اسكريبت الطيف الذي عبر الفصل الثاني 2 بقلم الست ورد



 اسكريبت الطيف الذي عبر الفصل الثاني بقلم الست ورد 



مكنتش مصدّقة إنه هو.

عمري ما شوفت قبل كده إن واحدة تعرف حد من ضهره! معدّتش عليا في تاريخ البشرية دي قبل كده بصراحة، فكنت مصدومة… إزاي حلم يتقلب لحقيقة أصلًا؟


كانت ملامحه وسيمة إلى حدٍّ ما. مَرَكّزتش معاه ولا مع كلامه، يمكن علشان عقلي لسه مش مستوعب اللي حصل.


المحاضرة خلصت على خير، وكمل كلامه وهو بيقول:

"المحاضرة كده خلصت. تتذاكر كويس علشان هسأل عليها المحاضرة الجاية وعشوائي. ومش هدخل حد ييجي بعد عشر دقايق. أزيد من كده مش هدخل حد، وهيتكتب غياب. عديت المرة دي لأنها أول حصة، ومش حابب تاخدوا عني فكرة وحشة."


قال آخر كلماته وهو بيبصّ لي، وبعدها وجّه نظره لكل الطلبة وكمل:

"من أولها أنا بحب النظام وبحب الطالب المنتظم. مش معنى إن حضرتك في آخر سنة تتصرمح وتغيب عن المحاضرات. دي سنة مهمة، فمتضيعهاش بسبب تهوّرك ولعبك وصياعتك.

أنت جاي علشان تتعلم، ووصلت للحظة دي بعد سنين. حتى لو بتتصرمح، بس إنت قعدت هنا سبع سنين، وأظن ده عدد كبير مش صغير. إلا لو حابب تقعد أكتر من كده، ماعندناش مانع.

بس أنا مش عاوز أشوف حد هنا بيعيد السنة. عاوز أشوفكم دكاترة، ولما أشوفكم أقول ده كان تلميذ عندي في كلية الطب.

مدرسين الابتدائي والإعدادي والثانوي مش هما بس اللي هيفتخروا لما يسمعوا إن فلان الفلاني بقى دكتور قد الدنيا وبيقدم على الماجستير أو الدكتوراه.

أظن كلامي مفهوم… اتفضلوا."


القاعة اللي كانت مليانة اتفضت في لحظات. كنت لسه هقوم أمشي، لكن صوته وقفني.

"دكتورة!"


لفّيت بسرعة: 

"أيوه يا دكتور؟"


"تأخيرك مايتكررش تاني يا دكتورة..."


"سناء."


بص لي وقال بنبرة حازمه شويه: 

"أظن كلامي واضح يا دكتورة سناء."


"إن شاء الله يا دكتور."


"اتفضلي."


مشيت وأنا حاسة إن دماغي بتعمل إيرور. 

أكيد مش هو... لأ، مستحيل يكون هو، لأني أصلاً ما شفتش شكله في الحلم.


أخدت نفس عميق، وفجأة لقيت اللي قدامي بتصرخ:

"يا بنت الـ... خضيتي!"


مطّت شفايفها بسخرية وقالت:

"سلامتك من الخضة يا أوختشي!"


مسكت إيديها وأنا بمشي بسرعة وقلت:

"تعالي أحكيلِك آخر الأحداث."


_


"مش قولتلك تتغطي كويس يا سناء؟"


بصّيتلها بنرفزة، فضحكت وقالت:

"يا ستي بهزر معاكِ! وبعدين علشان مندخلش في سكة تانية، سيبيها على ربنا… لو ليكِ نصيب فيه، هيبقى من نصيبك، ولو مش ليكِ، خلاص مش هيكون."


سكتت شوية، وبعدها كملت كلامها:

"بس قوليلي، عرفتي إزاي إنه هو؟"


قلت وأنا بتنهّد:

"قلبي حس، وكمان أيهم كان عنده حفرة بسيطة في نص شعره. فلما الدكتور إداني ضهره، لقيتها في شعره."


