رواية حنين الفصل الثالث 3 بقلم امل عبدالرازق

 

 



رواية حنين الفصل الثالث بقلم امل عبدالرازق

كانت السماء تميل إلى الغروب حين وصلت حنين إلى الإسكندرية.
الهواء الممزوج برائحة البحر لامس وجهها برفق، كأنما يواسيها على ما ألمّ بها من وجع.
وقفت أمام باب بيت أسرتها، وقلبها يخفق بسرعة، والدموع تتجمع في عينيها قبل أن ترفع يدها لتقرع الجرس.

لم تمضِ ثوانٍ حتى فُتح الباب، وظهرت أحلام، والدتها، بعينيها المليئتين بالشوق واللهفة.
وقبل أن تنطق بكلمة، ارتمت حنين في حضنها بقوة، كأنها تبحث عن ملاذٍ من قسوة الدنيا.

شهقت أحلام من منظر ابنتها، وضمّتها إليها بقلق وهي تهمس بصوت مرتجف:
مالك يا بنتي؟ فيكي إيه؟ حصل إيه يا حنين؟

حنين كانت بتبكي من غير ما تقدر ترد، صوتها مخنوق ودموعها سايحة على كتف أمها.

في اللحظة دي دخل رشاد من باب الشقة، لابس هدوم الشغل ووشه عليه تعب السنين، لكن أول ما شاف المشهد قال بقلق:
رشاد: مالك يا حبيبة قلبي؟ إيه اللي حصل لكل دا؟!

قرب منها بسرعة، مسك وشها بإيده وقال وهو بيحاول يفهم

رشاد: أمير اتواصل معايا وقالي كل اللي حصل، كان جاي بس أمه تعبت وراحت المستشفى، بلاش تظلميه يا بنتي، دا بيحبك وشاريكِ.

حنين: كل حاجة بيني وبينه انتهت خلاص يا بابا.

أحلام بصّت لهم بخوف وقلق وقالت:
حد يفهمني حصل إيه؟ أوعي يا حنين تكون حماتك ضايقتك؟!
دا أنا أروح لها بنفسي وأوقفها عند حدها والله!

حنين صرخت بانهيار وهي بتبعد عنهم:
 خلاص يا ماما بقى! أنا مش عايزة أرجع هناك تاني، أنا تعبت!

سمعت كلام يكسر أي ست، اتوجعت كتير أوي، 
هو أنا اللي اخترت أكون مش بخلف؟!

لا الحمد لله، أنا معنديش مشكلة، بس هو من حقه يكون أب…
وأنا سيبته في حاله، سيبوني في حالي بقى بالله عليكم!

انهارت على الأريكة، ودفنت وجهها بين كفيها، بينما الدموع تنهمر بغزارة.
اقتربت أحلام منها واحتضنتها بصمتٍ موجع،
أما رشاد فظل واقفًا في مكانه، تتقاطع في عينيه مشاعر الحزن والشفقة، يخشى أن تكون هذه حقًا نهاية الحكاية.

ساد الصمت البيت، ولم يُسمع سوى هدير البحر من بعيد، كأنه يشاركهم الحزن وينشد رثاءً لحبٍّ انتهى قبل أوانه.

______

بعد مرور أسبوعين

تحسّنت حالة سارة الصحية قليلًا، لكنها لم تترك أمير لحاله. كانت تراقبه في كل تصرف، تخشى أن يتواصل مع حنين التي أغلقت هاتفها تمامًا وابتعدت عن كل شيء.

دخلت سارة غرفته ذات مساء، فوجدته جالسًا في الظلام، لا صوت إلا أنفاسه الثقيلة.

سارة: هتفضل كده يا أمير؟ قاعد في الضلمة وسايب نفسك بالشكل دا؟ قوم يا ابني إحلق وارجع شغلك وشوف حياتك.

اقتربت منه خطوة وأضافت بنبرة خفيفة:
سارة: وبالمناسبة، أنا شوفتلك عروسة زي العسل… مطلقة، بس عندها أطفال عايشين مع أبوهم، يعني موضوع الخلفة مضمون، وكمان جميلة وممرضة زيك.

