رواية قلب السلطة الفصل الثلاثون
كان العالم خارج الفيلا يعجّ بالاضطراب؛ سيارات الأمن تجوب الشوارع كما لو كانت موجة عاتية، وأجهزة اللاسلكي تموج بالأوامر المتلاحقة:
"فرقة A تتولى الجهة الشرقية!"
"فرقة B تفحص المخارج الخلفية!"
"الإشارة من الهاتف بدأت تتحرك!"
وقف رائد إلى جانب شامل، عينيه تتتبعان كل حركة على شاشات المراقبة، وجهه صارم، لكنه بدا مشتعلاً داخليًا بمزيج من الخوف والحزم:
ــ "شامل… اقفل كل المخارج فورًا. مش هسيب أي حد يهرب من هنا."
ــ "تمام يا رائد… كل حاجة تحت السيطرة."
أما نيرفانا، فبرغم خوفها، لم تسمح له أن يسيطر عليها. كانت تحرك قدميها بحذر، وتراقب الرجل المقنع الذي يقودها نحو الممر المظلم:
ــ "لازم أهرب… لازم أكون أسرع منه… ركزي يا نيرفانا، ركزي."
عادت ليلى لتقف بجانب رائد وشامل أمام شاشات المراقبة، يداها تقبضان على ذراع رائد، وعيناها تلمع بالقلق:
ــ "رائد… هي لسه في البيت … لازم ندخل بسرعة!"
رد رائد بنبرة حازمة لا تقبل التأجيل:
ــ "أنا داخل… وهنرجعها…
قفز شامل إلى جانبه، مستعدًا لأي مواجهة، بينما كانت خطوات رائد على الدرج قوية، كأن الأرض تهتز تحت قدميه، وقلبه يضطرب بمزيج من الخوف والعزم.
وفي لحظة حرجة، أطلّت نيرفانا من الباب الصغير، تراجعت خطوة، ثم جمعت شجاعتها وركضت بخفة نحو سلم الطوارئ الذي لا يعرفه إلا الحراس والعائلة.
رائد شاهدها، اتسعت عيناه، وخرج صوته حاملاً الحزم:
ــ "نيرفانا…!"
ركض إليها، وشامل بجانبه، ليحتضنا الفتاة قبل أن يلحَق بها الرجل المقنع. ابتسمت نيرفانا، ودموعها تلمع، شعور بالانتصار يغمرها:
ــ "قدرت… أنا هربت!"
شدّها رائد بحذر، فيما كانت ليلى تتابعهم بعينين مليئتين بالاعتزاز:
ــ "شوف… بنتنا… أفضل من أي حد توقعه."
عاد شامل إلى جانبه، وابتسامة خفية ترتسم على وجهه:
ــ "الليلة دي… بنتك علمتنا درس كبير في الشجاعة."
وخفتت الأصوات المحيطة شيئًا فشيئًا، لكن رائد ظل يقظًا، مراقبًا كل حركة، مطمئنًا إلى أن العائلة، مهما تكالبت عليها الصعاب، ستظل متماسكة.
بعد لحظات، اقترب رائد من نيرفانا، وركع أمامها وهو يبتسم بخفة:
ــ "تمام… انتِ شجاعة أكتر مما اتخيلت. بس مش هسيبك لوحدك تاني."
نيرفانا ضحكت بخفة، ثم احتضنته:
ــ "أيوه… وأنا كمان مش هسيبك… بس كنت عايزة أثبتلك إني أقدر."
ليلى اقتربت، وضعت يدها على كتف رائد بحنان:
ــ "ده اللي بيميزكم… الشجاعة والصبر… والليلة دي هتفضل في دماغنا كلنا."
رائد نظر إليهما، وابتسامة خفيفة ارتسمت على وجهه، لكنه ظل يقظًا، يعرف أن الليلة لم تنتهِ بعد، وأن أي لحظة قد تأتي فيها صدمة جديدة… لكنه كان مستعدًا، دائمًا.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
بعد أن استعاد رائد نيرفانا، لم تهدأ المخاوف، بل ازدادت يقظة الجميع. أصوات السيارات في الخارج كانت تتعالى، واللافتات الأمنية تضئ بخطوات متسارعة.
ــ "شامل… لازم نعرف مين ورا ده… لازم نفك لغز اللي حصل."
ــ "تمام يا رائد … أنا حاطط عين على كل حاجة."
