رواية مروة المنياوي الفصل الثالث بقلم مصطفى محسن
ممدوح دخل الشقة، واقف في الصالة.
بص على أوضة ليلى، قرب منها، وحط إيده على الأوكرَه.
فتح الباب، واتصدم من اللي شافه.
ليلى كانت واقفة قدام الباب، وبتضحك ضحكة فيها خبث شيطاني.
ممدوح من كتر الصدمة ما كانش قادر يتكلم ولا يتنفس.
ليلى قربت منه بخطوات بطيئة، وقربت من ودانه، وقالت له بصوت واطي:
ـ "إنت جاي هنا علشان تخلّص على ليلى، ولا علشان تخلّص على مروة؟"
ممدوح كان واقف وهو خايف ومصدوم من اللي شايفه قدامه، واتكلم بصوت مهزوز وقال:
ـ "أنا مش جاي أقتلك يا ليلى، أنا كنت جاي أعرف إنتِ عرفتي الحاجات دي كلها إزاي."
ليلى ضحكت ضحكة مرعبة وقالت له:
ـ "هو إنت تفتكر إني ما أعرفش إنك كلمت شيرين، مرات سالم، وقلتلها إنك عاوز تخلّص عليّا؟"
ممدوح بلع ريقه وقالها:
ـ "إنتِ إزاي بتعرفي الحاجات دي؟! إنتِ أكيد متفقة معاها، شيرين عليّا!"
ليلى ضحكت وقالت له:
ـ "أنا أعرف اللي إنت ما تقدرش تعرفه."
ممدوح بصّ لها باستغراب وقالها:
ـ "يعني إنتِ قصدِك إيه؟ فهميني قصدِك إيه!"
ليلى قالت له:
ـ "مش معقولة بقى، دكتور وشاطر، ومش فاهم أنا قصدي إيه لحد دلوقتي؟"
ممدوح قالها بصوت مهزوز:
ـ "أنا لحد دلوقتي مش فاهم حاجة.
كل اللي أنا شايفه إنك بتحاولي تلعبي بأعصابي، وأنا حاسس إنك مش مريضة.
إنتِ مين؟ وحكايتك إيه؟"
ليلى وقفت قدامه، وبصّت له، وبدأت تلف حواليه وقالت له:
ـ "هو أنا ممكن أسألك سؤال يا دكتور؟"
ممدوح وهو مرتبك قالها:
ـ "اتفضلي."
ليلى قالت له:
ـ "إنت يا دكتور بتقتنع بالعالم الآخر ولا لأ؟"
ممدوح بصّ لها باندهاش وقالها:
ـ "طبعًا بقتنع بيه!"
ليلى ابتسمت وقالت له:
ـ "كده هقدر أقولك أنا أبقى مين."
فجأة، ممدوح سمع صوت أبو ليلى برّه في الصالة، وكان جاي ناحية الأوضة.
ممدوح قالها بخوف:
ـ "أبوكِ صحي، ولو شافني معاكي دلوقتي هيقتلنا إحنا الاتنين! أنا لازم أستخبى!"
ليلى ضحكت وقالت له:
ـ "هتستخبى ليه؟"
ممدوح قالها:
ـ "أكيد علشان ما يشوفنيش! لو شافني هنا مش هيصدق إني جاي أتكلم معاكي!"
ليلى قالت له:
ـ "خليك مكانك، وما تخافش... هو مش هيشوفك."
ممدوح استغرب وقالها:
ـ "إزاي يعني؟!"
فجأة الباب اتفتح، وأبو ليلى كان واقف، بصّ في الأوضة، وبعدين قفل الباب تاني.
كل ده وممدوح واقف مذهول من اللي بيحصل قدامه، ومش مصدق.
بصّ لليلى وقالها:
ـ "أنا فهمت دلوقتي!
إنتِ يا ليلى متفقين عليّا... إنتِ وأبوكِ وشرين! عايزين تخلّصوا عليّا!"
ليلى بصت له، وضحكت وقالت له:
ـ "الموت بالنسبالي حاجة تافهة.
أنا مش بستمتع بالموت... أنا بستمتع بالقهر، بالخوف، بالرعب.
لكن الموت؟ دي حاجة عادية."
ممدوح قالها بخوف:
ـ "أنا لحد دلوقتي مش فاهم... إنتِ مين؟"
ليلى قالت له:
ـ "مش معقولة، لحد دلوقتي، ما تعرفش أنا إيه؟"
ممدوح قالها:
ـ "إنتِ مين؟!"
