رواية حنين الفصل الرابع بقلم امل عبدالرازق
كان النهار يميل إلى الهدوء حين دقّ جرس بيت سارة.
فتحت الباب لتجد كوثر تقف بثقة وابتسامة واسعة، تتأمل المكان بعينين لامعتين.
قالت كوثر وهي تدخل بخطوات واثقة:
ـ تصدقي بيتكم حلو يا حماتي؟ والجنينة اللي برا دي ترد الروح كدا.
ثم ضحكت بخفة وهي تضيف:
ـ صحيح ما أنا خلاص هبقى ست البيت، ربنا يديكِ الصحة يا غالية.
رفعت سارة حاجبها بسخرية وهي تغلق الباب خلفها، بينما تضع يدها على خصرها بنفاد صبر.
سارة: جاية طمعانة في بيتي كمان؟ دا إنتِ كنتِ بتهدديني في التليفون يا كوثر.
رفعت كوثر يديها بتصنّع البراءة وجلست على الكنبة برشاقة.
كوثر: ما أنتِ اللي عصبتيني، وقلتي كلام ميصحش! إحنا بينا اتفاق يا سارة.
اقتربت سارة وجلست على الكرسي المقابل، نظرتها حادة وصوتها منخفض لكنه واضح.
سارة: ساره حاف كدا؟ وبعدين يعني أنا معرفش أهزر معاكِ شوية؟ يا بت دا أنا اللي مختاراكِ لابني من الأساس.
ابتسمت كوثر ابتسامة جانبية وهي تميل برأسها بخفة.
كوثر: خلي البساط أحمدي والشيطان دخل بينا يا حبيبتي… وحصل خير. عاملالنا غدا إيه بقى النهارده؟
تنهدت سارة بملل وهي تعيد خصلات شعرها إلى الخلف.
سارة: أمير مش في أحسن حالاته، ومش طايقك لا في سما ولا في أرض.
امشي دلوقتي على ما أمهدله الموضوع.
أنا بصراحة مش عارفة لو شافك هيعمل فيكِ إيه.
نظرت كوثر لنفسها في مرآة الحائط وعدلت حجابها بثقة مبالغ فيها.
كوثر: دا أنا لابسة أشيك طقم عندي! متخافيش عليا، هتمسكن وهكسبه ليا.
ظلت سارة تحدق فيها بصمتٍ لحظة، ثم قالت ببرود وهي تنهض ببطء:
سارة: يبقى واضح إنك لسه متعرفيش أمير.
الكلام دا لا في دماغه ولا بيأثر فيه، افتكري إني حذرتك.
سيبيني أنا أشوف طريقة مناسبة…
بس الأول، لازم نكرهه في حنين.
______
بعد دقائق من الصمت الثقيل، كانت حنين جالسة في غرفتها بعد المكالمة التي أطفأت في داخلها آخر ومضة أمل.
عيناها معلقتان بالفراغ، ودموعها تسيل بصمت كأنها تخشى أن يسمعها أحد.
دخلت أمها بخطوات مترددة، وجلست إلى جوارها، ثم سحبتها إلى صدرها بحنانٍ أموميٍّ يذيب الصخر.
أحلام: متزعليش مني يا حنين… أنا بحفظ كرامتك، يا بنتي أنتِ غالية أوي عليّ.
عارفه إنك بتحبيه، وهو كمان بيحبك، بس هو تايه ومش عارف يقرر يعمل إيه.
كان لازم يسمع كلمتين يفوقوه، وبعدها بقى يختار.
ولو عرف يفك نفسه من قيود أمه، والله يا بنتي هيعيش مرتاح.
ولو اتجوز واحدة تانية، حتى لو جاب منها أولاد، عمره ما هيكون سعيد.
رفعت حنين رأسها بصعوبة، وصوتها خرج مبحوحًا وهي تمسح دموعها:
حنين: أنا مش زعلانه منك يا ماما…
ابتسمت الأم رغم الدموع التي لمعت في عينيها، وقالت وهي تربّت على كتفها برفق:
أحلام: خلاص يا حبيبتي، اللي راح راح.
دلوقتي لازم ترجعي تشتغلي تاني، وتشغلي وقتك، وتفتحي صفحة جديدة.
الحياة مش بتقف عند حب، ولا عند حد… فاهمة يا حنين؟
أومأت حنين بصمت، وكأنها تُقنع نفسها أكثر مما تُقنع أمها.
ثم أراحت رأسها على كتفها، كطفلةٍ تبحث عن مأمنٍ من عاصفةٍ لا تنتهي.
_______
عاد أمير إلى البيت بخطواتٍ ثقيلة، وملامحه منهكة كأنما حمل فوق كتفيه عمر سبعين عامًا.
عيناه غائرتان، وصوته مبحوح من أثر السهر والتعب، بينما تحاول أمه إخفاء قلقها خلف ابتسامة مصطنعة.
سارة (بابتسامة دافئة تحاول أن تبدو طبيعية):
تعالى يا حبيبي، عندنا ضيوف جايين مخصوص يطمنوا عليك ويشفوك.
رفع أمير نظره إليها ببرودٍ ولامبالاة، ثم قال بصوتٍ خافت متعب:
أمير: أنا طالع شقتي أرتاح… مش عايز أشوف حد.
(يتنفس بعمق ثم يضيف)
وياريت متجيش ورايا.
قبل أن تخطو قدماه نحو السلم، خرج صوتٌ ناعم من خلف الباب الداخلي:
كوثر (بصوت متصنّع الرقة):
يعني مش عايز تشوفني يا أمير؟
تجمّد في مكانه، كأن صوتها أعاد إليه كل وجعه القديم.
التفت بحدة، وعيناه اشتعلتا غضبًا، ثم صرخ بانفعالٍ كاد يهزّ الجدران:
أمير:
المقرفة دي إيه اللي جابها هنا؟!
مين سمحلها تدخل البيت؟!
جايه ترمي بلاها عليّا تاني؟!
مشوفتش ولا هشوف في دنائتك يا مقرفة… خريتي ليّا حياتي، منك لله!
ارتجفت كوثر قليلًا لكنها تماسكت، ورفعت ذقنها بتحدٍ باهت وهي تقول بصوتٍ متهدج:
كوثر: حياتك بايظة من غيري، متجبهاش فيا…
يعني ذنبي إني حبيتك؟
شارياك لآخر لحظة حتى بعد ما فضحتني!
ثم تقدمت نحوه بخطواتٍ مرتعشة، والدموع تلمع في عينيها:
كوثر (بتوسل):
أنا بحبك أوي يا أمير، من زمان جدًا…
أرجوك اتجوزني، وهخليك أسعد واحد في الدنيا،
هعوضك عن كل التعب اللي شوفته،
وهجيبلك الولد اللي يشيل اسمك.
نظر إليها أمير بازدراء، وصوته خرج حادًا كالسيف:
أمير:
معرفش جايبة الوقاحة دي منين!
أنا أصلًا مش شايفك…
إنتِ لا شيء بالنسبة لي.
ثم التفت نحو أمه، وعيناه تلمعان غضبًا ومرارة:
أمير:
بقى دي العروسة اللي جيباها ليا؟
مطلقة وعندها أولاد؟
إنتِ أمي ولا بتنتقمي مني؟
بتعملي معايا كده ليه؟
هو دا جزاء برّي بيكِ؟
خايف عليكِ، وقاعد جنبك، وسايب حياتي تخرب…
والمقابل إيه؟ دمرتيني!
اقترب خطوة منها، وصوته يعلو أكثر:
أمير:
بقى دي تجيبيها للبيت مكان حنين؟
دي أشكال أصلاً يتبصلها؟
يا ستي، أنا مش عايز ولاد… أنا عايز مراتي!
إنتو عاملين عليا مؤامرة ولا إيه؟!
خفضت سارة رأسها في صمت، والارتباك واضح على ملامحها.
أما كوثر فكانت تتابع المشهد بعينين متّقدتين بين الغيظ والخذلان.
اقترب منها أمير، وصوته صار أكثر قسوة:
أمير:
اطلعي برا بيتي… اللي اتلوث بدخولك!
مش عايز أشوف وشّك، وإلا هخفيكِ من على وشّ الأرض، فاهمة؟
تدخلت سارة بصوتٍ متوتر، تحاول السيطرة على الموقف:
سارة:
امشي يا كوثر، كفاية فضايح، الناس سمعت بينا.
أنا هكلمك بعدين لما يهدى… هو مش في وعيه دلوقتي.
لكن أمير قاطعها بغضبٍ عارم:
أمير:
تكلمي مين؟
ومين اللي مش في وعيه؟
ده أنا أول مرة أبقى في وعيي دلوقتي!
