رواية لما قابلتك الفصل الثالث بقلم نوري
صحيت تاني يوم عندي نشاط وحماس رهيب لأني هشوفه وهيوصلني للشغل كمان، لبست وجهزت شنطتي ودخلت البلكونة اسقي الزرع زي كل يوم، اتفاجأت بمشبك فيه ورقة مرمي على الأرض، ابتسمت عشان عارفة إنها اكيد منه وفتحتها بسرعة اقرأ اللي فيها
" كل مرة بدوق فيها حاجة من ايدك بتكون حكاية، القرص كانت لذيذة لذاذة متتوصفش، كنت حاسس إنها معمولة بحب كان واصلي في كل قطمة، بس عموماً .. زي السُكر يا سُكر "
ضميت الورقة لحضني وبصيت على بلكونته وانا ببتسم بفرحة وخجل في نفس الوقت، دخلت الأوضة حطيتها في دولابي وقعدت مستنياه والإبتسامة لسة على وشي
: اية الابتسامة الجميلة دي
كانت شهد، دخلت ومعاها طبق مليان سندوتشات
_ سيف حدفلي ورقة
: ازاي
_ دخلت البلكونة اسقي الزرع لقيت ورقة في مشبك على الأرض
: وكتبلك اية
ربعت على السرير وحطت ايديها على خدها وهي بتسمعني بأهتمام، قولتلها اللي كان في الورقة ف ابتسمت
: هييييح، امتى اتحب بقا
_ شهد .. انا بجد خايفة
: ليه بس
_ عشان هو مش عايز يصرح
: اقولك الصراحة ومتفتنيش
_ قولي
: هو متردد عشان ترفضيه
_ هرفضه ليه
: عشان انتي معاكي شهادة وهو لا، وعشان فاتح ورشة، خايف تستقلي بيه
_ استقل بيه ازاي وانا شايفاه زينة الرجال
: يا ولا يا حبيب، حلوة دي، بس هو غبي بقا نعمله اية
_ شهد متشتمهوش
: طب ما هو هيضيعك من ايده عايزاني اقول اية
فضلت ساكتة وقومت من جمبها
_ تفتكري فعلا ممكن يسيبني لغيره
قامت من مكانها و وقفت جمبي وهي بتحضني
: السؤال دة هو اللي يجاوبه مش انا يا ليلى، انا متأكدة أنه بيحبك، لكن مش عارفة إذا كان هيعمل اي حاجة عشان تكوني ليه فعلا ولا هيستسلم لخوفه
_ انا اللي خوفت دلوقتي
: سيبيها على الله، لو ليكوا نصيب مع بعض هتكونوا، ولو لا .. يبقى ربنا هيعوضكم خير إن شاء الله
_ يارب يا شهد، انا معرفش هو ازاي تصور اني ممكن افكر فيه كدة
: اي حد مكانه هيفكر بالشكل دة، دة معناه أنه عارف قيمتك كويس اوي يا ليلى، بصي، متقلقيش، انا هظبطلكم الموضوع دة
_ هتعملي اية
: هوفق راسين في الحلال وامري لله
° اية دة الله هلبس فستان
: متنبريش انتي بس
° عقبالي يارب
: اة يا مقصوفة الرقبة انتي
° الله يسامحك يا شوشو، عمتاً سيف برا مستنيكم
_ بجد، طب يلا يا شهد عشان منتأخرش عليه
: يا بت اتقلي
خرجنا ليه سوا، كان قاعد مع مرات عمي وعمال يسمع في توصياتها ليه بأنه يخلي باله مننا
: اية يا ماما هو احنا صغيرين
• ايوا صغيرين، انتم لسة اول مرة تنزلوا وتتعاملوا مع ناس غريبة ف طبيعي اقلق
* انا هوصل كل واحدة لمكان شغلها وهبقى اروح اخدهم كمان متقلقيش
• معلش يا حبيبي هنتعبك معانا
* متقوليش كدة دول اخواتي
بصينا انا وشهد لبعض بصدمة، اية اخواتي دي، يعني اية؟ هو بجد ليه بيعمل كدة
* يلا بينا
بصيتله بنرفزة حاولت اسيطر عليها ونزلت اسبقهم على تحت ودموعي كانت على وشك النزول لكن مسحتها، هعيط ليه؟ هو لا صرح ولا عشمني بحاجة، اخوات اخوات اية المشكلة، لا مشكلة، انا مش عايزة نكون اخوات، دموعي كانت بتزيد لكني كنت بمسحها بسرعة وبكتم العياط جوايا
: اية اللي انت عملته دة
* في اية
: اية اخواتي دي
* اومال عايزاني اقول اية قدام خالتي
: ما كنت تقول اي حاجة يا اخي البت اتصدمت
* انا مكنش قصدي اللي فهمته والله
: والله هي مش هتقعد تنجم قصدك، ركز انت في اللي بتقوله
سابتني ونزلت تجري وراها، انا فعلاً غبي، ازاي قولت كدة قدامها، زمان دماغها بتجيب وتودي دلوقتي وبتشككها في كل حاجة، نزلت وراهم لقيتهم واقفين سوا على جمب، عيونها بتلمع وشكلها كانت بتعيط، اضايقت جداً وكنت عايز ابرر لها لكن معرفتش اقول اية
* اركبوا العربية
: عربية مين دي
* واحد صاحبي، خدتها منه عشان اوصلكم بيها
: لا كتر خيرك
قالتها بتريقة ف بصيتلها بمعنى إن متزودش الطين بلة، دورت العربية، وساد بينا صمت خانق، حتى شهد اللي عمرها ما بتسكت كانت قاعدة في الكرسي ورا ساكتة خالص، ولما حاولت تأكلها من السندوتشات اللي معاه رفضت، كنت ببص قدامي، بس كل ثانية عيني تسرح عليها من المراية، ملامحها كانت متوترة، بتبص من الشباك ومش راضية تبص ناحيتي خالص، نفسي أقولها إني مكنتش أقصد كدة، إني اتزنقت في الكلام، بس في نفس الوقت دة هيبقى اعتراف مباشر بحبي ليها، وانا مش جاهز لكدة دلوقتي، مش قبل ما اكون انسان يليق بيها
وصلت شهد لأول الشارع وبعدين كملت بيها، ملامحها هادية، ساكنة، لكن أنا متأكد إن جواها دوشة كبيرة واسألة كتير محاوطاها وملهاش إجابة غير عندي انا، لومت نفسي جداً عشانها، افتكرت شكلها الصبح وانا براقبها من البلكونة لما ضحكت اول ما مسكت الورقة وقرأت اللي فيها، ساعتها حسيت اني ملكت العالم كله عشان بس ضحكت بسببي، لكن دلوقتي عالمي اتهد وانا شايف دموعها اللي بتحاول تخبيها والتوهان اللي هي فيه
* تحبي افتحلك الشباك
_ لا شكراً
بتقفل معايا في الكلام، لكن أنا مستحيل اسيبها كدة
* عارفة، مرة وانا صغير، في تالتة ابتدائي كدة، كان عندنا لمبة في الصالون بتعلق وماما كل ما تقول لبابا الله يرحمه يصلحها كان يقولها حاضر وينسى أو يكسل
انتبهتلي وبصتلي بطرف عينها
* وفي يوم جاتلي فكرة مريبة يا ريتني ما عملتها
_ اية
* وقفت تحت اللمبة كدة وافتكرت كلام ماما لما قالت إنها عايزة هزة بس وهتبطل تعلق، مكنتش هعرف اطولها حتى لو وقفت على كرسي ف قعدت افكر كدة المفروض اعمل اية، لحد ما جت في دماغي فكرة مشؤومة، روحت فتحت درج الكمود وخدت النبلة اللي كانت فيه، لكن مكنتش عارف هضرب بأية، فضلت ادور في الشقة على اي حاجة تشبه الظلط لحد ما لقيت في الدرج حلقة من بتوع الستاير، قولت اجرب بيها يمكن تظبط، و وقفت بعيد كمان وقعدت بقا اعمل نفسي بقيس المسافة ومعرفش اية وقومت ضارب بيها مرة واحدة
_ واللمبة اتهزت؟
* اتهزت فعلاً، بس اتهزت لآخر مرة في حياتها، اتكسرت ونزلت كلها على الأرض والازاز طار في كل حتة، وقفت متجمد مكاني وماما دخلت الصالون بتصرخ، وانا واقف شايف الدخان اللي طالع من مكانها، لفيتلها وانا مرعوب بس حاولت مبينش وقولتلها
* مش كنتي عايزة بابا يغيرها، انا شيلتهالك خالص اهو
ضحكت غصب عنها وهي بتحاول تداري لكن شوفتها
* اهو انا كدة كسبت الرهان
_ رهان اية
* اني اقدر اضحكك قبل ما نوصل المصنع، التكشيرة مش لايقة عليكي أبداً
بطلت تبتسم ورجعت بصت من الشباك تاني
* حمد لله على السلامة
_ الله يسلمك
* ليلى، مش دي روان جارتنا اللي واقفة هناك
_ ايوا هي
* اية اللي موقفها هنا
_ ما هي هتشتغل معايا
* ليلى، ياريت تقطعي علاقتك بيها
_ ليه يعني
* مش عايز اتكلم على حد، اسمعي الكلام
_ انا مشوفتش منها حاجة وحشة عشان اقطع معاها، وبعدين انا مش صغيرة عشان تقولي اصاحب مين وأقطع علاقتي بمين، عن اذنك
نزلت من العربية بكل هدوء بعد ما نجحت في استفزازي، انا عارف انها بتقول كدة عشان لسة مضايقة مني، لكن اللي استفزني أنها مش شايفة روان دي كويس وهتتحط في مشاكل معاها
: اوبااااا، اية يا لول الجمدان دة، سيف مرة واحدة
_ يعني اية
: يعني طلعتي اروبة وعرفتي توقعي الواد اللي كل بنات الحارة هتموت عليه، مطلعتيش سهلة
_ وقعته اية دة جاي يوصلني عشان مجيش لوحدي
: ما هي بتبدأ كدة دايماً، قوليلي، مسك ايدك
_ روان، اية القرف اللي بتقوليه دة
: قرف ليه ما عادي يعني
_ لا طبعاً، ازاي اصلا تقوليلي كدة
: بس بس، هنبدأ بقا في ازاي تقوليلي كدة وازاي تفكري كدة وعيب وحرام ودروسك اللي مبتخلصش دي
_ انا داخلة احسن ما اتخانق معاكي، وسعي
كل يوم والتاني بكتشف إن شهد معاها حق، وطلع إن سيف كمان معاه حق، انا مبقتش برتاح لروان زي الأول وبقيت بخاف منها ومن دماغها، الظاهر اني لازم ابعد عنها فعلاً
رجعت الورشة بعد ما وصلتها وانا حاسس بقلبي ارتاح شوية لما ضحكت، لكن تأنيب الضمير مستمر وعيونها اللي كانت بتلمع بالدموع مبتفارقش بالي، خلعت التيشيرت وقومت اشغل نفسي في اي حاجة عشان مفكرش لكن دة محصلش، هو ليه مفيش زرار نفصل بيه التفكير، مسكت المفتاح الإنجليزي وبدأت أفك في موتور العربية اللي قدامي من غير ما حتى أبص عليه، إيديا بتتحرك، بس دماغي عندها هي، عند ضحكتها وعند عيونها اللي كانت بتحاول تهرب مني
بعد محاولات كتير اني اشغل نفسي فشلت وعقلي فضل مشوش، رميت المفتاح على الترابيزة ومسحت عرق جبيني وأنا بتنفس بعمق وبقول لنفسي، يا ريتني كنت شجاع كفاية اقولها كل اللي في قلبي بدل ما أنا بستخبى ورا الهزار والتلميحات وبس ومش قادر حتى احتويها لما تزعل مني
: سيف
بصيت ورايا وشوفت اخر حد كنت اتوقع اني أقابله تاني
* جميلة؟
شريط من الذكريات مر قدام عيني في ثانية و رجعت سنين لورا، نفس الملامح، نفس العيون اللي كنت فاكر اني مش هشوفها تاني، بس الفرق إن المرة دي مفيهاش نظرة شفقة .. فيها شوق وحنين
: اذيك يا سيف
* تمام
بصت للورشة وقربت مني بتردد وهي بتقدم خطوة وتأخر التانية
: ورشتك حلوة
* عايزة اية يا جميلة، اية اللي جابك بعد السنين دي كلها وعرفتي مكاني منين
: مش مهم كل دة، المهم اني جاية لحد عندك وانا ندمانة اني ضيعتك من ايدي يا سيف
ضحكت بسخرية وقعدت على الكرسي بتاعي
* ندمانة؟ غريبة، مش قولتي ان عمرك ما هتندمي على قرارك مهما حصل
: كنت غبية، حسبتها غلط وقتها، سيف .. انا كنت تايهة، انا حبيتك بجد وانت عارف كدة كويس، وكان عندي استعداد احارب الدنيا كلها عشانك، لكن انت لا، اتمسكت بشغلك في ورشة خالك رغم انك عارف إن اهلي هيرفضوا تكون في المكان دة .. كلامهم خوفني، خوفوني منك يا سيف، قالولي إني لو اخترتك هعيش طول عمري بتعب وشقاء، وإن البنت اللي من عيلة زينا مينفعش تتجوز واحد شغال في ورشة وكمان مكملش تعليمه، وأنا كنت صغيرة وساذجة وسمعت كلامهم
* وانا بقا اخترت الورشة دي عشقًا في الشحم والزيت؟
انتي عارفة كويس اوي إن مكنش عندي غيرها، كنت خارج من خناقة مع الدنيا، ومفيش باب اتفتحلي غير باب ورشة خالي، اشتغلت عشان أقدر أوقف على رجلي، مش عشان أعيش فيها طول عمري
: عارفة .. بس كنت بتمنى وقتها تقولي إنك هتتغير، إنك ناوي تكبر
* قولتلك وانتي مصدقتيش، واديني اهو، اشتغلت وحوشت لحد ما خدت الورشة دي تمليك وسيبت ورشة خالي، وهفتح مركز الصيانة اللي كنت بحلم بيه في ارقى حتة في مصر قريب، لو كنتي صدقيني كان زمانا لسة سوا
: طب ما نرجع سوا يا سيف
* تؤ، مبقاش في منه الكلام دة
: بس انا بحبك
* وانا نسيتك، امشي يا جميلة، امشي ومتجيش هنا تاني
قربت مني ومسك أيدي
: سيف ..أنا غلطت، بس اتعلمت، إديني فرصة واحدة أثبتلك
بعدت عنها فوراً وسحبت أيدي منها
* اتأخرتي اوي، أنا كنت مستنيكي زمان، كل يوم، كل لحظة، لكن دلوقتي لا
: في واحدة في حياتك
* ميخصكيش عشان تعرفي
: عمري ما أكنت اتخيل انك تقسى عليا في يوم
* اديتك كل الحنية اللي في الدنيا لكن انتي مقدرتيش، امشي يا جميلة من فضلك
: همشي يا سيف، همشي ومش هتشوفني تاني
مشيت وانا فضلت مكاني ببص للباب اللي خرجت منه، عينيا ثابتة لكن جوايا دوامة كبيرة، مش عشان جميلة نفسها، لكن عشان الذكريات اللي رجعت معاها، الوجع اللي سابته لسه محفور في قلبي
و عشان كده خايف أقول لليلى اللي جوايا، خايف تبصلي نفس البصة اللي جميلة بصتلي بيها يومها، أنا مش ناقص رفض تاني، ومش عايز حد يبصلي على اني أقل منه، وفي نفس الوقت بحبها ومش قادر اتخيل أنها ممكن في يوم تكون لغيري، عشان كدة بقيت بفحت نفسي في الشغل عشان اكمل فلوس المركز وافتحه وتشوف نجاحي، مبقاش في عينيها سيف اللي الدنيا جت عليه وخسر كل حاجة، لا .. ابقى سيف اللي رغم كل دة عافر وتعب وشقي وربنا كرمه و وقف على رجله من تاني وبقا احسن من الأول
هي تستاهل كل حاجة حلوة في الدنيا، تستاهل راجل واقف على رجله، عنده حلم وبيحققه، مش حد مكسور أو بيخاف من الرفض، عشانها هعافر، وهشتغل أكتر من أي وقت فات، وهخليها تشوف سيف اللي يستحقها فعلاً
يوم ما أقولها بحبك، هقولها وأنا واثق إني بقيت الراجل اللي تتسند عليه .. مش اللي تخاف تعيش معاه