ليلى قالت له:
ـ "أنا مروة المنياوي."
ممدوح قالها:
ـ "أيوه يعني إيه؟ أنا مش فاهم!
إنتِ مين ومين هي مروة المنياوي؟! إنتِ ليلى!"
ليلى قالت له:
ـ "أنا مش إنسية."
ممدوح رجع لورا خطوتين، وسند ظهره على الحيطة، وقالها:
ـ "لأ... إنتِ أكيد مجنونة."
ليلى ضحكت ضحكة مرعبة، وشكلها اتغيّر، وعنيها بقت سودا، ووقفت قصاده.
ممدوح طلع يجري علشان يهرب من الباب، لقى الباب مقفول.
ليلى ضحكت تاني نفس الضحكة المرعبة وقالت له:
ـ "خلي بالك... ماحدش يقدر ينقذك مني.
تعالى، أنا عايزة أتكلم معاك... بس كل كلمة هقولها لك لازم تتنفذ بالحرف،
وإلا مش هخليك تشوف الدنيا تاني."
ممدوح قالها وصوته كله خوف:
ـ "إنتِ عايزة مني إيه؟"
ليلى قالت له:
ـ "عايزة يبقى بيني وبينك عهد."
ممدوح قالها:
ـ "عهد إيه؟"
ليلى قالت له:
ـ "العهد ده ماحدش فينا يقدر يكسره،
ولو كسرته، زي ما قلتلك... مش هتشوف الدنيا تاني."
ممدوح قالها:
ـ "إنتِ عايزة إيه بالظبط؟"
ليلى قالت له:
ـ "عاوزاك تعرفني كل تفاصيل المرضى بتوعك، بالتفصيل.
وسيبني أنا أشتغل."
ممدوح قالها:
ـ "وإنتِ هتستفيدي إيه لما أعمل كده؟"
ليلى قالت له:
ـ "مالكش دعوة... أنا بستمتع بكده."
ممدوح قالها:
ـ "إنتِ مش قولتي إنك مش إنسية؟ ما إنتِ تقدري تعرفي كل التفاصيل دي من غيري!"
ليلى قالت له:
ـ "لا... ما أنا بحب أذل اللي قدامي.
مش قلتلك؟ أنا بستمتع بكده."
ممدوح قالها:
ـ "طيب، وأنا أضمن منين إنك ما تأذينيش بعد ما أعمل كده؟"
ليلى قالت له:
ـ "زي ما قلتلك، إحنا هيكون بينا عهد،
والعهد ده ماينفعش يتكسر.
ولو فكرت تكسره... مش هيكون ليك وجود في الدنيا تاني."
ممدوح قالها:
ـ "طيب... وأنا هخرج إزاي دلوقتي؟ أبوكِ برّه، ولو خرجت هيشوفني!"
ليلى قالت له:
ـ "افتح الباب واخرج على طول... وما تخافش، محدش هيشوفك."
وبالفعل، ممدوح عمل كده وخرج،
وفعلاً محدش شافه.
ركب العربية، وهو ماشي في الطريق،
كان سامع صوت بيهمس في ودنه وبيقوله:
ـ "العهد لو اتكسر... مش هيكون ليك وجود في الدنيا تاني."
تاني يوم الصبح
الدكتور سالم اتصل على ممدوح وقاله:
ـ "إنت فين؟!"
ممدوح اتخض وقاله:
ـ "خير؟ في حاجة ولا إيه؟"
سالم قاله:
ـ "تعالى، أنا عايزك ضروري."
بالفعل، ممدوح راح له العيادة،
ولقى سالم وشه متغيّر، وقاعد على المكتب متعصب جدًا.
ممدوح قاله:
ـ "مالك؟ في إيه؟ إيه اللي حصل؟"
سالم قاله:
ـ "شيرين سابت البيت ومشيت... راحت لوالدها!"
ممدوح قاله:
ـ "أوعي يكون الكلام اللي سمعناه في جلسة ليلى امبارح أثر فيك؟
اتكلمت معاها في حاجة زي كده؟"
الدكتور سالم بصّ له باستغراب وقاله:
ـ "هو إنت تعرف ليلى منين؟!"
ممدوح سكت وتوتر وقاله:
ـ "هو إنت مش حكيتلي على موضوع ليلى؟"
سالم اتعصب وقاله:
ـ "هو أنا مجنون عشان أحكي على أسرار مريضة عندي؟!"
ممدوح وهو قاعد، سمع همس في ودنه بيقوله:
ـ "سالم نسي كل حاجة... علشان تعرف إني أقدر أحميك، وأنقذك من كل حاجة."
