رواية شظايا قلوب محترقة ( وكأنها لي الحياة ) الجزء الثانى الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سيلا وليد


 رواية شظايا قلوب محترقة ( وكأنها لي الحياة ) الجزء الثانى الفصل الرابع والعشرون 

يا مَن نادى القلبُ باسمهِ حتى أنهكهُ النداء،
ألا يقتلك الشوق كما يقتلني؟
قد أرهقني الحنينُ إليكَ،
وصار نومي طريقًا إلى طيفك لا إلى الراحة.

قلبي لا يهدأ إلا بجوار معشوقه،
ألا تعلم أنك أنتَ ذاك المعشوق؟
وكيف لا تعلم… وأنا لا أحيا إلا بكَ؟

أعلم… وأعلم جيدًا معنى العشق،
وكيف لا أعلم، وأنا ثمرةُ حبٍّ عظيمٍ جمع بين والديّ؟
لكن… كيف لي أن أعترف بحبكِ،
وأنا لا أعلم من أكون؟

هل تعلمِ أنتِ من أنا؟
هل عَلِم أحدٌ يومًا من أنا؟

أنا بين ماضٍ لم أختره،
وحاضرٍ لا أعرفه،
أبحث عن ذاتي بين حروف اسمي،
وأخشى أن أجدها في عينيكِ… فأضيع أكثر.

رفعت ذراعيها تُحيط عنقه، تطبع قبلةً قريبةً من شفتيه، ثم تراجعت قليلًا، تحدِّق في عينيه اللتين تأرجحتا بتوتُّرٍ خفيٍّ من قربها المهلك وهمست:
كسبت التحدي ياابن عمِّي، واتجوزت... ومش أي حد اتجوِّزتني.. مش كنت بتقول مش هتتجوز

لم تمر لحظات حتى صار قلبه كطبولِ حربٍ منساقًا خلف أنفاسها الناعمة ونظراتها المتحدِّية، لم يُفكِّر، فقط جذبها إليه بعنفٍ عذب، يُحاصرها بذراعيه، ويردُّ همسها بمثله:
_متنسيش طريقة الجواز ياست ضلمة 
رفعت حاجبها وابتسمت بسخرية: 
_طريقة ايه يادكتور، هو فيه حد يقدر يغصب على يوسف الشافعي 
مط شفتيه يهز رأسه ولم يعلق على كلماتها فقال: 

_مبروك يابنت عمِّي..بس متجيش بعدين تبكي وتشتكي.

رفعت رأسها، والشرر يتطاير بنظراتهما، وكلٌّ منهما يحاول أن يحرق حصون الآخر بنظرةٍ واحدة: 
_افهم من كلامك ايه

اقترب منها أكثر، وانحنى يهمس بصوته المتقطِّع الذي ينساب بين أنفاسها:
_ضي، أنا مش بهزر..ومش عايز أزعَّلك، إنتي غالية عليَّا، وبلاش نوصل لمرحلة الكره.

ارتفعت أنفاسه حتى ضربت وجهها 

لتدفع صدره بعنفٍ وارتجاف، وصاحت بصوتٍ يختلط فيه الوجع بالكبرياء:
_طيب يايوسف، فهمت إنِّ الجوازة دي كانت غصب، تمام.
رفعت عينيها المتلألئتين بالدموع وهي تُكمل بجمودٍ موجع:
وأنا بوعدك، الجوازة دي هتفضل شكليًّا قدَّام الكل، وأحاول أتعامل معاك كابن عمِّي وبس..ونشوف النهاية فين.

استدارت تُخفي ارتعاشة جسدها، ثم قالت بفتورٍ مكسور:
اطلع برَّة، عايزة أغيَّر هدومي وأرتاح شوية.

توقَّفت عيناه على الفستان الذي كان قد أهداها إياه منذ قليل..رمقها بنظرةٍ متناقضة، بعدما وجد ارتجاف جسدها، أطبق على جفنيه، واقترب منها يُحيط خصرها من الخلف، وهمس بجرأةٍ ممزوجة بالوجع:
_ماله الفستان مش عاجبك؟ دا حتى شكلك حلو فيه. 
رفعت رأسها تنظر إلى ذراعيه الذي يحاوط جسدها ثم إلى عينيه: 
_عايز توصل لإيه يايوسف، مش إنتَ مغصوب، بتقرَّب منِّي كدا ليه؟ 
_الله مش إحنا في تحدِّي، مش قولتي إنِّك كسبتي التحدِّي؟! 

التفتت إليه بعاصفة غضبٍ مفاجئة، دفعت يده عنها:
خلاص بقى، انسى مغامراتك الصبيانية دي، إحنا اتجوِّزنا خلاص..وانسى أي كلام قولته، أنا بس كنت عايزة أفهِّمك انك غلط، ومهما تحاول تضغط عليا فأنا أقدر أكسب أيِّ تحدِّي معاك، بس مكنتش أعرف الموضوع هيدخل جواز، إنِّي هخسر كرامتي قدَّامك..
إنتَ رافض الجواز..تمام وأنا كمان رافضة الطريقة..عمري مافكَّرت أتجوِّز بالطريقة دي، ولا عمري فكَّرت أتجوزك أصلًا. 

اقتربت منه خطوة، وغرست عينيها في عينيه كمن يزرع التحدِّي داخل روحه:
وأكيد عارف إنِّ القلوب مفيش عليها سلطان، بس زي ماربِّنا خلق الحب..خلق الكره، وياعالم بكرة مستقبلنا فيه إيه.

قبل أن تلتقط أنفاسها، سحبها بعنفٍ حتى اصطدم كفَّاها بصدره، وطالعها بعينينِ تتَّقدُ شررًا وهو يهمس بصوتٍ خفيضٍ كالعاصفة قبل الانفجار:
_إنتي لسه قايلة إنِّنا اتجوزنا..يعني بقيتي على اسمي، حتى لو رافض دا أو متقبِّله، بس غلطة بحرف هدبحك..
أوعي تنسي قلِّة أدبك لمَّا وقفتي قدَّامي وقلتي "موافقة أتجوز فلان"!

رفع كفِّه وسحبها من خصلات شعرها من فوق حجابها لينزلق منها، يقرِّبها منه أكثر، وصوته ينخفض بنبرةٍ تزلزل الأعصاب:
_ أقطع لسانك اللي طول عليَّا، محدش يقدر يقولِّي أعمل إيه..إنتي دلوقتي مراتي..أسمع نفس باسم راجل، مش هرحمك...
انحنى يهمس اليها وعيناه تحاوط عيناها:  يامراتي.

قالها بهمسٍ متقطِّع، ورغم عنفه إلَّا أنَّ الكلمة ارتجف جسده بعدها، فـ”مراتي” خرجت منه كاعترافٍ غير مقصودٍ بالانتماء.
نزلت دمعة يتيمة من عينيها، تحدِّق في وجهه الذي ارتبك تهمس بوجعٍ مكتوم:
_مراتك..اللي مغصوب عليها؟..

سحبها  أكثر اليه،  وهمس بخفوتٍ حادٍّ يكاد يُخفي اضطرابه:
_الورق اللي تحت بيقول كدا ياضلمة هانم..يمكن هوَّ ورق اه، بس بيقول كتير
وأظن إنتي كنتي عارفة إنِّي مش هتجوِّز، وكنت مصمم،  كان من حقِّك توقفي وتقولي لأ، بدل ماترميني بين أبوكي وأبويا.

