![]() |
اسكريبت الطيف الذي عبر الفصل الثالث بقلم الست ورد
رضخت بعد إلحاحها، ومديت إيدي فتحت الجواب.
مجرد ما شفت أول سطر، اتسعت عيني ودموعي نزلت من غير إرادة… الصدمة كانت أكبر مما توقعت
"وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"
عمري ما كنت أتخيل إن ربنا يكون معايا رغم إني بعصيه ومش بصلي، وده في حد ذاته شرك ومعصية.
فرح فضلت تهدّيني، لكني ما استحملتش وطلبت أروح.
دخلت أوضتي على طول من غير كلام، وسط استغراب والدتي.
كنت بعيط على حياتي اللي ضيعتها بإيدي ونمت بدون ما أحس.
"أنت طلعت متجوز؟"
"عرفتي إزاي؟"
قالها وهو مصدوم.
"يعني هو ده اللي همّك؟ إزاي ماقولتليش حاجة زي دي؟!"
"كان بينا مشاكل أنا ومراتي… وقابلتك، لقيتك بنوته جميلة."
حكّ راسه بتوتر وهو بيبعد عينه عني.
قاطعته وقلبي بيغلي:
"إيه؟ أنت أقذر إنسان شوفته في حياتي!"
سيبته ومشيت وأنا بجري من قدامه.
"يا سناء! استني يا سناء!"
فتحت عيني بخمول.
"قومي يا سناء."
"ماما…"
مسحت بإيدها على وشي وقالت بحنان:
"قومي يا حبيبتي، بقالي ساعة بصحيكِ… مالك يا نور عيني؟"
"مافيش… تعبانة شوية."
"طب قومي يا حبيبتي، اتغدي، علشان لسه مكلتيش حاجة من الصبح."
قالتها بحب وهي بتمسح شعري بحنان.
قمت معاها علشان متزعلش، لأنها كانت خايفة عليّ جدًا.
غسلت وشي، وقعدت معاهم على الغدا.
مكنتش بتكلم ولا بتفاعل مع كلامهم، وده خلاهم يشكّوا إن في حاجة حصلتلي في الكلية.
بعد الغدا، غسلت معاها المواعين، وبعدها اتوضيت ودخلت أوضتي، وصليت ركعتين توبة وأنا ناوية أتغير للأفضل.
دعيت كتير، وبكيت أكتر، لكن ارتحت لما خلصت.
صليت فروضي، ونمت.
مصحتش غير تاني يوم على صوت المنبّه.
ماحلمتش بالأخ أيهم، وكنت مرتاحة عن امبارح بكتير.
خلصت روتيني، وكالعادة — أنتم حافظين بقى — كنت بسابق الزمن.
ركبت الأتوبيس، وماخلاش من مشاكل السواقين كالمعتاد.
_
"رايقة يعني النهارده؟"
أخدت بق من فنجان القهوة وابتسمت:
"كلامك والرسالة هما اللي خلوني رايقة."
مسكت فرح إيديا وقالت بحب:
"فخورة بيكِ في كل وقت، وعارفة إنك قدّها، وإنك قد ابتلاء ربنا ليكِ."
"الله، أنا بحبك أوي!"
ضحكت وقالت:
"وأنا بحبك… بس بحب جوزي أكتر منك!"
مطّيت شفايفي بسخرية، وهي ضحكت بإتساع.
عدّت سنة بحالها.
مش مصدقة إن النهارده يوم تخرّجي.
الأيام جريت بسرعة جدًا، والحمد لله ربنا هداني في السنة دي، واختمرت ولبست واسع.
يمكن حلم زي ده خلاني أتعلّق بواحد مش موجود، ومش حقيقي، لكن كان كفيل يغيرني للأحسن والأفضل.
ربنا بيحطنا في مكان وهو عارف إننا قدّه.
بس أوقات المكان ده بيبقى بالنسبالك زي الزنزانة، وإنت الأسير فيها.
والحقيقة إنك إنت اللي حابس نفسك جواها.
لو دورت حواليك، هتلاقي المفتاح جمبك…
افتح الزنزانة، واطلع، وهتلاقي نفسك مبسوط.
حياتك إنت اللي خليتها شبه الزنزانة.
لو سيبتها وتوكلت على ربنا، هتخرج منها حر وسعيد.
يمكن حياتي في الأول كانت مليانة شهوات ولهو ودنيا خدتني…
خلتني مفكرة إني عايشة في زنزانة.
بس لما تعلّقت بربنا، وتعمقت في ديني أكتر،
حياتي بقت شبه الأسير اللي أفرجوا عنه…
وشاف الدنيا وألوانها الجميلة بعد غياب سنين.
كنت مستنيّة اللحظة اللي أتخرّج فيها، بس مكنتش أعرف إنها ليها طعم خاص بالشكل ده.
لما ندهوا على اسمي، كنت متوترة، وجوايا شعور بالفخر.
استلمت الشهادة تحت تصفيق الجميع.
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بصراحة مش عارفة أقول إيه… بس وجودي هنا بسبب دعوات والدتي، وفخر والدي بيا، ومساعدته في كل خطوة بخطوها. وصديقتي وشريكة عمري وصديقة الكفاح، فرح محمد، بسبب كلمة منها صغيرة قالتلي إنها فخورة بيا… الكلمة دي فعلًا خلتني أتغير. شكرًا ليكِ بجد.
النهارده بنيت أول سُلَّم في تحقيق أحلامي، وهو إني اتخرجت من كلية الطب. من سبع سنين كنت خايفة من نتيجة تالتة ثانوي، بس بكرم ربنا، مش شطارة مني، جبت ٩٩.٩٪. فرحة أهلي كانت كفيلة تخليني أحس بالفخر، لكن النهارده الفخر زاد مرتين، لأني تخرجت من كلية الطب. أُعاهد الله أن أتقيه في مهنتي، وأن أحافظ عليها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
ختمت كلامي ونزلت من منصة التكريم تحت تصفيق أصدقائي وزملائي.
حضنتني فرح وهي بتدمع وقالت:
"خلّيتيني أدمع يا حيوانة!"
ضحكت وأنا بشدّ من حضنها، وبعدت عنها وحضنت والدتي ووالدي.
_
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
كنت رجعت من الشغل، ولقيتهم قاعدين ومبسوطين بشكل غريب.
أمي قامت أول ما شافتني، وفضلت تبوس فيا، ووالدي بيحضني.
قلت باستغراب:
"في إيه مالكم؟"
والدتي أخدت مني الشنطة وقعدتني في النص، وهي وبابا كل واحد على جنب، وبيبصولي ويبوسوا فيا.
"في إيه يا الله؟!"
ماما قالت وهي بتضحك:
"تبدأ إنتَ ولا أبدأ أنا؟"
"ابدأي إنتِ يا ست الكل."
أمي أتكسف ولسي هتقول بابا سبقها وقال:
"جايلِك عريس."
ماما اتنرفزت وقالت:
"والله مش إنتَ قولت أنا اللي أقول!"
"محترم جدًا وابن ناس، وبيخاف ربنا."
"بقى كده؟ أبوكي مذنب الراجل بقاله شهرين! بيقوله أما ندور وراك ونبقى نرد عليك، بقاله شهرين بيفكر يدور وراه!"
"يا ستي، إنتِ مش بنتي الوحيدة! ولازم أطمن على مستقبلها. لولا إني عارف أبوه كنت رفضته."
ماما قالت وهي بتضحك:
"مش أبوه ده يبقى أخوك؟"
"بقولك إيه يا أم سناء!"
قلت وأنا مش فاهمة أي حاجة:
"بـاس إنتو الاتنين فهموني إيه اللي بيحصل؟"
كنت حرفيًا مشتّتة. كل شوية أبص لماما وهي بتتكلم، وأبص لبابا وهو بيرد، ودماغي عاملة "إيرور".
ماما قالت:
"بصي يا حبيبتي، إنتِ عندك عم كان مسافر، ولما عرف إنك كبرتي وبقيتي عروسة عسوله، قال نجوزك لابنه. وابنه طلع بسم الله ما شاء الله، شخص في قمة الذوق والأخلاق، ومتدين، وبيخاف ربنا، وبيصلي."
قلت بهدوء وأنا باخد نفس :
"مش عارفة يا ماما، أنا مشوفتوش… بس هستخير كده، واللي ربنا رايده هو اللي هيكون."
"ونِعم التربية والعقل يا بنتي."
دخلت غرفتي، وأخدت لبس مريح، وأخدت شاور يريح جسمي، وبعدها توضّيت وصليت استخارة، ودعيت ربنا إنه يقدّملِي اللي فيه الخير.
صحيت تاني يوم مرتاحة نوعًا ما. طلعت من الأوضة، ولقيت الحج والحجة قاعدين.
قربت منهم وأنا بقول بكسوف ايه الأحراج ده بس:
"ادِّيهم موافقة مبدئيا يا بابا… لما أشوفه نبقي نشوف ايه اللي يحصل ."
ماما صرخت من الفرح وهي بتحضني وبتبوسني:
"الله أكبر! الله أكبر!"
قلت وأنا بضحك:
"شكلِك ناوية تتخلّصي مني فعلاً."
خبطتني في كتفي وانا بضحك
بابا كلّمهم، وفعلاً قالولي إنهم هييجوا بكرة بالليل. ايه السرعه دي
أول ما ماما عرفت، قررت تجدّد الشقة كلها!
كلمت فرح وحكلتلها، وكانت فرحانة جدًا، هتطير من السعادة.
تاني يوم جه بسرعة، ولقيت فرح بتصحيني من أحلى نومة.
"قومي يا ماما! كل ده نوم؟ قومي!"
"يا ستي سيبيني، عايزة أنام يا فرح!"
"قومي يا عروسة، ورانا يوم طويل، قومي!"
قمت بعد إصرار منها، غسلت وشي، واتوضيت، وصليت الضحى، ودعيت إن اليوم ده يعدي على خير.
فرح مكنتش مأثرة في حاجة، شغلت أغاني، وكانت بتساعدني شوية، وتساعد ماما شوية.
قالتها وهي بتصفق بإيدها:
"وادي آخر لمسة!"
لبست دريس بينك، وخمار أوف وايت.
وفرح — وبكامل قواها العقلية — قررت هي اللي تلبسلي الخمار، وفعلاً طلع شكلي جميل جدًا فيه.
قالت وهي بتضحك:
"ما شاء الله يا سناء، مُزّة أوي!"
"يا بت اتلمي!"
"بجد، شكلك حلو أوي!"
"إنتِ بتعيّطي يا فرح؟"
"من الفرحه."
ضحكت وأنا باخدها في حضني.
العريس وأهله وصلوا، وماما وبابا استقبلوهم، وقعدوا يتكلموا شوية.
بعدها ماما جت وأخدتني أسلم عليهم بالأحضان وكنت بحضن العريس بضمير، طبعا بهزر.
بعد شوية، كلهم قاموا، ومفضلش غيري أنا وهو بس أمي اشترت من أمتي السجاده دي شكلها حلو أوي وقال بخفة:
"بس لون السجادة حلو برضو."
"ها؟"
رفعت عيني، ولقيته بيبصيلي، اتكسفت من نظراته، ضحك بخفة، وحمحم قبل ما يتكلم:
"معاكِ أيهم..."
