رواية قلب السلطة الفصل السادس والعشرون
دخل شامل الباحة الخارجية للبيت بخطوات مترددة، لكن خطواته توقفت فجأة. الأرجوحة الخشبية تتأرجح في النسيم، وعلى متنها نيرفانا، رأسها مائل للخلف، وعيناها نصف مغلقتين، كأنها بين غيبوبة ووعي. وبجوارها أوس… ذاك الاسم الذي لم يعد مجرد شخص، بل أصبح لغزًا ملطخًا بالريبة.
تجمّد الدم في عروق شامل، ثم اندفع يغلي كبركان. لم يسمع سوى صخب أنفاسه، ولم يرَ سوى المشهد أمامه كطعنة لا تُمحى.
– إيه اللي بيحصل هنا يا أوس؟!! – دوّى صوته في الحديقة كصفعة مزّقت الصمت.
انتفض أوس، وتلعثمت شفتاه:
– يا باشا، والله مش زي ما إنت فاكر…
لكن شامل لم يمنحه فرصة: قبض على ياقة قميصه وجذبه بقوة حتى التصقت أنفاسهما.
– مش زي ما أنا فاكر؟! إنت هربان من السجن ومستخبي هنا، وتعمل الحركة دي مع بنت رائد؟ إنت فاكر نفسك إيه؟!
ارتجف أوس، وعيناه تتنقلان بين الغضب في وجه شامل ونيرفانا التي تحاول أن ترتب ملامحها. دفعه شامل دفعة قوية جعلته يتعثر ويرتطم بطرف الأرجوحة.
وفي لحظة سقوطه، لمح شامل على معصمه ساعة فاخرة يعرف جيدًا أنها ليست له… ساعة كان قد رآها قبل أسابيع في يد رائد.
– دي ساعة رائد… إيه اللي بتعملها هنا؟! – صرخ شامل، صوته يكاد يمزق الصمت.
أوس تلعثم أكثر، عينيه تتنقل بين شامل ونيرفانا:
– والله يا باشا… أنا… أنا… مكنتش أقصد…
شامل شد قبضته على قميصه أكثر، كأنها محاولة لإخراج الحقيقة بالقوة:
– مكنتش أقصد؟! إنت فاكر نفسك مين؟! هنا بيت رائد، وكل حاجة محسوبة!
رفعت نيرفانا رأسها، عينها شاخصة على شامل، وصوتها خافت لكنه واضح:
– كفاية… رجاءً…
لكن شامل لم يسمع إلا غضبه، فتقدّم نحو الأرجوحة بحذر ليضمن سلامتها، وفي الوقت نفسه يحاصر أوس من أي محاولة هروب:
– وأنا ماليش إلا أشوف الحق… ولا حد يتعدى على حد…
خلفهم، البيت ساكت، كأن الجدران نفسها شاهدة على كل ما يحدث، والهواء المشبع بالرطوبة والنسيم الخفيف يلمس وجوههم، صامتًا لكنه شاهد على كل ما يجري.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
شامل ضغط على أوس أكثر، قبضته على ياقة القميص كأنها تحاول انتزاع الحقيقة من داخله بالقوة. أوس شعر بالذعر، وعيناه تتوسلان عفو شامل، لكنه لم يجد ملاذًا.
– إنت فاكر نفسك تعمل كده وتعدي على بنت رائد ومفيش اللي يوقفك؟! – هتف شامل، صوته يهتز بالغضب، كل كلمة تقطع الهواء كأنها سكين حاد.
ارتعشت يد أوس وهو يحاول التراجع خطوة، لكن شامل تقدّم نحوه بخطوات ثابتة، عيناه لا تفارقان الساعة على معصمه، الساعة التي حملت الدليل على تدخل رائد الخفي في هذا الموقف.
– والله يا باشا… أنا… أنا… – حاول أوس الكلام، لكن شامل قطعه:
– كفاية… مفيش كلام! كل حركة ليك محسوبة، وأنا هخلي الحق يبان!
نيرفانا رفعت رأسها، عينها تلمع بالغضب والخوف معًا، وصوتها خافت لكنه رنان:
– يلا… سيبوا بعضكم… كفاية…
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
وقف شامل أمام أوس، صامدًا كجدار من حديد، ويده لا تزال مشدودة على قميصه. أوس شعر بالهلع يتسلل إلى قلبه، لكن لم يكن أمامه سوى الاعتراف أو مواجهة العواقب.
– يا باشا… أنا كنت مضطر… – بدأ أوس، صوته يرتجف، لكنه توقف لحظة، كأن الكلمات علقت في حلقه.
شامل تحدّق فيه، عينيه لا تعرف الرحمة، لكنه كان يعرف أن القوة وحدها لا تكفي، بل الحق يحتاج إلى كشف الحقيقة كاملة.
– كل حاجة كانت لعبة رائد…؟ – قال شامل أخيرًا، صوته صار أشد ثقلًا. – الساعة، المكان… كل تحركاتك؟
أوس حنّ رأسه، يقرّ بالحقائق كلها.
– أيوه… كله كان بإيده… هو اللي خطط لكل حاجة… وأنا كنت مجرد أداة…
نيرفانا توقفت عن الابتعاد، عيناها تلمعان بالغضب والخوف معًا، لكنها شعرت بقوة جديدة تتخلل صدرها، قوة الحقيقة التي بدأت تتكشف أمامها.
شامل ابتسم ابتسامة باردة، فيها تهديد أكثر مما فيها رضا، وقال:
– يبقى كل شيء واضح دلوقتي… ومفيش أي سر ممكن يضلنا بعيد عن الحق…
أوس ارتجف، وعرف أن مفرّه انتهى، وأن رائد، رغم غيابه المباشر، كان حاضرًا في كل زاوية من البيت، يراقب، يخطط، يسيطر، بلا أن يلمسه أحد.
نيرفانا أخذت خطوة إلى الأمام، صوتها صار أكثر حزمًا:
– خلاص… مفيش أي لعب… مين اللي يتحمل كل ده؟
شامل نظر إليها، وعرف أنها لم تعد مجرد شاهد، بل أصبحت جزءًا من المعركة، صوته خافت لكنه حاسم:
– الحق هينكشف… واللي يحاول يلعب هيتحاسب…
النسيم خفّف من حرارة اللحظة قليلًا، لكن الأجواء ما زالت مشحونة بالغضب والريبة، والبيت ساكت، يشهد على صراع القوة، وعلى لعبة رائد الخفية التي كشفت كل الأقنعة، لتترك شامل، أوس، ونيرفانا في مواجهة الحقيقة دون أي مهرب.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
وقف شامل عند باب الباحة للحظة، يتنفس ببطء، كأن كل خطوة أخرجت غضبه المكبوت إلى السطح. عيناه لم تفارقا نيرفانا التي كانت ما زالت شاخصة إلى أوس، والهواء يحمل رائحة الأرض المبللة ويختلط بخفقان القلوب، مع صوت الأرجوحة الخشبية المتأرجحة بخفة، كأنها تشهد على كل لحظة مرت هنا.
– وإنتي؟! – قال شامل أخيرًا، صوته ثقيل بمزيج من الغضب والدهشة، – سايبة نفسك كده؟! فين عقلك؟ فين تربيتك؟!
ارتجفت نيرفانا، تحاول أن تجد الكلمات:
– أنا… أنا كنت حاسة بدوخة، ومش قادرة…
قاطعها شامل بنبرة صارمة، لكن أقل حدة من الغضب الأول:
– ومالو! تعبك ما يبررش اللي حصل! ده مش صاحبك… ده راجل! وإنتي لسه طفلة، ولازم تعرفي حدودك!
دموعها انهارت، فانحنى شامل قليلًا، ثم استدار مبتعدًا، خطواته تتردد على البلاط الرطب، وهو يخرج هاتفه ويتنفس ببطء، كأن صدره ضاق بكل ما يجري.
ضغط رقم رائد، وعيناه ما تزالان شاخصتين على الأرجوحة، التي تذكره بما جرى قبل دقائق.
– ألو، رائد؟ – قال شامل بصوت منخفض وحازم، – محتاجك دلوقتي… فورًا.
صمت قليلًا، ثم أضاف بنبرة تحمل تهديدًا ورغبة في كشف كل شيء:
– فيه حاجات لازم تتقال… وكل دقيقة تأخير ممكن تغيّر كل شيء.
