه أن يصبح كل شيء في حياة ليلى.

رفعت يدها، وعدّلت طرحة بسيطة تغطي شعرها.
حدّثت نفسها:
"لازم أدخل... لازم أكون جنبها... حتى لو ماكنتش قادرة أمنع، أقدر أواسي."

نظرت حولها للحاضرين، بعض النسوة ما زلن يتهامسن، البعض يُراقب "رائد" عن بُعد، و"مهاب" جلس متجمّدًا بعد حديثه معه.

لم تنتظر أكثر.
خطت خطوة... ثم أخرى... حتى اقتربت من الباب.

ترددت يدها وهي تهمّ بطرقه، كأنّ هذا الباب صار حاجزًا بين ماضٍ كانت هي فيه الآمرة، ومستقبل لم يُترك لها فيه قرار.

تمتمت لنفسها، كمن يحاول تثبيت صوته:

– يا رب... الطف بيها.

ثم طرقت الباب طرقًا خفيفًا، وفتحت ببطء، وأدخلت رأسها وهمست:

– ليلى... ممكن أدخل؟

من الداخل، جاءها صوت ابنتها، مبحوحًا، مرتبكًا:

– أيوه يا ماما... تعالي.

دخلت "نيفين"، وأغلقت الباب خلفها بهدوء، كمن أغلق عليهما الدنيا، ووقف على الحافة الأخيرة بين الأمومة... والتسليم.

---

قلب السلطة – 
بقلم: مروه البطراوى 💜

دخلت "نيفين" إلى الغرفة بخطواتٍ بطيئة، وعيناها تلتقطان التفاصيل الصغيرة:
مشطٌ على طرف التسريحة، زجاجة عطر مفتوحة، منديل به أثر أحمر شفاه، وفستان أبيض... لا يشبه ليلى.

كانت "ليلى" واقفة عند حافة السرير، تنظر للأرض، كأنها تنتظر من أمها سؤالًا تعرفه مسبقًا.

اقتربت "نيفين"، ثم جلست على طرف الفراش، وأشارت بيدها:

– تعالى يا ليلى، اقعدي جنبي.

تقدّمت "ليلى" ببطء، وجلست، دون أن تنظر في عينيها.

ساد صمت ثقيل، فقط أنفاس متقطعة، ثم قالت نيفين بصوتها الذي حمل كل الحنان، وكل الخوف:

– إنتي متأكدة؟
سؤال بسيط، لكنه ارتطم في صدر "ليلى" كحجرٍ ضخم.

– متأكدة من إيه، يا ماما؟جايه لسه تسالي دلوقتي؟

– من إنك... قادرة تكّملِي؟
معاه؟ في دنيته؟
شايفة نفسك في اللي جاي؟

بلعت "ليلى" ريقها، وقالت بصوتٍ متماسك ظاهريًا:

– مافيش حاجة اسمها متأكدة... بس أنا ماشية مع اللي قدامي.

هزّت "نيفين" رأسها، وقالت بهدوء:

– أيوه... بس اللي قدامك مش طريق مرصوف ورد، يا ليلى.
انتي ديما تقولي الراجل ده مش سهل...
ومش  جاي علشان يحب ويُحبّ بس.

نظرت إليها ليلى للمرة الأولى، بعينين فيها صدق موجع:

– عارفة... بس يمكن ما بقاش ينفع أختار بحُريّة.
الاختيارات كانت زمان، لما كنت بحب من قلبي...
دلوقتي بقيت بختار بالعقل.

– والعقل مش دايمًا بيحمي... أوقات بيحبسك جوه قرار.
ردّت نيفين وهي تمسك بيدها، وتشدّ عليها.

– وأنا تعبت من كل حاجة بتحبّسني، يا ماما.
تعبت من الخوف، من الوحدة، من الأحكام، من الألسنة،
تعبت أكون لوحدي في وش الدنيا.
دلوقتي... حتى لو في شيء مكسور، فأنا داخلة أعيش فيه، مش أنزفه لوحدي.

أغمضت "نيفين" عينيها للحظة، ثم قالت بصوتٍ واهن:

– بس أوعي تعيشي مغلوبة جوا نفسك، وتقولي "ماشي الحال".
لو لقيتي نفسك بتنزلي درجة ورا التانية...
ارجعي لي.
ارجعي لبنتك اللي جواكي، مش للناس.

لمعت عينا "ليلى"، وانسحب الكلام من شفتيها، وقالت:

– أول مرة أحس إنك خايفه عليا منه  انا  داخلة على مجهول... وأنا مش خايفة.
يمكن علشان... خلاص، ماعادش فاضل حاجة أخسرها.

رفعت "نيفين" يدها، ولمست وجهها بحنان، ثم همست:

– لا، يا بنتي...
لسّه فاضل حاجة.
فاضل نفسك...
ما تفرّطيش فيها أبداً.

سكتتا لحظة، ثم قالت "نيفين" بخفوت:

– يلا قومي...
الناس مستنياكي.

وقفت "ليلى"، ثم أخذت نفسًا عميقًا، وأجابت:

– وأنا كمان... كنت مستنياهم.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
"نيرفانا" كانت تقف إلى جوار "ليلى"، تراقب ملامحها بعينٍ ممتنة، ثم التفتت إلى "عائشة" التي بدت واجمة للحظة، تُحدّق فيهما دون أن تنتبه.

قالت "نيرفانا" بنعومة، وهي تبتسم دون افتعال:

– مس عائشة... كلّه تمام؟ شكلك سرحانة.

انتبهت "عائشة" لنظرات الطفلة الذكية، فهزّت رأسها سريعًا كمن أفاق من شرودٍ طويل، ثم ضحكت بخفة:

– لا لا... بس مش مصدقة إنك كبرتي كده يا نيرفانا! كنتي لسه تحت رجلي في المدرسة، وها انتي بقيتي ست البنات.

رفعت "نيرفانا" حاجبها بخفة وغيظٍ طفولي ظريف:

– يعني إيه يا مس؟! شكلي كان وحش زمان ولا إيه؟!

ضحكت "ليلى"، ومدّت يدها تمسك بكف الصغيرة:

– لا يا حبيبتي... انتي منورة من أول يوم.

وفي لحظة، قطع الصمت صوت خافت من الخارج، تبعه نحنحة خفيفة ثم صوت "مهاب" يعلو بنبرةٍ واضحة:

– ليلى!... المأذون وصل. إنتي جاهزة يا بنتي؟

ارتعش قلب "ليلى"، كأن طبولًا خفية قرعت داخله، ونظرت إلى الباب لحظةً ثم أغمضت عينيها، كأنها تُقنع نفسها بالثبات، وقالت بصوتٍ فيه بعض الجسارة المصطنعة:

– أيوه يا مهاب... جاهزة.

فتح "مهاب" الباب بهدوء، ووقف برهة يتأمّلها، ثم تقدّم بخطواتٍ مترددة.
نظر إلى "ليلى" نظرة طويلة، فيها حب أخوي نقي، ثم ابتسم وقال:

– ما شاء الله... القمر ده طالع منين؟ الله يرحمك يا بابا، كان هيفرح بيكي النهاردة.

اهتزّت "ليلى" من الداخل، كأنها انكسرت على طرف الاسم، واغرورقت عيناها بدموعٍ حارة:

– ليه كده يا مهاب... ليه تفتح وجعي دلوقتي؟
أنا كنت ماسكة نفسي بالعافية...

اقترب منها مهاب سريعًا، وربت على كتفها:

– معلش... سامحيني.
بس والله... هو معانا، والله.

ثم تدارك نفسه سريعًا، وأخرج من خلف ظهره باقة ورد بيضاء:

– بصي... دي من رائد بيه.
قال يتقدملك بيها بنفسه... بس هو حبّ يخليها توصلك قبله.

نظرت "ليلى" إلى الورد، كأنها تنظر إلى ما هو أبعد... إلى الطريق كله.

أخذتها منه بيدٍ مرتعشة، ثم رفعت رأسها، وقالت بنبرةٍ فيها كل ما تبقّى من إرادة:

– يلا، نخرج.

مدّ "مهاب" يده نحوها، فأمسكت به، ونهضت.
وراءها، لحقت بها "نيرفانا" و"عائشة"، تحملان ذيل الفستان بحذر، كأنهما تمسكان بخيوط قصة ما زالت تُكتب.

وفي الخارج...
كان القدر يطرق الباب الأخير.