فجأة، ممدوح قام وقال:
ـ "أنا لازم أمشي دلوقتي يا سالم، عندي جلسة في العيادة بتاعتي."
ممدوح أول ما خرج من عند سالم، طلع الموبايل واتصل على شيرين، وقالها:
ـ "إيه اللي حصل؟ وليه سبتي البيت؟"
شيرين قالت له:
ـ "علشان خفت... أحسن يتكلم معايا أو يمسك موبايلك.
عملت أي حوار كده وزعلت ومشيت."
ممدوح قالها:
ـ "أنا عايزك ترجعي البيت. هو خلاص مش هيتكلم في الموضوع ده، واعتبري إن الموضوع انتهى."
شيرين قالت له:
ـ "إنت عملت إيه؟ إنت فعلًا خلصت عليها؟"
ممدوح قالها:
ـ "ليلى دي إنسانة طماعة، كانت عايزة فلوس.
أنا اديتها فلوس وخلاص... وقفلت الموضوع."
شيرين قالت له:
ـ "ياااه، أخيرًا... الحمد لله، أنا دلوقتي استريحت."
ممدوح راح العيادة بتاعته، ودخل مكتبه،
لقى ليلى قاعدة مستنياه.
استغرب وقالها:
ـ "إنتِ إزاي دخلتي هنا؟!"
ليلى بصّت له من فوق لتحت وقالت له:
ـ "هو إنت نسيت إني مش إنسية؟"
ممدوح قالها:
ـ "لأ... أنا ما نسيتش."
ليلى قالت له:
ـ "عايزين نبدأ الشغل."
ممدوح قالها:
ـ "أوامرك... فهميني عايزة إيه وأنا أعمله."
ليلى قالت له:
ـ "أنا عايزة أحضر معاك كل جلسات المرضى بتوعك،
واللي أنا هقولك عليه تعمله بالحرف."
ممدوح قالها:
ـ "ممكن أعرف إيه اللي إنتِ عايزاه؟"
ليلى قالت له:
ـ "أنا هستخدم المرضى بتوعك للطقوس بتاعتي."
ممدوح قالها:
ـ "بس إحنا ما اتفقناش على كده!
اتفقنا إنك هتشوفي ملفاتهم بس!"
ليلى ضحكت وقالت له:
ـ "وقلتلك تسمع كلامي.
ولا إنت نسيت؟ العهد لو اتكسر... مش هيكون ليك وجود في الدنيا."
ممدوح بلع ريقه وقالها:
ـ "أنا موافق على كل حاجة، بس عندي سؤال واحد... إنتِ اخترتيني أنا ليه؟"
ليلى قالت له:
ـ "عشان فيك كل الصفات اللي أنا بحبها."
ممدوح قالها:
ـ "هي إيه الصفات اللي عندي اللي إنتِ بتحبيها؟"
ليلى قالت له:
ـ "إنك كذّاب، وخاين، ومنافق...
ودي أكتر حاجة أنا بحبها."
ليلى قالت له:
ـ "مش عايزين نضيع وقت.
النهارده هيجيلك أحمد جمال عبد القادر، عنده 34 سنة،
بيعاني من وسواس قهري والضربات في النوم.
أنا عايزة الشخصية دي تكون قدامي... ومستسلمة."
ممدوح بلع ريقه وقالها:
ـ "إنتِ عرفتي إزاي؟"
ليلى ضحكت وقالت له:
ـ "قلتلك... أنا أعرف حاجات إنت ما تقدرش تعرفها."
فجأة، باب المكتب خبط، والتمرجى دخل وقال:
ـ "يا دكتور، الأستاذ أحمد برّه... ميعاد الجلسة دلوقتي ولا بعد شوية؟"
ممدوح هزّ راسه وقاله:
ـ "خليه يدخل."
أحمد دخل، وسلّم على الدكتور ممدوح.
ممدوح بدأ يسأله عن حالته دلوقتي، وبعدها قاله:
ـ "أنا عايزك تستريح على الشازلونج."
الدكتور ممدوح قاله:
ـ "غمّض عينيك واحكيلي كل اللي جواك أثناء الجلسة."
ظهرت ليلى، ووقفت جنب ممدوح، وبدأت تعمل حاجات بإيديها على وش أحمد.
فجأة، النور بتاع المكتب بقى ضعيف.
وأحمد كان نايم خالص... مستسلم.
ممدوح كان هيموت من الخوف.
وفجأة...
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