إنتِ تعرفي الأشكال دي منين أصلًا؟
تلعثمت سارة، وبدا الخوف في نظرتها، بينما حاولت الرد، لكن كوثر قاطعتها فجأة بصوتٍ مرتجف:
كوثر :استحملت إهانتك ليا بما فيه الكفاية…
بس الحقيقة بقى اللي إنت متعرفهاش......
وقبل أن تُكمل، نظرت إليها سارة برجاءٍ واضح، تهزّ رأسها بمعنى "اسكتي".
لكن أمير انتفض بغضبٍ أكبر، وقال بحدة:
أمير:
حقيقة إيه؟!
أنا عايز أعرف بقى الحقيقة!
ابتسمت كوثر بسخريةٍ مريرة، ثم قالت وهي تتجه نحو الباب:
لما تهدى… نبقى نتقابل ونتكلم.
عن إذنكم.
خرجت من البيت بخطواتٍ سريعة، والدموع تختلط بالكحل على وجهها.
وما إن وصلت إلى الشارع، حتى فوجئت بمجموعة من الأطفال الصغار يرمونها بحجارةٍ صغيرة، يضحكون ويسخرون منها.
كانت رشا، صديقة حنين وجارتها، هي من حرضهم على ذلك انتقامًا منها.
الأطفال (يصرخون ضاحكين):
المجنونة أهي! المجنونة جات!
صرخت كوثر وهي تحاول تغطية وجهها، لكن إحدى الحجارة أصابتها في عينها،
فارتبكت، وتخبطت في الطريق قبل أن توقف تاكسي بسرعة وتدخل فيه باكية،
تختفي خلف زجاجه الملطخ بالغبار… كما اختفت كرامتها خلف كل ما فعلته.
______
كانت سارة تحاول أن تُخفي ارتباكها، بينما يتأملها أمير بنظرات حادة، تملؤها الريبة والغضب.
اقترب خطوة منها وقال بصوت متهدّج
أمير: مش عايز أسمع غير الحقيقة. أنا عايز أفهم إيه اللي بيربطك بالبت دي؟ وحقيقة إيه اللي تعرفيها؟
شُفتك بعيني وأنتِ بتهزي راسك ليها، كنتِ مرعوبة يا ماما... عملتي إيه خايفة إني أعرفه؟
في أسئلة كتير في دماغي، وأنا مستني إجابات منك. قولي، أنا سامعك.
تلعثمت سارة للحظة، ثم تمالكت نفسها، وابتسمت ابتسامة باهتة تحاول أن تخفي بها خوفها.
— دي واحدة مجنونة يا ابني، بترمي بلاها علينا.
أنا شوفتها مرة وأنا بقيس ضغطي في المستشفى، ودردشنا كلمتين كده،
قلت لها إن ابني شغال ممرض هنا، سألتني مين…
قاطعها أمير بحدة، نبرته تزداد قسوة: أنا عايز أسمع الحقيقة يا ماما، مش حكايات.
شهقت سارة، ثم وضعت يدها على صدرها تصطنع الغضب والألم
سارة: يعني أنا هكذب يا ابني؟!
شكرًا ليك يا ابن بطني، هو دا جزائي في الآخر؟
اقترب منها أكثر، وصوته انكسر بين الغضب والخذلان: معلش، احلفي إن دي الحقيقة.
نظرت إليه سارة بذهول، ثم أطلقت ضحكة قصيرة مليئة بالمرارة:
— وصلت للحلفان كمان؟ يعني أمك كذابة في نظرك؟
طيب يا أمير… أنا مش عايزة أتكلم معاك دلوقتي.
انت مبقتش طبيعي، وياريت أموت وترتاح مني خالص!
ظل أمير واقفًا مكانه بعد أن أغلقت سارة الباب خلفها بعنف.
الهدوء الذي عمّ البيت كان خانقًا، كأن الجدران نفسها تختنق من ثِقل ما حدث.
مرّر يده على وجهه، ثم جلس على طرف الأريكة، يتنفس ببطء وهو يسترجع كلماتها واحدة تلو الأخرى.
صوتها المرتعش، نظرتها المذعورة، ارتباكها حين سألها عن كوثر…
كل تفصيلة كانت بتأكدله إن في حاجة مش طبيعية.
همس لنفسه بمرارة:
— لا… في حاجة مش راكبة. أمي عمرها ما كانت بتتوتر كده من فراغ.
كوثر كانت في عينيها نظرة تحدي، أكيد في حاجه أنا حاسس.
أسند مرفقيه على ركبتيه، وحدّق في الأرض بعينين زائغتين، كأنه بيحاول يربط الخيوط ببعض.
ترددت في ذهنه كلمات كوثر
رفع رأسه فجأة، وصوته خرج حاسمًا:
ـ لازم أتواصل معاها.
سكت لحظة، ثم تمتم بجمودٍ قاتل:
ـ المرة دي… أنا اللي هعرف الحقيقة، بنفسي
_______
مرّ شهر كامل، كأنه عامٌ من الثقل والضياع.
الهدوء خيّم على بيت سارة بعد العاصفة، لكن الصمت لم يكن سلامًا… كان انتظارًا خانقًا لكل ما هو قادم.
حنين عادت للحياة من بابٍ جديد، تعمل الآن كممرضة في أحد المستشفيات الخاصة.
تحاول أن تنشغل طوال الوقت، لا تفتح هاتفها القديم، ولا ترد على أي اتصال.
كل ما بينها وبين الماضي رقم مغلق، ووجع تحاول ألا تلتفت إليه.
أما أمير، فكان يعيش حالة من التيه.
لم يجرؤ على الذهاب إليها، لا لضعفٍ فيه، بل لأن أمه أصبحت بينه وبين كل خطوة.
يبرر لنفسه أنه يريد ترتيب حياته أولًا، لكنه في الحقيقة يخاف أن يواجهها بعد كل ما حدث.
وفي الوقت نفسه، كانت كوثر كأنها تبخّرت من الدنيا.
اختفت تمامًا… لا مكالمات، لا رسائل، ولا حتى ظلّ على مواقع التواصل.
جرّب أمير الاتصال بها أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يسمع الجملة نفسها:
“الرقم الذي تحاول الاتصال به غير متاح حاليًا.”
لكن في تلك الليلة، قرر أن جرب آخر مرة.
ضغط على الرقم، انتظر، قلبه يدق بخفةٍ غريبة…
ثم جاءه صوت رجولي جاف من الطرف الآخر:
الصوت: أهلا أهلا بالشريك
أمير (بسرعة): شريك مين! لو سمحت، مش دا رقم كوثر؟ حضرتك تقربلها؟
الصوت بهدوء حذر: أيوه رقمها
أمير: من فضلك عايز أسألها على موضوع بسيط.
الصوت الآخر فجأة بنبرة حادة:
أوعى تكون شريكها في عمليات النصب… ولا انت ضحية من ضحاياها؟
تجمد أمير في مكانه، صوته خرج متوترًا:
ـ نصب إيه؟ هو حضرتك مين؟
الصوت الجاد:
أنا الرائد عصام السيد.
ارتبك أمير، وبلع ريقه بصعوبة:
ـ معلش يا فندم… هو تليفون كوثر بيعمل مع حضرتك إيه؟
هي تايهة ولا إيه الحكاية؟
جاءه الرد حاسمًا:
ـ أنا اللي بسأل مش انت.
دلوقتي انت متسجل عندها باسم "حبيبي".
يعني يا شريكها في الشغل المشبوه…
يا إما من ضحاياها.
هتيجي من نفسك ولا هنجيبك يا أمير فؤاد؟
إحنا عرفنا عنك كل حاجة.
اتسعت عينا أمير بذهول، وصوته خرج متقطعًا:
ـ حبيب مين يا فندم؟!
دي واحدة مجنونة… والله ما في أي حاجة بيني وبينها.
حاضر، هاجي طبعًا، وحضرتك بنفسك هتعرف إني ماليش علاقة بيها.
بس ممكن أعرف… هي عملت إيه؟
جاء صوت الضابط أكثر هدوءًا هذه المرة، لكن كلماته كانت كالصفعة:
ـ الست كوثر أخيرًا اتحبست.
متقدم فيها بلاغات من سنين بسبب النصب والاحتيال.
كانت عاملة صفحة على الفيس باسم شركة استثمار وهمية، والناس كانت بتحولّها فلوس على أساس إنها بتشغلها ليهم.
بس خلاص… عرفنا هي مين، وجيبناها.
سقط الهاتف من يد أمير، وظلّ صوته يتردد في أذنه كصفيرٍ طويلٍ يقطع السكون.
كوثر… نصّابة؟
إزاي؟
إزاي واحدة بالشكل دا، دخلت بيته، وكادت تدمر حياته، وهو ما فهمش؟
أغمض عينيه، وضغط على صدغيه بقوة.