---

قلب السلطة – 
بقلم: مروه البطراوى 💜

انطلقت خطوات "ليلى" ببطء، كأنها تمشي فوق خيوط غير مرئية بين الماضي والحاضر.
كانت قد خرجت من الغرفة، من قلب الخوف والانتظار، تترك وراءها دقاتٍ مرتجفة، وعيونًا لا تكفّ عن الترقّب.

تخلّفت "نيرفانا" و"عائشة" لحظة، ليتركا لها المساحة لتتنفس،
وتقدّم "مهاب" بجوارها، دون كلام، فقط نظراتٌ تنوب عن ألف سؤالٍ مؤجَّل.

في الطريق إلى الردهة، حيث ينتظر الجميع، تشابكت في عقل "ليلى" أصواتٌ وأصداء:
ضحكة أبيها القديمة، همسة أمها ليلة النتيجة، بكاءها المكتوم أول ما انكسر قلبها...
ثم صدى صوت "رائد" وهو يقول بهدوء: "اللي يدخل حياتي... بياخد وقته قبل ما يعرف كل حاجة."

ارتجف قلبها للحظة، لكنها واصلت السير.

وفي اللحظة التي استقرت فيها قدماها عند أول عتبة تؤدي إلى الصالة، تلاشت الأصوات، وبقي الصمت.
ذلك الصمت الذي لا يخلو من رهبة، ولا من انتظار.

هل هي تسير نحو بداية؟ أم تُعيد التقدّم في دوائر من النهاية المقنّعة؟

ربما... لا تكون الإجابة الآن.
لكن ما كانت تعرفه يقينًا، أنّها لم تَعُد كما كانت.

كانت خطواتها تقول:
"أنا لسه واقفة... ولسّه فيا حياة."

---
قلب السلطة – ( مشهد العقد )
بقلم: مروه البطراوى 💜

تقدّمت "ليلى" إلى الطاولة ببطء، تتبع خطواتها كأنها تجرّ ثقلًا لا يُرى.
كان المأذون يهيّئ أوراقه، يُسلّم القلم إلى من سبقتها، وينادي باسمها بنبرة رسمية.

وقفت أمام الورقة، عيناها تهربان من السطور المرتبة ببرود، كأنها ترى فيها مصيرًا لا تعرف ملامحه، لكنها مُلزمة بالتوقيع عليه.

ومن خلفها، جاء صوت "نيفين"، خافتًا لكنه حاسم، يحمل رجفة الأم التي لا تملك إلا أن تدفع بابنتها للأمام:

– يلا يا ليلى... خلّصي.

استدارت "ليلى" قليلًا، بعينين مغرورقتين، ثم أعادت نظرها إلى القلم،
مدّت يدها المرتعشة نحوه، كأنها تمدها إلى مصيرٍ لا مفر منه،
أمسكته بإحكام، ثم خطّت إمضاءها في سكون، لا تدري إن كان صوت القلم على الورقة هو صوتها الأخير، أم أول اختناقٍ في رحلتها الجديدة.

لحظة صمت.

ثم جاء صوت المأذون رخيمًا، يحمل نغمة معتادة، كأنها تُتلى منذ قرون:

– بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير.

تعالت الزغاريد فجأة، دوّت في الأرجاء كصدى بعيد من فرحٍ لا يشبه ما في صدر "ليلى".
كل صيحة كانت كصفعةٍ على قلبها، كل تهنئة كانت تثقُل كتفيها.

جاءت أمها أولاً، عانقتها، وضغطت على جسدها بقوة، لا تدري إن كانت احتضانًا أم شدًا إلى واقعٍ لا خلاص منه.
ثم مهاب، ثم النسوة... وجوه كثيرة، أيادٍ كثيرة، قُبل كثيرة، و"ليلى" تبتسم ابتسامات لا تصل إلى عينيها.

وحين انحسر الجمع من حولها، أحسّت بظلٍ ثقيلٍ يخيّم فوقها.

رفعت عينيها ببطء، فرأته.
"رائد"... يقف هناك، بهيبته المعتادة، بعينيه الثابتتين، يتأملها بنظرة طويلة، كأنّه يقرأ كل ما لم تقله.