هدأت الأصوات قليلًا، لكن التوتر مازال يخيّم على المكان. رائد وقف عند نيرفانا، عيناه تتفقدان كل زاوية، كأن كل حركة قد تخفي خطرًا جديدًا.
ــ "قوليلي… مين اللي خطفك؟" سألها وهو يحاول كبح غضبه.
ــ "مش عارفة… كان مقنع… بس واضح إنه يعرف المكان كويس…" ردت نيرفانا بصوت مرتعش، تحاول السيطرة على خوفها.
ليلى اقتربت، وحاولت تهدئها:
ــ "ما تقلقيش… إحنا معاك… محدش هيقدر يضرّك."
رائد التفت لشامل، عينيه حادتان:
ــ "شامل… محتاجين خطة واضحة… ده مش هجوم عادي… في حد عايز يختبرنا."
ــ "تمام يا رائد … أنا حاطط عين على كل حاجة… والمخارج مقفولة."
نيرفانا أزاحت يدها من بين يدي رائد، ونظرت له بعينين مليئتين بالعزم:
ــ "مش عايزة أقعد متفرجة… لو حصل أي حاجة، أنا هساعد."
ــ "بجد؟" قال رائد وهو يبتسم بخفة، رغم الجدية في عينيه،
نيرفانا، رغم ارتجافها من الخوف، شعرت بقوة جديدة تدفعها للثبات:
ــ "مش هسيبه يهرب… لازم أكون ذكية أكتر منه."
رائد التفت إليها بابتسامة خفيفة، يحاول أن يخفف عنها التوتر:
ــ "خدي نفس… كل حاجة هتكون تمام… أنا جنبك."
في تلك اللحظة، ظهر الرجل المقنع مجددًا عند إحدى النوافذ العالية، يختفي ويظهر بين الظلال، وكأنّه يلعب معهم لعبة قط والفأر.
"رائد … فيه حد بيحاول يدخل من ورا!"
رائد قبض على كتف ليلى وهو يوجه نظراته الحازمة لكل من حوله:
ــ "اقفلوا كل المداخل… ومحدش يتحرك من مكانه… على طول."
ــ "شوفته؟" قال شامل، وهو يشير باتجاه الظل.
ــ "أيوه… هو بيحاول يربكنا… مش هنسيبه يفلت." قال رائد بعزم،
ثم أشار لنيرفانا: "وريني إنتِ إزاي هتكوني أسرع منه المرة دي."
تمام… بس خليك ورايا… أي خطوة غلط… ممكن تبقي خطيرة."
نيرفانا ابتسمت بخفة، ثم ركضت بهدوء نحو ممر جانبي صغير، تستفيد من كل زاوية وممر خفي تعرفه منذ أيام.
رائد تبعها، وشامل يراقب كل حركة الرجل المقنع، يحاول التنبؤ بخطوته القادمة.
في الداخل، حاول الرجل المقنع التسلل مجددًا، لكن نيرفانا كانت أكثر يقظة هذه المرة. تذكرت الممرات الصغيرة التي عرفتها منذ أيام، وبدأت تخطط لهروب سريع:
ــ "لو جربت دلوقتي… أقدر أطلعه… مش هاخليه يهرب."
ركضت نحو السلم الداخلي، ورائد وشامل يتبعانها بخطوات متسارعة، يعيشان نفس الرعب والإثارة:
ــ "نيرفانا… ارجعي !" صرخ رائد.
وصلت نيرفانا إلى ممر الطوارئ، لكنها توقفت للحظة، تلتقط أنفاسها، وترى الرجل المقنع يقترب بسرعة:
ــ "لازم أكون أسرع… لو وقفت دلوقتي… كل حاجة راحت!"
ــ "مش مصدق… البنت دي ذكية أكتر من ما توقعت!" قال شامل لنفسه، وهو يبتسم بخفة.
ــ "ذكاؤها مش كفاية لو ما كناش جنبها… إحنا فريق واحد." رد رائد بنبرة حازمة، عينه لا تفارق الظلال حول الفيلا.
وفي لحظة حرجة، حاول الرجل المقنع الوصول إلى الممر الصغير الذي تسللت فيه نيرفانا، لكن رائد كان أسرع، أمسكه من خلفه،
قفز رائد أمام الرجل المقنع في محاولة لإيقافه، وصاح:
ــ "وقف! مش هتمشي من هنا!"
وصاحت ليلى:
ــ "امسكوه! ما تخلوهوش يفلت!"
بدأت مواجهة قصيرة ومتوترة، أصوات الحركة تتقاطع مع أصوات صراخ نيرفانا،
الرجل المقنع حاول الرد، لكن شامل تدخل بسرعة، قبض عليه بحزم، والقتال بينهما كان قصيرًا، مليئًا بالقوة والإصرار،
لكن سرعان ما تمكن رائد وشامل من السيطرة على الرجل المقنع وتسليمه لفريق الأمن.
نيرفانا وقفت، عينيها تلمعان بالفخر والارتياح:
ــ "مش صدقت… أنا عملت اللي كنت خايفة منه."
رائد اقترب منها، وبص لها بابتسامة دافئة:
ــ "شفتِ؟ كل حاجة بتنجح لما يكون عندك شجاعة… والمرة الجاية، هتكوني أسرع."
ليلى ضحكت بخفة، وضعت يدها على كتفها:
ــ "أنا فخورة بيكي… ده اللي بنسميه شجاعة حقيقية."
ابتسم رائد وشامل لبعضهما البعض، لكن العيون لم تفارق كل زاوية في الفيلا. كان واضحًا أن هذه الليلة لم تنته بعد، وأن أي خطوة غير محسوبة قد تعيد التوتر من جديد.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
كان الظلام يكسو زوايا الفيلا، وقلوب رائد وشامل وليلى لا تهدأ. بعد ليلة الهروب الأخيرة لنيرفانا، بدأ القلق يزداد على يقين، التي لم تُرى منذ ساعة.
ــ "فين يقين؟" صرخ رائد، صوته يهتز بالغضب والخوف.
ــ "مش شايفها في أي حتة… كل الممرات اتفتشت… ولا أثر لها!" رد شامل، عيناه تتحركان بين الظلال بحذر.
في هذه اللحظة، رن صوت خافت من زاوية الغرفة. ليلى ركضت لتجد يقين مدرج على الأرض، رأسها يقطر دمًا، عينيها مغلقتين، وكأنها فقدت الوعي.
رائد حملها بسرعة، قلبه يقرع بشدة:
ــ "يا رب… يا قلبي… إيه اللي حصل؟"
شامل اقترب، صوته صارم:
ــ "واضح حد ضربها علي راسها… وجرجرها… وده اللي خلاها تختفي كده فجأة."
ليلى ضغطت على يديها، عيناها تلمع بالقلق:
ــ "لازم نطمن عليها بسرعة… ده مش طبيعي."
بعد دقائق، بدأت يقين تفوق ببطء، نظراتها تتجمع شيئًا فشيئًا، وعيناها تبحث عن من حولها:
ــ "فين أنا؟ إيه اللي حصل؟" همست ضعيفة.
رائد ابتسم بحذر، وهو يحملها:
ــ "تمام… خلاص… إحنا هنا… مفيش حاجة تقلقك دلوقتي."
وفي الصباح التالي، ذهبت ليلى لتطمئن على يقين، فتذكرت الحادثة التي شهدتها الليلة الماضية:
ــ "تقريبًا الراجل المقنع… اللي حاول يخطف نيرفانا… هو اللي عمل ده؟"
بقيت يقين وليلى وحدهما في الصمت الغامض للفيلا. رأس يقين ما زال يقطر دمًا بخفة، لكنها بدأت تتجمع قواها شيئًا فشيئًا. رفعت يدها ببطء وأخرجت الملف الذي وقع من يد الرجل المقنع أثناء محاولته اختطاف نيرفانا.
ــ "ليلى… خدِي الملف ده، ده كل اللي قدر أقفله من اللي وقع منه." قالت يقين بصوت ضعيف لكنه مليء بالعزم.
ليلى قبضت على الملف بحذر، عينها تلمع بالفضول والخوف معًا:
ــ "إيه ده… يعني كل اللي حصل الليلة… كان جزء من خطة أكبر؟"
يقين هزت رأسها ببطء:
ــ "أيوه… ده مش مجرد تهديد… اللي ورا ده لعب كبيرة… وده كل دليل قدرنا نمسكه قبل ما يختفي."
ليلى ضغطت على يدها، حاولت تمسك هدوءها:
ــ "طب وإحنا دلوقتي نعمل إيه؟ نفك الرموز دي ولا نديها لرائد؟"
يقين ابتسمت بخفة، عينها مليانة تصميم:
ــ "مفيش داعي دلوقتي… خليها معايا… لو فهمتي الرموز والملف ده، هتعرفي مين ورا كل حاجة… مين اللي حاول يخطف نيرفانا."