كل الخيوط بدأت تتشابك في عقله… لكن بين كل ضجيج الأسئلة،كانت صورة واحدة تفرض نفسها بقسوة:حنين.
همس بصوتٍ متعب، يكاد لا يُسمع:
ـ كل حاجة كانت غلط…
بس أنا المرة دي لازم أصلّحها.
________
على رصيف البحر
كانت نوبات اليوم طويلة، والوجوه المُتعبة تمر أمام حنين كأنها انعكاس لداخلها.
تخلع كمامتها وتتنفس الهواء المالح بعمق، تُغمض عينيها وتدع النسيم يعبث بخصلات شعرها التي أفلتت من الطرحة.
جلست على مقعد خشبي مقابل الموج، تنظر له وكأنه صديقها الوحيد.
قالت بصوتٍ مبحوح وهي تراقب حركة الموج:
"فاكر يا بحر لما كنت بحكيلك عنه؟ كنت بضحك وأنا بحكي… دلوقتي كل حاجة بقت وجع."
سكتت لحظة ثم ابتسمت ابتسامة باهتة.
هو إزاي ما حاولش حتى يشوفني؟ ولا حتى مرة!
هو خلاص؟ اتخلى؟
ولا تعب منّي زي كل الناس؟
رمَت حجرًا صغيرًا في الماء وهي تهمس:
"بيقولوا كان بيحاول يتواصل… موبايل إيه اللي عايز يتواصل بيه معايا؟
هو امتى كان الموبايل وسيلة لحل المشاكل؟
الكلام اللي بين القلبين مش بيحتاج شبكة، بيحتاج روح تكون حاضرة."
وضعت يديها في جيبها، تتحسس الهاتف المغلق منذ شهر، ثم تنظر إليه بنصف دمعة.
أنا حتى مش قادرة أفتحه…
كل الصور، كل الكلام، كل الضحك، كل لحظة بينا…
الموبايل بقى صندوق وجعي.
وقفت ببطء، تنظر إلى الأفق، حيث تلتقي زرقة السماء بالموج.
واضح إنك كملت طريقك يا أمير…
بس أنا لسه واقفة هنا، في نفس النقطة… بحاول أنسى، ومش عارفة.
ومضت بخطوات بطيئة، وصوت البحر خلفها كأنه يهمس باسمها في كل موجة.
_______
في قسم الشرطة
دخل أمير بخطوات متوترة، يحاول يخفي قلقه رغم العرق اللي بدأ يبلل جبينه.
استقبله الرائد عصام بابتسامة حذرة وهو بيقلب في الأوراق.
الرائد عصام:
– تمام يا أمير، اتأكدنا من كلامك، فعلاً مافيش أي دليل يربطك بكوثر.
بس بصراحة… اختيارها لاسمك على الموبايل بـ"حبيبي" كان مريب جدًا.
أمير (بتنهيدة): دي كانت بتلعب بعقول الناس، وأنا كنت ضحيتها من غير ما أعرف.
الرائد عصام (يرفع نظره): عايز تشوفها؟
أمير (بتردد): أيوه… لو ممكن.
قادوه لغرفة صغيرة فيها نافذة زجاجية.
من وراء الزجاج شاف كوثر قاعدة على الكرسي، ملامحها باهتة لكنها لسه متصنعة الثقة.
بصّتلُه وابتسمت ابتسامة خفيفة فيها غموض.
أمير بصوت منخفض وهو بيكلم الظابط:
ممكن أقولها كلمتين بس؟
الرائد عصام: دقيقة واحدة بس، وبعدها تمشي.
دخل أمير الغرفة، وكل خطوة كان حاسس إنها تقرّبه من الحقيقة.
كوثر (بسخرية): ما توقعتش أشوفك هنا… كنت فاكرة هتنساني زي ما نسيت نفسك.
أمير (بحدة): أنا جاي أعرف الحقيقة، إيه اللي يربطك ب أمي وأكيد حنين في الموضوع
كوثر ( تضحك ببرود): أمك؟! دي كانت سبب كل اللي حصل… بس انا مش هريحك
(تتوقف وتنظر له بابتسامة مريبة)
مش دلوقتي… خليك مستني، يمكن الأيام تقولك الحقيقة.
أمير يضرب بكفه على الطاولة بغضب ويخرج، وصوتها بيلاحقه:
سلملي على ماما يا حبيبي…
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