اقترب منها بهدوء، لم يكن مستعجلًا، بل كمن يعرف أنه قد بلغ غايته.
وقف أمامها، ثم مدّ يده بثقة، ولمس خصرها بخفةٍ محسوبة، طوّقها كمن يُعلن امتلاكًا لا يقبل الجدل.

اقترب من وجهها، ثم طبع قبلة قصيرة على جبهتها، باردة رغم سخونة اللحظة.
لامس خده طرف خدها، ثم همس بصوتٍ خافت، لا يُسمع سواه:

– مبروك... دلوقتي رسميًا، انتي بقيتي ليّا.

لم تكن كلماته قاسية، لكنها كانت مشبعة بنبرة لا تخطئها حدسها...
نبرة الرجل الذي لا ينسى، ولا يترك شيئًا للصدف.

نظرت إليه "ليلى"، وكأنها تستجديه بإيماءة العين... أن يطمئنها.
فابتسم، تلك الابتسامة التي تُشبه الغطاء الناعم لسكين حاد.

ثم همس مرة أخرى، بصوته العميق:

– اتجهزي... الليلة دي مش عادية.

ولم تنتظر ردها، بل أمسك بيدها، وقادها وسط الجموع التي عادت تزغرد...
في حين بقي قلبها يُنذرها، أن هذه الليلة ليست كباقي الليالي.

---
قلب السلطة – (قاعة الزفاف)
بقلم: مروه البطراوى 💜

كانت القاعة مضاءة بعناية، كل تفصيلة فيها تشي بثراءٍ لا يُستعرض، بل يُفترض كأمرٍ واقع.
ثريات كريستالية تتدلّى من السقف، أزهار بيضاء تتوزّع كأنها وُضعت بيد فنانٍ مهووس بالتناسق،
والموسيقى... هادئة، راقية، لكنها باردة كأنها لا تخص أحدًا.

دخلت "ليلى" إلى المكان تتقدّمها "نيرفانا"، تتدلّى من كتفها طرحة قصيرة، وفستانها الأبيض ينسدل برصانة لا تشبه خفة العرائس المعتادة.
خطواتها ثابتة، لكن عينيها تسبحان في فراغٍ مألوف.

كانت الكاميرات تدور حولها، تُسلّط عليها عدساتها كأنها نجمة في عرضٍ لم تطلبه،
والنساء يتهامسن، يبتسمن، يرفعن هواتفهنّ، بينما هي تمشي... فقط تمشي.

في مقدّمة القاعة، وقف "رائد" بهيبته الصامتة، يحيي بعض الضيوف بنظرات محسوبة وابتسامات مقتضبة.
كان مرتديًا بدلة سهرة كلاسيكية، سوداء تمامًا، يزينها منديل أبيض، دون دبوس ولا أزرار لامعة، كأنه يقول: أنا لا أحتاج إلى شيء يُلفت النظر... أنا بذاتي كافٍ.

وحين وقعت عيناه على "ليلى"، لم يتحرك.
بقي واقفًا مكانه، يراقبها تقترب، لا يصفّق، لا يندهش، لا يُبدي شيئًا… فقط عينه تشي بأنه يراقب كل التفاصيل، بما في ذلك طريقة مشيها، نظرة عينيها، وخيط التوتر في أطراف أصابعها.

اقتربت منه، فتقدّم خطوة، ومال برأسه قليلًا، وهمس:

– تأخرتي دقيقة ونص... مش شبهك.

لم ترد "ليلى"، فقط نظرت إليه بنظرة محايدة، لا خضوع فيها ولا اعتراض.
فابتسم رائد، ابتسامة ناعمة… لكنها لا تُشبه الترحاب.

ثم رفع يده بهدوء، فاقترب منهما المصوّر، وبدأت جلسة الصور.

قال "رائد" بصوت خفيض، وهو يضع ذراعه حول خصرها:

– خدي بالك من وشّك، دي الصور اللي هتفضّل في كل مكتب وفي كل بيت... ماينفعش تطلعي فيها خايفة.

فهمت "ليلى" الرسالة، فأمالت رأسها نحوه، وابتسمت للكاميرا، تلك الابتسامة التي تُجيدها النساء حين يخفين ما لا يُحتمل.

في الطرف البعيد من القاعة، كانت "نيفين" واقفة بجوار "مهاب"، لا تتحرّك.
تُراقب، فقط تُراقب.

قال "مهاب" دون أن ينظر إليها:

– بتحسي إن دي فرحة حقيقية؟

لم تجبه "نيفين"، فقط شبكت يديها بقوة، وقالت في داخلها:

"مش مهم الحقيقة دلوقتي... المهم ما تنهارش."

---
قلب السلطة – (على هامش القاعة)
بقلم: مروه البطراوى 💜

على طرف القاعة، بعيدًا عن دائرة الأضواء، وقفت "يقين" بجوار "شامل"، تميل برأسها قليلاً، تتابع المشهد بعينٍ قلقة، ونظرةٍ لا تخلو من التوجس:

– شايف ليلى؟
وشها مش طبيعي... باهتة، كأنها مش في فرحها. تحسها داخلة على حكم مش على حياة جديدة.

تنهد "شامل" بصوت خافت، ثم ردّ بهدوء متعمد:

– أول مرة تتجوز يا يقين... طبيعي تكون مرتبكة شوية.

لكن "يقين" لم تكتفِ، بل ظلت تحدّق في ليلى بثبات، ثم قالت:

– لا... دي مش توتّر بس.
أنا ماشفتهاش ابتسمت بصدق ولا حتى مرة من ساعة ما دخلت.

نقل "شامل" نظراته إلى ليلى للحظة، ثم قال وهو يحاول التهوين:

– يمكن متأثرة... اللي زي رائد يخوّف، حتى وهو بيضحك.

لم ترد "يقين"، بل أطلقت زفيرًا طويلاً، كأنها تطرد به شعورًا أثقل من الكلمات، ثم استدارت تبحث بعينيها في زوايا القاعة.

– نيرفانا راحت فين؟ ما شوفتهاش من بدري...

رفع "شامل" حاجبيه دون اكتراث:

– أكيد حوالين أبوها... متوصي بيها، مش هيسيبها تهيم لوحدها.

لكن "يقين" لم ترتح، بل زاد توترها، وهي تفتش بنظراتها في الأركان والطرقات الخلفية، ثم همست:

– لأ... في حاجة غلط.
أنا هقوم أدوّر عليها.

أمسك "شامل" بذراعها بلطف، وقال بنبرة فيها شيء من الضيق:

– إنتي دايمًا شايلة همّها أكتر من اللازم... سيبيه، عارف هو بيعمل إيه.

نظرت إليه "يقين" بعنادٍ صامت، ثم سحبت ذراعها من يده وقالت بوضوح:

– معرفش، قلبي مش مطمّن.
ولو اختفت تاني... يبقى الحق مش عليا.

ثم خطت بعيدًا، تمشي كأنها تسبق قدرًا تعرف طريقه.

أما "شامل"، فاكتفى بالنظر خلفها، وهزّ رأسه قائلاً لنفسه:

– يقين... دايمًا بتحسّ بالحاجة قبل ما تحصل.

---

قلب السلطة – (قلق يقين)
بقلم: مروه البطراوى 💜

اندفعت "يقين" بخطى سريعة، تتجاوز التجمعات المتناثرة، لا ترى في عينيها إلا صورة "نيرفانا" الغائبة.
الزغاريد تواصلت، تتردد في أذنها كصدى بعيد، لكنها لم تعبأ بها.
قلبها ينبض بنداء لا يُسكت، نداء يشبه حدس الأمهات حين يشعرن أن الخطر أقرب مما يبدو.

في أحد أركان القاعة، حيث طاولة مرتفعة تزدان بالزهور البيضاء، وقف "رائد" محاطًا ببعض الرجال، يتبادلون التهاني بنبرة محسوبة، وعلى وجهه تلك الابتسامة الهادئة التي لا تكشف عن شيء، ولا تُخطئها عينٌ تعرفه.

اقتربت منه "يقين" دون أن تنتظر مناسبة، وقفت أمامه مباشرة، ثم مالت نحوه وهمست بنبرة فيها ارتباكٌ دفين:

– رائد... محتاجة أكلمك دقيقة لو سمحت.

رمقها بنظرة سريعة، ثم اقترب خطوة، وهمس ببروده المعتاد:

– قولي يا يقين.