ضحكت وقالت:

"أحب دقتك وتفاصيلك!"


_


مرّ أسبوع كامل، وكان أيهم بيجيلي في الحلم كل يوم، بس عمري ما كنت بعرف ألمح ملامحه بوضوح.

مش هنكر إني حبيته… نكتته بايخة صح؟ ما أنكرش، بس أنا من النوع اللي بيتعلق بأي حد، حتى لو مش حقيقي.


جِه اليوم اللي مظهرش فيه في الحلم، وصحيت مزاجي متعكر جدًا. كنت عايزة أعيط من غير سبب، أو يمكن السبب إن قلبي اتعود على وجوده هناك.


روحت الكلية وأنا تايهة.

ركبت الأتوبيس اللي بيودّيني، مع إن المسافة قريبة وممكن أمشيها، بس أنا دايمًا متأخرة.

نزلت وأنا بحاول أقنع نفسي

ده مينفعش… وميصحش، ده مجرد حلم. مش حقيقي. طبيعي هتجوز في يوم من الأيام، وده زي أي حلم بيعدّي.


وأنا غرقانة في التفكير، خبطت في واحد من غير ما آخد بالي.

قلت بسرعة:

"أنا آسفة، ماخدتش بالي!"


ابتسم بخفة وهو بيغضّ بصره وقال:

"ولا يهم حضرتك."


وسابني ومشي.

عدّلت شنطتي وكملت طريقي.

كان عنده لحية بسيطة وملامحه جميلة، فيها حاجة هادية كده. حاولت أغضّ بصري… بس اللي حصل حصل.


دخلت المحاضرة، وكان المفروض علينا دكتور شبه أيهم بالظبط.

معرفتش اسمه، واتكسفت أسأل حد.


قعدت في أول بنش، ولسه بدور حواليّا، لقيت المدرج كله فجأة اتملى. عرفت إنه دخل.


قال بصوته الهادئ:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."


فتح اللابتوب، وعمل شوية حاجات عليه. كان لابس نظارة خلت ملامحه أكثر وسامة.

بدأ يشرح، ووقتها عرفت إن ده مش الدكتور القديم — دكتور عمرو سلامة — اللي كان شرحه معقد جدًا.

واضح إنه اتقاعد، وجه مكانه الدكتور الجديد. شرحه كان بسيط وسلس، وخلاني أفهم المعلومة اللي عمري ما فهمتها قبل كده.


المحاضرة خلصت قبل نص الوقت تقريبًا.

رفع أكمامه وقال بابتسامة خفيفة:

"زي ما قولتلكم المرة اللي فاتت، هبدأ أسأل شوية عشوائي… وياريت ألاقي حد مذاكر."


بدأ يسأل الطلبة واحد ورا التاني، وكل ما حد يغلط، كان يشرحله السؤال ويفهمه الإجابة الصح وليه دي الصح مش اللي هو قالها.


لحد ما جه دوري.

سألني سؤال، والحمد لله كنت مذاكرة قبل ما أنام ليلة امبارح، فجاوبت بسرعة.


ابتسم وقال:

"ما شاء الله عليكم. المرة الجاية عاوز القاعة كلها تجاوب. ذاكروا المحاضرة كويس علشان هطلع واحد يشرحها. اتفضلوا."


خرجنا من القاعة، ولقيت فرح واقفة مستنياني برا.

بدأت أحكيلها على اللي حصل، خطوة بخطوة، وأنا متحمسة ومتوترة في نفس الوقت. كنا ماشين في طريق الكافيتريا، وفجأة شهقت بخوف.


"التليفون مش في إيدي!"


فرح قالت بهدوء وهي بتحاول تهديني:

"شوفي في الشنطة كده واهدي."


قعدت أدوّر وأنا قلبي بيدق بسرعة، لكن ملقتوش.

قالتلي:

"أهدي، تلاقيكِ نسيتيه في القاعة."


