رواية قلب السلطة الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم مروة البطراوي


 رواية قلب السلطة الفصل الواحد والثلاثون 

دخل "رائد" الغرفة، وأغلق الباب خلفه بهدوء جعل الصمت يثقل أكثر.
جلس "أمين" مقيدًا إلى الكرسي، ووجهه ما زال يحمل آثار القناع الذي انتزعوه عنه، عيناه متورمتان من كثرة التحديق في الفراغ.

تقدّم "رائد" بخطواتٍ بطيئة، وضع السيجارة على الطاولة، وانحنى قليلًا حتى صار وجهه أمام وجهه:

– عارفني يا أمين... صح؟

لم يُجبه. شدّ "رائد" الكرسي من تحته فجأة فارتطم بالأرض، فشهق الحارس الواقف بالخارج من الصوت. انحنى "رائد" فوقه مرة أخرى، وصوته كالسيف:

– أنا ما جيتش أسألك إنت ليه عملت كده... أنا جيت أعرف مين اللي بعتك!

ضحك "أمين" ضحكة قصيرة مبحوحة، وقال متحدّيًا:
– يمكن أكون عملتها من دماغي...

رفع "رائد" رأسه قليلًا، ثم أعاده ليقترب أكثر، نبرته هادئة لكن مميتة:
– تعرف أنا لو خرجت من هنا من غير ما أعرف الحقيقة... هرجعلك بطريقة تخليك تتمنى إنك ما اتولدتش.

ساد الصمت لحظة، ثم همس "أمين" بصوت متكسّر:
– مش هينفع أقول...

أمسك "رائد" بذقنه بعنف، أجبره على النظر في عينيه:
– هتقول... غصب عنك. واللي خلّاك تستقوى على نيرفانا... أنا اللي هخليه يركع تحت رجلي.
💜 قلب السلطة – بقلمي مروه البطراوى

ارتجف صوت "أمين" وهو يبتلع كلماته، عيناه تتنقلان بين الأرض وبين ملامح "رائد" التي ازدادت قسوة. الصمت ثقيل، يكاد يخنق الغرفة، والهواء مثقل برائحة الدخان ووعود العقاب.

مدّ "رائد" يده ببطء، التقط السيجارة من الطاولة، أشعلها من جديد، ونفث دخانًا كثيفًا في وجهه، كأنه يمهله فرصة أخيرة:
– آخر مرة بسألك... مين اللي بعتك؟

ارتعد "أمين" للحظة، ثم أطبق شفتيه بعنادٍ أعمى، وكأن بينهما سرًّا أكبر من قدرته على البوح.

ابتسم "رائد" ابتسامة باردة، وقال بصوتٍ خافتٍ يقطر تهديدًا:
– تمام... أنا بحب النوع العنيد. بس أوعى تنسى... إن أنا ما بعرفش أرجع من نص الطريق.

في الخارج، تبادل الحراس النظرات القلقة، يدركون أن ما سيحدث خلف هذا الباب لن يخرج منه إلا الحقيقة... أو صرخات تُسكت إلى الأبد.

وهنا، توقّف كل شيء على حافة الانفجار... بداية التحقيق الكبير.

---
💜 قلب السلطة – بقلمي مروه البطراوى

أغلق "رائد" الباب خلفه ببطء، فارتدّ الصمت في الغرفة أشدّ وطأةً مما كان. وقف للحظة يتأمّل "أمين" المقيّد إلى الكرسي، ملامحه شاحبة، وعيناه غارقتان في خوفٍ يحاول ستره بالعناد. اقترب "رائد" بخطواتٍ واثقة، وسحق سيجارته تحت قدميه كمن يطوي صفحة من صبره.

انحنى حتى صار وجهه قبالة وجهه، وصوته يقطر ثِقلاً:
ــ "خلاص يا أمين... اللعبة خلصت. من دلوقتي هنتكلم جد."

ارتجف الأسير تحت قبضته، وحاول أن يشيح بوجهه، غير أنّ "رائد" قبض على ذقنه بقوةٍ وأجبره على النظر في عينيه.
ــ "اللي عملته مع نيرفانا... دي مش غلطة تتحلّ بالساهل. أنا مش جاي أسمع اعتذار... أنا جاي آخد اسم."

ارتعشت شفتا "أمين"، لكنه تماسك قائلًا بصوتٍ متقطّع:
ــ "قلتلك... عملتها من دماغي."

ارتسمت على وجه "رائد" ابتسامة باردة لا تحمل سوى السخرية، وانحنى أكثر حتى كادت أنفاسه تحرق وجه خصمه:
ــ "دماغك؟! يا ابني دماغك ما تسوى حاجة... إنت مجرد أداة. ولو عايزني أصدّق غير كده... ورّيني الدليل."

أطبق الصمت على المكان، ولم يُسمع سوى أنفاس متلاحقة تتقاطع بين الغضب والخوف. ثم همس "رائد" في أذنه بلهجةٍ بطيئة كزحف الموت:
ــ "فاكر نفسك هتخوفني بالسكوت؟ بالعكس... سكوتك هو اللي هيخليك تعيش اللي عمرك ما كنت متخيّله."

شدّ "أمين" قيوده وصرخ كمن يطلب الخلاص:
ــ "مش هقول! لو اتكلمت... نهايتي!"

ارتفع حاجبا "رائد" بدهشةٍ باردة، ثم ألقى كلماته كالسياط:
ــ "ونهايتك عندي... أهون؟"

ارتجف جسد "أمين"، وتسلّلت دمعة خائنة من عينه، بينما رأسه يهتزّ وكأن الاعتراف يتدافع على طرف لسانه. اقترب "رائد" أكثر، وضرب الطاولة بقبضته فارتجفت جدران الغرفة، وصوته يجلجل كالرعد:
ــ "مين اللي بعتك؟!!!"

لحظة صامتة مرّت كدهر، والهواء يثقل حتى كاد يختنق. ثم تهاوت الكلمات من بين شفتي "أمين" مهشّمة، كأنها نزيف لا يُمكن حبسه:
ــ "هو... ..."

وانطفأت الجملة قبل أن تكتمل، تاركةً الغموض يخيّم، كستارٍ كثيف يُخفي وجه الحقيقة، ليبقى السؤال معلّقًا... 

---
💜 قلب السلطة – بقلمي مروه البطراوى

كانت نيرفانا تجلس في حجرتها العالية، حيث النوافذ تطلّ على حدائق القصر المظلمة. الليل يزحف ببطء، والهدوء يخيّم، لكن قلبها لم يعرف السكون منذ تلك الليلة المشؤومة. عيناها تحدّقان في الفراغ، بينما أصابعها تعبث بخصلة من شعرها بلا وعي، كأنها تبحث في الصمت عن جواب يبدّد رجفةً لم تفارقها.

رفعت رأسها قليلًا، شعرت بظلّ الخوف يطوّقها مجددًا. حاولت أن تقنع نفسها أن كل شيء انتهى، وأن أبيها أغلق الباب على ذلك الكابوس. لكن صورة القناع الذي غطّى وجه المعتدي، وصدى أنفاسه، ما زالت تلاحقها كطيفٍ جاثم.

تنفست بعمق، ثم هبّت واقفة لتغلق الستائر الثقيلة، غير أنّ إحساسًا غريبًا باغتها: كأن هناك عينًا ما زالت تترصّدها في العتمة. وضعت يدها على قلبها المذعور، وهمست لنفسها:
ــ "كفاية... كفاية بقى، هو خلاص خلّص."

لكنها لم تصدّق كلماتها. فالخوف أعمق من أن يُوارى بستارة، والجرح أعمق من أن يندمل بكلمة طمأنة.

جلست على حافة سريرها، واستسلمت لدموعٍ خافتة، دموع لا تريد أن يراها أحد، حتى والدها. كانت تعرف أن رائد، بكل صلابته وقسوته، قد يهتزّ إذا لمح ضعفها. وهي لا تريد أن تتحول إلى نقطة ضعفه الوحيدة.

أمسكت بدفتر صغير من درجها، فتحت صفحاته المرتعشة وكتبت بخطٍّ غير مستوٍ:
"أحيانًا أشعر أنني لست ابنة رجلٍ يحكم العالم من حوله... بل أسيرة خوفٍ لا يزول."

طوت الدفتر سريعًا، وأعادته إلى مكانه   . حدّقت طويلًا في سقف الغرفة، كأنها تنتظر فجراً جديدًا، لكن الفجر بدا بعيدًا، بعيدًا جدًا...

---
💜 قلب السلطة – بقلمي مروه البطراوى

كانت نيرفانا ما تزال جالسة على حافة السرير، تحدّق في الظلام الذي ابتلع الغرفة، حين اهتزّ هاتفها فجأة فوق الطاولة. التفتت بارتباك، رأت الاسم يضيء الشاشة: "أبي".

ترددت لحظة، ثم ضغطت على زر الإجابة. جاءها صوته عميقًا، حادًّا حتى في همسه:
ــ "إزيك يا نيرفانا؟ كويسة؟"

أجابت بصوتٍ مبحوح، تحاول أن تخفي ارتجافها:
ــ "الحمد لله يا بابا... كويسة."

ساد صمت قصير على الطرف الآخر، صمت يشبه عينًا تراقب من بعيد. ثم عاد صوته، أثقل من ذي قبل:
ــ "أنا عارف إنك مش بخير... وعارف كمان إنك بتخافي. بس اسمعيني كويس: اللي مدّ إيده عليك... مش هيشوف النور تاني."

أحست قشعريرة تسري في جسدها، ودمعة ساخنة أفلتت رغماً عنها. همست برجاء:
ــ "بابا... أنا مش عايزة مشاكل تاني... مش عايزة دم."

ارتفع نفسه من الطرف الآخر، كأنما يكبح غضبًا جارفًا. قال ببطء، كل كلمة كالصخرة:
ــ "اللي يحاول يقرب منك، يا نيرفانا... بيكتب نهايته بنفسه. إنتِ بنتي... نقطة ضعفي الوحيدة. وأنا ما عنديش استعداد أخلي حد يستغلها."

أغلقت عينيها بقوة، قلبها يتأرجح بين الرهبة والطمأنينة. همست بصوتٍ واهن:
ــ "بس أنا تعبت يا بابا... تعبت من الخوف."

جاءها صوته هذه المرة ألين قليلًا، لكنه ظلّ صارمًا:
ــ "ما تخافيش. طول ما أنا موجود... محدش يقدر يمسّك."

ثم انقطعت المكالمة فجأة، تاركةً في أذنها صدى كلماته، وفي قلبها شعورًا متناقضًا: أمنٌ ممزوجٌ برعب، وطمأنينة تخفي وراءها عاصفة.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
دخل رائد مرة أخرى، ملامحه جامدة كالحجر بعد المكالمة. أغلق الباب بإحكام وجلس أمام أمين، نظرته حادة كأنها تخترق الروح.

ــ "خلصنا لعب يا أمين… الاسم دلوقتي، وإلا هتبقى آخر ليلة ليك."

ارتجف أمين، تنفّسه متقطع، عينيه تهربان من مواجهة رائد. تردّد طويلًا، ثم ضغط على أسنانه كمن يقتلع اعترافًا من قلبه:

ــ "… ليلى."

ساد صمتٌ مفاجئ، كأن الغرفة انقطعت أنفاسها مع أنفاس رائد.
تجمد في مكانه، وعيناه اتسعتا بذهولٍ لم يعرف له مثيل. لم ينطق بكلمة، لكن يده انقبضت بقوة على حافة الكرسي، وكأن الاسم أشعل بداخله عاصفة لا يمكن إخمادها.

أمين طأطأ رأسه، كمن سلّم مفاتيح هلاكه، بينما في عيني رائد ارتسمت شرارة حيرة وصراع لن يُفهم معناها .

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
في قلب الغرفة الرمادية...
مرّ الوقت ثقيلاً، كأنّه يتعمّد أن يعذّبها بتباطئه. لم تكن "نيرفانا" تدري أكانت يقظة أم في برزخٍ بين النوم والوعي. الحارس أمامها ظلّ كتمثالٍ لا يرمش، وعيناه ترمزان إلى محكمةٍ خفية، بلا قاضٍ ولا محامٍ.

حاولت أن تستجمع قواها، ونطقت بنبرة تحمل شيئًا من التحدي:
ــ "يعني إيه صاحب المكان؟! هو إنت شغال عنده؟ شغال عند مين؟"

لم يرد.

ــ "أنا مش غبية... إنت بتحاول توصللي رسالة، وأنا فاهمة... بس تحب تعرف حاجة؟ اللي عمل كده هيندم... أيوه، هيندم، دادي مش بيسيبهاله!"

لكن كلماتها بدت كأنها تتردد في فراغٍ مطلق، قبل أن يخترق السكون صوتٌ غامضٌ آتٍ من جدارٍ لا تراه:
ــ "نيرفانا... نيرفانا..."

ارتجفت، بحثت بعينيها في الأركان، فوجدت نفسها محاصرة بالظلام، ثم الصوت يتردّد من جديد:
ــ "كل شيء ستفهمينه في وقته... الآن، ارتاحي. نامي."

ــ "إنت مين؟! طلعلي وشك! جبان... بتستخبى ورا الحيطان؟!"

لكن لا جواب.
فجأة، انطفأت الإضاءة، وساد الظلام الدامس، ولم يبقَ إلا صوت أنفاسها المضطربة... قبل أن يتلاشى كل شيء، وتُسحب من أعماق الحلم.

فتحت "نيرفانا" عينيها ببطء. كانت في سريرها، عرقٌ بارد يتصبّب من جبينها، وصدرها يعلو ويهبط كأنها ركضت مسافة طويلة. حدّقت في السقف، وهي تهمس لنفسها:
ــ "حلم... كله حلم؟!"

لكن القلق ظلّ ينهش قلبها، كأن الحلم لم يكن إلا مرآةً لحقيقة لم تُكشف بعد.

---

في غرفةٍ غارقة في الأضواء الزرقاء المتقطعة، جلس "مهاب" أمام شاشاته، يتتبع إشارات السيارات والكاميرات. فجأة... وميض أحمر ظهر على الشاشة، متبوعًا برسالة مشفّرة: "تم الكشف عن نشاطك."

تجمّد الدم في عروقه، وأصابعه تعثرت فوق لوحة المفاتيح. همس لنفسه:
ــ "إزاي...؟! مستحيل حد يوصل ليا!"

في تلك اللحظة، كان "رائد الذهبي" يقف في الجهة المقابلة تمامًا، داخل المخزن، أمام "أمين" المقيّد. دخّن سيجارته بهدوء، ونبرته باردة كأنها قادمة من أعماق الجليد:
ــ "قول بسرعة... ليلى وصلتلك إزاي؟"

ارتجف "أمين"، ثم ضحك ضحكة مبحوحة، وقال:
ــ "ليلى؟! لأ... مش هي اللي اتواصلت معايا."

ضيّق "رائد" عينيه، واقترب أكثر، صوته صار خافتًا لكنه ينفجر في أذن خصمه كالبركان:
ــ "أمال مين؟!"

أجاب "أمين" ببطء، وكأن كل كلمة تخرج منه تحمل وزرًا أثقل من روحه:
ــ "أخوها الصغير... مهاب. هو اللي كلّمني... قاللي إنها عايزة تتطلق منك."

الصمت سقط كالصاعقة.
رائد تجمّد مكانه، وعينيه اشتعلتا بدهشة وغضبٍ مكبوت. السيجارة سقطت من بين أصابعه دون أن ينتبه.

أما في الغرفة الأخرى، أمام الشاشات، كان "مهاب" قد أدرك متأخرًا أن اللعبة التي ظنّها بيده... قد انقلبت عليه.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

في القصر الغامض، في غرفةٍ أخرى...
شاشات ضخمة تصطف على الجدار، تنقل أدق التفاصيل من كاميراتٍ خفية في أماكن متفرقة، بينها لقطات قريبة لـ"نيرفانا" وهي تتحرك بتوتر، أو تجلس شاردة بعينين متّقدتين.

رجلٌ يرتدي معطفًا رماديًا طويلًا وقف في منتصف الغرفة، يديه معقودتان خلف ظهره، وعيناه مثبتتان على الشاشة. قال ببرودٍ مميت:
ــ "شايفين؟ العناد في عينيها زي ما توقعت... لكن الخوف بدأ يتسلّل جواها. إدّوها ست ساعات كمان... وهتتكسر."

اقترب منه رجل آخر، صوته ينضح بالتحفظ:
ــ "بس... لو رائد الذهبي دخل في الصورة بنفسه، كل حاجة ممكن تتغير."

ضحك صاحب المعطف، ضحكة قصيرة ساخرة، وقال:
ــ "رائد؟ هو جزء من الخطة. عايزينه ييجي... بس ييجي ضعيف، يائس، منكسر. وقتها وبس... نفتح الملف القديم."

ظلّت الكاميرا تتابع وجه "نيرفانا" وهي ترفع عينيها نحو الأفق البعيد، بينما انعكست على زجاج الشاشة ابتسامة الرجل الرمادي... ابتسامة لا تُبشّر إلا بالمزيد من الغموض.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
العودة إلى نيرفانا...
مرّ الوقت ثقيلاً، متثاقلاً على قلبها، حتى غفت قليلًا. لم تعرف أكان نومًا حقيقيًا أم مجرد غيبوبة من فرط الإنهاك. وعندما فتحت عينيها، لم يكن الفجر قد بزغ بعد، لكن إحساسًا خفيفًا أن هناك من يقترب منها جعلها تنتفض.

همست بصوت واهن:
ــ "مين؟"

وإذا بوجه مألوف يطل عليها، لم يكن حارسًا غريبًا ولا غريمًا يثير الخوف... كانت ليلى، تمسك بيدها إناءً صغيرًا من الشوربة الدافئة، والارتباك بادٍ على ملامحها.

قالت ليلى بهمس:
ــ "جبتلك حاجة تسندك... عارفة إنك تعبانة."

ارتعشت نظرات نيرفانا، ثم أطلقت تنهيدة قصيرة، والدموع علقت في طرف جفونها. لأول مرة منذ زمن لم تشعر أنها وحيدة. مدت يدها المرتجفة، وأخذت الوعاء بخجل، كأنها لا تصدق أن هناك يدًا تمتد إليها برفق.

قالت بصوت مبحوح:
ــ "ميرسي... إنتي غير أي حد هنا."

ابتسمت ليلى ابتسامة حزينة، وأجابت:
ــ "مش هسيبك لوحدك، مهما حصل."

شعرت نيرفانا أن دفء الشوربة تسلل إلى قلبها قبل معدتها، وأن الحصار حولها بدأ يتصدع، ليس بالقوة... بل بالرحمة.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
وبينما كانت نيرفانا تترنّح بين الوعي والإنهاك، وعيون ليلى و يقين تحاول أن تمنحها لمسة دفء في العاصفة...
كان في مكانٍ آخر، بعيد عن الغرفة المظلمة، يجلس رائد الذهبي وحده.

رجلٌ إذا ذُكر اسمه، تبعته ظلالٌ طويلة، وأسرارٌ لا تنكشف. يقف أمام مرآةٍ لا تعكس ملامحه بقدر ما تكشف تناقضاته، وكأنها تسخر من محاولته أن يكون شخصًا واحدًا.

قال كمن يحاور طيفه:
ــ "هو أنا بعيش بوشين فعلاً؟ ولا هو وش واحد، بس بيتلوّن على حسب اللي قصادي؟"

ثم يضحك ضحكة قصيرة، متقطعة، كمن يسخر من نفسه قبل أن يسخر من الدنيا:
ــ "أنا ما باكافحش يا صاحبي... اللي بتسميه كفاح، أنا باعمله بدم بارد. أنا اتولدت كده، بوشين... لا اتصالحوا ولا حد فيهم مات."

يصمت قليلًا، قبل أن يضيف بصوتٍ أخفض، فيه شيء من الحقيقة المرة:
ــ "أنا مش اتنين... أنا انعكاسات كتير. كل عين تبصلي، تشوفني بطريقتها. أنا ما بتغيّرش، هما اللي بيشوفوا."

الرجل بدا كمرآة معقدة:
وجهٌ يبتسم بحنان لنيرفانا وهو يضمها إلى صدره، ووجهٌ آخر يتحدث ببرودٍ قاتل مع خصومه، كأنما لا قيمة لهم.
وجهٌ يمد يده بالعطاء، ووجهٌ آخر يسحب الأرض من تحت أقدام من وثقوا به.

وحين ينهكه التفكير، كان يهمس في داخله:
ــ "أنا مين فيهم بجد؟ الأب اللي خايف على بنته، ولا الظل اللي بيستمتع وهو يشوف الناس بتنهار؟"

فيرد صوتٌ ساخر، ينبع من أعماقه:
ــ "إنت اللي بتدي علشان تاخد أضعاف. إنت اللي بتبان أمان علشان تبذر الشك. إنت الظل يا رائد... وأي حنية فيك مش أكتر من خطة محسوبة."

وفي لحظة غامضة لا يُدركها أحد، بدا وكأن الميزان قد اختلّ.
الظل فيه انتصر... أو ربما، النور داخله اختار الاستسلام، بلا مقاومة.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
خرج رائد من عند "أمين" والخطوات تئن تحت وطأة الغضب. الهواء البارد لم يطفئ ناره، بل زاده اشتعالًا. كان صوته الداخلي لا يهدأ:
"مهاب... هو اللي لعب اللعبة دي. بس ليلى؟! ليلى اللي كانت قدامي طول الوقت؟! إزاي خبّت عني؟!"

دخل البيت كالعاصفة، لا يلتفت يمينًا ولا يسارًا، حتى وقعت عيناه على ليلى. كانت تقف في الصالة، وجهها شاحب يترقب عودته.

وقف أمامها لحظة، عينيه تقدحان شررًا، وصوته ينفجر كالبركان:
ــ "انتي! عرفت دلوقتي كل حاجة... أخوكي مهاب كان له يد في خطف بنتي! وانتي فاكرة إني هعديها؟!"

ارتجفت ليلى، حاولت أن تنطق، لكن كلماته سبقت أنفاسها:
ــ "إنتي كنتي عارفة وساكته... ولّا كنتي شريكة؟!
أنا كنت مغفل لما افتكرت إنك أمان... لكن انتي كنتي باب دخلوا منه لقلبي وضربوني!"

دموعها انهمرت وهي تهتف:
ــ "والله العظيم ما أعرف حاجة يا رائد! مهاب بيتصرّف من ورايا... ما كانش ليّ يد!"

لكن صوته قطعها كالسيف:
ــ "اسكتي! قسمًا بالله لو لقيت فيكي ذرة خيانة... نهايتك هتكون بإيدي.
من النهارده انتي مش هتطلعي من هنا. هتشوفي يعني إيه تكوني محبوسة... يمكن تحسي بنار بنتي اللي بعدت عني."

وبإشارة حادة منه، أمر رجاله أن يأخذوها. جرّها الحرس رغم توسلاتها، ورائد واقف لا يرمش، كأن عينيه صخرتان.
انغلقت الأبواب خلفها، وصدى صرختها بقي معلقًا في أرجاء البيت.

جلس رائد بعدها على طرف الأريكة، يضغط قبضته حتى اسودّت عروقه، يهمس بين أسنانه:
ــ "الخيانة من القريب... هي أوجع طعنة. بس أنا هردها نار تحرق الكل."

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
في الشرفة السفلية للمنزل، حيث الليل يرخي سدوله على جدران القصر، كانت "يقين" واقفة تنتظر. عرفت من رجاله أنّ رائد عاد غاضبًا، وأن ليلى أُخذت إلى غرفةٍ مغلقة. لم تحتمل الصمت، فوقفت في وجهه.

دخل رائد يجرّ وراءه هالة من السخط، كتفاه مثقلان كجبل، وعيناه جمرتان متقدتان. وقفت يقين أمامه بثباتٍ عنيد، رغم الارتجاف الخفي في قلبها.

قالت بنبرة مشحونة بالأسى:
ــ "إنت هتفضل حابسها لحد إمتى يا رائد؟! ليلى مالهاش ذنب في اللي عمله أخوها! إزاي تعاقبها على حاجة هي ما عملتهاش؟"

توقف لحظة، نظر إليها كمن يواجه مرآةً لا يريد النظر إليها. صوته انفجر خشنًا، يجلجل بين جدران القصر:
ــ "إنتي مالكيش دعوة يا يقين! ما تدخليش في اللي ما يخصكيش! أنا بانتقم لبنتي، ومش هسمح لأي حد يعترضني."

اقتربت خطوة، رفعت رأسها بعزمٍ يائس:
ــ "دي مش رجولة يا رائد... دي مش عدالة.
انت بتعاقب اللي سهل تعاقبه، وسايب اللي خطف بنتك حرّ! ليلى مش عدوتك، ليلى غلطة أخوها وقعت عليها... إنت كده بتتحول لوحش، والوحش ما بيعرفش يميّز."

كلمتها الأخيرة وقعت عليه كالحجر. تضاربت أنفاسه، وجهه يشتعل غضبًا، لكن في أعماقه ارتجف شيء صغير، شيء يخاف أن يسمع الحقيقة.
لوّح بيده بعنف، صرخ:
ــ "اخرسي يا يقين! قبل ما أعتبرك زيها، وأحبسك معاها. أنا  ما فيش عقل ولا قلب،  ما فيش غير نار."

سكتت يقين، دموعها نزلت رغم عنادها. استدارت ببطء، وتركت وراءها شقيقها يختنق بناره، بينما يدفن ما تبقى من إنسانيته في رمادٍ لا يبرد.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
كانت "نيرفانا" واقفة عند نافذة الطابق العلوي، جسدها ساكن لكن قلبها يضج بالأسئلة.
ترى رائد في الصالة، خطواته المتوترة، صوته الجهوري وهو يزجر ليلى، ثم دفعه لها وإغلاقه الباب عليها بقسوة. لم ترَ وجهه كاملًا، لكن ارتعاشة كتفيه وذبول قامته أوحت لها أن ما بداخله أثقل من أن يُحتمل.

شعرت كأنها ترى رجلًا لا يثور على الآخرين، بل ينهش نفسه من الداخل. همست بقلق، تخاطب ذاتها المرتبكة:
ـ "إيه اللي بيحصل؟! بابا متغير… كأنه شايل جبل فوق صدره."

في تلك الأثناء، كانت "يقين" قد تسللت إلى زاوية أخرى، تراقب المشهد بعيونٍ مرتجفة. قلبها سبق عقلها، فانتزعت الهاتف من جيبها بسرعة، وضغطت على الرقم المحفوظ.
وحين جاءها الصوت على الطرف الآخر، همست بخشيةٍ كأنها تعترف بسرٍ خطير:
ـ "أيوه يا عمي صابر… اللي خفنا منه حصل. رائد طالع برا السيطرة… والعين اللي شُفتها دي مش عين غاضب، دي عين واحد رايح على آخر الطريق. إلحقوه قبل ما تحصل كارثة."

أنهت المكالمة، وأنزلت الهاتف من يدها المرتعشة. أما نيرفانا، فوق الشرفة، فظلّت معلقةً بين خوفٍ غامض على أبيها وشفقةٍ لم تفهم لها سببًا.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
كانت نظراتها وجلة، مرتجفة، وعيناها معلّقتان بذلك المسدس الذي يشهره في وجهها. لم تكن "ليلى" خائفة من الموت ذاته، بل من الجنون المتقد في عينيه، من ذلك الغضب الهمجي الذي بدا كبركان على وشك الانفجار.

قال "رائد" بصوتٍ بارد، يقطر سُمًّا، وهو يخطو نحوها ببطء محسوب كذئبٍ يقترب من فريسته الأخيرة:
ــ "شايفة؟ لسه سايبك عايشة لحد دلوقتي… عشان تبقي فاهمة إني راجل طيب. لكن إنتي… إنتي اللي لازم تجاوبيني… عملتوا كده في بنتي ليه؟! هي عملتلكوا إيه؟"

ثم تغيّرت نبرته إلى وعيدٍ حارق، يزمجر من صدره:
ــ "إزاي تسمحي لأخوك الحقير يمد إيده عليها؟ إزاي؟! بنتي كانت أمانة عندكوا… وأمانة دي اتدهست تحت رجليكم!"

ارتعشت "ليلى"، لكنها ابتلعت ريقها الجاف، وصوتها يخرج مرتجفًا رغم محاولتها التماسك:
ــ "أنا… والله ما كان ليا يد. أنا ماعرفش إن مهاب ممكن يعمل كده… ولو كنت أعرف، كنت وقفت قصاد الكل! رائد، صدقني…"

زمجر "رائد"، وهو يطحن أسنانه، كأن النار تعربد في صدره:
ــ "يعني بريئة؟ بريئة وإنتي دمّك من دمّه؟ تماااام… يبقى إنتي هتشيلِ اللي عمله!"

دوّى صوت الطلقة في الغرفة، فارتجّت الجدران.
صرخة "ليلى" اخترقت المكان، حين استقرت الرصاصة في ساقها اليمنى، فسقطت على الأرض كزهرةٍ اقتُلعت من جذورها، والدم ينزف حارًا متدفقًا.

انحنى "رائد" فوقها، قبض على شعرها بقسوة، وصاح بوحشية لا تعرف الرحمة:
ــ "التانية هتيجي فـ دماغك! فاهمة؟! عشان تحسي باللي بنتي حست بيه وهي بتتسحب من حضني! عشان تعيشي رعبها وألمها!"

صرخت، والألم يمزقها:
ــ "أنا مااااعرفش…! صدقني، أنا ماليش علاقة! اقتلني وريحني لو عايز، بس ما تظلمنيش!"

لكن رائد صرخ بعينين تغليان دمًا:
ــ "لأ… مش هقتلك! هسيبك عايشة تتمني الموت! وهخليكي شاهدة طول عمرك على اللي عمله أخوك في نيرفانا! وصدقيني… حسابه جاي، جاي!"

وفجأة دوّى صوت "شامل" من بعيد:
ــ "رااااائد! إنت مجنون؟!"

اندفع نحوه، انتزع السلاح من يده بقوة، فيما كان "رائد" يقاوم بجنون، يدفع ويصيح كأن الشياطين كلها انطلقت من صدره.

وفي اللحظة نفسها، دخلت "يقين"، فشهقت شهقة مكتومة حين رأت "ليلى" مطروحة على الأرض غارقة في دمائها.
صرخ "شامل":
ــ "إطلبي دكتور حالًا يا يقين!"

أسرعت "يقين" تستنجد بالإسعاف، بينما ركعت بجوار ليلى، تضغط على جرحها بوشاحها، والدم يتسلل تحت يديها.

أما "رائد"، فقد بدا كمن خرج من جسده، يهذي، تائهًا، لا يرى إلا صورة واحدة تتكرر أمامه: وجه "نيرفانا"، وهي ترتجف بين يديه، وصرختها التي لم تفارق أذنه…

ــ "بابا… الحقني!"

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
في أحد المكاتب الفخمة على أطراف المدينة، حيث الضوء الخافت ينساب من مصابيح معلّقة بترفٍ صامت، كان "مهاب" يجلس متكئًا على أريكته الجلدية، يراجع بعض الأوراق بين يديه. لم يكن يتوقع أن ينقطع هدوؤه على هذا النحو.

دخل أحد رجاله مسرعًا، ملامحه متوترة، صوته متلعثم:
ــ "باشا… في خبر وحش."

رفع "مهاب" عينيه، تلك النظرة الباردة التي تشبه سيفًا يلمع في الظلام:
ــ "خير؟ اتكلم."

تنحنح الرجل، ثم قال وهو يشيح ببصره:
ــ "أختك… ليلى… اتصابت رصاصة. وهي دلوقتي في طريقها المستشفى."

تجمّد جسد "مهاب" لثوانٍ، كأن الدم انسحب من عروقه. الورق انزلق من يده على الأرض بلا وعي. ثم هب واقفًا، صوته يهدر كالرعد:
ــ "مين اللي عمل كده؟!!!"

ارتبك الرجل، وتردد قبل أن ينطق:
ــ "بيقولوا… رائد الذهبي بنفسه."

ضاقت عينا "مهاب" كأفعى تستعد للانقضاض، وابتسم ابتسامةً ملتوية تحمل كل ما في قلبه من حقدٍ وشرّ:
ــ "رائد… ضرب أختي؟!"

تقدّم خطوتين، قبضته تنغلق كمن يخنق الهواء، ثم بصق الكلمات بصوت منخفض لكنه مسموم:
ــ "يبقى فتح على نفسه باب جهنم بإيده… قسمًا بالله، الدم ده مش هيعدّي بالساهل."

أدار ظهره بعنف، التقط معطفه الجلدي من فوق المقعد، وهو يصيح برجاله:
ــ "جهّزوا العربيات… دلوقتي حالًا. عايز كل واحد من رجّالتي يكون واقف على رجل. من الليلة دي… الذهبي مش هيشوف نوم ولا أمان."

كان في عينيه بريق لا يشبه الغضب فقط، بل قرار بالانتقام، قرار لا عودة فيه.
وما بين صوت خطواته الثقيلة، ورجاله الذين هرعوا لتنفيذ أوامره، كان الهواء نفسه يختنق برائحة الدم القادم.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
كان صوت الصرخات والنداءات يملأ أرجاء الطابق، والممرضون يهرعون في كل اتجاه. انفتح باب الطوارئ بسرعة، اندفع رجال الأمن وهم يحملون "ليلى" على نقالة، الدم يتسرب من ساقها رغم الضغط القوي الذي وضعته "يقين" بوشاحها.

صرخت "يقين" وهي تجري بجوارها:
ــ "دكتور! بسرعة بالله عليكم! نزيفها مش بيقف!"

جاء الطبيب مسرعًا، صوته حاسم وهو يعطي أوامر متلاحقة:
ــ "خيطوا الجرح مؤقت، حضروا غرفة العمليات فورًا! دي رصاصة مستقرة… محتاجين نشوف أشعة ونجهز نقل دم."

كانت "ليلى" تئن بصوت متقطع، وجهها شاحب لكن عينيها لازالتا تحملان تلك النظرة العنيدة. أمسكت يد "يقين" بضعف، وتمتمت:
ــ "هو… ما صدقنيش… هو هيموتني."

تعليقات