ارتعشت بين ذراعيه تنظر اليه بعتاب ودمعةٌ أخرى انحدرت على وجنتيها أضعفته، فتنفَّس بعُمقٍ، وتراجع خطوة، يعطيها ظهره كمن يهرب من نفسه:
_سيبك من دا كلُّه، بكرة مسافر مع الدكتور ومش عارف هرجع إمتى، عنده ندوة طبية، وكام عملية، ولازم أكسب خبرات، مش عارف الموضوع يهمِّك ولَّا لأ..بس من واجبي أقولِّك علشان تبقي عارفة.

جاء ردَّها كطعنةٍ صريحة:
_مش عايزة أعرف عنَّك حاجة.

أزالت حجابها بغضبٍ مكتوم، ألقته أرضًا وجلست على المقعد، تنفجر بجلوس مكسورٍ يعرِّي ضعفها أمامه..
_إنتي حرَّة..قولت أعرَّفك، قالها وخرج  متَّجهًا للخارج. 
نهضت ودفعت الباب خلفه بغضب، حتى أصدر صوتًا أفزعه، ليستدير إلى الباب الذي أُغلق..ثم تحرَّك للأسفل. 

بعد انتهاء عقد القران، وصعود يوسف إلى غرفة ضي، تحرَّكت ميرال بخطواتٍ بطيئة نحو الحديقة.
وقفت أمام السماء تحدِّق في نجومها المتلألئة، وعيناها تترقرقان بالدموع، وكأنَّها تبحث هناك عن طمأنينةٍ ضاعت منها.
شعرت بيدٍ دافئة تطوِّق كتفيها برفق:
محبِّتش أدَّخل وأسأل ليه كتبتوا الكتاب بالطريقة دي..وكمان طنط فريدة وعمُّو مصطفى مش موجودين،  ومتأكِّد إنُّهم هيزعلوا.

تراجعت خطوةً وجلست على المقعد بصمتٍ مثقل..
اقترب يزن وجلس أمامها، يحاول أن يلتقط من ملامحها مالم تبح به الكلمات بعد:
_مالك ياحبيبتي، فيه مشكلة؟

رفعت عينيها إليه، تتلألأُ الدموع في محيطهما: 
_تعبانة يايزن..وكأنِّ السعادة مصمِّمة ماتورينيش وشَّها.

مدَّ يده بلطف، احتضن وجهها، أزال دمعةً تسلَّلت على خدِّها بأنامل حانية:
_فيه إيه ياميرو، حالتك دي بسبب جواز يوسف؟

أومأت بخفوت، وانكسر صوتها وهي تهمس:
_يوسف تعبني أوي يايزن..كاسر قلبي وبيخوِّفني، بقت بحلم إنُّه يسيبني وبصحى مفزوعة.

شهق يزن بدهشةٍ ممزوجةٍ بالرفض، يهزُّ رأسه محاولًا نفي ماسمعه:
_إيه اللي بتقوليه دا؟ مستحيل! يوسف عمره مايعمل كده، لا يمكن، عقله والتزامه يخلُّوه ممنوع يفكَّر في كدا. 

أغمضت عينيها، وانهارت دموعها في انسيابٍ مؤلم:
أنا السبب..أنا السبب يايزن.
ضمَّها إليه، يُربت على كتفها بهدوءٍ وهو يهمس:
طيب اهدي، كلِّ حاجة هتبقى تمام، أنا معاكي.

قالها مع وصول رحيل بخطواتٍ متردِّدة، نظراتها تنتقَّل بينهما بقلقٍ ظاهر:
_ميرال، فيه حاجة؟ مالك بتعيَّطي ليه؟

نهض يزن ببطء، قبَّل جبين ميرال برفقٍ، وأزال  دموعها من على وجهها، ثم التفت إلى رحيل قائلاً بصوتٍ خافتٍ حنون:
_خديها يارحيل، خلِّيها تغسل وشَّها.. مينفعشِ حد يشوف دموعها في يوم زي دا..بعدين نتكلِّم.

أومأت ميرال برأسها طائعة، تنهض بخطواتٍ بطيئة وهي تمسح خدَّيها، بينما تبادل يزن ورحيل نظرةً صامتة... 

زفر يزن زفرةً ثقيلة، عيونه تتابع خطوات ميرال..يتمتم بتساؤل:
_ياترى إيه اللي حصل ياميرال؟..
خطا حتى يعود للداخل، ولكن أوقفه صوت ضحكات ابنته، استدار يسير نحوها، ظنًّا أنَّها تتحدَّث مع أحدهم، ولكنَّه توقَّف بعدما علم أنَّها تتحدَّث بالهاتف..

تحرَّك بخطواتٍ محسوبة نحو  ضحكاتها، تلك الضحكة الطفوليَّة التي كانت تملأ قلبه سعادة، صارت الآن تخيفه..اقترب حتى استمع وهي تهمس في الهاتف:
_خلاص بعد المحاضرة بكرة نخرج نحتفل، بس مش هتأخَّر علشان بابي ومامي مايزعلوش...
ثم خفتَ صوتها قليلاً، تبعته ضحكةً مرتجفة واعترافٌ خافت:
_وأنا كمان..

كلمة واحدة كانت كفيلة بأن تهدم جدار الطمأنينة داخله..تجمَّد مكانه وهو يستمع إلى حديثها.
أغلقت رولا الهاتف وابتسامتها تضيئ وجهها ببراءةٍ، ولكنَّها لم تعجب والدها الذي علم بأنها تذنب بحقه ..التفتت، فتجمَّدت ملامحها حين أبصرت والدها واقفًا أمامها..ابتلعت ريقها بصعوبة واقتربت:
حضرتك بتراقبني ولَّا إيه، أكيد مامي اشتكت لك علشان كده؟...

رفع يده أمامها، يشير نحو الداخل بنظرةٍ حادَّة كادت تحرقها وقال:
_النهاردة فرح ابنِ خالك، مش عايزين نضيَّع فرحته..ادخلي قبل ماأزعَّلك.

_بابي، إنتَ ليه...

_ولا كلمة!
قالها بصوتٍ مخنوقٍ بالحروف، كأنَّه يجلد نفسه بها قبلها.
ظلَّ واقفًا بعد دخولها، يمرر كفِّه على وجهه المرهق، وابتلع تنهيدةً ممزَّقة:
_إزاي سكتِّ على بلاوي بنتك يايزن..إزاي سبتها توصل لكده؟!.

بالداخل، كانت تداعب طفلتها، ضحكاتها الصغيرة تتراقص بالمكان.. 
نهض مالك يعانق كفَّ طفله الصغير، ثم انحنى وقبَّل طفلته، وهمس لزوجته:
_هشوف إلياس، هاخد فارس معايا.
أومأت بابتسامةٍ هادئة، تحرَّك هو وطفله الصغير، يده تتشبَّث بكفِّه 

خرج متَّجهًا إلى حيث مكان إلياس الذي كان واقفًا برفقة طارق وأرسلان..
اقترب ملقيًا السلام، لتتلاقى العيون للحظةٍ قصيرة، لكنَّها مشحونةٌ بأكثر ممَّا تقوله الكلمات.
تردَّد طارق ثم بسط كفِّه إليه قائلًا:
_أهلًا حضرة الظابط.