نيرفانا شعرت بتيار من القوة يغمر صدرها، لكنها تعرف أن هذا الاتصال يفتتح مرحلة جديدة، مرحلة لن يكون فيها أي مجال للغفلة، وأن العاصفة القادمة، التي بدأ رائد التخطيط لها منذ وقت طويل، على وشك الانطلاق، لتكشف الحقائق، وتعيد ترتيب كل القوى حولها.
في تلك اللحظة، ظهر أوس عند حافة الحديقة، جالسًا على الأرض، ممسكًا بإناء ماء، ووجهه يعكس الخوف والارتباك، بينما نيرفانا تهرولت نحوه، تحاول أن تطمئنه، وكل شيء حولهم، من النسيم البارد إلى أصوات الليل، يشهد على أن اللعبة لم تنتهِ بعد، وأن فصل المواجهة الكبرى لم يبدأ سوى الآن.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
لم تمضِ لحظات حتى تقدّم شامل بخطوات سريعة نحو أوس، الذي حاول النهوض، لكنه تراجع متأرجحًا، كمن يعرف أن القوة التي أمامه أكبر من قدرته على المقاومة.
– إنت فاكر نفسك إيه؟! – صرخ شامل، صوته يتقاطع مع وقع خطواته على البلاط، – اللي حصل ده مش هزار… هتتحاسب على كل ثانية من اللي عملتها!
أوس رفع يديه متوسلاً، عيونه تتوسل الرحمة، لكن شامل لم يخفف من وقاره، قبض على كتفيه وجذبه بقوة، يجعل جسده يهتز كأن كل حركة فيه مرتبطة بالثأر القديم، بالغضب الذي لم يُفرّغ بعد.
نيرفانا اندفعت بينهما، محاولًة أن تمنع التصعيد، صوتهارتجف:
– بقى يا اونكل شامل! سيبه! هو تعبان!
لكن شامل لم يستجب، كان كمن غاب عن كل شيء سوى الغضب، يصرخ ويهدر كل طاقته في ضرب أوس، كل لكمة كأنها تنهش الذنب الذي رآه في عينيه.
في تلك اللحظة، ظهر رائد فجأة، اقتحم المشهد كعاصفة هادئة، وجهه متقد بالقلق، عيناه تراقبان ما يحدث بعناية:
– كفاية يا شامل! – صاح، صوته حاد لكنه متزن، – إنت فاكر نفسك هتحل أي حاجة بالعنف ده؟
توقف شامل للحظة، جسده لا يزال متأرجحًا بين الغضب والخطر، ورفع رأسه ينظر إلى رائد:
– ده اللي كان بيعمله معاها… لو سبتله، كان هيلف حوالين بنتك زي الثعبان!
رائد اقترب بخطوات حاسمة، عيناه لا تفارقان شامل، صوته صارم:
– كفاية. دي مش طريقك لحماية حد… وانت عارف ده.
نيرفانا انحنت إلى جانب أوس، تضمه إلى صدرها، تدرك أن كل شيء حولها يختل، وأن القوة هنا ليست فقط في الضرب أو الصراخ، بل في معرفة من يملك السيطرة الحقيقية على الموقف، ومن يستطيع حماية من يحب.
النسيم المسائي ازداد برودة، يحرك الأشجار حولهم، وكأن الليل نفسه يشهد على بداية تحول جديد، على أن المواجهة لم تنتهِ بعد، وأن كل شخصية ستكشف عن جانبها الحقيقي في هذه اللعبة المعقدة، التي تتسع حدودها مع كل لحظة تمر.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
توقف الجميع فجأة، وكأن الزمن نفسه جمد للحظة. شامل، يلهث من الغضب، يحدق في أوس بعينين متقدتين، لكنه شعر بثقل وقع نظرات رائد عليه، نظرات لا ترحم، تحمل كل القوة والحزم والسيطرة.
رائد اقترب ببطء، خطواته ثابتة، صوته منخفض لكنه يقطع الصمت كالسيف:
– كفاية… كل واحد فيكم يعرف حدود نفسه دلوقتي.
نيرفانا ما زالت تجلس بجوار أوس، تلمس رأسه برفق، تحاول تهدئه، لكن عينها لا تفارق شامل، الذي وقف للحظة، وكأنه يعيد ترتيب نفسه بعد انفجار الغضب.
أوس ارتجف، لا يستطيع النطق، يشعر بعبء ما حدث، ويدرك أن هذا اليوم قد غيّر كل شيء، وأنه لم يعد هناك مجال للهرب أو الاختباء.