ظل أمير صامتًا، ظل أمير صامتًا، يحدق في العدم وكأنه لم يسمعها.

فرفعت سارة حاجبها وقالت:
سارة: وانت تعرفها كمان، أنا عايزاك تمشي ورا أمك وهتكسب.

رفع رأسه ونظر إليها بنظرة عتاب حادة:
أمير: يعني حضرتك شايفة إن دا وقت مناسب لكلامك؟
هو أنا معنديش دم ولا إحساس ولا مشاعر؟
بتتحكمي فيا كإني عيل صغير بياخد أوامره من أمه!

ارتبكت سارة وحاولت تهدئته:
سارة: أنا خايفة عليك يا ابني، مش أكتر.

لكن أمير أكمل بصوت متألم:
أمير: لولا تعبك والله ما كنت سكت على اللي بيحصل.
 
وأكمل بخسرة:
كان ممكن تسيبيني أعيش سعيد مع الست اللي حبيتها، أنا راضي، وهي فاهماني ومريحاني.
بس انتي فضلتِ تضغطي علينا.

خفض رأسه للحظة وأخذ نفسًا عميقًا:
أمير: مكملناش سنة متجوزين وفضلتي تزقّينا على الدكاتره والتحاليل، ولما عرفتي المشكلة، سبع سنين نكد وضغط!
أنا اللي مختار، سبيني أتحمل نتيجة اختياري.

اقتربت منه سارة بخوف، بينما صوته خفت قليلًا، لكن الألم ظل واضحًا
أمير: عارف إنك خايفة عليا… وبتحبيني… وبتتمني تشوفي ولادي.
 بس يا أمي… هعيش تعيس، هتكوني مبسوطه كدا.

اقتربت منه سارة والحزن في ملامحها:
سارة: أنا مش عارفة هي عملالك إيه، مخليك متعلق بيها بالشكل دا!
أنا خايفة تكون سحرالك يا ابني، أصل دا مش طبيعي.

نظر إليها أمير بعينين يملؤهما وجع مكبوت:
أمير: اللي مش طبيعي يا أمي، إني أعيش تحت رحمتك كده وسايب مراتي قلبها مكسور، واللي عايزك تعرفيه إني مش عارف اعيش من غيرها، ظلمتها إني سيبتها عايشه هنا واستسلمت للنكد.

رفعت سارة صوتها وهي تحاول أن تسيطر على الموقف:
سارة: دا انت قارئ رسالتها بنفسك!
دي اتخلت عنك واختارت طريقها، خلاص يا أمير!
لازم تبعتلها ورقة طلاقها وتخلص.

وقف أمير ببطء وهو يحاول أن يخفي ارتجاف صوته:
أمير: أنا مبقتش قادر أستحمل… أنا طالع أشم هوا.

أمسكت سارة بذراعه محاولة منعه:
سارة: طب مش هتاكل قبل ما تخرج؟

أجابها وهو يتنفس بصعوبة:
أمير: نفسي اتسدت.

خرج من الغرفة بخطوات ثقيلة، تاركًا وراءه أمًّا لا تعرف إن كانت تبحث عن سعادة ابنها ام دمرت له حياته.
_______

في منزل أهل حنين

في المساء، جلس رشاد بجوار ابنته في غرفة المعيشة، كانت حنين شاحبة الوجه، عيناها غائرتان، وطبق الطعام أمامها كما هو منذ ساعات.

أخذ رشاد نفسًا عميقًا، ثم قال بنبرة تجمع بين الحنان والقلق:

رشاد: هتفضلي كده يا بنتي؟ عينك وارمه من العياط و قاطعة الأكل والشرب لحد إمتى؟ 
طب طالما بتحبيه يا حنين، افتحي تليفونك وكلميه، يمكن توصلوا لحل يريحكم أنتم الاتنين.