صمت مالك لحظة، يرمق اليد الممدودة إليه، قبل أن يرفع نظره نحو إلياس الذي لم يُبدِ أيِّ ردَّة فعل..
مدَّ يده أخيرًا يصافحه قائلًا بهدوء متماسك:
_أهلًا بيك.
ثم عاد بنظره إلى إلياس:
_كنت عايز أتكلِّم معاك في حاجة لو فاضي.

أومأ له إلياس، وربت على ذراع طارق قبل أن يتحرَّكا.. 
ساد صمتٌ ثقيل، يحاول مالك خلاله أن يستعيد رباطة جأشه بعد رؤية طارق، فيما تتزاحم الصور في ذاكرته كأنَّها لقطاتٌ مشوَّشة من ماضٍ لم يُدفن بعد.

تنهَّد إلياس وقال بهدوء:
_كنت عايز إيه؟

أجابه مالك بصوتٍ خافت:
_مصطفى باشا سافر من السعودية  لأمريكا ومنها لألمانيا من أسبوعين، وكمان حجز في مستشفى هناك، هبعت لك التفاصيل.

تصلَّبت ملامح إلياس، وصدمة ارتسمت في عينيه وهو يعتدل فجأة، كأنَّ الأرض سُحبت من تحت قدميه:
_ماما كويسة؟

هزَّ مالك كتفيه بجهل:
_المستشفى مردتش تخرَّج أي خبر، بس إسلام لسه في أمريكا مع ملك، أظن ميعرفشِ حاجة.

ارتبكت أنفاسُ إلياس، وشعر بأنَّ الهواء يختنق في صدره:
_احجزلي بكرة على ألمانيا، وحاول تتواصل مع أيِّ حد في المستشفى، لازم أعرف حاجة قبل ماأسافر.
اجابه سريعًا: 

_حاولت والله، لكن معرفتش..كلِّمت شخص في السفارة هناك، قالِّي بكرة هيحاول يعرف حاجة..
كنت مستنِّي أتأكِّد قبل ماأبلَّغك، بس للأسف الحجز ممتد لشهر..فقلت لازم تعرف.

أومأ له إلياس بصمت، كأنَّ الكلمات جفَّت في حلقه:
_طيب يامالك، شوفلي طيَّارة ضروري بكرة.

_تمام، لو محتاجني معاك؟

هزَّ رأسه بالنفي، وقعت عيناه على ابنه الذي نزل للحظات من الأعلى، فقال:
_يوسف مسافر بكرة مع دكتوره هناك، وماتقولش حاجة قدَّام أرسلان لحدِّ ماأتأكد.

_حاضر، إن شاء الله خير..غادة متعرفشِ حاجة؟
_تمام..أنا هسيبك علشان إسحاق شكله ماشي.
_وأنا كمان ماشي، لازم أعدِّي على والدتي شوية.

_تمام، سلِّملي عليها.

بعد فترة..
عاد يوسف إلى المنزل، لمح والدته تجلس في أحد أركان الحديقة، شاردةَ النظرات..
وعلى بُعد خطوات، كان والده يتحدَّث مع إسحاق الذي همَّ بالمغادرة..اتَّجه يوسف نحوها بهدوء، جلس بجوارها دون أن تشعر، نظر إليها طويلًا..وجهها الذي كان يومًا ملاذه، بات لوحةً من الشحوب والإنهاك.

انحنى قليلًا وقال بنبرةٍ مازحة تخفي قلقه:
_الكلِّ بارك لي إلَّا إنتي..شكلك هتكوني حما صعبة ومبتحبِّيش مرات ابنك.

التفتت إليه، ووقعُ الكلمة عليها كنسمةٍ دافئةٍ في صدرٍ مثقل، ارتسمت ابتسامةٌ شاحبةٌ على شفتيها:
_يعني إنتَ سعيد..مش مضَّايق؟

_لا، مضَّايق..بس مش معنى كده إنِّي حزين، خلاص سترتوني وكتَّر خيركم.

كلماته كانت كسكِّينٍ في صدرها.. ارتجفت شفتاها وانسابت دموعها بصمتٍ موجع وهي تهمس:
_لو يرجع بيَّا الزمن..كنت متّ ولا أوصَّلك الوجع ده يايوسف.

جمد الدم في عروقه، وشعر أنَّ أنفاسه تُسحب من بين ضلوعه، مدَّ يديه سريعًا، أمسك بكفَّيها وقبَّلهما بحرارةٍ مرتجفة:
_بعد الشرِّ عليكي، إن شاءالله أنا وإنتي لأ.

_آه..خرجت منها شهقةً مختنقةً بالنشيج، فضمَّها يوسف إلى صدره بقوَّة، دموعه تبلِّل شعرها وهو يهمس بصوته الرجولي المبحوح:
_ماما، ماتبكيش..أنا آسف.

رفعت وجهه بين يديها وقبَّلته كأمٍّ خُطفت منها سنينها ثم عادت لها الحياة فجأة، همست وسط دموعها:
بعد الشرِّ عليك ياروحي..إنتَ روحي يايوسف.
صدح صوت إلياس من الخلف، دافئًا رغم غلظة صوته:
_والله ياميرال، هوَّ روحك..أومال أنا إيه؟

التفتت إليه وهي تختبئ في أحضان ابنها وتضحك من بين دموعها:
_إنتَ النفس ياإلياس..النفس اللي عايشاه.

اقترب منها، وملامحه بين الغيرة والحنان، ثم سحبها من أحضان ابنها يضمُّها تحت جناح ذراعيه، وقبلةٌ حنونةٌ فوق رأسها يتمتم:
_أنا كلِّ حاجة ياميرال، مش النفس بس.
رفع يوسف حاجبه ساخرًا: 
على فكرة بقى، حضرتك هادم اللذَّات..
مش عارف آخد منَّك خمس دقايق، اللي يشوفك يقول معيِّشها ملكة، والحبِّ مولَّع في الدرة.

ضحك رغم اختناقه، وردّ بخفَّةٍ تُخفي وجعًا عميقًا:
_ماهي ملكة فعلًا..وغصب عنَّك يابن إلياس، وبعدين إيه هادم اللذَّات دي، بتخطف منِّي مراتي.
رفع ذقنها ينظر لعينيها الحزينة: 
_دي حياة إلياس، صح ياميرو
لم ترد عليه بل دفنت رأسها بصدره بصمتٍ كأنَّ هنا حياتها. 

كان يوسف يراقبهما بصمتٍ يملؤه الدفء..نظر إلى والدته التي تنظر إلى والده بعينينِ عاشقتين كأنَّ الزمن لم يمضِ بينهما، تختفي بصدره وهو يضمُّها يريد أن يحبسها داخل أضلعه، فابتسم وقال وهو ينهض:
علشان ضحكتها دي، هسيبك وأروح لببلاوي..يمكن يونِّس وحدتي.

تحرَّك مبتعدًا، لكنَّه توقَّف حين سمع صوت والده يناديه بنبرةٍ ثقيلة:
_يوسف..ماتسيبش اللي يحبَّك يستنَّاك كتير..الليلة دي كان المفروض تبقى مع عروستك، تحتفل.. 