النسيم المسائي حرك أوراق الأشجار بهدوء، وكأنه يهمس بأن العاصفة القادمة أكبر، وأن كل خطوة لاحقة ستكشف المزيد من الحقائق.
رائد رفع يده، وأشار إلى شامل أن يتراجع، ثم ألقى نظرة خاطفة على نيرفانا وأوس، كأنه يؤكد لهم أن من يملك القوة الحقيقية هو من يعرف متى يتصرف ومتى يسيطر على الموقف بهدوء.
صمت دام لحظة، ثم انسحب رائد ببطء، تاركًا الجميع يتنفسون بصعوبة، وكل قلب يخفق بإيقاع مختلف…
نيرفانا شعرت بشيء من الاطمئنان، لكنها أدركت أن هذه اللحظة الهادئة ما هي إلا تحضير لما سيأتي لاحقًا، وأن اللعبة التي بدأت منذ وقت طويل لم تنتهِ بعد، وأن كل قرار، كل حركة، ستكون حاسمة في الفصل القادم.
الليل امتد ببطء فوق الحديقة، والأرجوحة تتأرجح في النسيم، كأنها تهمس لهم: كل شيء على وشك الانكشاف، وكل قلب سيكشف عن حقيقته.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
بعد لحظات من الصمت المشحون، تحركت أصابع يقين على حافة الطاولة، كأنها تبحث عن توازن وسط الفوضى. رائد جلس، استرخاء جسده كان مؤقتًا، لكنه لم يغادر حدة انتباهه، وكل عضلة فيه تشعر بما قد يأتي. شامل بقي واقفًا، عينيه ترقبان كل حركة، وكأن الغرفة نفسها تتحسس الخطوة التالية.
بعد أن غادر شامل، بقي البيت صامتًا تقريبًا، وكأن جدرانه نفسها تراجعت للخلف، تلتقط أنفاس الغضب والدهشة التي تركها وراءه. رائد ظل واقفًا وسط الغرفة، عينيه شاخصتان نحو الباب الذي أغلقه شامل، وكأن صدى ضربة الصفعة الأخيرة لا يزال يتردد في أرجاء المكان.
نيرفانا جلست على الأرجوحة، رأسها منخفض، عينيها لم تفارق أوس، الذي بقي واقفًا مترددًا، كمن يعيد ترتيب أقدامه بعد هزة قوية. كل حركة، كل نفس، كان محمّلًا بترقب ما سيأتي، شعور بأن الأمور لم تنته بعد، وأن اللعبة قد دخلت فصلًا جديدًا، أكثر شدة وخطورة.
قامت يقين من مكانها، خطواتها حذرة، لكنها واثقة، وعيونها تتنقل بين رائد ونيرفانا، كأنها تحاول قراءة كل ما تركه الغضب وراءه. صمتها لم يكن فارغًا، بل مشحونًا بانتظار تفسير، بانتظار قرار جديد قد يغير مسار الجميع.
رائد نهض ببطء، جسده مشدود، يراقب المشهد بعينين لا تفوتهما أي حركة. شعر بأن مسؤولية حماية كل من حوله أصبحت أثقل من أي وقت مضى، وأن أي خطوة خاطئة قد تُفجر العاصفة من جديد. تنهد بعمق، كأن الهواء نفسه حمل معه بعض الوزن عن قلبه، لكنه لم يخفف من حدة انتباهه.
النسيم المسائي دخل من النوافذ المفتوحة، يحمل رائحة الأرض المبللة، ويجعل الأوراق تتراقص بخفة. كانت الحركة الخفيفة للعالم الخارجي انعكاسًا لما سيحدث داخل هذه الجدران، تذكيرًا بأن الوقت يمر، وأن كل لحظة ستكشف عن الحقائق المخفية، وأن القرار القادم سيكون حاسمًا.
نيرفانا نظرت إلى رائد، ثم أزاحت بصرها نحو أوس، كأنها تعيد ترتيب أفكارها، وتستوعب ما جرى. شعرت بقوة جديدة تنبعث في صدرها، وإدراك أن مسؤولياتها، وقراراتها، لم تعد مجرد اختيارات شخصية، بل محطات في لعبة أكبر من مجرد العائلة أو البيت، لعبة فيها الثقة، الحب، والخيانة.
رائد جلس على حافة الطاولة، يضع يديه على ركبتيه، ينظر بعيدًا، وكأن اللحظة تمنحه فرصة لالتقاط أنفاسه قبل أن تبدأ الجولة التالية من المواجهة، الجولة التي ستكشف من بقي وفيًا، ومن انحرف عن مسار الحق، ومن يحمل في قلبه وجع الماضي ليعيده في الحاضر.
وبينما الليل يقترب بخطواته البطيئة، شعر كل من في الغرفة بأن العاصفة لم تنته بعد، وأن الغد سيحمل معه أحداثًا قد تُغير كل شيء، وأن عليهم أن يكونوا مستعدين لما سيأتي، لأن القوة، الغضب، والقرار الصائب، كلها الآن على المحك.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
ظل البيت ساكنًا لدقائق، وكأن صمت الجدران نفسه يتنفس ببطء، يستوعب كل ما حدث قبل قليل. رائد جلس في مكانه، يلتقط أنفاسه، بينما نيرفانا وأوس يجلسان على الأرجوحة، كل منهما يغوص في صمت خاص به، يتأمل عواقب اللحظة التي مرت.
في الخارج، بدأ الليل يرخي سدوله، والنسيم يحمل رائحة التراب المبلل، كأنه يهمس بأن حياة جديدة على وشك الانطلاق، وأن ما حدث ما هو إلا مقدمة لما سيأتي.
خطت يقين خطواتها بثبات، عيناها متجهتان نحو رائد، ثم توقفت عند منتصف الغرفة، تتأمل الموقف، وتزن كلماتها قبل أن تنطق. كان واضحًا أن كل لحظة ستحدد مستقبلها، مستقبلها مع شامل، ومستقبل علاقاتها مع كل من حولها.
رائد رفع رأسه، ينظر إليها، وفي عينيه مزيج من الدهشة والغضب والحذر. شعور بالمسؤولية يثقل صدره، لكنه يعرف أن قرارها سيحسم كثيرًا من الأمور، وأن الوقت قد حان لتكشف عن اختياراتها، لتختبر حدود القوة والثقة بينه وبينها.
الهواء الداخل من النوافذ المفتوحة حرك الستائر برفق، وكأن المشهد كله يتهيأ للانتقال إلى فصل جديد، فصل ستتصاعد فيه المواجهة، تتكشف فيه الأسرار، وتتحدد فيه الولاءات.
بصوتها الهادئ والممتلئ بالحزم، قالت يقين:
ــ "رائد… أنا عايزة أقوللك حاجة… وأتمنى تسمعني لحد الآخر."
وقف رائد، مستعدًا، قلبه يندفع بسرعة، يدرك أن ما ستقوله قد يغير كل شيء، وأن اللحظة هذه ستكون نقطة التحول في مسار حياتهم جميعًا.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
ظل رائد واقفًا، عينيه تراقب يقين، والهدوء المشوب بالتوتر يخيّم على الغرفة. كانت يقين تتقدم بخطوات واثقة، رغم نبض قلبها المتسارع، لتقف أمامه مباشرة، تحدّق فيه بعينين لا تخفيان إرادتها.
صمتت لحظة، ثم قالت بصوت ثابت لكنه ممتلئ بالقوة:
ــ "رائد… أنا قررت. أنا هتجوز شامل."
ارتجف صدر رائد قليلًا، ثم جفف شفتيه ببطء، وكأنه يحاول ابتلاع غضب محتدم وكلمات تريد الانفجار:
ــ "هتتجوزوه؟! من غير ما تفكري في اللي حواليكي؟!"
ابتسمت يقين ابتسامة واثقة، لكنها لم تحمل أي ميل للمرح، بل كانت مليئة بالحزم:
ــ "أنا فكرت، ورأيي اتخذت. أنا مش هسمح لحد يحددلي مين أختار، ومين أحب."
اقترب رائد منها خطوة، صوته صار أكثر جفافًا، متحشرجًا من محاولة السيطرة على مشاعره:
ــ "إنتي فاكرة إن ده قرار سهل؟! شامل… ده شخص خطير… مش بس على قلبك، على حياتك كلها!"
رفعت يقين رأسها، تحدق فيه بعنفوان، تقول بعزم:
ــ "خطير؟! أنا شايفة فيه اللي يحميني، اللي يقف جنبي… مش اللي يتحكم فيا ويخنقني!"
سحب رائد أنفاسه ببطء، وكأن كل كلمة منها تلسعه، ثم صرخ أخيرًا:
ــ "أنتي فاكرة إن الحب كل حاجة؟! إنك تختاري، وكل المشاكل تختفي؟!"
هزّت يقين كتفيها، وقالت بنبرة قاطعة:
ــ "مش كل المشاكل… بس أنا عايزة أحمي قلبي. وأنا مش غلطانة إني اختار اللي بيريحني ويحميني."
وقف رائد لحظة، يتأملها، عيناه تتوهج بالغضب والخذلان، ثم مال بجسده قليلاً، صوته أصبح أقل صخبًا لكنه أكثر ثقلًا:
ــ "أنا مش هقدر أمنعك… بس خدّي بالك. الحياة مش لعبة، وكل خطوة ليها ثمن."
ابتسمت يقين ابتسامة قصيرة، لكنها كانت تحمل قوة لا تهزم:
ــ "أنا عارفة… ومستعدة أتحمل ثمن اختياري."
وقف رائد صامتًا، يدرك أن كل جدل، كل محاولات السيطرة، لن تغيّر قرارها. شعور بالهزيمة يعتليه، لكنه لم يفقد إحساسه بالمسؤولية تجاهها.
خرجت يقين من الغرفة، كل خطوة لها كانت واضحة، حازمة، كأنها تخطو نحو مستقبلها الذي اختارته، بينما رائد ظل واقفًا، عينه تتبعها، قلبه يختلط فيه الألم بالاعتراف الصامت بأنه لا يستطيع التحكم في إرادتها.
في الخارج، بدأ المساء يبتلع النهار، والنسيم يحرك أوراق الشجر برفق، كأنه يبارك بداية مرحلة جديدة، مرحلة ستشهد صراعات واختبارات حقيقية، لن يكون فيها مجال للتراجع، ولن يبقى للغفلة مكان.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
ومن ذا الذي كان ليمنعه، إن أراد؟! هي؟!
أي قدرة لها على تحجيمه، وقد بدا مكشوفًا أمام عينيها، كصفحة ماءٍ راكدة لا تخفي سرًّا؟
دخل "رائد" إلى غرفة الطعام بخطوات واسعة، وارتسم على ملامحه مزيج من الحذر والاعتذار، كمن يحاول تهدئة عاصفة قبل انفجارها، وقال بصوت يحمل رجفة خفيفة:
ــ "أنا آسف… آسف جدًا على كل التأخير واللخبطة اللي حصلت."
رفعت "نيفين" رأسها، وابتسامة هادئة ارتسمت على وجهها، وقالت بنبرة مطمئنة:
ــ "الحمد لله على السلامة يا باشا… كله تمام؟ حصل حاجة كبيرة؟"
جلس "رائد" على كرسيه المعتاد، أرخى كتفيه وكأن ثقل اليوم قد ارتفع عن صدره، ونطق بنبرة خفيفة، محاولًا تخفيف حدة القلق:
ــ "لا كبير يا نيفين هانم… بس كان في شوية توتر بره… الحمد لله اتحل كل شيء. وصدقيني، آسف لو سببلي أي قلق، وخصوصًا على الأكل."
ابتسمت نيفين برقة، وأمالت رأسها قليلًا، وهي تزيح خصلة شعر عن جبينها:
ــ "ده كله تمام… الأكل لسه سخن، ووجودك دلوقتي أهم من أي حاجة."
رائد ابتسم بارتياح، وعيناه ترسمان لمحة رضا داخلي، وقال:
ــ "الحمد لله… يلا بينا نبدأ. وحسّوا إن البيت بيتكم، وأنا مش هأفرض أي حاجة."
في تلك اللحظة، جاء صوت "ليلى" خافتًا من زاوية الغرفة، لكنه حمل حرارة غير متوقعة:
ــ "ماتقلقش… أنا هظبط كل حاجة هنا."
التفت رائد نحوها، وعيناه ترصدهما بدقة، وكأنها لم تكن مجرد كلمة، بل رسالة تحمل شيئًا من الماضى الذي لم يزل يهمس خلف الستار. اكتفى بإيماءة خفيفة وقال بهدوء:
ــ "تمام… واثق فيكي."
ابتلعت ليلى ابتسامة قصيرة، لكنها لم تصل إلى عينيها، ثم مدّت يدها برفق عبر الطاولة لتضع الطعام بعناية في طبق والدتها، ثم في طبق رائد، وكأن كل حركة لها مغزى وحذر، توازن بين الهدوء والتحكم في الوضع.
كان الجو مشحونًا بهدوء، وكأن كل حركة وكل نظرة تحمل رسالة مخفية، و"رائد" كان مدركًا لكل شيء… يدرك ما حدث قبل دقائق، وما قد يحدث بعد ذلك. لكنه اختار أن يبقى صامتًا، شريكًا مراقبًا في مسرحية الحياة، التي تستمر بتطورها كل لحظة، ببطء، لكنها حاملة في طياتها كل المفاجآت القادمة.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
لم تمضِ دقائق، حتى بدا الجو وكأنه يستعيد هدوءًا مصطنعًا، لكن رائد كان يراقب الجميع بعين الصقر، متأهبًا لكل حركة أو كلمة، كأنه يعرف أن اللحظة الحرجة قد تعود في أي ثانية.
كسر رائد الصمت، متحدثًا بنبرة هادئة لكنها تحمل وزنًا:
ــ "ها يا نيفين هانم… المشروع اللي كان مهاب شغال عليه، وصل لحد فين دلوقتي؟"
أمالت نيفين رأسها قليلًا وهي تعبث بطرف منديلها، محاولة الحفاظ على هدوئها:
ــ "الحمد لله… قرب يخلص، بس لسه في شوية تفاصيل محتاجة ضبط."
رمقه رائد بعينين ثابتتين، ثم أضاف بابتسامة خفيفة، كمن يضع فخًا للكلمات:
ــ "لو احتاج أي مساعدة، أنا موجود… ما تتردديش."
قاطعت ليلى بسرعة، محاولة أن تبدو مهتمة ومندمجة في الحديث:
ــ "المشروع ده من شغلكم الخاص ولا تابع حاجة في الشركة؟"
أجابتها نيفين بابتسامة هادئة، دون أن تشعر بأي تهديد:
ــ "لا… ده تابع الشغل الرسمي، تطوير المجمع التجاري الجديد."
تقدمت ليلى خطوة أخرى في لعبتها الخفية، وقالت بخفة، لكنها تحمل شيء من خبثها المعتاد:
ــ "آه… المشاريع الكبيرة دي دايمًا بتجمع ناس كتير حوالين بعض، صح؟"
ابتسم رائد ابتسامة قصيرة، لكنها خلت من أي دفء، وكأنها مجرد ستار يخبئ وراءه شيء آخر:
ــ "بالظبط… ساعات بتجمع اللي ماينفعش يتجمعوا."
توقفت لحظة، كأن ابتسامته اختفت تمامًا، ثم استعاد السيطرة على وجهه وقال ممازحًا:
ــ "واللي بيتلموا غلط… بيتفرجوا بعدين، ويتعلموا بطريقتهم."
تعالت ضحكات خفيفة من حول الطاولة، لكنها كانت مجرد قشرة… فالقلوب تحتها كانت تغلي، والعيون تراقب، كل واحد يحتفظ بسطره الخاص من الأسرار، كالغريق المتشبث بالقشة الأخيرة.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
بعد الضحكات الخفيفة، بدأ الصمت يتسلل من جديد، ثقيلًا كغيمة صيفية ملبدة، تتربص بأي شرارة صغيرة لتنفجر العاصفة. رائد جلس متمددًا قليلًا على كرسيه، لكن عينيه لم تغادر ليلى لحظة، ترقب كل حركة، كل كلمة، كمن يحصي النبضات.
أخذت ليلى نفسًا عميقًا، وحاولت أن تبدو طبيعية، لكنها شعرت بثقل النظر الذي يثقل صدرها. قالت بصوت خافت، يمزج بين الفضول والخوف:
ــ "رائد… إنت… شايف كل اللي بيحصل حواليك؟"
ابتسم رائد ابتسامة نصفية، تحمل شيء من الغموض والسلطة:
ــ "شايف… وأحكم. بس في بعض الأمور… محتاجة الصبر. ساعات الصمت أبلغ من الكلام."
هزّت ليلى رأسها، محاولة أن تفهم، لكن قلبها كان يخفق بعنف. شعرت أن كل حركة، كل ابتسامة، كل كلمة من رائد، تحمل معنى خفيًّا، رسالة لم تُرسل بعد.