جريت ناحيت القاعة وأنا بدعي في سري:

"يارب يكون هناك… يارب ما يكونش ضاع."

وكانت فرح بتجري ورايا.


وقفت على باب القاعة لما سمعت صوته جاي من جوه، صوته اللي كنت بحاول أنساه.

كان بيتكلم في التليفون وبيقول بنغمة دافية:

"حاضر يا حبيبتي، هجيب اللي إنتِ عاوزاه. الوقتي بقت بنتي يا سيليا، يا ستي، حقك عليا، المهم رضاكِ يا ست الكل."


جسمي اتجمد. الكلمة وجعتني أكتر من أي حاجة.

خبطت على الباب بخفة وقلت:

"بعد إذنك يا دكتور… هشوف الموبايل."


بصلي بهدوء وهزّ راسه موافق.

دخلت، لقيت التليفون فوق البنش اللي كنت قاعدة عليه، خفق قلبي بوجع وأنا بحاول أبتسم.

حمدت ربنا بصوت واطي وخرجت وأنا بجري برا القاعة.


فرح استقبلتني بسؤالها:

"ها، لقيتيه؟"


هزّيت راسي وأنا حاسة بغصّة في حلقي.

قالت بخوف:

"مالكِ؟"


الكلمة كانت كفيلة تخليني عاوزة أنهار.

أنا علّقت نفسي بوهم مش موجود، حلم فاضي، ملوش وجود.

أكره حاجه فيّ إني بتعلّق بالناس بسرعة... وبخاف أخسر حتى اللي مش ليا.


خدتني فرح في حضنها، بتربّت على ضهري كأنها بتحاول تطمن قلبي اللي كان بيتهزّ من وجعي.


قلت وأنا ببكي:

"طلع متجوز ومخلّف يا فرح."


سكتت لحظة، وبعدين سألتني بهدوء:

"مين؟"


"الدكتور."


اتنهدت فرح وقالتلي بنبرة فيها حنية ونُصح:

"يا سناء، إنتِ متعرفيش حتى اسمه، ودي تاني مرة تشوفيه. نص البلد عندهم حفرة في شعرهم، ومحدش اتكلم.

بصي، أنتِ غلطانة إنك علّقتي نفسك من الأول. وربنا لما بيلاقي عبد من عباده بيتعلق بحد غيره، بيبعده عنه. علّقي نفسك بربنا يا سناء، وصلي، وقرّبي منه. الحياة مش هتوقف عليه، وربنا شايلك الأحسن."


فضلت ساكتة، وكل كلمة قالتها كانت بتلف في دماغي.

يمكن عندها حق… يمكن أنا غلطت لما سمحت لوهم يدخل قلبي.


محبيتش أرجع البيت وقتها، فمشينا سوا شوية لحد ما لقينا كافيه شكله شيك من برّه.


فرح قالت وهي بتبص حواليها:

"طالما شكله حلو، يبقى غالي."


ضحكت رغم كل اللي في قلبي وقلت:

"ادخلي يا فرح، ادخلي."


دخلنا، وقعدنا على طرابيزة شكلها مميز جدًا، كل طرابيزة ليها طابع مختلف، وصوت الشيخ المنشاوي بيملأ المكان بتلاوة هادية فيها راحة غير طبيعية.


على الطرابيزة ، كان في وردة حمرا، وملفوف فيها جواب صغير. ريحتها كانت تحفة.


فرح قالت وهي بتضحك:

"أوعى يكون جواب غرامي!"


قلت وأنا بحاول أغير الموضوع:

"ملناش دعوة."


لكنها أصرّت وقالت:

"افتحيه يا سناء."


رضخت بعد إلحاحها، ومديت إيدي فتحت الجواب.

مجرد ما شفت أول سطر، اتسعت عيني ودموعي نزلت من غير إرادة… الصدمة كانت أكبر مما توقعت.

الفصل الثالث من هنا


تعليقات