توقَّف، واستدار نحو أبيه، ونظرةٌ طويلة صامتة جمعت بين ثلاثتهم...
نظرة ممزوجة بالغفران، الوجع، وحياةٌ تبدأ من جديد:
_أحتفل!..تمتم بها بنبرةٍ موجعة رغم ماأسعده ممَّا رآه من عشق والده. 
أومأ الياس وعيناه تخترق عيني ابنه:
أه مش المفروض تخرج مع عروستك اللي بقت مراتك وتحتفلوا بالخطوبة؟
ثم نظر إلى أصابع ابنه، فأردف  بحدَّة هادئة:
_ولَّا حتى تشتروا الدبل؟
تراجع يوسف ببطء، وفي عينيه نظرة عناد، فاقترب منه إلياس خطوةً خطوة وهو يثبِّت بصره فيه:
ولَّا مستني حدِّ تاني ييجي يخطبها وهيَّ خطيبتك، لو عندك دا عادي فبراحتك.

نهضت ميرال متوتِّرة وقالت محاولةً كسر الاحتقان:
هعمل قهوة..شكلي هسيبكم للنقاش الطويل.
تحرَّكت مبتعدة بينما زمَّ يوسف شفتيه بسخرية:
هوَّ كان الأوَّل براحتي، بس بما إنِّ حضرتك اتكلِّمت..خلاص، مبقاش براحتي.
_كويس إنَّك عارف.
رمقه يوسف متحدِّيًا:
مش هتكلِّم عن تدخلَّك في حياتي الخاصَّة، عدِّيت الموضوع لأنُّه ميفرقش، بس مش كلِّ اللي قرأته يمثِّلني دلوقتي، يمكن وقتها كنت ضعيف.
_متأكد من دا ياابن إلياس.
_ولمَّا حضرتك متأكد..ليه جوِّزتني؟!

ربت إلياس على كتفه بهدوءٍ ثقيل:
غلطان يايوسف، أنا مجوِّزتكش..إنتَ اللي اخترت، وأنا بس ساعدتك تبقى قدِّ كلمتك.
رفع يوسف حاجبه ساخرًا:
_مصدَّق نفسك؟
ابتسم إلياس بخبث:
_جدًّا، ولمَّا ترجع هتفهم قدِّ إيه أبوك حقَّاني.
قاطعه سريعًا: 
_عمري ماقلت إنَّك ظالم.
_صح..بس قلت إنِّي بسيَّرك..هل أجبرتك على حاجة؟ آه اخترتلك طب، بس ماأجبرتكش تدخله..ولمَّا ترجع، هقولَّك ليه مادخلتش طيران..بس يارب تقدر تتحمِّل السبب.

انفجر يوسف ضاحكًا حتى دمعت عيناه، اقترب منه إلياس وسأله بهدوءٍ مؤلم:
_بتضحك ليه؟
لأنِّي كنت نفسي آخد جزء من ذكاءك..ومن هدوءك في إدارة كلِّ حاجة.
_ومين قال إنَّك غبي، إنتَ أذكى من أبوك..وبتلاعبه كمان.

صمت يوسف ينظر في وجه والده، ثم قال بصوتٍ منخفض:
_عايز توصل لإيه يابابا؟
عايز ابني في حضني، عايز يفهم إنِّ في أوقات بنضعف فيها..بناخد قرارات ممكن تكسرنا، وممكن تكون بداية جديدة.
_فهمت قصدك..بس لسه مش مقتنع.
طيب جاوبني  بصراحة..بتحبِّ بنت عمَّك ولَّا لأ؟ لو مابتحبهاش، صارحها، عقلها كبير وهتفهم وهتخرجوا بهدوء، لكن لو لسه فيها مشاعر..امسك فيها وانسى الماضي، لأنَّك مش هتعرف تعيش الحاضر ولا تبني المستقبل وإنتَ شايل وراك رماده.

صمت يوسف بقدوم ميرال وهي تحمل القهوة..وضعت الفناجين بصمت، فابتسم يوسف وتناول فنجانه، ارتشف منه رشفةً صغيرة، ثم أمسك يدها وقبَّلها بهدوء، وطالعها بنظرةٍ قصيرة ثم قال: 

تسلم إيدك، هروح أجيب الكلابشات زي ماوالدي العزيز أمر.
ردَّ إلياس ضاحكًا:
_مايؤمرش عليك ظالم ياأخوي.
فأجابه يوسف ساخرًا:
ماهو أمر ياإلياس باشا.
ضحك إلياس وهو يلوِّح بيده:
أمر بالستر ياحلوف.

غادر يوسف بخفَّة ظلٍّ،  حاول أن يقنعهم بها حتى جعل ميرال تتابعه مبتسمة قبل أن تلتفت لزوجها:
كلبشات إيه اللي بيقول عليها دي؟
ابتسم إلياس وسحب كفَّيها بلطف لتجلس بين ذراعيه:
قصده الدبل.
شهقت وهي تكتم ضحكتها، تتمسَّح بصدر زوجها: 
بيقول على الدبل كلبشات؟
قهقه إلياس وهو يرتشف رشفةً من قهوته:
_والله خايف على البِتِّ من جنانه.
رفعت رأسها ورمقته بنظرةٍ متردِّدة:
_تفتكر بيحبَّها، ولَّا نكون بنظلمها؟
أجابها بهدوء رجلٍ يعرف أبنائه أكثر ممَّا يعرفون هم أنفسهم:
_ميرال..مفيش راجل يدخَّل ستِّ حياته إلَّا وهي مأثَّرة فيه، حتى لو مش حب، في دايمًا نبض مستنِّي اللي يشعله..والبنت بتحبُّه، وهيَّ اللي هتتحمِّل بروده.
خفضت بصرها وقالت بصوتٍ حائر:
طيب افرض مفيش نبض..وكاره الجواز أصلًا؟
تنهَّد إلياس ووضع فنجانه على الطاولة:
يبقى متعرفيش ابنك..هوَّ متأثَّر بضي وأوي كمان، بس بيحاول يقنع نفسه أنُّه مش عايز يتجوز، وكاره الجواز، ودا بسبب اللي شافه..
نظر لعينيها وأكمل: 
_ بس مش لدرجة المرض النفسي، كلِّ ما يقرَّب منها..مشاعره هتفضحه.

نظرت إليه ميرال طويلاً، وكأنَّها تزن كلماته وقالت: 
_ زعلانة عليه أوي ياإلياس، من وقت ماشوفت المكتوب وقلبي وجعني عليه.
_يوسف بيكنِّ لضي مشاعر ياميرال، وشوفتي من إمبارح بعد كلامها عن حمزة، ممكن يكون مش عارف مشاعره، ودا بسبب إنُّه مرتِّب إنُّه هيغادر ومش ناوي يقعد هنا، ومقتنع برفض أرسلان القاطع للهجرة. 
_طيب عملت إيه في موضوع الجنسية دي؟
_تواصلت مع حد في السفارة وشغَّال على كدا..المشكلة الدكتور دا معروف بألمانيا، ومعنى إنُّه يقدِّمه له فيعتبر الموضوع خلص.
انتفض قلبها تهزُّ رأسها برعب:
_أكيد مش هيعمل كدا، يوسف مستحيل يعمل كدا.
مسح على وجهه بألمٍ ثم رفع راسه يسحب جسدها بين ذراعيه:
_اهدي ياميرال، إن شاءلله هتصرَّف خلال الشهر دا، وموضوع كتب كتابه يجي بفايدة.

عاد طارق إلى منزله، نزع جاكيته، وتمدَّد فوق الأريكة: 
_حبيبتي طلَّعي علي فوق وتعالي نامي في حضني. 
دقائق ونزلت بعدما أبدلت ثيابها بمنامةٍ حمراء رقيقة، فتح عيناه بعدما استنشق رائحتها، نزعت روبها وتمدَّدت بجواره..مسَّد على خصلاتها ودفن رأسه بعنقها، رفعت ذراعها حول جسده قائلة: 
_ كنت بتقول لغادة إيه؟ شوفتك بتكلِّمها.
_دا سؤال ولَّا شك؟
استدارت تنظر إلى عينيه مباشرة:
_عمري ماشكِّيت فيك، بس لو شايف مش من حقِّي أعرف كأنِّي ماسألتش.
ابتسم بحنان، ومرَّر أنامله على وجهها:
_أنا بحبِّك أوي ياهند، صدَّقي كلامي. 
تمسَّحت بصدره كقطَّةٍ أليفة: 
_وأنا كمان..انحنى يهمس بأذنها: 
_طيب ليه السؤال؟.
_غيرانة ولازم أعرف كنت بتقولَّها إيه.
قهقه عليها وشدَّها لأحضانه يحبسها بين ذراعيه:
_كنت بباركلها أخدت الدكتوراه.
رفعت أناملها تتلاعب بصدره: 
_طيب ليه تباركلها، إحنا مالنا؟
اعتدل يرفعها بين ذراعيه، وصعد إلى الأعلى قائلًا:
_لا كدا الموضوع اتطوَّر ولازم تعرفي التفاصيل. 
حرَّكت ساقيها تحاول أن تفلت منه: 
_طارق نزِّلني بقى، لازم أعرف. 
قهقه عليها وتحرَّك إلى غرفتهم مع ضرباتها الخفيفة. 

بمنزل ليال والدة مالك..
جلست فريدة بين يدي ليال، تضحك تملأ المكان بضحكاتها الطفولية،  تداعبها بحنانٍ يغمرها تحدِّثها كأنَّها تفهمها: 
_أخيرًا جيتي لتيتا ياقردة..وحشتيني أوي ياحبيبتي.
رفعت عينيها إلى غادة الجالسة على المقعد المقابل، وقد بدا الإرهاق على وجهها:
_اتكلِّمتي مع مالك ياحبيبتي؟
اعتدلت غادة تنظر إليها بتساؤلٍ خافت:
_عن إيه ياطنط؟
مش قولتلك تقنعيه تيجوا تقعدوا معايا شوية؟

قاطعهم دخول مالك بخطواتٍ ثقيلة وصوتٍ عال:
_تقنعني بإيه ياماما؟
_إنُّكو تعيشوا معايا حبيبي، ولادك بيحوشوني.
_ إحنا اتكلِّمنا في الموضوع دا قبل كدا، ليه رجعنا نفتحه تاني؟
نظرت إليه ليال بعينٍ دامعة، كأنَّ قلبها يُكذِّب لسانها:
يعني تسبني لوحدي ياحبيبي؟
وقبل أن ترد، قالت غادة محاولةً التهدئة:
_ليه لأ يامالك؟ هنا زي هناك، مش هتفرق.

أشعل سيجارته ببطءٍ يوحي بالغليان، ثم نهض مشيرًا إلى غادة بنبرةٍ متعبة:
يلَّا ياغادة، أنا تعبان وعايز أنام.
ثم التفت إلى والدته بصوتٍ خافتٍ لكن يقطر حسمًا:
_هناك بيتي ياماما..عايز أبني ذكرياتي مع ولادي في بيتي أنا، مش هنا..عايزة تيجي عندي هشيلك فوق دماغي، إنَّما هنا..لأ.

وقفت ليال أمامه، نظراتها كأنَّها ترجوه أن يتراجع:
بس دا بيت أبوك برضه، وذكرياتك كلَّها فيه.
رمقها بعينٍ تمتلئُ غضبًا وألمًا في آنٍ واحد:
_مش بيتي ياأمِّي.

تقدَّمت غادة بخطوةٍ لتكسر حدَّة التوتر:
_مالك، ممكن تهدى..إيه الفرق بين بيتك وبيت باباك؟
التفت إليها بعصبية:
غادة، ماطلبتش رأيك..خدي الولاد واستنِّيني في العربية.

لم ترد، لكن نظراتها كانت أكثر قسوة من أي كلمات..انحنت تحمل فريدة ونادت بهدوءٍ جليديّ على المربية:
_هاتي فارس.
قالتها ثم خرجت بخطواتٍ سريعة، كأنَّها تهرب من بركانٍ على وشك الانفجار.

وقفت ليال في مكانها، تصرخ عيناها بما عجز لسانها عن قوله:
إنتَ إزاي تكلِّم مراتك كده، اتجنِّنت؟
اقترب منها يشير بحدَّةٍ حاول أن يكبحها:
_مش عايزك تفتحي الموضوع دا تاني، أنا كنت عايش فيه علشانك ياماما.
أمسكت كفِّه بعجزٍ أموميٍّ يائس:
_ليه بتوجع قلبي كده؟
خفض عينيه قليلًا وهمس:
_ماما..البيت لسه باسمِ جدِّي، وتنطيط عمِّي كلِّ شوية دليل إنِّ محدش نسي الماضي، ومش معنى إنِّي بسكت يبقى سامحته.
_وعمَّك ذنبه إيه ياابني؟
ابتسم ابتسامةً قصيرة أنهكتها المرارة:
أنا اتأخَّرت على مراتي.

قالها وغادر..تاركًا وراءه أنين أمٍّ مكسور، ورائحة دخانٍ لم تُطفئ غضبه بعد.

في منزل إسحاق..وتحديدًا في غرفة حمزة..
جلس بشرفته، ظهره متَّكئ على مقعده، وذقنه مسند إلى كفِّه، وعيناه معلَّقتان بذلك القمر المكتمل الذي غمر السماء بضيائه الفضيّ..
كأنَّ السماء اليوم تحتفل بشيءٍ لا يعرفه..شيءٍ يخصُّه وحده..هل تحتفل معه بنبض قلبه؟..مازالت عيناه المبتسمة تراقب النجوم التي تناثرت   حول القمر كأنَّها حاشيةٌ تمجِّده، 
ابتسامةٌ زيَّنت ثغره، عندما تخيَّل تلك الطفلة التي شبَّهها بذلك القمر، نعم فهي وحدها من غزت روحه ببساطةٍ أربكته، وببراءةٍ هزَّت رجولته الهادئة.. 

لم تدم ابتسامته، إذ تحوَّلت سريعًا إلى تنهيدةٍ انسكبت من صدرٍ مثقلٍ بالحنين.
كيف يمكن لضحكةٍ صغيرةٍ أن تُحدث كلَّ هذا الصخب داخله؟
كيف لطفلةٍ أن تجعل قلبه، الذي لم يعرف الارتباك يومًا، يرتجف كأوراق الخريف كلَّما تذكَّر ملامحها؟

مدَّ أنامله إلى شعره، وأغمض عيناه يعبث بخصلاته بعصبيَّةٍ خفيفة، ثم أسند رأسه للخلف مغمضًا عينيه، كأنَّه يستدعيها بين ضلوعه..
تمنَّى لو أنَّ بينهما سماءٌ أقصر، ومسافةٌ تُختصر بلمح البصر..فقط ليراها.

قطع خلوته طرقٌ على باب غرفته..
فتح عينيه على مهل، وصوت والده  يتسلَّل إليه من أمام باب غرفته:
_حبيبي، فاضي نتكلِّم؟

اعتدل سريعًا، ابتسامةٌ دافئةٌ رُسمت على وجهه رغم شروده:
_أكيد يابابا، اتفضَّل حضرتك.

تقدَّم إسحاق بخطواتٍ واثقةٍ محمَّلةٍ بالحنان، وجلس مقابله، نظراته تحمل يقين الأب الذي يقرأ أولى أسرار ولده دون أن يُقال منها حرف.
_مالك ياحمزة، قافل على نفسك من أوَّل مارجعت؟ ماما بتقولِّي كدا.

خفض حمزة عينيه للحظة، كأنَّه يخشى أن تفضحه نظراته، ثم رفعهما نحو القمر المتوَّج بالنجوم، وقال بصوتٍ خافتٍ متردِّد، خرجت حروفه من بين ضلوعه لا من فمه:
_مش عارف يابابا..بس حاسس بحاجة جوَّايا بتوجعني ومفرَّحاني في نفس الوقت.

أجابه إسحاق وهو يسند ظهره إلى المقعد بتأمُّلٍ ثقيل:
_ملحقناش نتكلِّم إمبارح، روحت شغلك وماقولتليش ليه غيَّرت رأيك في ضي، ولَّا كلام أرسلان خلَّاك تتراجع؟

ابتلع حمزة ريقه، وحاول أن يجد الكلمات وسط زحام أنفاسه:
_حضرتك فهمتني غلط..أنا مكنتش بتكلِّم عن ضي أصلًا.

قطَّب إسحاق حاجبيه بعدم استيعاب:
_أنا سألتك قبل مانروح، وقلت إنَّها كويسة.

أطرق حمزة برأسه ثم رفعه بصدقٍ موجع:
_هيَّ فعلًا كويسة، بس حضرتك ماركِّزتش في كلامي لمَّا قلت لك..مفيش بينا مشاعر.

صمت إسحاق لثوانٍ، ونظر لابنه بنظراتٍ تبحث عن تفسيرٍ حديث ابنه، حتى قال ببطء:
_أنا متأكد إنَّك قولت لي إنَّها عجبتك.

رفع حمزة عينيه إليه بثباتٍ وهمس:
_مكنتش بتكلِّم عن ضي يابابا..بتكلِّم عن شمس.

في تلك اللحظة، دخلت دينا تحمل كوب عصير، لتتجمَّد بخطواتها عند سماع اسمٍ خرج من فم إسحاق بنبرةِ شكٍّ حادَّة:
_شمس مين؟
_عندنا كام شمس يابابا.

انتفض إسحاق من مكانه، وصاح فزعًا:
_قصدك مين؟!

تلاقت نظراتهما، ثم نطق حمزة بحروفٍ مرتعشة:
_شمس..بنت عمِّي إلياس.

ارتعشت يدُ دينا وسقط الكوب من قبضتها، ليتناثر الزجاج أرضًا، فيما اشتعلت ملامح إسحاق غضبًا، وخرج صوته كبركانٍ انفجر بعد طول كبت:
_إنتَ عارف بتقول إيه؟ دي بنت عيِّلة، بينك وبينها أكتر من عشر سنين! دا مستحيل…أبوها أصلًا مش هيوافق!

نهض حمزة بثباتٍ موجع، عيناه تحاربان دمعة، وقال بنبرةٍ مرتجفةٍ  وإصرارٍ متعب:
_حضرتك هتتصرَّف..لأنِّي خلاص قرَّرت، ومش هتراجع.

ارتفع صوت إسحاق مجلجلًا بالغضب:
_إنتَ مجنون يابني؟ البنت لسه مكمِّلتش 18 سنة!

اقترب حمزة خطوةً للأمام، يحدِّق فيه بعناد:
_حضرتك بتحسِّسني إنِّي عندي أربعين سنة وهيَّ عشر سنين! أنا بقولَّك قرَّرت..وحضرتك عليك تتصرَّف..
مش عايز غيرها. 
مسح اسحاق على وجهه بغضبٍ حاد، ودار حول نفسه كالأسد الحبيس: 
_لا، أكيد العيال دول اتجنِّنوا، واحد جايلي وعايز يتجوز بنت أبوها طمَّاع وبيتاجر فيها،  والتاني عايز يتجوز عيِّلة لسة مكمِّلتش تمنتاشر سنة وياريت على كدا بس، دي بالذات مستحيل تفكَّر فيها. 
توقَّف بمقابلة والده وتحدَّث بإصرارٍ عنيف: 
_أنا عمري مافيه بنت هزِّتني كدا، منكرش إنَّها صغيرة، بابا أنا مشفتهاش غير تلات مرَّات وقلبت حياتي. 

أعاد اسحاق خصلاته بغضبٍ كاد أن يقتلعها مع دخول فاروق بعدما استمع إلى جدالهم:
_فيه إيه مالكم صوتكم عالي؟.
نظر إليه حمزة بحزنٍ وأردف: 
_بابا مضَّايق علشان حبِّيت ياعمُّو، واخترت البنت اللي قلبي دقَّلها. 
ابتسم فاروق واقترب منه: 
_حبيب عمُّو اللي كبر وبقى عريس وهنفرح بيه.
قالها وحاوطه مبتسمًا ثم قال:
_مالك ياإسحاق، ماتخطب له اللي قلبه دقّ لها.
هوى إسحاق على مقعده واحتضن رأسه، اقتربت دينا منه تربت على كتفه:
_إسحاق ممكن تهدى، وكلُّه هيعدِّي. 
قطَّب فاروق جبينه متسائلًا:
_هيَّ العروسة وحشة أوي كدا؟.
اختياره ياإسحاق.
رفع إسحاق رأسه وقال:
_عايز يتجوِّز شمس الشافعي، بنت إلياس يافاروق.
جحظت أعين فاروق بذهول وهزَّ رأسه رافضًا:
_مالقتش غير بنت إلياس ياحمزة؟!.
ثار غضبه وارتفع صوته بتقطُّع: 
_حتى إنتَ ياعمُّو، هوَّ أنا عجوز للدرجة دي، الفرق مش كبير أوي يعني، وناس كتيرة متجوزة بينهم خمستاشر سنة وجوازهم ناجح. 
ربتت دينا على كتفه تنظر الى إسحاق:
_حبيبي الموضوع مش سنّ بس، فيه حاجات ماتنفعش إنَّك تتجاوزها، وخصوصًا في منصبك دا.
التفت إلى والدته: 
_ماله منصبي ياماما، وبعدين عمُّو إلياس شخص كويس جدًّا، مش دا أخو عمُّو أرسلان بردو؟ 
هبَّ إسحاق من مكانه قبل أن يفقد أعصابه وغادر المنزل، بينما مسَّد فاروق على رأسه بحنان:
_الصبح نتكلِّم حبيبي..كويس بكرة إجازتك، ارتاح ونكمِّل كلامنا بكرة. 
قالها وخرج، جلست دينا بمقابلته تتطلَّع إلى ابنها بحزنٍ نطقته عيناها:
_يعني بعد السنين دي كلَّها ماتحبِّش غير شمس ياحمزة، وبعدين إنتَ متأكد من مشاعرك؟.
_ماما من وقت ماشوفتها وأثَّرت عليَّا أوي، أنا اتكلِّمت مع بابا عليها وكان موافق، بس صدمني دلوقتي.  
ربتت على كتفه متنهِّدة: 
_ربِّنا يقدِّم اللي فيه الخير حبيبي، ارتاح دلوقتي وبعد كدا نتكلِّم. 

بمنزل أرسلان.. 
دلف للداخل، قابله أرسلان يتحدَّث بهاتفه..توقَّف أمامه حتى ينهي اتِّصاله، دقائق قليلة إلى أن اقترب منه وقال: 
_بلال خرج هوَّ وآسر والبنات لو جاي تسأل عليه. 
_يعني إيه يخرجوا من غير مايعرَّفوني؟
قطَّب جبينه وأشار إلى هاتفه بنزق:
_كلِّمهم واسألهم، أنا مصدَّع منَّك أصلًا،  إنتَ والبتِّ اللي فوق. 
_يعني إيه البتِّ اللي فوق، أومال بنات مين اللي خرجوا؟. 
فهم أرسلان غضبه، فابتسم بخبثٍ مقتربًا منه: 
_إنتَ عايز إيه؟ 
رفع يوسف حاجبه ونطق ساخرًا:
_بنتك اللي هيَّ دلوقتي مراتي. 
_أه تعمل بيها إيه، إنتَ مش كنت رافضها؟ أنا وافقت بس علشان شكلنا قدَّام الناس بعد مافضحتنا، بس شهر ولَّا حاجة وننهي الموضوع. 
اقترب منه وحاوط أكتاف أرسلان: 
_أه وعلشان تلمُّوا الفضيحة تكتبوا كتابنا، اللي يسمعك يقول دخلت ببنتك وحامل في الشهر التاسع. 
رمقه أرسلان بحدَّة وهدر به:
_ولا، مش فايق لك، البتِّ نامت، ويالَّه روح مش عايز صداع. 
ضحك يغمز لعمِّه:
_ألف سلامة ياعمُّو إن شاءلله بنتك الحرباية، أنا جاي بأمر من البوص، علشان نروح نجيب الكلبشات. 
وصلت غرام تتطلَّع إليهما: 
_يوسف..جيت إمتى، بلال خرج مع شمس ورولا وآسر، فكَّرتك رحت معاهم. 
_ماليش مزاج وتعبان، بس عايز ضي يامرات عمِّي ياعسل، لازم أكلبشها قبل ماأسافر، هذا ماقاله والدي. 
ضربه أرسلان بخفَّة على مؤخَّرة رأسه:
_وهذا مايفعله عمَّك. 
تراجع يضحك، رفع رأسه فوجدها تقف بشرفتها، اتَّجه بنظره إلى أرسلان: 
_هنروح نشتري الدبل، عندي سفرية بكرة وممكن أتأخَّر، وهيَّ أكيد هتنزل شغلها، ومتأكِّد إنِّ بابا نزِّل خبر الخطوبة.
قاطعتهم غرام قائلة: 
هعملُّكم حاجة تشربوها..قالتها وانسحبت متَّجهةً إلى غرفة ابنتها، وجدتها مازالت بالشرفة ترتدي ذاك الفستان الأسود.
اقتربت منها تنظر إلى الفستان بنظرةٍ تجمع بين العتاب والشفقة وقالت:
يوسف جاي ياخدك تشتروا الدبل، غيَّري الفستان دا، وافردي وشِّك شوية، اللي يشوفك يقول مغصوبة على الجوازة.
ردَّت بخفوتٍ متكسِّر:
_بس هوَّ مغصوب ياماما.
زفرت غرام بضيقٍ وقالت بنبرةٍ حاسمة:
تبقي عبيطة يابنت أرسلان، مفيش راجل في الدنيا يقبل على نفسه يرتبط بواحدة مابيحبَّهاش.

تأرجحت نظراتها بين الأرض وعيني والدتها، وقد أنهكها التردُّد فقالت في استسلامٍ خافت:
خلاص ياماما...

قاطعهم طرقاتٍ خفيفة على الباب، أشارت غرام بالدخول.
ظهر يوسف عند الباب، عيناه تسكنان ملامحها، يتأمَّلها للحظةٍ قبل أن يقول بهدوءٍ معتاد:
لو فاضية، خلِّينا نخرج نشتري الدبل.
لكن غرام تدخَّلت سريعًا:
تغيَّري الفستان دا، مش هتخرجي كده.
قالتها وهي تغادر الغرفة بانزعاجٍ واضح.

جلست هي على الأريكة تفرك جبينها بتعب:
مش قادرة، ولا ليَّا مزاج أخرج..عايز تروح، روح إنت.

اقترب منها وجلس بجوارها، ينظر إلى الفستان نظرةً طويلة قبل أن يهمس بنصفِ ابتسامة:
مامتك زعلانة ليه من الفستان؟ مع إنُّه طلع حلو عليكي، لو كنت أعرف كده، ماكنتش جبته.
رفعت عينيها نحوه وقالت بهدوءٍ صادق:
زعلانة علشان لابسة أسود...وأنا وعدتك هلبسه، وهيَّ أصرِّت أخلعه، علشان كده منزلتش كتب الكتاب.

قال باستغرابٍ حنون:
طيب ليه؟ كنتي غيَّريه وريَّحتيها، أنا كنت بغيظك، وماتوقعتش إنِّك تلبسيه..كلِّ اللي جه في دماغي إنِّك هتقطَّعيه وتبعتيه على البيت، وأنا كنت هاعملِّك وقتها عركة..وكمان مكنتش أعرف إنِّي عريس الليلة، قالها ساخرًا.

ابتسمت بخفوتٍ حزين، وما زالت تنظر في عينيه:
كان لازم ألبسه..أوَّل هدية تجيبها وأنا خطيبتك، حتى لو اللون الكلِّ اعترض عليه..كفاية إنُّه لونك المفضَّل، وبعدين عاجبك وعاجبني..الباقي مش مهم.

لحظاتٍ قليلة، لكنَّها كفيلة بأن تزلزل قلبه.
ارتسمت على شفتيها ابتسامةً هادئة وهي تشير إلى فستانها قائلة:
شايف؟ حتى لو جايبه تغظني حبِّيته
عجبني بجد، حتى لو لونه مش على المناسبة...كفاية إنَّك اللي جبته.
قالتها وهي تحاول الابتسام، لكن دمعةً عنيدةً انسابت رغمًا عنها تتدحرج على وجنتيها.

تنهَّد يوسف بعمقٍ، وتردَّد لبرهة، كأنَّ صراعه بين الكِبْر والحبِّ يوشك أن يُمزِّقه، اقترب منها بجسده زافرًا بغضبٍ مكتومٍ من نفسه، ثم مدَّ ذراعيه فجذبها إليه، لتجد صدره ملاذًا بعد كلِّ هذا الوجع.
ظلَّ يحتضنها بصمتٍ، وكأنَّ كلَّ العنف الذي صدر منه آنفًا ذاب في لحظة ضعفٍ صادقةٍ أمام دموعها.

وقال بنبرةٍ حاول أن يخفِّف بها وطأة حزنها، مبتسمًا بخفوتٍ دافئ:
دلوقتي أقدر أضمِّك براحتي؟

رفعت رأسها تنظر إلى عينيه:
_ليه بتعمل كده، عمرك ماكنت عنيف..ليه مصمِّم تتعبني معاك؟
قالتها بعدما رفعت رأسها نحوه، وتابعت بصوتٍ متقطِّع: 
يوسف..إنتَ في حد في حياتك؟ قولِّي، ووعد، واللهِ ماهتكلِّم..بالعكس هفرحلك..ماهو إنتَ ابن عمِّي قبل أي حاجة.

ابتسم بخفوت، وطالعها بنظرةٍ كانت مزيجًا من السخريَّة والاعجاب، ثم مدَّ أصابعه يمسح دموعها برفقٍ: 
_يعني لو بحبِّ حد، مش هتزعلي وهنطلَّق؟

تجمَّدت الدماء في عروقها، وانكمش وجهها للحظةٍ قبل أن تهزَّ رأسها ببطءٍ مميتٍ تبتعد عنه:
_طبعًا..هبقى عارفة حدودي، وعارفة إنتَ كنت رافض الجواز ليه.

ضحك بخفوت، ورفع أنامله يتلاعب بخصلاتها بانشغالٍ متعمِّد:
_أممم..كمان غبية يابنت عمِّي.
_غبية علشان بقولَّك الحقيقة؟
رفع ذقنها بلطف، ينظر في عينيها بنظرةٍ تحمل كلَّ الغموض:
_لأ..علشان قولتي "رافض الجواز"، وفيه حد في حياتي..منين الاتنين مع بعض؟ وتفتكري لو في حد فعلاً..مش كنت هعرف أرتبط بيها؟

جمع خصلاتها برفقٍ بين أنامله، والابتسامة لم تفارق وجهه... أحاسيس غريبة تتراقص داخله لأوَّل مرَّة، هل من قربها، أو من لمسة شيءٍ يخصُّها؟..خلَّل أنامله بخصلاتها وقال بابتسامةٍ حقيقية: 
_ماتخافيش..صدَّقيني، لو فكَّرت في الجواز، إنتي أوَّل واحدة..على الأقل أغرق في لون القهوة دا.

تورَّدت وجنتاها، وابتسمت رغمًا عنها، وكأنَّ كلماته فتحت بابًا أغلقت عليه قلبها. 
أملٌ صغيرٌ راود عقلها قبل قلبها، خاصَّةً مع قربه المميت، وأنامله التي كانت تعبث بخصلاتها في هدوءٍ يذيب الأعصاب.
شردت بملامحه..لأوَّل مرَّة تراه بهذا القرب، وكأنَّها تراه بعينٍ جديدة، بعين الزوجة لا ابنة العم...
هل حقًّا أصبح ملكها؟
ولم يعد بينهما حدود؟
نعم، هو كذلك.

سحبت نفسًا عميقًا وطردته بهدوء، تقسم لنفسها أنَّها ستغيِّره، ستنتصر لقلبها الذي اختاره رغم قسوته..
كان هو يتابع صمتها بتوجُّسٍ خفيّ، يقرأ على وجهها صراعًا مكتومًا، وكأنَّها تحارب نفسها لتقترب أكثر.

ضي...
ناداها بخفوت، رفعت عينيها إليه، نظرت داخل عينيه للحظاتٍ تاهت فيها كلِّ الكلمات، ثم دون تفكير، اقتربت ولم يعد مايفرِّقهما، دفنت رأسها في صدره، لتؤكِّد لنفسها قبل أي أحد، أنَّه لم يعد مجرَّد ابن عمِّها.
حاوطت خصره بذراعيها وأغمضت عينيها، تضع رأسها فوق موضع نبضه، وهمست بخفوتٍ مفعمٍ بالاستسلام:
ممكن ننسى أيِّ حاجة؟ خدني في حضنك..وأه، اعتبرني رامية نفسي عليك..مش عايزة أي كلمة.

للحظةٍ واحدة، انتفض جسده بالكامل، تجمَّد بين ذراعيها وهو يراها بهذا الضعف الظاهر.
أغمض عينيه محاولًا ألَّا يغضبها، ولا يخذلها، فهي لم تكن السبب في ماوصل إليه قلبه.
ارتجف داخله وهو يسمعها تهمس، بنبرة مزيجًا من خوفٍ وصدقٍ وأملٍ خجول:

تعرف..عمري ماكنت متخيِّلة إنِّنا نتجوز..ولا فكَّرت في كده أصلًا.
بس مش عارفة..كلامك مع بلال شدِّني ليك بطريقة غريبة، كنت بحبَّك كابن عم، زيي زي آسر، بس..

مرَّر يده على خصلاتها برفقٍ، يستمع اليها، ثم قال بصوتًا يأتي واهنًا:
بس إيه؟
رفعت رأسها قليلًا، تلتقط أنفاسها بصعوبة:
بس كلامك عن الحبِّ والجواز خلَّاني أحبِّ الحبّ اللي إنتَ مش بتحبُّه.. يمكن علشان اعاندك، او يمكن اغلطك

صمت قليلًا، ثم قال بنبرةٍ مبحوحةٍ وهو يحاول السيطرة على اضطرابه:
ممكن مانتكلِّمش في الموضوع دا؟ إنتي قولتي مش عايزة كلام.

ابتسمت ابتسامةً خفيفة وأومأت له بخضوعٍ رقيق، تنظر الى ذراعيه الذي لم يضمها بهما، ثم اردفت بنعومةٍ شقيَّةٍ ودموعها تلمع:
طيب..إنتَ خايف تحضنِّي علشان متحبِّنيش أوي..وتقع في غرامي؟
غرق بلون عسلها، وابتسمت عيناه من شقاوتها
_حاسس اول مرة اعرفك
اوووه يادوك، عندي مواهب كتيرة اوي، بس الأول لازم تدفع وتحضني، صمتت واقتربت تتعمق بعيناه 
_تقدر تاخدني في حضنك

كأنَّه كان ينتظر منها تلك الجملة..
ضمَّها بذراعيه بقوَّة، أغمض عينيه ليهرب من الصراع الذي يشتعل في داخله بين العقل والقلب، بين الخوف والرغبة، وبين رجلٍ يحاول أن يتمسَّك بعقله رغم أنَّ قلبه كان قد استسلم بالفعل.. صمت دام لدقائق معدودة، والقلوب تعلن عصيانها بالنبضات، حيث اردف: 

أنا كنت رافض فكرة الجواز كلَّها ياضي..مش علشانك..تأكَّدي من دا..مفيش بيني وبينك حاجة تخلِّيني أهاجمك.
وبالنسبة لموقف الجامعة..أنا اضَّايقت من الموقف نفسه، مش منِّك..عملت كده علشانك..علشان إنتي بنت عمِّي، مش عدوِّتي.

رفعت رأسها حتى لامست ذقنه وابتسمت بعنادٍ طفوليّ:
ومراتك دلوقتي..وبعد الاعتراف دا مش ناوية أتنازل عنَّك..وأه، لو عايز ندخل حرب مع بعض، أنا موافقة.

تجمَّد صوته للحظة، ثم أطلق ضحكةً قصيرة وغمز بعينيه، يتجوَّل ببصره في الغرفة بنظرةٍ ماكرة:
طيب، مادام كده..يبقى أنا كمان موافق..وبما إنِّنا لوحدنا، وإنتي مراتي وأنا جوزك..ليه لا؟ نحقَّق المراد ونثبت إنِّ الجوازة دي..حقيقية.

ارتدَّت إلى الخلف كالملسوعة، وجسدها تأرجح بارتباكٍ ظاهر، وصوتها خرج مبحوحًا بالذهول والحرج:
_قصدك إيه ومراد ايه اللي تقصده 


تعليقات