ازدردت ريقها، ومالت أكثر، كأنها تخشى أن يسمعها غيره:

– نيرفانا... مش شايفاها من ساعة ما دخلنا. سألت عنها كتير، ومفيش حد شافها من وقت الفرح ما بدأ.

انعقد حاجباه للحظة، ثم نطق بنبرة ناعمة، لكنها مشدودة من الداخل:

– تقصدي إيه مش شايفاها؟ إنتي عارفة إننا وسط ضيوف، مش وقت الهلع ده.

– والله عارفة، بس البنت مش من نوع اللي يختفي كده من غير ما تقول لحد. وأنا مش مرتاحة... خالص.

نظر إليها لحظة، ثم أشاح بوجهه نصف خطوة، كأنما يتحكم في رد فعل كان على وشك أن ينفلت.

قال ببرودٍ حاسم:

– نيرفانا تبقى بنتي... وأنا اللي جبتها، وأنا اللي هخرج بيها. ما تقلقيش، وهتعرفي مكانها أول ما أحبّ تعرفي.

همّت أن تقول شيئًا، لكنها توقفت، نظرت في عينيه فرأت تلك النظرة التي لا تفتح بابًا للحوار.
أومأت بصمت، ثم انسحبت بخطوات مترددة.

وبعد لحظة، أدار "رائد" رأسه نحو أحد رجاله، يقف بعيدًا، بثياب سوداء، وعينين لا تفارقان الحضور.
أشار له إشارة خفيفة، ثم قال بصوت منخفض لا يحتمل تأخيرًا:

– دُور عليها فورًا. ما تخلّيش حد يلاحظ،
ولو مرّت دقايق ولسه مش قدامي... اقفل القاعه.
كلها.

أومأ الرجل باحتراف، وانصرف بهدوء لا يليق بحجم المهمة.

أما "رائد"، فبقي في مكانه، لا يتكلّم، لا يتحرك،
لكنه كان في داخله... يشتعل.

---
قلب السلطة – (سؤال في غير موعده)
بقلم: مروه البطراوى 💜

في زحمة الأصوات والتهاني والموسيقى المنخفضة،
اقتربت "ليلى" من "رائد"، الذي كان واقفًا قرب طاولة الكوشة، يوزع ابتساماته الباردة على المهنئين،
لكن عينيه لم تكونا مع أحد... بل كأنهما تبحثان عن شيء غائب.

وقفت بجواره بهدوء، وقد زحفت على وجهها تلك الابتسامة الواجبة،
قبل أن تميل برأسها نحوه، وتهمس بنبرة خافتة لا تخلو من قلق:

– يقين كانت هنا من شوية... شكلها مش مطمنة خالص.

لم ينظر إليها فورًا، بل اكتفى بزفيرٍ خفيف خرج من صدره كأنما يحاول كتم انفعالٍ غائر.

قال دون أن يلتفت:

– يقين دماغها شغالة زيادة عن اللزوم... ودايمًا بتدخل في اللي مالهاش فيه.

نظرت "ليلى" إليه بتمعن، ثم قالت بنفس الهمس، لكن بصوتٍ أكثر ثباتًا:

– بس كانت فعلاً متوترة... سألتني عن نيرفانا، وقالت إنها مختفية من ساعة ما دخلنا.

عند تلك الجملة، استدار إليها "رائد" ببطء، نظر في عينيها نظرة قصيرة لكنها حادة، ثم قال بنبرة لا تخلو من الجفافة:

– نيرفانا تحت عنايتي... وأي حاجة تخصّها، أنا اللي أقرر إمتى تتقال.

تراجعت "ليلى" خطوة صغيرة إلى الوراء، لم يكن في ردّه شيء جارح، لكنه كان كافيًا ليصمِت.

سحب أنفاسه، ومرّر يده على طرف سترته، كأنما يرتب نفسه من الداخل،
ثم خفّت نبرته قليلاً، وقال بنغمة فيها قدر من التطمين:

– كل حاجة تحت السيطرة، ما تشيليش هم.

أومأت "ليلى" برأسها، لكن بداخلها لم يكن هناك شيء مطمئن...
فالعين التي لمحتها في وجهه كانت تقول: "أنا كمان بدوّر... بس مش لازم حد يعرف".

تعليقات