سكتت نيفين قليلًا، ثم قالت بابتسامة هادئة، محاولة كسر الجو المشحون:
ــ "تمام… نكمل الأكل، قبل ما يبرد."
لكن رائد لم يلتفت إليها مباشرة، بل رمق ليلى بعينين تختلط فيهما الحذر والمشاعر المكبوتة، وكأنها رسالة ضمنية: "أنا أعرف كل شيء، ولا شيء يخفى عني."
ابتلعت ليلى أنفاسها، ووضعت يديها على الطاولة، حائرة بين الخوف والإعجاب، وبين رغبة في الإفصاح عن شيء ما وخشية أن يراه رائد بطريقة خاطئة.
وفي اللحظة التي ظنّت أنها ستستعيد هدوءها، رنّ هاتف رائد على الطاولة، وارتجف الصوت الداخلي في قلبه. رفع الهاتف، نظر إلى رقم لم يكن مألوفًا، ثم ضغط زر الرد بهدوء لكنه حازم:
ــ "ألو… مين؟"
وقف الجميع مشدوهين، فالهدوء الذي بدا وكأنه استقر، بدأ يتقلب في الهواء، مشحونًا بإحساس أن ما سيأتي الآن سيغير مجرى كل شيء.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
كانت الأصابع على الطاولة ترتجف خفية، والعيون لا تفارق رائد لحظة واحدة. من الطرف الآخر للصمت، جاء صوت متقطع على الهاتف، منخفض لكنه حاد، يحرك الغبار الكامن بين الكلمات:
ــ "رائد… لازم تتعامل مع الموضوع بسرعة… ما ينفعش تأجل."
رمق رائد المتحدث بعينين ضاغطتين، صوته بارد لكنه مشحون بالأمر:
ــ "واضح… هاعمل اللازم."
ثم أغلق الهاتف بهدوء، لكنه لم يحرك شفتيه ابتسامة أو كلمة. الهواء في الغرفة أصبح أثقل، وكأن الصمت ذاته أصبح خصمًا حاضرًا، يراقب كل نفس وكل إيماءة.
نظرت ليلى إليه، عينيها مليئة بالأسئلة، فاقترب رائد قليلاً، وصوتُه أصبح أقرب إليها، نصفه حزم ونصفه هدوء مخادع:
ــ "في أشياء… لازم تعرفيها قبل أي خطوة. واللي هاعرفه ليكي… مش لأي حد تاني."
ارتجف قلب ليلى، وعيناها تتسعان، وبدأت الكلمات تخرج منها بصعوبة، لكنها لا تريد التراجع:
ــ "أنا… أنا مستعدة… أسمعك."
ابتسم رائد ابتسامة قصيرة، غامضة، ثم نظر إلى نيفين كأنه يقول بدون كلمات: "اتركينا للحظة… هذا شأن خاص."
انسحب الجميع قليلًا، وتركوا ليلى ورائد في مساحة الشك والغموض، حيث كل حركة، كل كلمة، كانت بحجم قرار، وكل نظرة تحمل وزنًا من السلطة والاعتماد المتبادل والخوف المكتوم.
أمسك رائد بكف ليلى بهدوء، لكنه لم يبتسم، وعيناه لم تفارقا عينيها:
ــ "الحقيقة… مش دايمًا سهلة… ولا الناس دايمًا على قدر ما تتمنى. بس اللي أقدر أقوله… كل خطوة من دلوقتي ليها ثمنها، وإنت لازم تعرفيه."
ابتلعت ليلى أنفاسها، وشعرت بأن العالم حولها قد ضاق فجأة، وأن كل شيء أصبح متعلقًا بهذا الثمن الغامض، هذا القرار الذي لم تُفصح عنه بعد، لكن رائد كان يعرفه قبل أن تُفكر فيه.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
ظلّت أنفاس ليلى تتقاطع مع صمت رائد، حتى جاء صوت خفيف من الممر، كأن الريح نفسها تحاول كسر حاجز التوتر. فجأة، دخل رجل ببدلة داكنة، ملامحه مشدودة، وحاملاً ظرفًا صغيرًا بيده.
وقف أمام رائد، وألقى الظرف على الطاولة برفق لكنه بحزم:
ــ "سيد رائد… ده واصل لحدك دلوقتي."
