رواية قلب السلطة الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم مروة البطراوي


 رواية قلب السلطة الفصل التاسع والعشرون 

تسارعت أنفاس "ليلي"، عينيها متشبعتين بالدموع، لكنها ما زالت تحاول تخفي ضعفها خلف جدار التحدي.
مدّت يدها لتبعده، لكن "رائد" قبض على معصمها برفقٍ مشوبٍ بصرامة، وقربها أكثر، حتى صار صوته يلامس وجدانها قبل أذنها:

> ــ "شايفة؟ حتى خوفك بيودّيك ناحيتي مش بعيد عني."

انتفضت بعناد، هزّت رأسها وهي تهمس بحدّة:

> ــ "أنا مش بخاف منك... بخاف على نفسي منك!"

ضحك بخفةٍ، لكنها كانت ضحكة قصيرة، أشبه بتنهيدة مكتومة، ثم مال برأسه قليلًا ليتأملها:

> ــ "طيب جرّبي تبعدي... شوفي هتقدري؟"

أطرقت "ليلي" للحظة، كأنها تبحث عن قوة في داخلها، ثم فجأة دفعت صدره بكل ما أوتيت من عزيمة. ترنّح قليلًا للخلف، لكنه لم يتركها، بل مد ذراعيه وأحاطها من جديد، كما لو أن مقاومتها ما هي إلا دعوة غير معلنة لاقترابه.

صرخت بصوت مبحوح، مختنق:

> ــ "سيبني... سيبني بقى!"

لكن رائد لم يزد ضغطه، بل خفّفه فجأة، وترك يديه تنسحبان ببطءٍ من كتفيها، ثم جلس للحظة صامتًا، يراقب ارتعاش أنفاسها وهي تحاول أن تلتقط ذاتها.

صوته خرج هذه المرة أقل صلابة، لكنه محمّل بالصدق الغامض:

> ــ "أنا مش جاي أوجعك يا ليلي... أنا جاي أوجّع أي حد يوجعك."

ارتجفت أكثر، دمعة سقطت على خدها بلا إذن، ثم رفعت رأسها بعناد أخير:

> ــ "بس أوجاعي إنت اللي بدأت بيها."

صمته كان أثقل من الكلام... عينيه سكنت فيهما لحظة صراع لم يرد أن يكشفه، كأنه انطعن بكلماتها.
ابتعد خطوة صغيرة، كأن البعد صار أرحم لهما من الاحتكاك القاتل، ثم أدار وجهه للحائط وهو يمرر يده على جبينه.

الريح خارج النافذة علت أكثر، وصوت الرعد دوّى في السماء، بينما الغرفة بدت كأنها سجنٌ لا يُفتح بابه إلا إذا قررت "ليلي" وحدها متى ينكسر القيد... ومتى تنكسر هي.

---
قلب السلطة ✍️ بقلمي مروه البطراوى 💜
وفجأة... دوى صوت طرقات سريعة على الباب، قوية كأنها صفعات على صدر اللحظة.
تجمدت "ليلي"، وانقبض وجه "رائد" بضيق واضح.

جاء صوت "نيرفانا" من خلف الباب، متوترًا وقلقًا:

> ــ "بابا!... إنت جوه؟ في حاجه؟! سمعت صوت عالي."

شهقت "ليلي" بخفة، وسارعت تمسح دموعها بكفها المرتعش، تحاول أن تُخفي كل ما كان.
بينما "رائد" أدار وجهه ناحية الباب، وصوته خرج بصرامةٍ مضغوطة:

> ــ "ارجعي أوضتك يا نيرفانا... دلوقتي."

لكنها لم تتحرك، بل ردت بإصرارٍ يشوبه القلق:

> ــ "مش هتحرك غير لما تطمني... إيه اللي بيحصل؟"

التفت "رائد" نحو "ليلي"، عينيه يرسلان تحذيرًا صامتًا، كأنه يقول لها: "إوعي تنطقي."
لكن "ليلي" رفعت رأسها فجأة، وجدت نفسها أمام فرصة للهروب من الحصار النفسي، فصرخت بصوت مبحوح لكنه مسموع:

> ــ "نيرفانا!... افتحي الباب!"
---
قلب السلطة ✍️ بقلمي مروه البطراوى 💜
تجمّدت اللحظة عند العتبة.
"نيرفانا" واقفة، عينيها متسعتين، تتنقل بنظرات مذهولة بين أبيها و دموع "ليلي".
الغرفة بدت كأنها انكشفت فجأة على سرّ لم يكن معدًّا للبوح، والهواء صار أثقل من أن يُتنفس.