رفعت حنين عينيها نحوه بصعوبة، وصوتها مبحوح من كتر البكاء:
حنين: أنا مش هفرض نفسي عليه يا بابا.
أمه قالتلي بالنص إني أنانية… وإنّي العائق اللي في حياته وحرماه من الخِلفة.
أنا مش عايزة الناس تحكم عليا على أساس حاجة أنا ما اخترتهاش.

أمسك رشاد يدها بحنان وربّت عليها، وقال بهدوء

رشاد: سيبك من أمه خالص، ربنا يهديها… دي بتدمّر ابنها بإيديها.
ده انتِ لو سمعتي صوته وهو مكسور، تحسيه خسر كل حاجة.

حكالي كمان على الموقف بتاع الممرضة، وبعتلي فيديو من كاميرا المستشفى اللي كانت بتسجل في الأوضة.
أنا شوفته يا بنتي… ولازم تشوفيه، علشان تعرفي إن أمير بيحبك ومستحيل يخدعك.

تنهدت حنين بوجع وهي تنظر إلى الأرض، ثم قالت بهدوء
حنين: مش هتفرق كتير يا بابا.
أنا وقتها كنت مصدومة… كنت رايحة أفاجئه وأحاول افرحه، بس المنظر قهرني.
لكن عمري ما أصدق إنه خاني، أنا عارفاه كويس.

قبل أن يرد عليها، رنّ هاتف رشاد فجأة، نظر للشاشة وقال:
دا أمير اللي بيرن.
عايزك متسمحيش لحد يخليكِ تخسري جوزك اللي بيحبك، واعرفي انه لو فعلًا مكنش عايزك وكنتي عبء زي ما بتقولي، كان هيقول فرصتي جتلي وهطلقها واتجوز.
اهدي واسمعيه… يمكن ربنا كتب الصلح النهارده.

رفعت حنين يدها بسرعة وهي تهزّ رأسها:
حنين: عشان خاطري يا بابا، بلاش… مش هقدر أكلمه دلوقتي.

ابتسم رشاد ابتسامة أبوية خفيفة، ثم ضغط على زر الرد ورفع الهاتف أمامها قائلاً بصوت حازم حنون:
 اتكلم يا أمير… هي سامعاك.

_______

رنّ هاتف سارة، نظرت إلى الشاشة فظهر اسم كوثر يلمع أمامها، زفرت بضيق وهي تتردد قليلًا قبل أن ترد على الاتصال.

كوثر بصوت مرتجف غاضب:
يا طنط، أمير مش طايقني، فضحني في المستشفى قدام الكل، خلاهم يشوفوا الفيديو اللي بيأكد إني أنا اللي عملت كل حاجة!
الطاقم الطبي كله شافني، واتحولت للتحقيق، واترفدت من الشغل! مش قادرة أبص لحد في وشه!

سارة (بنفاذ صبر واضح): أنا كنت لسه بكلمه من شوية، بس كالعادة مش عايز يسمعني.
وبعدين يا كوثر، كان لازم يعني تتكلمي معاه وترمي نفسك عليه في مكان كله كاميرات؟
عايزاني أعملك إيه دلوقتي؟

كوثر (بانفعال): لأ يا طنط، دا أنتِ تعملي وتعملي!
هو أنا عملت كده من دماغي؟ مش كنتِ إنتِ اللي بتقوليلي أقرّب منه وأخليه يتعلق بيا؟
أنا ضحيت بشغلي ومستقبلي وسمعتي عشان أتجوزه، متجيش دلوقتي تقوليلي "أعملك إيه"، عشان ساعتها أنا اللي هعمل حاجات كتير أوي يا حماتي!

سارة (بتنتفض من مكانها، صوتها عالي): إنتِ بتهدديني يا مفعوصة؟!
إيه القرف والأشكال البيئة اللي بتترمي علينا دِ؟ لا يا حبيبتي، كفاية منك ومن شكلك!
أنا هجوز ابني واحدة تستاهله، بنت ناس، مش مطلقة زيك!

كوثر (بتشهق بغضب): مين دِ اللي قرف يا عجوزة يا قرشانه، أنا مش حنين الغلبانة اللي ينضحك عليها!
أنا مِسجّلة كل كلمة بتقوليها، وهخلي نُنص عين ماما يسمع بنفسه!
وساعتها نشوف بقى مين اللي هيندم… لا ضغطك ولا قلبك ولا أفلامك هيشفعولك!

ساد الصمت للحظة، ووجه سارة شحب من الخوف، وارتجفت يدها وهي تمسك الهاتف.
تحدثت في داخلها بصوت مبحوح، وكأنها تفيق من كابوس.

سارة (في نفسها): يا ربي… دي حنين كانت ملاك، هو أنا مجنونة؟
إزاي ضيّعت جنة ابني عشان أجوزه لشيطانة زي دي؟

عاد صوت كوثر عبر الهاتف بنبرة باردة مليئة بالغرور.

كوثر: متفكريش كتير يا طنط عشان هتطلعي خسرانه، أنا جاية أتغدى عندكم النهارده.
وحاولي بقى تعملي فيلم من أفلامك الهندي كده، يمكن تقربي المسافات بيني وبينه.
أنا عايزة ابنك يتجوزني، فهمتي؟

ثم أغلقت الخط ببرودٍ مستفز.

ظلت سارة تحدق في الهاتف، وشفتيها ترتجفان بينما تهمس بصوت خافت يرتجف معه قلبها:

سارة: أنا عملت إيه في نفسي؟!
إزاي هتخلّص من المصيبة دي؟!
________

فاصل صغير، عزيزي القارئ ✨

صدقًا، لست أستوعب أنني أنا أمل من تكتب هذه السطور!
فالحوار بينهما كان أشبه بمعركة مشاعر حقيقية، جعلني أعيش داخل كل شخصية وكأنني جزء منها.
أنا منفعلة، غاضبة، ومندهشة من قسوتهما في الوقت نفسه!
أظن أنكما تشعران الآن مثلي تمامًا، تتمنّيان الإمساك بهما لتُفرغا كل الغضب المكبوت تجاه تصرفاتهما.

أما أنا؟ فوالله أتمنى أن أصفعهما معًا! 
تصفيقة كبيرة ليّ إذن 👏
والآن... خذوا أنفاسكم قليلًا، لأن القادم أقوى.
فلنُكمل الحكاية. ✨
________

ساد الصمت المكان للحظات، والهواء بينهما بدا ثقيلًا كأنه يحمل كل الشوق والعتاب المتراكم خلال أسبوعين كاملين من الفُرقة.
خرج صوت أمير منخفضًا، مبحوحًا، تختلط فيه رجفة الشوق بندمٍ دفين.

أمير: حنين…
يا حبيبتي، سامعاني؟

لم تُجب حنين، كانت تنظر إلى الأرض والدموع تترقرق في عينيها، ولم يُسمع سوى صوت أنفاسها المتقطّعة في السماعة.
نظر إليها رشاد بإشارةٍ هادئة، كأنه يطمئنها لتتكلم.

أكمل بصوت مكسور:
أمير: أنا عارف إنك زعلانة، وعارف إني وجعتك… بس صدقيني، ولا لحظة كنت قادر أعيش من غيرك.
البيت من غيرك فاضي، وأنا من غيرك تايه…
الورقة اللي سبتِيها انا واثق ان الكلام اللي فيها مش من قلبك، والخط دا مش خطك، وأنا متأكد إن في حاجة غلط، بس مش مهم، المهم نكون سوا.

رفعت حنين راسها لأول مرة، وصوتها خرج متقطع من كتر الدموع:
حنين: أنا… أنا مش قادرة أصدق اللي حصل يا أمير، اللي اتكسر جوايا أكبر من أي تبرير.
أنا اتوجعت، مش منك بس… من كل اللي حواليك.
كل كلمة اتقالتلي كانت زي سكينة، وأنا مش عايزة أعيش وسط ناس شايفاني عائق.