ليلى نظرت للملف مرة ثانية، ثم رفعت رأسها بعزم:
ــ "تمام… يبقى هنعرف كل حاجة، ونقف كل لعبة قبل ما أي حد يلحقنا تاني."
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
من بين كل ما كانت ليلى تتخيل أنه قد يحدث في حياتها ــ من خيبات وسخريات قدر ــ لم يخطر ببالها يومًا أن تشهد هذا بعينها. لقد كان المشهد أمامها كصفعة باردة على وجه توقعاتها، صفعة لم تُفزعها، بل أكّدت لها أن حدسها القديم لم يَخِبْ.
رفعت ليلى يدها لتتلمس الملف الذي سلمته لها يقين، قلبها يخفق بسرعة. كانت الأوراق داخله صادمة: مستندات تكشف شبكة غسيل أموال مرتبطة مباشرة بمحاولة اختطاف نيرفانا، وأسماء وشخصيات لم تتوقع أن يكونوا وراء كل هذه اللعبة.
ــ "مش معقول… كل ده؟" همست ليلى، عينيها تلمعان بالدهشة والخوف.
يقين، التي وقفت بجانبها، نظرت إليها بعينين حازمتين:
ــ "أيوه… كل اللي حصل الليلة… ده كله خيط صغير في شبكة أكبر… ومين يعرف، يمكن ده اللي يخلينا نوقف اللعبة قبل ما حد يلحق أي حد تاني."
ليلى أمسكت بالملف، قلبها يملؤه مزيج من الغضب والفضول:
ــ "يعني… كل الحكاية كانت مخطط ليها؟ ومحاولة اختطاف نيرفانا… جزء منها؟"
يقين أومأت برأسها ببطء:
ــ "أيوه… ومين كان واقف جنبنا، وحاول يخلي رائد يشوف حاجة أو يضيع الوقت… لازم نكون أذكى منه دلوقتي."
ليلى تنهدت، صوتها صار أشبه بالهمس:
ــ "أنا عملت اللي عليّا… وأنا هفضل أراقب من بعيد… أي خطوة غلط منه… إحنا اللي هنقفلها."
رفعت يقين يدها، وأمسكت بذراع ليلى بخفة:
ــ "خلي بالك… أي تحرّك في اللحظة دي لازم يكون محسوب… ده مش وقت المغامرة."
ليلى ابتسمت ابتسامة قصيرة، لكنها كانت مرة قليلاً:
ــ "تمام… أنا فاهمة… والملف ده… هيفتح لنا الطريق نفهم مين ورا كل ده."
جلست ليلى بعد ذلك أمام نافذة غرفتها، الريح تصفر خارجًا، أوراق الشجر تتطاير، والملف مفتوح أمامها على الطاولة. شعرت أن كل شيء تغير في لحظة: لم تكن هي نفسها اللي قبل شهور، هذه امرأة تعرف حجم اللعبة الآن، وحجم الخطر، لكنها مستعدة تواجهه.
ــ "كنت فاكرة إن لو قربت منه هشوف الحقيقة… لكن الحقيقة؟ كنت واقفة جنب هاوية… وبصيت لتحت… وما لقيتش غيري."
وضعت الملف جانبًا، التقطت هاتفها لكتابة رسالة، لكنها توقفت، علمًا منها أن الكلمات لن توفي حجم ما يختلج في صدرها.
وفي الخارج، كانت العاصفة تهدر، وكأن الطبيعة نفسها تحاول أن تؤكد على أن الفصل الماضي انتهى، وأن فصلًا جديدًا على وشك أن يبدأ… مليء بالألغاز والمواجهة الحقيقية مع الرجل المقنع.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
جلس الجميع حول الطاولة في قسم الشرطة، الجو متوتر، وأصوات الأقلام تكتب بسرعة على الأوراق. أمامهم، الرجل المقنع مقيد اليدين، وجهه ما زال مخفيًا تحت القناع، لكن توتره كان واضحًا في كل حركة.
رائد جلس مقابله مباشرة، عيناه لا تفارقان المشتبه به، ويداه مضمومتان بحزم على الطاولة. شامل واقف بجانبه، يراقب كل تحرك بعين خبيرة.
قال المحضر بصوت رسمي:
ــ "حضراتكم، المحضر يبدأ الآن. كل كلمة هنا هتسجل رسميًا."
رائد أمال جسده للأمام وقال بنبرة صارمة:
ــ "احكي كل حاجة دلوقتي… كل خطوة وكل حاجة حصلت في محاولة الاختطاف."
الرجل المقنع رفع رأسه ببطء، صوته متردد:
ــ "تمام… أنا كنت مخطط… كنت عايز آخد البنت… بس حصلت مشكلة… ماكنتش متوقع إنها تحصل."
شامل ضغط على كتفه وقال له بصوت هادئ صارم:
ــ "وضح كل التفاصيل، مفيش مكان للهروب دلوقتي."
الرجل المقنع ابتلع ريقه، ثم بدأ يعترف بصوت منخفض لكنه واضح:
ــ "دخلت من الشباك… ومعايا مسدس… حاولت أمنعها تصرخ… غمّضت عيونها… وبعد كده ضربت البنت اللي كانت معاها على راسها بكعب السلاح… ده كله… ده اللي حصل."
رائد ضيق عينيه، صوته صار أقوى:
ــ "يعني ده كل اللي عملته؟! عارف إن كل كلمة بتقولها دلوقتي هتسجل ضدك؟!"
الرجل المقنع أومأ برأسه بتوتر:
ــ "عارف… ومش هكذب… كنت فاكر اللعبة هتمشي بدون مشاكل… بس كل حاجة خرجت عن السيطرة."
شامل اقترب منه وقال بهدوء صارم:
ــ "يبقى الكلام اللي قولته دلوقتي كله رسمي… وأي محاولة تكذيب أو تهرب بعد كده هتكون ضدك مباشرة قدام القانون."
الرجل المقنع أطبق صمتًا، كأنه بدأ يستوعب حجم خطأه، بينما رائد ينظر إليه بعينين مشتعلة بالغضب والحزم، وشامل بجانبه، ثابت كالصخر، يراقب كل حركة، متأكدين أن الاعتراف ده هو بداية العدالة.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
جلس الرجل المقنّع منكّس الرأس، أنفاسه متقطّعة، وصوت الأقلام لا يزال يكتب. رائد ما زال مثبتًا نظره عليه، لم يكتفِ بما سمع، فاندفع بصوتٍ حادٍّ:
ــ "طيب قوللي… إيه الدافع؟ ليه خطفت نيرفانا؟ ليه بنتي بالذات؟!"
رفع الرجل عينيه المرتبكتين، صوته متلعثم:
ــ "مش أنا اللي اخترت… أنا مأجور. في ناس دفعتلي عشان أنفّذ العملية… وأنا وافقت."
شامل تدخّل بنبرة عملية وهو يوجّه الحديث للمحقق:
ــ "سجّل يا باشا: المشتبه به أقرّ إن العملية مدفوعة الأجر، وإنه مأجور من طرف آخر."
لكن رائد لم يتركه، انحنى للأمام، صوته يجلجل بالغضب:
ــ "مين؟! مين اللي جابك؟!"
الرجل المقنّع ابتلع ريقه، ثم قال بتردّد:
ــ "ماعرفش اسمه… شخص ماورّانيش وشه… كان بيتواصل معايا من تليفون مجهول… بس كان واضح إنه عارف كل حاجة عن البيت، عن بنتك، عن كل التفاصيل."
المحقق رفع حاجبه وسأل:
ــ "يعني كان فيه طرف تالت مجهول هو اللي خطّط؟"
الرجل المقنّع أومأ برأسه:
ــ "أيوه… أنا كنت مجرد أداة… وأنا… ندمان."
رائد ضرب الطاولة بقبضته، عينيه مشتعلة:
ــ "ندمان؟! ندمك مش هيفيدني بحاجة! لو جرالها حاجة… كنت هتدفع التمن بدمك!"
شامل وضع يده على كتف رائد، كأنه يكبح غضبه، وقال بنبرة هادئة حازمة:
ــ "خلاص يا رائد… أخدنا اللي نحتاجه. دلوقتي الدور على التحقيق يكمل."
المحقق أغلق الملف أمامه وقال رسميًا:
ــ "الاعتراف اتسجّل بالكامل… والتحقيق هيتفتح في هوية المحرّض. تقدروا تنصرفوا دلوقتي."
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
خرج رائد من مكتب التحقيق، خطواته سريعة وعصبية، بينما كان شامل بجواره يحاول تهدئته:
ــ "خلاص يا رائد، الراجل اعترف، وهما هيمسكوا الخيط لحد ما يوصلوا للمحرّض."
لكن رائد لم يرد. وقف عند باب القسم لحظة، نظر أمامه بعينين مشتعلة، ثم التفت فجأة ورجع بخطوات حاسمة.
ــ "رايح فين؟" سأل شامل بدهشة.
رائد بصوت غليظ:
ــ "هكلم الزفت لوحدي."
ــ "إيه؟! إنت جننت؟ ده محضر رسمي، و…"
قاطع رائد أخاه، عينيه تقدحان شررًا:
ــ "أنا مش هستنى تحقيقاتهم البطيئة… أنا عايز أعرف دلوقتي مين اللي دفع له!"
دخل رائد مكتب التحقيق من جديد، وبعد نقاش قصير مع الضابط، أُذن له بلقاء المتهم على انفراد لدقائق.
جلس الرجل المقنّع مكبّل اليدين، رفع رأسه بدهشة وهو يرى رائد يدخل وحده.
اقترب منه رائد ببطء، صوته خافت لكنه حاد كالنصل:
ــ "بص يا ابن الناس… المحضر ده أنا أقدر أخليه يدفنك في السجن، وأقدر في نفس الوقت أدفنه هو… وأنت تطلع كأنك ما عملتش حاجة. القرار عندك دلوقتي."
المتهم نظر له بارتباك، لم يصدّق أذنيه:
ــ "يعني… إيه؟!"
رائد انحنى أكثر، يهمس بلهجة صارمة:
ــ "عايز تعرف إيه؟ عايزني أتنازل؟ أهو… في مقابل حاجة واحدة بس: تقولي مين اللي أجّرك. اسمه… شكله… أي حاجة توصّلني له. غير كده… هتتعفن هنا، ومش هتشوف النور تاني."
المتهم بلع ريقه، عيناه تهربان من مواجهة رائد. ظل صامتًا لحظات، حتى علا صوته المرتجف:
ــ "هو… شخص واحد… بس لو قلتلك اسمه… حياتي هتخلص قبل ما أخرج من هنا."
رائد ضرب الطاولة بقبضته، اقترَب أكثر، عيناه تثبتان في عينيه كأنهما يفتشانه من الداخل:
ــ "حياتك خلصانة كده كده… القرار عندك: تموت ببطء هنا… ولا تقول وتاخد فرصة تنجو."
ارتجف صدر المتهم، كأنه عالق بين شبحين: سجن يبتلعه… أو محرّض غامض يطارده.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
الرجل المقنَّع ظلّ متردِّدًا، وجهه يتحول بين الشحوب والخوف، كأنما يقف على حافة قرارٍ يحسب له ألف حساب. رائد مدَّ له نظرًا قاطعًا، صوته منخفض لكنه لا يحتمل المراوغة:
ــ "قول وبلاش لعب. اسم واحد، مكان، أي حاجة توصّلني له."
تنهد الرجل طويلًا، ثم نفخ في أنفاسه، كمن يحرّر نفسه من عقدةٍ قديمة، وقال بصوتٍ مسموع أخيرًا:
ــ "اسمه… أمين. أمين الخَشِن."
تجمعت النظرات في الغرفة كلها. رائد تَصاعَدت نبضاته، ولكن شبهَ ابتسامةٍ قاسية مرّت على شفتيه:
ــ "أمين مين؟ عايز اسم، شغل، تليفون، أي حاجة."
الرجل أغلق عينيه للحظة، ثم بدأ يردّ متقطّعًا، كمن يسرد ورقةً تورّطته:
ــ "أمين صاحب شركة استيراد وتصدير… له مكاتب في برج النخيل عند الكورنيش. بيتحرك دايمًا بعربية فورد سوداء، لو تعرفوا رقم اللوحة هتلاقوه: ٢٣٥٤ ب ع. هو اللي جهز العملية، حدّده الأماكن، واداني رقم تليفون متلِك: رقم اشتغل من خلاله… كان بيتواصل معايا من خلال شريحتين وكل شريحة بتشتري بشفرة. وقالّي: «خد الفلوس وخلّ الباقي علينا». ودفعلي مقدم… وكان دايمًا بيقول: إحنا بنشتغل لناس كبار، ما تتسألش ولا تسأل اللي حواليك."
رائد كاد يردّ بصوت انفجار، لكنه كبح نفسه، أطلق زمجرة منخفضة بدل كلمات:
ــ "برج النخيل؟ رقم العربية؟ رقم الشريحة؟ الكلام ده كفاية."
الرجل رجف، كفاه يتهدّده خوفٌ آخر، لكنه أكمل بتلعثم:
ــ "أمين كان بيجتمع في مقهى 'الرمح' جنب البرج… دا المكان اللي التقيته فيه قبل العملية. وكان دايمًا معاه واحد طويل، لابس جاكيت رمادي، دا اللي دايمًا بيبقى مسؤول عن التنظيم الميداني. وأنا… كنت بس أداة، كنت ما أعملش غير اللي يقولوهلي."
صمتٌ قَصِير، ثم همس الرجل بصوتٍ أوهن:
ــ "وأمين… كان دايمًا يقولي: لو حصل أي مشكلة، احرق كل الأدلة وامسح أي حاجة عنك. بس و انا بخطف البنت كان في واحدة عايزة تبوظ خطتي ضربتها علي رأسها وقع الملف مني لما عدّيتني الفلوس قلت هعمل اللي عليا… ماكنتش عارف إنهم هيوصّلوا الأمور لكده."
في حاجه تانية كل ده كان بسبب واحدة من أهل بيتك بس محدش قالي اسمها ايه
رائد فعلًا لم يحدثه عن الرحمة. لكنه أخفى انفعاله خلف هدوءٍ جليدي؛ نبرة صوته حين ردّ كانت قطعية:
ــ "أمين… برج النخيل… مقهى الرمح… العربية فورد سوداء. آخر حاجة: الشريحة اللي اتكلمت بيها، تقدر تحددلي رقمها؟"
الرجل نهش شفه بخوف، ثم همس بأرقامٍ متقطعةٍ أعطاها للمحضر، فدونها الضابط بدقّة. شامل لم يجد داعيًا للتردّد؛ تحرّكه كان فوريًا نحو رائد، همس له في أذنٍ حازمة:
ــ "يا رائد … نتحرّك حالًا. أبلغ الأمن بتأمين البرج، وخلّي حد يطلع قائمة بالمشاهِد والكاميرات اللي حوالينا. ما نضيعش لحظة."
رائد رمق الرجل المقنّع نظرة أخيرة، ثم نهض ببطء كأنما يخرج من غيمة غضبٍ لتوّها هدأت:
ــ "حاضر. واللي يتأخر هيتحمّل اللي جاي."
خرج رائد وشامل من غرفة المحضر وقد تغيّر المزاج في وجهيهما: لا نصر كامل، لكن عتبة بداية تحقيقٍ أكبر. خلفهم بقي الرجل المقنّع، مكسورًا وموثّقًا، وقد بَلَغ اعترافه نقطة انطلاقٍ لنقطةٍ أخرى — أمين، الاسم الذي قد يفتح بابًا كان مُحكمًا بغلقه طويلاً.
*******
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في الطابق العلوي، حيث يختنق الصمت، وتبدو الأصوات الصغيرة كأنها صرخاتٍ من زمنٍ بعيد، كانت الغرفة تضمُّ الآن رائد ويقين وليلى، والجوّ يئنّ بثقلٍ لا يُحتمل.
دخل رائد من الباب، وجهه محمّىٌ بما تبقّى من غضبِ الليل وأرقِه، عيناه لهيبٌ لا يخمد. ما إن استدار حتى وجّه بصره إلى ليلى، فنبضٌ ساخنٌ جمد في حلقها، وابتلعت ريقها بصعوبة.
قبل أن تُدرك ما يحدث، امسك بمعصمها بقوةٍ صارخة، وجذبها من مكانها بعنفٍ جعلها تتعثّر وتكاد تسقط. جرّها خلفه خطواتٍ متسارعة حتى وصل إلى باب غرفته؛ فتحه بضربةٍ دفعت بها إلى الداخل، فارتطمت بجسده المضادّ للألم.
رقدت على الأرض لحظةً، تخرج منها أناتٌ خفية، ثم رفعها رائد من ذراعها كأنه لا يملك صبرًا لانتظار الكلمات. دفعها لتواجهه، فالتقيا وجهًا لوجه. كانت عيناهما حارقتين كجمرةٍ مستعرة، ونبرته صاعقة:
ــ "إنتِ كنتِ بتقوليلي إيه قبل ما نطلع؟!"
حاولت ليلى أن تجد صوتًا يطفئ لهيب الاعتراضيَّة، فردّت مرتعشة:
ــ "مش فاهمة قصدك إيه!"
اقترب رائد أكثر، وضاقت عيناهان:
ــ "وَعِزّة جلال الله… لو طلعت عنك كلمة في اللي حصل! لو طلعت إن إيدك فيها وحِبِيتِ تسكتي، ما تعرفيش أنا هاعملك إيه! مش هسيبلك أثر، ولا لحد من أهلك!"
ارتجفت أوصالها، وصار صوتها بالكاد يُسمع:
ــ "والله ما أعرف حاجة… أنا معاك على طول… شوفتني طلعت؟ شوفتني كلمت حد؟"
ردّ رائد بصوتٍ ثقيل، كأنّه يخذل الكلمات الأخيرة التي تبقّى له أن يقولها:
ــ " هتشوفي مني اللي ما يتخيّلوش إبن حرام يعمله في واحدة. شكله ده آخر خطّ بينا يا ليلى."
دام صمتٌ ثقيلاً للحظة، كأنما الهواء نفسه يترقّب الانفجار التالي. يقين كانت واقفة على مسافةٍ قصيرة، عينها لا تفارق رائد، ونبرةُ صوتها حين نطقت كانت محاولة لتهدئة لهبٍ يوشك أن يحرقهم جميعًا:
ــ "يا رائد… اهدا شوية. إحنا مش هنستفيد من كلمة تطلع الغلط دلوقتي. اسمعني… كل حاجة محتاجة تصرف بعقل، مش بالضرب والتهديد."ليلي كانت عايزة اقولك علي الملف اللي وقع منك اللي كان عايز يخطف نيرفانا
رائد التفت إليها، بريقٌ من الألم والحيرة عبر وجهه للحظة، ثم عاد وقال بنبرةٍ أخفّ لكنها لازالت حادة:
ــ "أنا خايف… خايف على بنتي. الكلام اللي جاي من المحضر ومن الأدلة… كل ده وجّعني. ومش هاحِب أشوف غشّ أو لعب في بيتنا."
ليلى خرّت على صدرها، دموعها تختلط بصمتٍ مُذعِب، ووجنتاها تحترقان من كرامةٍ مسلوبة. لم تكن تملك إجابة تزيل الخوف من قلب رائد، ولا تملك قوةً تدمج الكلمات لتبرئ نفسها أمام رائد الذي صار يراها أحيانًا كمصدر للغموض والخطر.
ثم أخذ رائد نفسًا عميقًا، وكأنّ فورة غضبه قد استنزفته قليلاً، فأمال رأسه إلى الوراء وقال بصوتٍ مبحوح:
ــ "اسمعوني… كل واحد فينا دلوقتي لازم يثبت مكانه. اللي عايز يبين الحقيقة، يبتدي يشتغل من غير مهاترات. عايز أعرف الحقيقة قبل ما أخسر بنتي."
ابتلعت يقين غبار صمتٍ آخر، ونظراتها توقظت بحزم:
ــ "حاضر… إحنا هنقطع كل الطريق قدام مين لعب بينا. بس الحق ما يطلّعش بالعنف."
وغاب التوتر ببطء عن الغرفة، ليس لأن الخطر زال، ولكن لأن الجميع، بطريقةٍ مرهَقة، فهم أن اللحظة تتطلّب تخطيطًا لا غضبًا. ومع ذلك ظل أثر اليد على معصم ليلى، أثرٌ لا يُمحى سريعًا، يذكّرهم أن الليلة جمّعتهم على حافة فتنةٍ أكبر من كل واحدٍ منهم.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
إلى جوار القصر، في مكانٍ يبتلع الظلام معالمه، توقّفت سيارة سوداء فارهة، بابها الخلفي انفتح بحدة، ونزل منها "رائد الذهبي". كان الغضب يتفجّر من عينيه كبركان محبوس، وخطواته ترسل رجع صدى في الفراغ.
اقترب منه أحد رجاله متردّدًا:
– يا باشا... الوضع كله تحت السيطرة، والراجل جبناه بالفعل.
توقف "رائد"، التفت نحوه بنظرة باردة، وقال:
– تحت السيطرة؟ أنا لحد دلوقتي مش عارف مين اللي وراه... يبقى مفيش حاجة تحت السيطرة.
ابتلع الرجل ريقه، محاولًا تهدئته:
– طيب حضرتك تدخل دلوقتي تشوفه بنفسك؟
أشعل "رائد" سيجارة، وأجاب بصوت منخفض لكن حاد:
– أيوه... دلوقتي حالًا. لو في كلمة هتتقال، أنا اللي هسمعها منه...
ثم أكمل، كأنه يخاطب نفسه أكثر من رجاله:
– مش هسيب حد يمد إيده على نيرفانا ويمشي عادي... أيًّا كان اللي وراه.
وفتح الباب بخطوة ثابتة، متجهًا إلى الداخل، حيث كان ينتظره المدعو امين