"رائد" وقف ثابتًا، لكن عينيه لم يخبرا بالثبات؛ ارتباك خفي ارتسم في عمق نظراته، كأنه رجل تَعود أن يسيطر على كل شيء، لكنه الآن عاجز عن السيطرة على أبسط التفاصيل: نظرة ابنته.

"ليلي" على السرير، شعرها المبعثر، دمعة ما زالت عالقة على خدها، أنفاسها المتسارعة تفضح ما حاولت أن تخفيه.
لم تنطق بحرف، لكن عينيها صارتا مرآة للانكسار، 
---
قلب السلطة ✍️ بقلمي مروه البطراوى 💜

كانت اللحظة معلّقة في الهواء، أثقل من أن تُحتمل.
"نيرفانا" ما زالت واقفة عند الباب، عيناها متسعتان من الدهشة، ودمعة ثقيلة انحدرت على خدها.
صوتها ارتجف وهي تهمس:

> ــ "أنا... مش فاهمة حاجة."

ارتجّ صمت الغرفة أكثر، كأن جدرانها تضيق على من فيها.
"رائد" أوشك أن يتكلم، فتح شفتيه، لكن الكلمات خانته.

وهنا رفعت "ليلي" رأسها فجأة، وفي عينيها بريق ألم ممزوج بالغضب. كسرت الصمت بصوت مبحوح، لكنه حاد كالسيف:

> ــ "لأ... هي لازم تفهم. دلوقتي."

التفتت نحو "نيرفانا"، ودموعها ما زالت تتلألأ، لكنها لم تتراجع، بل قررت أن تفتح المواجهة:

> ــ "شايفة بنفسك... شايفة إزاي هو بيحاول يربطني بيه غصب؟ شايفة إزاي بيخليني عايشة أسيرة خوف ما بيخلصش؟"

شهقت "نيرفانا"، أصابعها تشبثت بمقبض الباب، بينما عيناها تبحثان في وجه أبيها عن أي رد، عن أي تفسير.

تصلّبت ملامح "رائد"، وصوته خرج أخيرًا، غليظًا، محمّلًا بالغضب المكبوت:

> ــ "ليلي... كفاية."

لكنها لم تسكت، بل رفعت صوتها، كأن اللحظة منحَتها شجاعة لم تكن تملكها من قبل. الدموع تتساقط بحرارة على وجنتيها، وهي تصرخ:

> ــ "كفاية إيه؟ كفاية وجع؟ كفاية خوف؟ كفاية إنك تبان قدام بنتك صورة الأب القوي... وأنت بتكسرني من جوّه؟!"

ارتجفت ملامح "نيرفانا"، وكأن كل كلمة تسمعها تُسقط قطعة من صورتها عن أبيها.
وبقيت النظرات متشابكة بينهم الثلاثة:
ــ "ليلي" تتحدى،
ــ "رائد" يغلي كبركان،
ــ و"نيرفانا" تنهار شيئًا فشيئًا أمام حقيقة لم تكن تتوقعها.

كانت لحظة أشبه بانفجار، لحظة فاصلة، ما بعدها لن يشبه ما قبلها أبدًا.
ارتجفت ملامح "نيرفانا"، وكأن كل كلمة تسمعها تُسقط قطعة من صورتها عن أبيها. وقفت للحظة، عيناها تتنقلان بين "ليلى" و"رائد"، وكل نبضة في قلبها كأنها تقول لها: مش كل حاجة زي ما كنت فاكرة... الدنيا مش سهلة... وأنا مش عارفة أتصرف إزاي.

في عقلها تدور فكرة واحدة: أنا اللي كنت جاية أستأذنهم عشان أرجع شامل... مش بالطريقة دي... مش بالطريقة اللي تخلي كل حاجة تتعقد... دلوقتي أنا لو تصرفت من دماغي... هتكون غلط كبير...

رفعت رأسها بخجل، تنهدت بصوت منخفض لنفسها، ثم نزلت رأسها نحو الأرض، كأنها تحاول أن تختبئ عن أعين الكبار:

"تصبحوا على خير... أنا... أنا هرتاح شوية."

صمتت لحظة، وعيونها تلمع بالدموع، لكنها أجبرت نفسها على البقاء هادئة، محاولة أن تستجمع شجاعتها الداخلية، وتفكر: لازم أسيب الأمور تمشي... مش كل شيء لازم أتحكم فيه دلوقتي... أصبر وأشوف إزاي أتصرف صح.

ظل "رائد" و"ليلى" ينظران إليها، وكل منهما يحاول فهم ما يجول في ذهن الطفلة، لكن نظرة نيرفانا، المنخفضة والمترددة، قالت كل شيء بدون أن تنطق كلمة واحدة.

ثم أدارت ظهرها بخفة، خطواتها تتسلل كنسيم خفيف، لكنها تحمل داخلها قرارًا صامتًا: هتتصرف بحكمة... وهتخلي الكبار يمسكوا زمام الأمور... بس قلبي... قلبي مش هيبطل يخاف عليهم.

وكان الصمت بعد ذلك، أكثر وضوحًا من أي كلام، كأن الفيلا نفسها تحبس أنفاسها، تنتظر ماذا سيأتي بعد هذا الصمت...

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
كانت أشعة الصباح تملأ الصالة بضوء ذهبي، و"يقين" واقفة بحقائبها، ملامحها صلبة كمن اتخذ قرارًا لا عودة فيه. فجأة سمعَت صوته:

ــ "يقين..."

التفتت ببرود:
ــ "نعم يا رائد؟"

اقترب منها، صوته هادئ لكنه غارق بالثقل:
ــ "رايحة فين بالشنط دي؟"

أجابته بسخرية مُرّة:
ــ "ماشية من هنا... سيباهولك ليك وللبنت بتاعتك. كفاية سنين صمت وخضوع."

حدّق فيها بعينين لامعتين:
ــ "كل ده... عشان شامل؟ بتحبيه فعلًا، ولا مجرد هروب؟"

رفعت رأسها بفخر:
ــ "أنا وشامل بنحب بعض... وعايزين بعض وبس."

ضحك بمرارة:
ــ "يعني كنت مغفّل؟!"

قالت ببرود:
ــ "سميها زي ما تحب. حياتي ما فرقتش معاك... زي ما عمر أختك ما كانش فارق عندك."

ارتفع صوته غاضبًا:
ــ "إنتي بتعايريني؟! ناسيه كم مرة رفضتي العرسان؟ وجاية دلوقتي تقولي آن الأوان تشوفي حياتك؟!"

وبقي الصمت المشتعل بينهما، كأنه اعتراف متبادل بخسائر لا تُعوّض.

---
من بعيد، في زاوية الصالة، وقفت "نيرفانا" تراقب كل حركة بعينين متسعتين، قلبها يختلط فيه القلق بالعزم. رأتها تترنح أمام حدة الموقف بين أبيها وعمتها يقين، وفجأة شعرت بشيء ينبض في قلبها: لازم أروح لشامل، لازم أصالحه مع أبي وعمتها، وأصلح اللي حصل.

هبطت رأسها قليلًا، وكأنها تجمع شجاعتها، ثم قالت لنفسها بصوت خافت:

> "لازم أتصرف... النهارده أنا هعمل اللي عليّ. لازم أشوف شامل، وأرجعه، وأصلح كل حاجة قبل ما تكبر المشاكل."

كانت لحظة القرار، لحظة تحوّل صغير في قلب الفتاة، مع إشراقة صباح جديد، وأمل خفي يلمع في عينيها.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
بعد انتهاء اليوم الدراسي لنيرفانا كان العصر قد بدأ يختفي خلف أفق المدينة، وأشعة الشمس الذهبية تتسلل من النوافذ، تلوّن جدران المكتب بضوء دافئ يتخفف شيئًا فشيئًا مع اقتراب الغروب. أجواء المكان لا تزال صامتة، إلا من همسات أوراق المكتب وخشخشة أصابع "شامل" وهو يعدّل مستنداته ببطء.

ارتفع صوت الهاتف فجأة، فامتدت يد "شامل" بتثاقل، ليرد بنبرة يغلفها الملل:

ألو!

جاءه صوت "شهد"، سكرتيرته الخاصة، متحمسًا:

شامل بيه، في واحدة عايزة تقابلك دلوقتي... .

فرك "شامل" عينه بسبابته، محاولًا طرد التعب الذي ران عليه، ورد بتبرم:

واحدة مين يعني يا شهد؟ اسمها إيه؟

أجابته، وهي تحاول السيطرة على حماستها:

دي نيرفانا، البنت الصغيرة... ممكن تكون جاية من عند عمتها يقين.

تجمّد "شامل" للحظة، قلبه ارتجف، كأن صاعقة خاطفة مرت خلاله، ثم قال بتلعثم خفيف:

ألو يا شهد... سامعك.

دخليها دلوقتي... فورًا.

أنهى المكالمة، وبدأ يجهز نفسه بسرعة، يعدّل ياقة قميصه، ويمرر كفه على شعره، كأنه يحاول أن يلمّ ما تبقى من أناقته استعدادًا لهذا اللقاء غير المتوقع بعد انتهاء يوم نيرفانا الدراسي.

وبالفعل، انفتح باب المكتب ببطء، وظهرت "نيرفانا"، حقيبتها المدرسية على كتفها، خطواتها مترددة، عيناها تلمع بالفضول والخوف في آن واحد. كانت تحمل ذلك التعب الدراسي، لكنها اختارت أن تأتي، بعزيمة طفلة تتجاوز سنواتها، لتصنع مفاجأة للجميع...
> أهلا يا نيرفانا... إنتي منوّرة المكتب كله. تعالي، اقعدي.

ابتسمت بخجل، عيناها تترددان بين الحيرة والخوف، ثم مشت نحوه بخطى مترددة:

> أنا... مش عارفة جيتلك إزاي يا أونكل شامل! بعد اللي حصل بينك وبين أوس، كان المفروض أقطع علاقتي بيك... بس مقدرتش... بحبك زي دادي... ومش ممكن أزعل منك.

ضحك "شامل" بخفة، أومأ برأسه:

> يا حبيبتي... أنا والله ما عملت كده غير عشان خايف عليكي. كنت شايف الأمور بتجري وراكي... وأنا ماليش دخل. يلا، اقعدي هنا.

جلست "نيرفانا" بخفة، ووضعت حقيبتها على المقعد الآخر، بينما جلس "شامل" أمامها، مائلًا للأمام، عينه تبحث فيها:

> إنتي جيتي من المدرسة على هنا؟

> أيوة.

هز رأسه ببطء، ثم سأل بحذر:

> باباكي عارف إنك جيالي؟

هزت رأسها بالنفي، بصوت منخفض:

> لأ... جيتلك من وراه.

قطب "شامل" حاجبيه بدهشة ممزوجة بالسخرية:

> وجيتي من وراه ليه؟ مش المفروض إنك مش طايقاني؟

تنهدت "نيرفانا" تنهيدة طويلة، ثم رفعت عينيها نحوه:
> ــ "أونكل شامل... أنا جيت عشان نصالح... عشان عمتو يقين متزعلش منك... ومفيش غيرك يقدر يحل الموضوع ده."

> أنا عرفت إنك كنت هتطلب إيدي عمتو يقين للجواز... وأنا حاسة بالذنب. لو ماكنتش اتخانقت مع أوس، ماكانش حصل اللي حصل بينك وبين دادي... وعمتو يقين زعلانة... وأنا السبب.

ارتخت ملامحه قليلًا، وقد أدرك مغزى زيارتها. تنهد بعمق، وأسنَد ظهره للكرسي، صامتًا، بينما عقله يعمل على خطط جديدة.

ارتجفت عيناي "نيرفانا"، وهي تضغط على كفّيها برجاء:

> بليز يا أونكل شامل... ... مش عايزة أفرح وعمتو زعلانة. تعال معايا دلوقتي... وصالح دادي كمان مستنيك.

ابتسم "شامل" برقة مصطنعة، وأومأ:

> خلاص يا نيرفانا... هاجي معاكي، وهصالح عمتك... وأباركلك من قلبي... ومبروك مقدماً.

ابتسمت "نيرفانا" ابتسامة مشرقة، كأن همًا ثقيلاً قد زال.
نهض "شامل" ببطء، يلتقط سترته، ويرتديها بإتقان، وهو يفكر:

"الليلة دي هتكون بداية كل شيء... بداية السيطرة، بس بطعم العسل."

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
خرج الزعيم "شامل" إلى ساحة المواجهة كمن يخرج إلى جبل شاهق، يمشي بثبات الصخر وصلابة الجبال، كأنه لا يخشى سيفًا ولا يلتفت لصوت رصاص. ملامحه تحمل وقارَ ماضٍ ثقيل، وخطاه تعكس عزيمة رجل لم يُخلق إلا ليقود.

خلفه، رجال "رائد الذهبي"، الذين جاءوا وراء  "نيرفانا" كحراس خفيّين، لا يظهرون، لكن وجودهم وحده كفيل بفرض هيبة على أي خصم قبل أن تُرفع البنادق. تراصّت صفوفهم كأنما خُلقت للحرب، لا يرمش لهم جفن، ولا تميل لهم قامة.

رنّت إطارات سيارات القيادة على الإسفلت الرطب، صوتها خافت لكنه يحمل لغة النار في آذان من يعرفها، ومع كل دوران للعجلة، ازدادت هيبة المشهد وغموضه.

سيارة "العاصفة"، تلك التي لا يركبها أحد سواه، تحركت بثبات، ونيرفانا جلست بداخلها، كأنها قلب الطمأنينة وسط العاصفة. ضحكت ضحكتها التي تحمل بساطة غامضة، تعكس الاطمئنان، وكأنها تمحو تعب الأيام عن وجه "شامل".

التفتت إليه بعينين تحملان الثقة والحنان، فابتسم، ثم أشاح بعينيه، يحاول كبح أي أثر للحنين.

> ــ "إيه يا أونكل شامل؟ ساكت ليه؟ مش متعوداك كده.."

رد دون أن ينظر إليها، صوته هادئ، كأنه يحاور سحابة تمر فوق قلبه:

> ــ "ساكت عشان خايف أتكلم... ولو اتكلمت، أخاف أنسى نفسي."

ضحكت نيرفانا، ومدّت يدها لتعبث بأزرار المكيّف، وقالت بمرح:

> ــ "وأنا فاكرة إنك نسيت نفسك يوم ما ضربت أوس... كنت عامل راجل!"

رمقها "شامل" بنظرة سريعة، وفي عينيه بريق لم يستطع إخفاءه:

> ــ "أنا راجل، بس يوم ما وقفتِ قدّامي... حسّيت إني محتاج أعلم أوس الرجولة من الأول."

صمتت قليلاً، ثم قالت بهدوء يحمل عمق شعور غير ظاهر:

> ــ "عارف إنت رايح فين؟ رايح للموت مش تزور صاحبك."

هزّ رأسه، ثم أجاب:

> ــ "أنا ما بخافش من الموت... بس بخاف إنكم تموتوا من بعدي، من غيري."

نظرت نيرفانا من نافذة السيارة، ترقب الظلال التي ترافقهم، وقالت بشيء من القلق:

> ــ "حاسّة إن في حاجة كبيرة جاية..."

أجابها شامل، وعيناه مركّزتان على الطريق:

> ــ "وإحنا ليه فاكرين إن الكبير دايمًا بيخوف؟ يمكن اللي جاي يكون نهاية... أو بداية تانية."

في الخلف، رجال "رائد" يستعدون، يراجعون مواقعهم، الأسلحة تحت الجلابيب، والأعين لا تغفل عن شيء. أحدهم همس:

> ــ "أول ما الإشارة تيجي... إحنا جاهزون."

وهكذا، تحرك الركب نحو قدر لا يعرف الرجوع، ونيرفانا في قلب "شامل"، وشامل في مقدّمته، ورائد يخبئ الحرب في صدره، لكن عينيه... كانتا على أم العاصفة فقط.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
كان الغروب ينسكب على الأفق كأنه يسكب الذهب في كؤوس الغيم، والضوء البرتقالي يلوّن ستائر الغرفة بنغمة دافئة، تحمل إحساسًا بالموعِد المنتظر.

وقف "رائد" يتأمل زوجته "ليلى"، وقد انتهت لتوها من ترتيب فستانها، يمرر أصابعه على القماش برفق، يضبط انحناءه ويعدل خيطًا هنا أو هناك، ثم ابتسم قائلاً بصوت هادئ:

كده قمر... أحلى بكتير يا حبيبتي.

رمقته ليلى بنظرة جانبية، وابتسمت بسخرية خفيفة:

شكرًا!

فجأة، طرق الباب بخفة. فنادى رائد:

ادخـل!

دخلت "دادة غالية" وهي تلهث، وملامحها متوترة:

رائد بيه... نيرفانا وصلت ومعها شامل بيه!
فجأة، انفتح باب الغرفة بتؤدة، وظهر "شامل" يتبعه "نيرفانا"، وقفت على العتبة وكأنها نبتة برية اقتحمت عالم الكبار، عيناها تتلألأ بقرار شجاع، وقلبها يدق بسرعة، لكنها لم تتراجع.

تجمّد "رائد" في مكانه، عيناه تتسعان من الدهشة. لم يكن يتوقع أبدًا أن يرى "شامل" هنا، ومعه "نيرفانا" التي دخلت مفاجئة. قلبه خفق بسرعة، وعقله بدأ يركض بحثًا عن تفسير.

تقدمت "نيرفانا" بخطوات واثقة، نظرتها ثابتة على "شامل":

توقف "رائد" للحظة، صامتًا، كأنه لم يسمع صوتًا من قبل.
كانت المفاجأة واضحة على ملامحه: استغراب، اندهاش، وقليل من الغضب المختلط بالفضول.

"ليلي" وقفت في جانب الغرفة، وابتسامتها متلألئة، شعرت بالفخر تجاه "نيرفانا". فخورة لأنها شجاعة، وفخورة لأنها تصرفت بطريقة أكبر من والدها رائد، بطريقة ناضجة وحكيمة.

أنا جيت يا بابا! ومعايا شامل!

تجمّد رائد للحظة، وعيناه تتسعان من الفخر والدهشة، فيما اقتربت نيرفانا منه بسرعة، كأنها تشق الطريق بالعزيمة:

شوفوا... المفاجأة اللي عملتها دي!

تقدم "شامل" خطوة للأمام، وعيناه تلتمعان، لكنه لم يعلق، فقط نظر إلى "نيرفانا" وقال:

> ــ "مفاجأة... على فكرة، أنا متقدرش تتخيل قد إيه الكلام مع نيرفانا بيغير كل حاجة."

ابتسمت نيرفانا، دموع صغيرة تلمع في عينيها، ثم قالت بثقة:

> ــ "عارفة... بس أنا مش هسيب حد يتخانق أو يزعل عمتو... وعشان كده جبتك معايا دلوقتي."

رائد تراجع خطوة، شعر وكأن الأرض اختفت تحته، فكر في كل شيء: تحركات ليلي، قرار نيرفانا المفاجئ، وحضور شامل اللي يفرض كيان قوي في المكان كله.

ليلي اقتربت من نيرفانا قليلاً، همست بصوت منخفض:

> ــ "برافو عليكي... تصرفك ده... أحسن من أي حاجة كان رائد يعملها."

ابتسمت نيرفانا بخجل، لكنها شعرت بالرضا الداخلي.
الغرفة امتلأت بشحن عاطفي جديد: مزيج من الدهشة، الفخر، التوتر، والإعجاب المتبادل بين كل شخصية.

رائد جلس على طرف الكرسي، يفكر في كل خطوة، وكل كلمة نيرفانا، بينما ليلي تقف بجانبه، عيناها تتأملان المشهد، تشعر بأن الشجاعة ليست حكرًا على الرجال، وأن الفطنة والقوة ممكنة عند الجيل الجديد.

صمت طويل مرّ على الجميع، لكنه كان مليئًا بالإثارة، كل نظرة، كل حركة، وكل نفس يقول: هناك تغير... هناك بداية لمشهد جديد، لم يكن أحد يتوقعه، ولم تستطع أي خطة السيطرة عليه بالكامل.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

> ــ "أنطييي!"

التفتا فجأة. نيرفانا، ابنة رائد، كانت تهلل بفرح، تقفز خطواتها كأنها تعانق الغيوم. وخلفها، كان شامل يمشي ببطء، ابتسامته دافئة ومتحفظة في الوقت نفسه.

> ــ "شوفي، جبتلك معايا إيه؟!"

نظرت يقين إلى ابنة شقيقها ثم إلى شامل بدهشة ممزوجة بعاطفة:

> ــ "شامل؟! إنت جيت؟! أنا كنت جاية أرتّب كل حاجة للخطوبة... إيه اللي جابك هنا؟!"

أجابت نيرفانا بفرحة طفولية:

> ــ "أنا اللي روحت وجبته! قلت نعمل الخطوبة هنا ، وعرضت الفكرة على أونكل شامل، وهو وافق."

نظرت يقين إليهما بذهول، لا تصدق ما يحدث.

ابتسم شامل، ونظر إلى رائد بثقة:

> ــ "ما ينفعش أسيب صاحبي يقف لوحده في يوم زي ده... لازم أكون جمبه."

رائد لم يظهر عليه شيء، لكنه قال بنبرة هادئة:

> ــ "وأنا كنت واثق إنك هتيجي. أهلا بيك، يا شامل."

ردّ شامل بمودة:

> ــ "متشكر يا رائد... بس بصراحة، أنا جيت عشان يقين. النهارده، جاي أطلبها رسميًا... ويا ريت توافق. أنا لو لفيت العالم كله... مش هلاقي ست زي يقين."

ساد صمت ثقيل. رائد يفكك الموقف بعينيه، يحلل النبرات والعيون، يقرأ ما بين الكلمات. نظر إلى أخته، فرأى في عينيها رجاءً لم تشهده السنين. وفي وجه شامل، رأى صدقًا لا يقبل الشك، تواضع رجل جاء ليعتذر بالحب، لا بالكلام.

أخيرًا، قال برقة:

> ــ "لازم تعرف إني مش هلاقي لأختي راجل أحسن منك. أنا عارفك أكتر من نفسك يا شامل. ألف مبروك."

تهلل وجه شامل، واقترب ليعانقه:

> ــ "الله يبارك فيك يا رائد... يا خويا!"

ثم نظر رائد إلى أخته، وقال بابتسامة:

> ــ "مبروك، يا يقين."

أطرقت رأسها خجلًا، همست:

> ــ "الله يبارك فيك... يا رائد. شكرًا."

هتفت نيرفانا بفرح:

> ــ "أيوه كده! هكذا يبدأ الاحتفال!"

وانطلقت الضحكات، والقلوب الثلاثة تتنفس أخيرًا بعد سنين من الكتمان.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

ارتجف رائد للحظة، وعيناه تتسعان. نظراته تقرأ الدهشة والفخر في عيني ابنته:

يا رب...!

ابتسمت يقين، وعيناها تلمعان بالفخر والدموع:

يا رب... أنا فخورة بيكي أوي يا نيرفانا!

نيرفانا أمالت رأسها نحو والدها، وقالت بحماس:

أنا عايزة أوريكم إن ممكن أعمل حاجة صح... ومقدرتش أبدأ من غيركم.

ابتسم رائد، وأمسك بكتف ابنته قائلاً:

أنا شايف... وكلي فخر بيكي.

في الخارج، بدأت خطوات رجال العائلة تتقدم نحو الغرفة، حاملين الزهور والهدايا، والضوء البرتقالي ينعكس على وجوههم، بينما كانت ليلى تقف بجانب رائد، عيناها تلمع بالفخر والدهشة:

المفاجأة دي غيرت اليوم كله... وطلعت أحسن من أبوها رائد!

نيرفانا قفزت بفرح، وصرخت:

يلا نبدأ الاحتفال بقى!

شامل ابتسم، وأومأ برأسه:

كله جاهز... ومفيش حاجة توقفنا دلوقتي.

رفع رائد يده ليمسح ضوء الغروب عن وجهه، وقال:

أيوه... صفحة جديدة، بطعم الفخر والرضا.

وفي الخلف، كانت علبة السوار التي جهزها رائد تتلألأ على المنضدة، شاهدة على اللحظة التي جمعت الجميع بعد مبادرة نيرفانا، التي أثبتت للجميع أنها تستحق كل احترام وفخر، وأن حضور شامل كان المفتاح لصفحة جديدة من الحكاية.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
مع بزوغ ضوء الغروب الذهبي، بدأت خطوات الضيوف تتقدم نحو الغرفة، يحمل كل واحد منهم الزهور والهدايا، بينما نيرفانا تتأرجح بين الفرح والحماس. كانت عمتها يقين تتابع كل حركة لها بعينين لامعتين بالفخر، وابتسامة لا تفارق وجهها.

قالت نيرفانا بحماسة:

يلا يا عمتو... إحنا بدأنا المفاجأة الكبيرة!

ابتسم شامل، وأومأ برأسه:.

رائد، الذي كان يقف بجانب ليلى،  التفت إلى ليلى، وقال بابتسامة دافئة:

وشوفتي يا ليلى؟ حتى من غير ما نخطط، اللحظة دي طلعت أروع من كل توقعاتنا.

ليلى نظرت إلى المشهد، وعيناها تلمعان بالإعجاب والفخر:

فعلاً... نيرفانا طلعت أحسن من أبوها  يا رائد!

نيرفانا ضحكت بخفة، ثم ركضت نحو شامل، وأمسكت بيده بحماس:

يلا نبدأ الاحتفال بقى!

شامل ابتسم، وأشار إلى رائد قائلاً:

تعال، يا رائد... هنخلي اليوم ده ذكرى للجميع.

رائد تقدم خطوة، وعيناه تتفحصان كل شخص في الغرفة، لكنه لم يجد إلا وجوه سعيدة، نظرات كلها تقدير وفرح. اقترب من نيرفانا وضمها في حضنه، قائلاً:

مبروك، يا بنتي... انتي عملتي حاجة عظيمة.

نظرت يقين إلى ابنته، وقالت بدموع الفرح:

أنا فخورة بيكي أكتر من أي وقت... وشايفة إنك تستاهلي كل حاجة حلوة.

رفع شامل يده، وكأنما يعلن بدء الاحتفال:

يلا يا جماعة... الفرحة بتبدأ دلوقتي!

تداخلت ضحكات الجميع، وأصواتهم تعلو في الغرفة، فيما انعكس الضوء البرتقالي على الوجوه، مضيفًا لمسة من الدفء والسحر. نيرفانا كانت تتنقل بين العناق والابتسامات، ترى كل شخص يشاركها الفرحة، ويشاركها فخر العائلة بها.

ليلى وقفت قليلاً على الجانب، تراقب المشهد، ثم همست لنفسها:

المفاجأة دي فعلاً غيرت كل حاجة... ورغم التوتر اللي كان موجود قبل كده، النهارده كل شيء بيتلم على بعضه... والفرحة دي أحلى من أي شيء.

رائد أمسك يد ابنته مرة أخرى، وقال بصوت منخفض ولكنه مليء بالمشاعر:

الصفحة الجديدة دي... هتكون بداية لكل شيء جميل.

وعلى الطاولة، كانت علبة السوار تتلألأ، شاهدة على المبادرة الرائعة لنيرفانا، التي أثبتت للجميع أنها تستحق كل احترام وفخر، وأن حضور شامل كان المفتاح لصفحة جديدة من الحكاية.

---
كان المساء يسطع بأضواء الحفل، موسيقى خافتة تعانق أصوات الضحكات، والفوانيس المعلقة تنثر ألوانها على وجوه الحضور. "رائد" واقف وسط الناس بهيبته المعتادة، و"نيرفانا" على مقربة منه، ترتدي فستانًا بسيطًا لكنه يليق بها، فيما كانت "ليلى" تتحرك بخفة، ترحب بالمدعوين وتحرص أن تبقى الابتسامة على شفتيها.

فجأة... انقطع تيار الموسيقى للحظة قصيرة، تبعتها همهمة من الضيوف. لم ينتبه أحد لشيء غير عادي... لكن عين "شامل"، بحسّه الأمني، لاحظ ظلًّا غريبًا يتحرك عند أحد الأبواب الجانبية. اقترب بخطوات بطيئة، ثم تبادل نظرة حادة مع "رائد":
ــ "في حاجة مش مظبوطة، يا رائد."
ــ "خليك صاحي، يا شامل."

في لحظة خاطفة، لم ينتبه أحد إلا و"نيرفانا" اختفت من وسط الجمع. حقيبتها الصغيرة سقطت على الأرض بجوار المائدة. صوت "ليلى" علا مذعورًا:
ــ "رائد... نيرفانا فين؟!"

عمّت الفوضى. بعض الضيوف يهرولون ناحية الأبواب، والحراس يندفعون يتفقدون المكان.
"رائد" صرخ بنبرة زلزلت القاعة:
ــ "اقفلوا كل المخارج فورًا!"

اندفع شامل يركض باتجاه الكاميرات وغرفة المراقبة، بينما رائد شدّ ليلى من ذراعها:
ــ "ادخلي جوه متتحركيش... أنا هرجعها."

وهنا تبدأ اللحظة اللي يتحول فيها المشهد...
نيرفانا تُسحب من ممر جانبي مظلم، والرجل المقنّع يقودها بسرعة كأنه يعرف المكان. البنت تحاول تصرخ، لكنه يخنق صوتها بيده. ومع كل خطوة، كان قلبها بيقرع زي الطبول.

ومن بعيد، بينما الأمن يفتش أركان الفيلا، كانت نيرفانا بعقلها الصغير تدبّر:
ــ "لازم أهرب... لازم أكون أسرع منه."

تعليقات