صمت أمير لحظة، وبعدين قال بحرقة:
أمير: طب وأنا؟
أنا اللي بقيت عايش بنص قلب، ونص روح، ده ما يهمش؟
يا حنين، أنا ما اقدرش أعيش من غيرك.
أمي كانت تعبانة، وأنا فضلت جنبها، بحاول أوصلك مش عارف
تقدري تعيشي من غير حبيبك وشريك عمرك يا حنين قلبي

ظلّت حنين صامتة، فقد لامست آخرُ جملةٍ قالها أمير قلبها، وهزّت كيانها بأكمله.

اتنهد أمير بوجع وقال:
بس برضو أنا غلطت… كنت ساكت وسلبي، ورضيت باللي حصل.
بس المرة دي مش هسكت، ومش هسيبك يا حنين.

أنا جاي إسكندرية النهارده… وجاي أصلّح كل حاجة بإيدي.

حنين شهقت بخضة، وصوتها ارتبك:
حنين: لا يا أمير!
بلاش تيجي… أنا مش جاهزة أقابلك.
أنا محتاجة وقت، محتاجة أستوعب كل اللي حصل.
ونصيحة مني ليك إبدأ حياة جديدة واقفل صفحتي

رشاد بصّ ليها وقال بهدوء:
رشاد: كفاية يا بنتي، الراجل بيكلمك من قلبه.

أمير بصوت فيه رجاء:
أمير: لو بتحبيني بجد، إديني فرصة واحدة بس أوضح كل حاجة.
مش عايزك تسامحيني دلوقتي، بس خليني أشوفك، نفسي أشوفك، مراتي وحشتني 

وقبل أن تردّ حنين، انقطع صمت اللحظة بصوت أحلام وهي تدخل الغرفة فجأة.

أحلام: مين اللي على التليفون يا رشاد؟!
أمير مش كدا.

قالت أحلام بحدة، وقد ارتجف صوتها بين الغضب والوجع:

"اقفل يا أمير! بنتي مش هتتوجع تاني بسببكم.
استنزفتوا كل طاقتها. بقى فيها وجع يكفي عُمر كامل، ارحموها بقى. إخواتها كلهم عايشين في أمان، كل واحدة جوزها بيحميها، ليه هي لأ؟ 
طالما ما غلطتش، مكانها فوق الراس مش تحت رجلين الناس.

كام مرة قُلتلك سيب حنين تعيش بعيد عن المشاكل، خليها في حالها، لكن إنت ما سمعتش!
سايبها تواجه الدنيا لوحدها، أمك تهينها وإنت ساكت، ليه؟ ليه ملهاش سند؟
لما إنت فشلت تحميها، يبقى دورنا إحنا نحميها.

حنين مش أي بنت يا أمير… دي ست البنات، أدب وأخلاق وتربية وعلم ودين وجمال.

وموضوع العيال مش ذُل على بنتي، ده أمر ربنا وإحنا راضيين بقضاءه. فيه ناس معاهم عيال وحياتهم مكسورة، والولد وجوده مش دايمًا مقياس للسعادة ولا علاج لكل الجراح.
ومع كده، أنا بقولك يا ابني حقك تبقى أب وهي كمان تكون أم وأحسن أم في الدنيا، لكن هي فضّلتك وقِفت جنبك ولما حست انك بقيت حزين دايمًا ومش حاسس بيها قالتلك «طلقني واتجوز»… يعني إنت عايز إيه تاني؟

مش كنت بتحلف إنك تحافظ عليها؟ فين وعودك؟
إيه فايدة حُبك وندمك دلوقتي وهي عايشة في وجع ونفسها مكسورة؟

بنتي تيجي في نص الليل لوحدها، قلبها مكسور، ودموعها نازلة على خدها،
وانت؟ كنت فين يا أمير الأيام اللي فاتت؟ فين كنت لما كانت بتنهار في صمت؟

أغلقت أحلام الهاتف بعصبية وهي تنتزعه من يد زوجها، وساد صمت طويل في المكان.
كانت حنين تحدّق في الأرض والدموع تنساب بهدوء على وجنتيها، بينما أمسك رشاد رأسه بيده وهمس لنفسه بصوت منخفض: مقدرتش اقاطعك لأن أغلب كلامك صح، انا مش عايز أشوف بنتي حزينة، ربنا يكتبلك الخير يا حبيبتي.
_______

جلس أمير في مقهى صغيرٍ على إحدى الشوراع، الطاولات ممتدة على رصيفٍ يعج بالمارة والسيارات والزحام، لكن الوحدة كانت تحيط به كجدارٍ من الصمت
 بينما هو في عالمٍ خاصٍ لا يرى إلا وجه حنين في كل زاوية.
كانت الكلمات التي قالتها أحلام تطنّ في أذنه كصفعةٍ باردةٍ، فأمسك كوب قهوته الذي برد بلا ذوق ولم يجرؤ على أن يرفعه إلى شفتيه.

أمير (يهمس لنفسه):
هي معاها حق… يمكن فعلًا أنا السبب في وجعها وهي من حقها تعيش سعيدة.

بس والله يا حنين… عمري ما تخيلت إني أجرحك.

رمق الشارع بنظرة خائبة، فمرّت نسمةٌ ساخنة عبر الزقاق كأنها همسة، ثم عاد إلى طاولته وهو يشعر بثقل العالم كله على كتفيه.

النادل: تحب أجدّد لك القهوة يا باشا؟

أمير (بصوتٍ باهت):
لا، خلاص… كفاية عليّ مرارتها.

أعاد أمير الهاتف إلى جيبه، وعاد إلى بيته إلى بيته مكسور الخاطر، يسير بخطواتٍ بطيئة كأنها تجرّ خلفها خيبة عمرٍ بأكمله.
جلس بصمتٍ للحظات، ثم تمتم بصوتٍ مبحوح يغمره الحنين:

كنتِ دايمًا بتقولي إن البحر هناك بيشيل الهمّ عن القلب، يمكن رجعتيله عشان ترمي وجعك في موجُه…بس أنا يا حنين… وجعي مش لاقي له مكان، غير حضنك.
______

أحيانًا لا تنتهي الحكايات حين نفترق، بل تظلّ تعيش فينا بشكلٍ آخر.
نحملها في نظراتنا، في صمتنا، في الأماكن التي تشبههم.
قد نظن أننا تجاوزنا، لكن الحقيقة أننا فقط تعلّمنا كيف نُخفي الوجع بابتسامة، وكيف نُكمل الطريق ونحن نحمل ما تبقّى من قلوبنا على أطراف الذاكرة.
وهكذا تظلّ الحكايات التي نظنها انتهت… تراقبنا من بعيد، تنتظر لحظة ضعفٍ واحدة لتعود من جديد.

#يتبع 
#الفصل_الثالث 
#حنين
للكاتبة #أمل_عبدالرازق 
#روايات_واسكريبتات_مميزة 

انتهى الفصل…
لكن الأسئلة مازالت معلّقة في الهواء.
هل يكفي الحب وحده ليُنقذ ما تحطّم؟
وهل تُغفر الأخطاء حين تُقال بدموع الندم؟

أخبروني، أيّ مشهد لامس قلوبكم أكثر؟
وأيّ جملة شعرتُم أنها قيلت من أجلكم؟

لا تنسوا أن الحياة تمتلئ بأشباه "سارة" و"كوثر"، وجب علينا أن نكشف وجوههم ونتحدث عنهم بصدق، لا لنهاجم فقط، بل لنتعلّم.
أعلم أن الحكاية أوجعتكم، وربما تركت فيكم شيئًا من الغضب أو الأسى، وأنا مثلكم تمامًا... أتألم مع كل مشهد وأتنفس مع كل كلمة.
لكن ما دمت بدأت هذه الرسالة، فلن أتوقف قبل أن أُكملها… فربما تكون في سطورها نجاة لقلب يشبه "حنين".

لو في تفاعل ان شاء الله هنزل الفصل الجديد، التفاعل مهم لأني من خلاله بعرف مين متابع والقصة وصلت ولا لأ 


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات