رواية قلب السلطة الفصل السابع والثلاثون
رائد يدخل الصالون بخطوات واثقة يستعيد قناعه البارد بعد مغادرته غرفته لیلی بری نيرفانا
جالسة بعيدًا على أريكة صامتة، تنظر إلى الفراغ.
رائد
بصوت يجمع بين الحنان المصطنع والتحذير إيه يا حبيبتي، قاعدة لوحدك ليه ؟
لير فاذا ترفع نظرها إليه، لا تجيب عينيها وتصدقان بـ "حازم" و "الملف البني".
نيرفانا
(بهدوء بارد) كنت بفكر ... في حازم.
رائد يقترب منها بسرعة ويجلس بجوارها، نبرته التحول لـ همس حاد
رائد
(بحدة) إيالا تنطق الاسم ده تاني ده ملف لازم يتقفل دلوقتي ليقي ام ليلي فوق ، لازم تنزل وتمثل إن كل حاجة تمام ما تجيش أي سيرة للي حصل، أو التي يمكن أن يحصل، مفهوم؟ لبرفانا
نظرة تحد خائفة) مفهوم يا دادي بس هو إيه اللي ممكن يحصل أو مهاب نقد تهديده؟ ايه اللي هتخسره أكثر من السلطة ؟
رائد يضغط على ذراعها بغضب مكتوم، ثم يهمس بوعيد، يبعد يكشف عن جزء من الحقيقة.
راند
أخسر حياتي وإنت هنعيشي بعار مش هتقدري تستحمليه السلطة من فلوس وبس، السلطة هي اللي بتدفن المصايب تحتها.
في تلك اللحظة، من جرس الباب.
نيرفانا
تتراجع، يتوتر) ده أكيد أونكل شامل.
رائد يبتسم ابتسامة سريعة كاذبة، ينهض ويشد ملابسه.
رائد
(بصوت عال ومرح مصطنع) تمام يلا بينا ابتسمي يا نيرفانا ، وداعاً لمشاكلك.
يقترب لطفي (الخادم) من الباب
الطفي
يفتح الباب، بصوت معناد أهلاً يا أستاذ شامل.
يدخل شامل، يبدو مرهقاً شرقياً بعض الشيء، رغم محاولته ارتداء ملابسه بأناقة. عيناه واسعتان، لا تزال تحملان بقایا کابوسه
يلتقي نظر شامل به نيرفانا التوتر بينهما هائل، لكنه توتر مختلف نيرفانا تحمل سر كذبة
الخطف، وشامل يحمل سر كابوسه الغامض.
شامل
يسير بسرعة نحو نيرفانا، يتجاهل رائد مؤقتًا نيرفانا إيه اللي حصل ده؟ أنا... يتوقف.
يلاحظ برودها).
نيرفانا تبتسم ابتسامة خافتة تقترب لتبادل الترحيب المصطنع، بينما يحاصرها رائد بنظراته التي تطالبها بالتمثيل بإتقان.
نيرفانا
ات يضمه باصطناع بصوت هادئ ومتحكم اونكل شامل .... أنا كويسة دلوقتي، شكراً إنك جيت
في هذه الأثناء، يظهر صوت يقين من الدرج، وهي تنادي على رائد، وتشير إليه بعينيها أن نيفين تنتظر في غرفة أخرى.
يقين
راند طنط ليفين بتستناك
قلب السلطة بقلمي مرود البطراوي
راند بهز رأسه، يبتعد عن شامل ونيرفانا جاي، لكنه يمرر نظرة أخيرة لـ نيرفانا تحمل معنى
"إياك أن تخطئي".
رائد (بصوت رسمي أهلا بك يا شامل نيرفانا بخير دلوقت، هروح اشوف نيفين هاتم أولاً، خد راحتك.
يغادر رائد نحو الغرفة الأخرى. يتبعه لطفي.
نيرفانا وشامل يقفان الآن وحدهما في الصالون المترامي الأطراف الصمت يخيم، مملوء بما لم يقل.
شامل (بنيرة منخفضة ومفعمة بالقلق الحقيقي) كويسة؟ إنت مش كويسة يا نيرفانا. إيه اللي حصل معاكي بالضبط؟ وليه حسيت إنك عايزة تتكلمي معايا في التليفون؟
نيرفانا تتذكر كتبها الأخير علي والدها ، ثم تتذكر الملف البني الذي كشف أسرار أبيها، تشعر بأنها عالقة بين كذبتها وحقيقة رائد.
نيرفانا اتتنهد، وتنظر إليه بعمق عايزة أتكلم معاك في كل حاجة يا أونكل شامل ... بس مش هنا.
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوي .
كانت الحديقة ملاذاً من ضوضاء الصالون الباردة، لكنها لم تكن ملاذاً من التوتر، سارت نيرفانا وشامل في الممشى المظلل بأشجار الصنوبر حيث كان الضوء خافتاً والأصوات تأتي مكتومة من الداخل.
شامل لم ينتظر طويلا.
شامل يتوقف فجأة يلتفت إليها بملامح مرهفة ايه اللي حصل معاك يا نيرفانا؟ أنا شايفك...... كانك بتغوصي، إنتي مش الطفلة اللي أنا اعرفها اللي بتعرف تحبي حتى كذبها.
نيرفانا اترفع عينيها، تحمل نظرتها الآن تحدياً خافتاً وقراراً كاهناً متأكد انك عايز تعرف ؟
الحقيقة .... الحقيقة مش هتريحك يا أونكل شامل بالعكس ممكن تخليك تنهار خالص
شامل يتراجع خطوة، كان كلماتها صفعته إيه الكلام ده؟ إنهيارة انا ... أنا شفت الكوابيس ثاني يا نيرفانا، الكابوس اللي بيطاردني من سنين المرة دي كان أقوى وأوضح فيه صوت... صوت حد بيصرخ.
ليرفانا (تتمتم، وهي تقاوم رغبتها في البكاء) إحدا مش ممكن تتكلم في الكوابيس دلوقتي احنا لازم تتكلم في... حازم.
شامل (صوته يرتجف، واللون يختفي من وجهه إنتي ... إنتي جبتي الاسم ده منين؟ إنتي تعرفي حازم؟
ليرفانا اتتقدم خطوة عازمة على عدم التراجع أنا عرفت كل حاجة يا أونكل شامل. عرفت ليه بابا خايف من مهاب عرفت ليه السلطة هي اللي بتدفن المصايب تحتها، وعارفة إيه هو الملف البني.
أغلقت نيرفانا المسافة بينهما. أصبحت قريبة جداً، وهمست بكلمات تحطم شامل ببطى وكأنها تنتقم الحازم ولنفسها:
نيرفانا راند.... أبويا ... هو اللي هيقتل حازم، وهو اللي هيخلى الكابوس يطاردنا ..
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوي .
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى .
في نفس اللحظة، كان رائد يجلس مقابل نيفين (والدة ليلى). كان يقدم لها وجهه الودود الزوج القلق، بينما كانت نيفين تحاول عبداً إخفاء قلقها الذي لم يسكنه خير الحمل.
نيفين بصوت مهزوز، تنظر في عيني رائد مباشرة يا رائد، أنا مش قلقانة من الحمل. يقين قالتلي ليلى بتتوحم بس أنا شايفة بنتي هي شاحبة، وحشت، ولما شفتها مكنتش قادرة تضحك بجد هي بتخبي حاجة، وأنا قلبي مش مطمن.
رائد يبتسم ابتسامة أبوية مصطنعة، يميل للأمام ليظهر اهتماماً زائداً يا حبيبتي یا لیفین هانم انتي بس قلقانة عشان وحشاك، وكمان ليلى بتمر بأول تجربة حمل ليها، والقلق ده طبيعي. وبعدين دي كانت فترة صعبة عليها شوية لما كانت نيرفانا مش موجودة . توتر البيت بصفة
عامة، وانتي عارفة.
نيقين تضغط على يدها، تتجاهل تبريره العام) التوتر مش بيعمل كدمات يا رائد، أنا شفت علامات غربية على رجلها، ووضها مصفر. أنا محتاجة أعرف إيه التي حصل بالضبط وهي لوحدها ؟
رائد يسحب يده ببطء نظرة عابرة من البرود القاتل تظهر في عينيه، ثم يخفيها ببراعة خلف قناع الزوج الحنون، هو يعلم أن نيفين قوية الملاحظة وقد رأت موضع الطلقة تحت الجبس .
رائد (بصوت هادئ وموثوق يخفض نيرته ليصبح الأمر سرياً مفيش حاجه يا نيفين هانم تقلقك دي بس كدمة بسيطة من وقوعها في المطبخ من كام يوم. وهي بتنزل بسرعة. أنا طلبت من يقين تخلي بالها منها. إنتي عارفة ليلى بتحاول تعمل كل حاجة لوحدها، مفيش أي سبب للخوف.
نيفين ترفع حاجبيها بشك، تتفحص رائد وكأنها تقيس مدى صدقه وقوع في المطبخ ؟ ووصل الدرجة إنها مش قادرة تتحرك طبيعي؟ راند.... إنت بقيت بتخبي عليا أكثر من اللازم
رائد ينهي الحوار بابتسامة حاسمة، ينهض أنا يخاف على سلامتك وسلامة ليلى وبيتها، يا نيفين هانم وجودك دلوقتي جنبها هو أحسن علاج أنا هشوف لو محتاجة حاجة، وبعدين هنزل ثاني عشان شامل.
يخرج راند. تاركاً نيفين جالسة في غرفة الاستقبال، وعيناها مليئة بالريبة، كانت تشعر بأنها قريبة جداً من لمس الحقيقة، لكن قلب السلطة كان يحجب عنها الرؤية بقوة.
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى .
خرجت نيفين من غرفة الاستقبال وقلبها يغلي بالقلق كلمات رائد الحنونة الموثوقة لم تستطع أن تطفئ الشك الذي أضاءته عينا ابنتها الشاحبتان، اتجهت مباشرة نحو الطابق العلوي.
في الغرفة، كانت ليلى ما تزال تتكئ إلى الحائط، بينما كانت يقين تقف بالقرب منها، تعدل الغطاء عليها بحذر
نيفين أتدخل بهدوء، لكن ملامحها الجادة تخير الجميع أن المناورة قد انتهت يقين... حبيبتي. ممكن تسيبيني أنا وليلى لوحدنا شوية؟ عايزة أطمن عليها بنفسي.
يقين نظرت إلى ليلى نظرة سريعة، تفهمت منها ليلى الرسالة: حافظي على القناع. يقين (بابتسامة مطمئنة طبعا يا طنط، أنا هنزل أشوف رائد أو محتاج حاجة.
خرجت يقين وأغلقت الباب بهدوء، تاركة الأم وابنتها في صمت تقيل لم يقطعه سوى صوت انفاسهما.
نيفين اقتربت جلست على حافة السرير ولم تحتضن ليلى هذه المرة بدلاً من ذلك، وضعت يدها على الجبس الذي يغطي ساق لينى، تضغط عليه برفق.
ليفين بصوت منخفض، حازم ومفعم بالعاطفة رائد قال إنك وقعتي في المطبخ، والكدمة دي بسيطة. أنا أقسم بالله يا ليلي، لو ما قولتيلي الحقيقة، أنا اللي هعمل مصيبة دلوقتي.
ليلى تهرب بعينيها، تحاول أن تبتسم بضعف يا ماما ... مفيش حاجة. انتي مكبرة الموضوع، هو بس الحمل، وأنا كنت مش مركزة. و.....
نيفين (تقطع كلامها بحدة غير معهودة كفاية تمثيل : أنت من يتمثلي عليا أنا، أنت يتمثلي عليكي انتا أنت بتهربي من الألم دي مش كدمة لو كانت كدمة بسيطة، مكتنيش هتبقي بتتعاملي مع كل نفس كأنه سرقة قوليلي يا حبيبة ماما ... إيه اللي حصل ؟
ليلي صحبت نفساً، لكن الشهقة التي كتمتها سابقاً انفجرت الآن كدموع ساخنة على خديها، لم اتستطع المقاومة أمام نبرة والدتها القلقة. لكنها تذكرت مهاب وتذكرت رائد، وتذكرت يقين الحقيقة تمنها حياتها، وحياة طفلها.
ليلى انتمسك بالخيط الرفيع للكذبة، صوتها مخنوق بالدموع يا ماما ... أنا خايفة. أنا خايفة من مهاب اخويا .
ليفين (تومي برأسها تقترب أكثر مهاب؟ إيه دخل مهاب دلوقتي؟ او قصدك على اللي حصل زمان بینه و بين ابوكي و عن رائد ده موضوع قديم وخلص
ليلى انهز رأسها نفياً، عيناها تلتمعان بالرعب الصادق مخلصش، هو لسه بيبعتلي رسايل .... بـ بيهددني إن لازم اسيب رائد اللي بدأت احسه آن رائد خايف منه عشان كده حابسني هنا، أنا مش عايزاه يعرف اني قولتلك ارجوكي.... ارجعي سافري او روحي اقعد عند خالتي و متعرفهوش انك جيتي هنا .
نيفين نظرت في عمق عيني ابنتها، كانت الدموع صادقة، والخوف صادق، لكن السبب .... هل كان مهاب وحده؟
نيفين الضغط على يد ليلى، نبكي معها صمتاً) إنتي بتخافي على نفسك.... ولا بتخافي على راند؟
سؤال بسيط، لكنه أصاب ليلى في مقتل الصمت الذي تبع السؤال كان جواباً أبلغ من أي اعتراف
ليلى (تنظر إلى الجبس، ثم تهمس، وهي تكاد لا تسمع أنا عايزة الأمان يا ماما... الأمان ليا وللي جای
لیفین شعرت بوخز بارد يجتاحها، أدركت أن ابنتها لم تعد تخاف من شيخ مهاب بقدر خوفها من أن تكتشف ليفين الحقيقة كاملة، فتدمر هذا "الأمان" الهش الذي بناه رائد الأمان في هذا البيت لم يكن مشروطاً بالبقاء، بل بالصمت..... كان قلب السلطة يمتص أرواح الجميع، والآن يمتص روحابنتها.
انسحبت نيفين بجسد منهك، وكأنها هي التي أصابتها الطلقة، قررت أن تصمت مؤقتاً، لكن عينيها كانتا تعدان خطة لفك لغز هذا الصمت الثقيل.
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوي .
في تلك الأثناء، كان رائد قد خرج من غرفة الاستقبال..
تنهد "رائد" بعمق، كانما تخلص للتو من عبد التمثيل، وسرعان ما انطفأت ابتسامته المصطنعة
نقض رأسه بخفة كمن يتخلص من أثر انفعال داخلي، وأدار نظره ليرى صديقه "شامل" وقد جلس إلى جوار "نيرفانا"، يربت على شعرها بحنان بينما كانت هي تبتسم برقة لم تخف ما بداخلها من جراح.
بعد أن خرجت والدتها ( نيفين) من الغرفة، تاركة وراءها صمنا موحشا، أغمضت ليلي عينيها. وراحت تستند برأسها إلى الحائط البارد، أخيرا، زال ضغط التمثيل أمام نيفين، كانت تشعر بالإنهاك ليس لكونها مريضة، بل لكونها مقاتلة مجبرة على خوض معارك لا تنتهي.
النقط أنفاسي المبعثرة، كمن يلتقط فتات روحه من رياح عالية، وأنهياً لاحتساء كأس جديد من كؤوس الحياة الملعونة.... تلك التي لا تشرب بل تجرع جرعا، حتى تلهب الحلق وتحرق الأحشاء. لطالما قالوا: "الحياة ليست عادلة"، وكنت أرددها كييفاء يردد صدى لا يدرك عمقه ... كنت أظنها جملة تمر على اللسان كنسيم عابر حتى ساقني القدر إلى منحدرها، والثاني في قلب معناها..... هناك حيث العدالة تجر على مقاس الأقدار، لا على مقاس البشر.
ورغم الوجع، أيقنت أن كل ما خطه الله في لوحه، وإن بدت مرارته قاتلة، فهو الخير بعينه.... لكن هذا الخير لا يدرك إلا حين تجبر على تذوق حروفه، واحدة تلو الأخرى .... كأنك تلوك الحياة بأسنانك، وتبلغها بغضة، ثم تتجرعها كدواء من لا مهرب منه.
أما عني ... فمن أكون؟ إن جاز لي أن أعرف نفسي، فأنا النسيم الذي يمر بك في لحظة غفلة. فينعشك دون أن تدري ثم يترك فيك شيئا لا تعرف له اسما.... أنا ذلك الشعور الغامض الذي يخترقك دون استندان، يداعب قلبك ويوقظك من سباتك، ثم يتلاشي قبل أن تمسك به.
أنا ليلى .... لكن ليلى اليوم ليست كما كانت بالأمس ليلى تغيرت ..... تشكلت من رماد، وارتفعت من انكساراتها كطائر العنقاء مجنحة بألم قديم، وشوق أبدي للمعنى.
حوار داخلي - بصوت ليلى ليه يا دنيا ؟ ليه بتربطينا بالحبال، وتسحبينا في سكنك واحدا نارفين؟ ليه لما تبتسم، بتستني لحظة الغفلة وتدينا على وشتاء بس عارفة ... يمكن ده اللي بيخلينا لكمل الوجع ! أم هو الوجع اللي بيعرفنا إحنا مين، وبيفهمنا إحنا عايزين إيه.
صوت الهاتف يرن - اسم "عائشة" يظهر على الشاشة)
ترددت الوان، ثم التقطت الهاتف بيد مرتجفة. كانت تعلم أن صوت صديقتها الوحيدة كفيل بأن يوقظ فيها كل ما تحاول كتمانه.
لیلی (بصوت خافت يكاد يكون همساً مستسلماً): أيوه يا عائشة.....
عائشة (بقلق ظاهر) : انتي فين يا ليلى ؟ من إسبوع مش بتردي ... قلبي مقبوض، مالك ١٢ صوتك منهد، فيكي ايه ؟
ليلى بابتسامة متعبة لا ترى، تلتقط قواها المبعثرة): أنا ؟... أنا تمام بقطع شوبة خيوط قديمة ..... ويخيط نفسي من أول وجديد.
عائشة: يعني ايه؟) التي يتتكلمي كإنك ماشية في جنازة متى يتفتحي قلبك لصاحبتك.... ليلى. بالله عليكي، احكيلي، التي مخبية إيه ؟
ليلي بصوت متهدج، تنهار أخيرا أمام صديقتها: أنا تعبت عائشة ... تعبت من الدور اللي طول الوقت المفروض أكون فيه قوية .... كل ما أضعف، يقولوا لي: "انتي قدها ... طب ما أنا مش. قدها ! أنا بشر، ومكسورة، وقلبي بيوجعني.....
عائشة بحنان وغصة: يا قلبي عارفة إنك تعبانة ... بس اللي مزيتي بيه مش نهاية الدنيا .... الحكاية ما خلصتش.... وانتي لسه قادرة تبني من التعب ده حكاية أقوى.
ليلي بس أنا زهقت من البناء... زهقت من كل مرة أنهض فيها ألاقي الأرض بتتهز من تحتي، أنا مش عايزة أكون جبل .... أنا نفسي أكون وردة بس محدش بيحمي الورد.... كله بيقطفه.
عائشة: والله ما أنتي وردة وبس... انتي جنينة بحالها، بس مش كل اللي دخلها كان يستاهل يشم ريحتها.
ليلى تضحك ضحكة باهنة): الكلام طالع من قلبك بس مش داخل قلبي....
عائشة طول ما فيكي نفس هيفضل فيكي أمل .... بس سيبي لنفسك فرصة، ما تكونيش دايقا ضدها.
ليلى تستعيد قوتها فجأة، تعيد بناء قناعها الجديد الذي قررت ارتداءه: هسيب النفسي فرصة ..... مش عشانهم، ولا عشان الدنيا، ولا عشان الوجع ... هسيبها عشان اللي جوايا... اللي لسه بيصرخ وبيقول : " أنا عايز أعيش، حتى لو مفيش حد جنبي".
عائشة (بدمعة تسمعها في صوتها وهنعيشي يا ليلى... وهتضحكي، وهتلاقي اللي يعرف قيمة الوجع اللي جواك بس استني شمسك، ما تطفيهاش بإيدك.
ليلى بهدوء بشبه الغروب نيرتها تحمل القرارا: أنا مستنية ... بس المرة دي مستنية نفسي.
كان دفء الصباح قد انسحب عن الاركان تاركا خلفه هدوء ساكنة تتسلل بين ستائر الغرفة
کنسیم خجول، بينما جلست نيفين على حافة السرير، هي عادت إلى الغرفة، تحدق في ابنتها بنظرة مفعمة بالحنان، كأنها تحصي وجعها وتقرأ بين ملامحها فصولا من التعب والصمت المكابر.
مدت يدها تتحسس شعر ابنتها بأنامل مرتعشة. وقالت بصوت اختلط فيه الفرح بالامتنان:
أنا مهما قلت مش هقدر أوصفلك فرحتي يا حبيبة قلب مامال
كلماتها دخلت كما تخرج الروح زفيرا عميقا بعد غرق طويل، أما ليلى، فكانت ابتسامتها أشبه بقناع مشروح ... متكلف، لا يصل عينيها، كأنها تقع ملامحها لتجمل الحياة، لا أكثر.
قالت بصوت خفيض
ربنا يخليكي ليا يا ماما ... ويفرح قلبك أكثر
ابتسمت ليفين بحنو رقيق، ثم استدركت بنبرة مفعمة بالأمومة التي لا يطفتها الزمن، وهي تذكر شكها السابق:
أه بس أنا مش عايزاكي تسمعي كل كلام الدكاترة كده، إنتي تستريحي ؟ أه، ماهي ... إنما الدكتور اللي يقولك ماتقدميش خالص؟ لذا ما تسمعيش كلامه دي الحركة بركة يا بنتي
- يا نيفين هانم
قالتها يقين تم اضافته بلطف ممهور بالحزم
ليلي في أول الشهور ومش حمل نزلة برد حتى اللازم تسمع كلام الدكتور حرفيا ... لحد ما تبقى
في الأمان هي والبيبي.
تجمدت نيفين في مكانها، ثم نظرت إلى يقين نظرة خفيفة امتزج فيها الاستغراب بالإذعان.
وقالت بنبرة فيها شيء من استدعاء الماضي:
آیوه یا یقین هانم.... بس أنا لما كنت حامل فيها ماكنتش يقعد خالصا كنت عاملة في الموتور ما بيفقش لحظة | فضلت على رجلي لحد يوم ولادتها، والله العظيم
ضحكت يقين وهي تمازجها لتلطيف الأجواء، وتشتيت انتباه نيفين عن حدة تصرفاتها:
انتي هتقارني بنات اليومين دول بيكوا؟ انتوا يا بتوع زمان العافية فيكوا كانت بالدلق..... تيجي إيه ليلى جنبك 15 دي ما تستحملش تغير مفرش السرير من غير ما تشتكي.
قهقهت نيفين ضاحكة، ثم أردفت بنبرة حنونة لا تخلو من العتاب المغلف بالدعاية:
على رأيك والله البنت دي طول عمرها مسمومة .... تسيب أكلي وتروح تاكل برا، لحد ما بقات منفوخة من بزا، ومن جوا؟ ما تلاقيش فيها حنة سليمة |
لم تجب ليلى إلا بابتسامة تهكمية باردة، ثم قالت بنيرة خافتة ممزوجة بالضيق
ماشي يا ماما .... عايريني كمان قدام الناس
وهنا تداخل صوت يقين، التي ابتسمت يمكر لطيف وقالت بنيرة تنطوي على عتاب ساخر:
هو أنا بردو ناس با مرات اخويا ؟
رمقتها ليلى بصمت مطول نظرة هازئة لا تخلو من المرارة، قبل أن تشيح بوجهها عنها في صمت تقبل، كأن الهواء قد تناقل في صدرها فجأة.
أحشت نيفين بالتوتر يسري في الهواء كخيط خفي لا يرى، لكن يحش... رمقت ابنتها ثم يقين. تارة وتارة، وعقدت حاجبيها قليلاً، بينما بدا في عينيها سؤال لم تنطق به. تداركت يقين الموقف سريعًا، كأنها قرأت أفكار الحماة قبل أن تستقل فقالت يمرح مفتعل التكسر الصمت
انتي بقى هنتعشي معانا الليلة يا نيفين هاتم؟ إحنا عاملين أحلى عشا بمناسبة الرجوع نيرفانا بالسلامة.
هزت لیفین رأسها معتذرة بلطف
معلش يا يقين هانم مش هقدر أنا كنت واعدة أختي شكران أبيت عندها النهاردة، وهي مستنياني على العشا... بس مرة ثانية إن شاء الله.
ابتسمت يقين بحفاوة مصطنعة، وغمرت بعينها مازحة:
ماشي هسامحك المرة دي.... بس أعمل حسابك في يوم تقضيه معانا من أوله لاخره، ولازم
يبقى قريب
ردت ليفين بابتسامة حبيبة، ثم قامت من مجلسها على محل، وهي تربت على يد ليلى يستو و همست لها:
- خلي بالك من نفسك يا نور عيني ... وأوعي تنامي وانتي زعلانة، عشان الزعل بيوجع البطن
والبيبي .
هزت ليلى رأسها دون أن تنطق، وظلت واجمة تنظر إلى النقطة ذاتها في الفراغ.
أما يقين، فرافقتها إلى باب الغرفة، وبينما توقعها بابتسامات مجاملة، كانت عيناها تلتفتان من حين لآخر إلى ليلي، كأنها تبحث في قسماتها عن شيء ما ... شيء لم يقال بعد، لكنه لا يخانين جيدا
وحين أغلق الباب وراء تيفين، وعم السكون المكان اتكأت يقين على الحائط تتنهد تنهيدة ثقيلة.
ثم قالت بصوت خفيض فيه سخرية لاذعة:
بتعرفي تمثلي كويس قوي... بس مهما كنت بارعة. في حاجات ما بتتخباش.
لم تجبها ليلى، بل أغمضت عينيها كمن يعلق على نفسه بوابة الألم، وراحت تحدث نفسها بصمت داخلي:
"ما حدش يعرف الوجع إلا صاحبه.... واخوكي طول عمره ما بيسمعش غير صوت نفسه یا يقين "
قلب السلطة بقلمي مروة البطراوي .
كان الليل قد تمدد في الأفق كعباءة سوداء لا يعلمها إلا وهج ضوء خافت من الأباجورة المائلة فوق الطاولة في الصالون، يتهامس مع دخان السجائر المتصاعد في بطء تقبل جلس "رائد" فوق الأريكة الجلدية، وملامحه يكسوها ذلك العبوس الضائع بين الحيرة والغضب المكظوم وقد تطايرت سحب من الدخان من فمه وأنفه في أن كأنما كان يطرد دخان الحقيقة المريرة التي كادت أن تتسرب في اجتماعه الأخير.
قال بنيرة منهكة وهو ينفت زفرته، مستذكراً ليلى وسرها القائل:
مش عارف أتصرف معاها إزاي وهي حامل كده
رمقه "شامل " بنظرة حادة متذكراً كشف نيرفانا عن التدبير ل قتل حازم، وغضبه المكبوت من راند)، قبل أن يرد بلهجة مقتضبة لكنها مشبعة بالحسم:
من المفروض تعمل معاها أي حاجة، لا وهي حامل ولا حتى بعد ما تولدا دي خلاص ... بقت أم العيالك، سواء بنتك أو ابنك، وده وضع ما ينفعش يتلعب بيه.
أطرق "رائد" برأسه، ثم سحق عقب سيجارته في المنفضة أمامه بحركات عصبية كأنها يسحق بها فهذا مكتوما:
يعني أسيب حقي ؟ أنا ؟! أنا ما اتعودتش أسيب حقي أبدا... ما بالك بقى بينتي ؟! دي مش لعبة دي.
تنهد "شامل"، ومزر يده على وجهه في تعب صامت، ثم قال بصوت خفيض، محاولاً حماية ليلى من مصير حازم
- معلش النازل المرة دي.
استدار "رائد" نحوه بحدة، وعيناه للتمعان بغضب:
لان طبقا لذا أنا ها صير بس.... لحد ما تولد، وبعد كده.... هتشوف يعينك معمل فيها ايه!
اعتدل "شامل" في جلسته، ثم قال بنفاذ صبر:
هتعمل إيه يعني ؟ هتقتلها ؟!
ابتسم "رائد" ابتسامة ساخرة، تحمل من الغيظ أكثر مما تحمل من التهكم، ثم تمتم ببطء، كأنما بهدد
لا من مقتلها.... إنما هخليها تتمنى إني أقتلها، أنا مطلع الغرور والتناكة اللي ماليين وشها. مطلعهم على جنتها .... بس اصبر.
اشار "شامل " بيده في حركة ضجر، محاولاً العودة إلى قناع العمل بعد فشله في إنقاذ ليلى:
- اعمل اللي انت عايزه إنت حر بس اللي يهمني دلوقتي إنك تركز معايا اليومين دول صفقة السلاح الجابة دي مش لعب عيال دي من أكبر الصفقات اللي إحنا اشتغلنا عليها ... ومش.
ناقصين غلطة.
مال رائد" للأمام، وراح يتحدث بجدية وقد هذا صوته:
ما تقلقش انا مش ناسي بكرة الصبح تعالى لي بدري، تقعد وترسم كل حاجة على رواقة .... وبالمرة توصل ليرفان المدرسة.
رفع "شامل" حاجبيه في دهشة
- يعني ناوي تسببها تروح المدرسة عادي ؟ تخرج من البيت كده؟
هر "رائد" كتفيه باستخفاف:
ايوه عادي ... هضيع مستقبلها يعني ؟
زفر "شامل " بقوة، وقال بقلق:
أنا مش بتكلم عن تعليمها... أنا يتكلم عن الخطر اللي حواليكا
ابتسم "رائد" بسخرية مستترة، ثم قال بنيرة هادئة تحمل ما يشي بالدهاء:
عيب عليك يا شامل .... إنت شايفني غبي ؟! أنا بتعلم من أول مرة، وكل حركة ليها تمن.
حذق فيه "شامل " قليلاً، فقد كان يعلم أن رائد الآن يخطط لاستخدام نيرفانا كطعم أو كأداة أخرى، تماماً كما استخدمه هو في قضية حازم.
يعني ايه؟ ناوي تعمل إيه؟
نهض "رائد" عن الأريكة، وأدار وجهه مبتسفا بسخرية، ثم قال:
ما تشغلش بالك، أنا أدري بمصلحة بنتي ... المهم تيجي بكرة بدري وخلاص.
زم "شامل " شفتيه، ثم قال بإذعان:
أوك..
في تلك اللحظة، لمح "رائد" من بعيد خيالا يهبط درجات السلم، مقدراً أن تكون حماته العزيزة (نيفين) قد استغنت عن قضاء الليلة مع أختها شكران، وعادت المتسلل، فابتسم وقال :
- خليك قاعد أنا ها روح أسلم على حماتي العزيزة ... وراجعلك ثاني
وانطلق "رائد" نحو السلم بخطوات متزنة تخفي تحتها اضطرابا دفينا، بينما تابع "شامل"
حركته بنظرة نصف ساهمة، نصف متوجسة مرتاباً من نية رائد في مقابلة نيفين.
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوي .
انطلق "رائد" نحو السلم بخطوات متزنة تخفي تحتها اضطرابا دفيلا، بينما تابع " شامل " حركته بنظرة نصف ساهمة، نصف متوجسة، مرتاباً من نية رائد في مقابلة نيفين.
وفي الطابق السفلي، كانت "نيفين " تنزل السلم ببطء، وقبضت على الدرابزين كأنها تبحث عن توازن داخلی ضائع حين لمحته، تبسمت في حياء مصطنع (حياء الخائف، لا الخجل)، لكنه بادرها بصوته الأجس
- مساء الفل يا ماما نيفين... نورتينا.
ابتسمت بفتور وقالت:
مساء الخير يا رائد.
اقترب منها وهو يمد يده مصافحا ثم قال مخاطباً إياها بـ "ماما" في محاولة لامتصاص
غضبها وشكها
ليلي كانت فرحانة بوجودك .
تغير وجه "ليفين" قليلا، ثم قالت بنبرة ذات مغزى تلمح إلى قناع ليلى الواهن:
بس الظاهر إن الفرحانين بيخنوا فرحتهم كويس قوي.
أدرك "رائد" مرارة الجملة، لكنه اكتفى بصمت لبق، قبل أن يقول، محاولاً التحكم في زمن المواجهة:
- تعالى ترتب يوم كده تتكلم فيه براحتنا... أنا عاوز أسمع منك شوية حاجات.
نظرت إليه باستفهام ثم قالت:
