رواية لما قابلتك الفصل الرابع بقلم نوري
طول اليوم وانا في المصنع بالي مشغول بيه، بفكر فيه وفي كلامه معايا في العربية عشان يضحكني، بس اكتر حاجة كانت شاغلة بالي الكلمة اللي قالها واحنا في البيت، عقلي مشتت ومش عارفة إذا كان شايف إننا فعلا اخوات ولا مجرد كلمة اتقالت، بس لا، كلامه دايماً بيطلع منه موزون ومحسوب، ومفيش راجل هيكون بيحب واحدة هيقول عليها أخته أبداً، يا ربي، اومال كل تصرفاته وكلامه معايا دة اية، وعيونه ونظراته ليا اللي مبتكونش عادية أبداً، ولهفته لما يشوفني، وكل موقف وتصرف منه حسسني بأنه بيكن مشاعر ليا، كل دة وهم؟ معقول اكون انا وهمت نفسي وفهمت تصرفاته غلط؟ بس ازاي، مهو تصرفاته دي مبتحصلش مع شهد وسلمى، حتى هما نفسهم حاسين أنه بيحبني، يبقى انا ازاي انا موهومة بس، مسكت راسي لما حسيت بالصداع، أفكاري عاملة دوشة جوا دماغي، مش عارفة أرتبها ولا أمسك خيط منهم لنهايته. كل ما أقول لنفسي يمكن فعلاً كنت فاهمة غلط، حاجة جوايا بتصرخ وتقول لأ، في حاجات مبتتكذبش، نظرته ليا، الطريقة اللي بيقول اسمي بيها، الاهتمام اللي بيظهر في أتفه التفاصيل، مستحيل تكون صدفة
لكن كلمته كسرتني، يعني إيه أختي؟ يعني كل اللحظات اللي بينا دي كانت إيه؟ كان بيمثل؟ ولا بيحاول يبعد؟ طب ليه؟ خايف؟ ولا فعلاً شايفني كده؟
افتكرت كلام شهد الصبح لما قالتلي إنه خايف ارفضه، لوهلة استغربت هي عرفت منين، انا ازاي مسألتهاش الصبح، كانت بتتكلم وكأنها متأكدة من اللي بتقوله
اتنفست بعمق وأنا ببص على الأرض، حسيت إن قلبي بيتقل كل دقيقة أكتر، بصيت لمكنة الخياطة اللي قدامي وأنا بحاول ألهي نفسي في الشغل
: انا زهقت
كانت روان، جابت كرسي وقعدت جمبي وهي بتنفخ
_ هو احنا لحقنا، دة لسة اول يوم
: انا اصلا مش عايزة اشتغل
_ اومال جيتي ليه
: عشان طول ما أنا في البيت مش بعرف أخرج براحتي، مش بيبقى عندي سبب، إنما دلوقتي عندي سبب ومقنع كمان، هخرج براحتي واروح اي حتة انا عايزاها، وأشوف مؤمن كمان
كنت ببصلها وانا مضايقة من طريقة تفكيرها، هو انا ليه مستغربة وبتفاجئ بتصرفاتها دلوقتي، رغم إن من اول ما عرفتها وهي كدة، يمكن عشان شهد عمالة تحذرني منها، أو يمكن عشان أنا بقيت الاحظ أنها عايزة تجرني معاها لأي حاجة فعلاً
_ هو مؤمن دة مش ناوي ييجي يخطبك
: مش عارفة
_ يعني اية مش عارفة
: مش عارفة هو بيحبني ولا لا
_ اومال بتخرجي معاه ليه
ضحكت
: هو كل واحد أخرج معاه لازم يكون بيحبني
_ لا مش فاهمة
: يعني احنا مش مضطرين نحب بعض عشان نخرج سوا، هو بيخرجني وبيدفع ومش مخليني محتاجة حاجة، وأنا مش بخسره حاجة، كل واحد كسبان بطريقته
_ وليه تعملي كدة
: عادي يعني يا ليلى
_ لا مش عادي، انتي ماشية في الطريق الغلط
: عايزاني اعمل اية يعني
قالتها بنرفزة ف حاولت اكون هادية معاها عشان متحسش اني بهاجمها
_ تعملي الصح يا روان، تبعدي عنه وعن الطريق دة
ضحكت ضحكة قصيرة فيها وجع
: الطريق دة هو الوحيد اللي مفتوح قدامي يا ليلى، انتي مش عايشة مكاني، متعرفيش يعني إيه تصحي كل يوم ومفيش حاجة تفرحك، ولا حتى أمل بسيط، أنا طول عمري بحس إني لو وقعت محدش هيمد إيده يشيلني، لا أهل، ولا أصحاب، ولا حتى حد بيحبني بجد، كل الناس بتمشي، وأنا دايمًا واقفة في مكاني، غرقانة في اللي فاضل مني
مؤمن يمكن مش بيحبني، وأنا عارفة، بس على الأقل بيخرجني من ضلمة الوحدة اللي عايشاها، بيخليني أحس إن في حد شايفني، حتى لو شايفني غلط
والفقر يا ليلى، الفقر بيكسر في الواحد لحد ما يحس إن كرامته مش فارقة، وإن أي حاجة فيها شوية راحة تبقى كأنها طوق نجاة، هو بيصرف عليا، و أنا باخد منه اللي عمري ما لقيته في الدنيا، اهتمام بسيط، وساعة راحة
يمكن الغلط مش بس في اللي بعمله، يمكن الغلط إن الدنيا عمرها ما ادتني فرصة أعيش صح
حطيت ايدي على كتفها وقربت اطبطب عليها
_ روان، انا مش بهاجمك، بالعكس انا مضايقة عشانك، مش عايزاكي تمشي في الطريق دة، هتأذي نفسك، ابعدي عنه وعن كل اللي زيه، متقهريش قلب امك عليكي، وبعدين يا ستي هي جمبك وانا كمان معاكي يبقى ازاي لوحدك، وربنا رزقك بشغل اهو بدل قاعدة البيت واهو يبقى معاكي فلوس برضو
: هو انتي بتسمي الملاليم اللي هناخدها هنا فلوس، غيرنا بيصرف مرتبنا دة كله في خروجة واحدة بس
_ واحنا ليه نبص لغيرنا، خلينا راضيين باللي ربنا قاسمهولنا
: انتي بتقولي كدة عشان مش حاسة بأي حاجة، تعرفي اية انتي عن الجوع والفقر اللي محاوطني، اتولدتي في بوقك معلقة دهب، وحتى لما الدنيا جت عليكي جيتي عند عمك اللي مش حارمك من حاجة وبيجيبلك كل حاجة لحد عندك، انتي عمرك ما جربتي إحساس إنك تقومي الصبح ومفيش ولا جنيه في البيت، ولا حتى رغيف عيش، ولا جربتي تباتي وانتي حاسة إنك مش مطلوبة في حياة حد
يا شيخة دة انتي حتى كل الناس بتختارك دايمًا، و من غير ما تعملي مجهود، وأنا؟ محدش اختارني في حياته، ولا مرة، كل اللي حواليا بييجوا وقت مصلحتهم ويمشوا، عشان كده لما حد زي مؤمن يهتم بيا، حتى لو نص اهتمام، مش هسيبه
كنت بسمعها وانا مصدومة من اللي بتقوله وكمية الحقد اللي كان في عيونها وهي بتبصلي، انا ازاي كنت معمية عنها بالشكل دة، ازاي مخدتش بالي منها من الأول، جرس الانصراف بتاع المصنع اشتغل وكل اللي حوالينا قاموا واحنا زي ما احنا، تليفوني رن بأسم شهد، رديت عليها وانا حاسة إني مش قادرة انطق
: احنا مستنيينك تحت
_ حاضر
قومت واخدت شنطتي وبصيت ليها وانا جوايا كلام كتير أقوله، لكن معرفش ليه مقدرتش اتكلم وخدت بعضي ومشيت فوراً وكلامها لسة بيتردد في وداني، خرجت من المصنع لقيت شهد وسيف مستنييني في العربية، ركبت من غير كلام وبصيت من الشباك، والغريب إن هو كمان كان ساكت ومبيتكلمش، باصص للطريق قدامه و سرحان، وكأن في شيئ حصل مضايقه
: مالكم ساكتين كدة، مالك يا سيف
* مفيش
: طب مالك يا ليلى، حد ضايقك جوا؟
لقيته انتبه وبصلي في المرايا
* مالك يا ليلى
_ مليش يا جماعة انا كويسة
: هو انا مش عارفاكي
_ مفيش بجد، انا بس حسيت بأرهاق شوية عشان مش متعودة لسة
* قربنا نوصل اهو، روحي وارتاحي شوية
_ حاضر، انت كويس
* الحمد لله
ابتسملي لكن ابتسامته كانت باهتة وحسيت أنه مضايق فعلا من حاجة، قلقت عليه وكنت عايزة اعرف ماله لكن مش عارفة أقوله اية، وصلنا تحت البيت وطلعنا كلنا سوا
: ما تيجي تقعد معانا
* لا انا هطلع اريح شوية عشان هنزل بليل تاني
: اوكي
فتحت الباب ودخلت عشان تسيبنا نتكلم، كنت ببصله وعايزة اتكلم معاه بأي طريقة، هو كمان كان بيبصلي ومطلعش
* انتي متأكدة انك بخير
_ اة، الحمد لله، بس .. انت مش كويس صح
اتنهد بتعب ومسح على وشه
* بصراحة، شوية
_ اية اللي حصل ضايقك
* مش مهم بقا عادي
_ مش عايز تقولي
* انا؟ دة انا نفسي في اليوم اللي يكون مسموحلي فيه اجيلك واشكيلك من الدنيا وقساوتها عليا، انا بس مش عايز اشيلك همي
_ متقولش كدة، مش احنا صحا.. قصدي اخوات
* ليلى انا مكنش قصدي
حاولت اكون طبيعية لكن كلامي طلع بأرتباك
_ على اية يا سيف انا مقولتش حاجة، دة كلامك
* دة عشان بس خالتو كانت قاعدة، لكن دة مش حقيقي
_ والحقيقة اية يا سيف
سكت ومتكلمش، زي ما توقعت، كان بيبصلي وعيونه بتقول اللي جواه، لكن مش كفاية بالنسبالي، لازم اسمع بوداني عشان اطمن
_ عن اذنك
* ليلى
دخلت الشقة وقفلت الباب بشويش، مش هسمعه ولا هقف معاه تاني طول ما هو مش قادر يواجه مشاعره ويرسيني على بر الأمان، خليه غرقان في أفكاره اللي هيفوق منها في يوم يلاقيني ضيعت من بين ايديه، وساعتها مش هيكون في فايدة من الندم
: ماما سألت عليكي
_ قولتلها اية
: قولتلها انك بتغيري هدومك، امسكي البسي بسرعة واخرجي عشان متشكش في حاجة
_ حاضر حاضر
سبقتني على برا وانا لبست بسرعة وخرجت وراها، دخلنا المطبخ سوا نساعد مرات عمي في الغدا عشان يخلص بسرعة قبل ما عمي ييجي
• ليلى
_ نعم يا مرات عمي
• هي الملوخية بتتقص يا عيون مرات عمك؟
مفهمتش قصدها ف شاورتلي بعينيها على اللي في ايدي، بصيت لقيتني ماسكة عيدان الملوخية وبقص ورقها بدل ما اخرطه، ضحكت عليا هي وشهد وانا لسة مصدومة
• يوم واحد شغل يعمل فيكي كدة
_ معلش انا معرفش ازاي مخدتش بالي
• ولا يهمك يا حبيبتي، فداكي الدنيا بحالها
: يا سيدي على الدلع
• شهد هتعملها مكانك
: الله، وانا مالي يا لمبي
• تعالي خرطيها مكانها شكلها مرهق
_ لا يا حبيبتي انا كويسة، انا بس سرحت
• طب خلي بالك عشان متسرحيش تاني والمخرطة تعورك
_ حاضر
تليفونها رن ف خرجت ترد عليه
: مالك يا ليلى، مش على بعضك ليه
_ هبقى احكيلك لما نكون في اوضتنا
: طب قولي اية اللي ضايقك
_ بعدين يا شهد
: ماشي يا ستي
بعد ساعتين وصل عمي وحضرت انا وشهد وسلمى السفرة وقعدنا كلنا سوا
• طمنوني، عملتوا اية النهاردة في شغلكم
: الحمد لله يا بابا، اليوم مشي كويس و وقفة المكتبة مش وحشة
• طب الحمد لله، وانتي يا ليلى
_ الحمد لله يا عمي متقلقش
• مالك يا حبيبتي، حصل حاجة ضايقتك
_ لا انا كويسة الحمد لله، انا بس مصدعة من دوشة المكن
• معلش يا حبيبتي، كلي وادخلي ارتاحي شوية
هزيتله راسي وسكت، حاولت اكون بعدها طبيعية عشان ميشكش في حاجة، خصوصاً أنه كان بيبصلي من وقت للتاني، بعد شوية كنا خلصنا، مرات عمي طلعت عند حياه شوية وعمي نزل يصلي العشاء في الجامع، دخلت الأوضة وقعدت على السرير بأرهاق
° مالك يا لولا، من ساعة ما جيتي من المصنع وانتي مش كويسة
_ متقلقيش يا حبيبتي انا بس مصدعة
° مش مصدقاكي، حصل حاجة؟ سيف ضايقك بحاجة طيب
: سلمى، ممكن يا حبيبتي تسيبينا شوية لوحدنا
° حاضر، انا اصلا كنت خارجة اتفرج على التلفزيون شوية
: خلصتي مذاكرتك
° اة، امتى اخلص من الثانوية دي بقا
: روحي صيحي برا يلا
° انتي مش اخت جدعة والله
خرجت برا وهي بتقول كلام مش مفهوم، قربت شهد وقعدت جمبي على السرير
: ها، احكيلي بقا
_ احكيلك اية
: اللي مضايقك
_ من غير ما تلوميني؟
: مممم يبقى الحكاية فيها روان، بس عيب عليكي متخافيش
_ كان عندك حق في كل اللي قولتيه يا شهد، طلعت مش شبهنا ومش نفس تربيتنا، وطلعت حقودة اوي، تخيلي أنها بتحقد عليا اني محبوبة وسطكم وان ربنا عوضني عن ابويا وامي بيكم
: قالتلك اية بالظبط
حكيتلها كل الكلام اللي سمعته منها، كنت بقوله وانا متأثرة جداً وكأني لسة مش مستوعبة إن الكلام دة اتقال ليا انا وإن في حد بيحسدني على الحاجات اللي أنا كنت بشكر ربنا عليها ليل ونهار، على وجودهم في حياتي، وعلى إن رغم كل اللي راح مني لسه عندي ناس بتحبني بصدق، كنت بتكلم وشهد عينيها بتلمع بالدهشة والزعل، وأنا مش قادرة أمنع دموعي من النزول
: يا بنتي دي مريضة، فعلاً مريضة بالغيرة
_ مكنتش أتخيل إنها شايفة حياتي سهلة كدة، وأنها شايلة كل دة جواها من ناحيتي
: أصل اللي زيها بيشوف كل راحة في عين غيره نعمة هو اتحرم منها وبيتملكه الحقد والغل لما ميكونش طايلها
_ بس ليه كده؟ أنا عمري ما أذيتها، كنت دايمًا واقفة جنبها وبدافع عنها قدام الكل
: عشان الغيرة متسألش منطق ولا أصل، بتخلي الواحد يشوف الخير في غيره غصّة مش نعمة
_ قالتلي إني اتولدت في بوقي معلقة دهب ومش حاسة بالجوع ولا الفقر، مع إن أكتر حاجة موجعاني في حياتي إني عشت نص عمري محتاجة حنان مش فلوس
سكتت شهد وبصتلي بعين فيها وجع وتعاطف، وقالت بهدوء
: متزعليش يا عيوني، اللي زي دي ربنا هو اللي بيتولاها، وانتي كفاية قلبك اللي عمره ما كره حد
_ يمكن عندها حق في حاجة واحدة، أنا فعلاً محبوبة منكم، ودي أكبر نعمة في حياتي
: عشان كده احنا مش هنخليها تأذيكي ولا حتى بكلمة، خديها درس يا ليلى، مش كل الناس اللي بتضحك في وشك بتحبلك الخير
_ عندك حق، انا اسفة اني مكنتش بسمعك لما قعدتي تحذريني منها
: متقوليش كدة، انتي اختي، قوليلي، عملتي اية مع سيف الصبح بعد ما سيبتكم وروحت المكتبة
_ مفيش، فضلت ساكتة ومبكلموش، لكن هو مسكتش
: عمل اية
_ حكالي موقف عنه فجأة وهو صغير عشان يضحكني
: وضحكتي؟
_ بصراحة اة
: اين الكرامة انا لا أراها
_ ما انا رجعت بعدها كشرت تاني
: لا يا بت ناصحة، وبعدين
_ مفيش، وصلني المصنع ومشي
: دة انا مسكته على السلم الصبح كنت هاكله على كلمة اخواتي دي
_ صحيح يا شهد، هو انتي عرفتي منين إنه خايف ارفضه
: بصراحة، اتكلمت معاه
_ امتى؟
: يوم ما طلعت ليهم فوق
_ شهد، اوعي تكوني قولتيله اني بحبه
سكتت وبصت ناحية البلكونة كأنها بتتهرب مني
_ لا يا شهد بتهزري
: يا بت مقولتهاش صريحة
_ اومال
: لمحتله بس
_ ليه يا شهد، انا قولتلك تعملي كدة، شكلي اية قدامه دلوقتي
: ولا اي حاجة، ليلى هو مش عبيط ولا صغير، هو عارف كويس انك بتحبيه، وعارف كمان انك عارفة أنه بيحبك، لكن خوفه هو اللي عاكك الدنيا
_ والله ما حد عك الدنيا غيرك
: والله ما عملت ولا قولت حاجة تشوه صورتك قدامه، عيب عليكي انتي عارفاني، انا بس كنت عايزة اعرف آخره اية في جو التلميحات والفراشات اللي عمال يطفحهالك دي
_ واستفدنا اية لما عرفنا
: استفدنا انك اطمنتي أنه حاسس بيكي وبيحبك
_ واختي اللي قالها الصبح دي اية
: مهو انا عشان كدة كلمته على السلم، بس هو قالي أنه اضطر يقول كدة قدام ماما وأنها طلعت منه تلقائي، صحيح انتوا كنتوا بتتكلموا في اية ع السلم من شوية
_ كنت بسأله ليه مضايق، قالي أنه مش عايز يشيلني همه، غيظته وقولتله يحكيلي وأننا اخوات، قالي انا مكنش قصدي ومش دي الحقيقة، ولما زنقته في الكلام سكت روحت دخلت ومستنتش اسمع تبريراته
: جدعة يا بت
_ انا اصلا قولت خلاص لا هكلمه تاني ولا هقف معاه
: ليه كدة بس
_ مش عايزة اتعب بعدين يا شهد، هيفضل خايف ومش هيواجهني، وانا هفضل متعلقة بيه
: والله الحب دة مرمطة، كان لازم تحبيه يعني، تصدقي ولا مرة قولتيلي حبيتيه امتى وازاي، ما تحكيلي
_ دلوقتي؟
: وهو احنا ورانا حاجة يعني، احكي احكي، حبيتيه امتى
سندت ضهري على السرير وابتسمت وانا بفتكر اول يوم قابلته فيه، كان اليوم اللي جيه فيه هو وحياه عشان يسكنوا في الشقة اللي فوقينا، مكنتش اعرفهم لأنهم كانوا ساكنين في محافظة تانية ومش بييجوا خالص، حياه كانت لذيذة ولما شافتني خدتني بالحضن وقالتلي أن مرات عمي كانت دايما تحكيلها عني، اتعرفت عليها وبعدين كلنا طلعنا معاها نساعدها في تنضيف الشقة وهو مكنش موجود، فضلنا معاها طول اليوم وظبطنا كل حاجة وعملنا ليهم غدا كمان، كل الشقة كانت اتفرشت حتى اوضته ما عدا شوية حاجات سيبناها على جمب
: اية دول يا خالتو
: دي حاجات بتاعة سيف، سيبهاله هو ييجي يرصها بمعرفته وتعالي ندخل المطبخ
: تعالي
خرجوا وانا فضلت في الأوضة، كنت ببص على كتاب شدني محطوط في الشنطة وسط حاجات كتير، كان لإحسان عبد القدوس، طلعته من الشنطة ومسحت التراب اللي عليه وانا بقلبه في أيدي يمين وشمال، عمري ما قرأت ليه بس اللي اعرفه انه كل رواياته عظيمة واتعملت معظمها افلام
_ في بيتنا رجل؟ مش دة الفيلم بتاع عمر الشريف
* بالظبط
اتخضيت و وقعت الكتاب من ايدي، لقيت قدامي شاب طويل وعريض شوية، كان لابس جاكيت غامق على قميص مفتوح من فوق زرارين، وبنطلون جينز بسيط، ريحته كانت خفيفة بس مميزة، من النوع اللي يسيب أثر، شعره أسود، ناعم شوية ومهندم بطريقة بسيطة من غير تكلف، عنده لحية خفيفة بتدي لملامحه نضج ووقار، بشرته قمحية، وعينيه بني غامق فيهم عمق غريب، كأن وراهم حكايات كتير محكاهاش لحد
* انتي مين
_ ل..ليلى
* انتي ليلى بنت عم شهد وسلمى مش كدة
_ ايوا
* اذيك، انا سيف
_ الحمد لله
* اتشرفت بيكي
_ شكراً، عن اذنك
* استني، لو عايزة الكتاب تقرأيه معنديش مانع
_ لا شكرا .. شكرا
مشيت من قدامه بسرعة وانا مرتبكة جداً ومعرفش ليه، بس حسيت من ناحيته بحاجة غريبة، حسيت إنه شدني، شكله وهيبته شدتني ليه، وبدون مبالغة، حسيت إن هيبقى بيني وبينه قصة، ازاي وفين وامتى، معرفش، لكن احساسي عمره ما يخيب
: وبقا بينكم قصة فعلاً
رجعت للواقع على صوت شهد، لقيتها مبتسمة وبتبص للفراغ بهيام
_ اتجننتي ولا اية
: لا يختي، بس امتى هلاقي الحب بقا
_ هتلاقيه يا ستي يعني هيروح فين
: على رأيك، المهم، انا عندي خطة
_ خطة؟ عشان اية
: عشان يتلحلح وينطق، لازم يحس أنه بيخسرك وانك ممكن تضيعي منه في اي لحظة
_ ازاي
: هتكرفيله تماماً، جو بقا الابتسامات والاستلطافات دة انسيه
_ يعني اعمل اية
: ابقي باردة، جامدة، متوقعة كل حاجة ومش فارق معاكي حاجة، لو حاول يهزر معاكي متضحكيش، لو ناداكي متجريش، خليه يحس إن وجوده زي عدمه
_ طب ودة مش ممكن يخليه يبعد؟
: بالعكس، الراجل لما يحس إنك بتجري وراه بيزهق، لكن لما يحس إنك بتفلتي منه بيولع، وخصوصًا لو كان معجب بجد
_ بس هو مش من النوع اللي بيجري
: يا بنتي كله بيجري لما بيتهدد بالغياب، انتي بس طبقي الخطة مظبوط، واعملي نفسك مشغولة دايمًا، بلاش تكوني متاحة، خليه يدور عليكي مش العكس
_ طب ولو ما دورش
: ساعتها تبقي عرفتي قيمتك عنده بالظبط، بس أنا متأكدة إنه هيدور، الراجل اللي يحب واحدة زيك مايعرفش يعيش من غيرها
_ حلو دة
: من امتى بقول حاجة وحشة انا
_ ربنا يستر من ثقتك دي والله
: عيب عليكي، ثقي فيااا
_ استر يارب
كنت قاعد في أوضتي بعد ما قفلت الورشة بدري، اليوم كان تقيل بطريقة غريبة، و من أول ما جميلة ظهرت وأنا حاسس إن روحي مضايقة، قلت أروح البيت يمكن أهدى شوية، وصلت أوضتي ورميت التيشيرت على الكنبة، قعدت في الضلمة، مش مستحمل حتى نور الأوضة، دماغي كانت شغالة زيادة عن اللزوم، ومفيش حاجة فيها مريحة، الموبايل رن، شوفت الاسم وكان أدهم صاحبي
* أيوه يا أدهم
: يا عم فينك؟ بقالي ساعتين بحاول أوصلك
* معلش، كنت مضايق شوية وقفلت بدري
: مالك حصل اية
* مفيش، قوللي إيه أخبار المركز
: كله تمام، بس عايز تيجي تتمم معايا على كام حاجة بكرا
* حاضر، بكرا إن شاء الله هشوفك هناك الصبح
سكت سيف شوية وانا متردد اسأله عن جميلة
: مالك يا صاحبي
* أدهم، ممكن أسألك سؤال وتجاوبني بصراحة؟
: اكيد طبعاً
* هو أنت اللي قولت لجميلة على مكان الورشة بتاعتي؟
: جميلة؟ لا طبعًا، وأنا أعرف عنها إيه دلوقتي؟ دي اختفت من الدنيا بعد ما سيبتوا بعض، لحظة هي جاتلك اصلا؟
• ايوا، ومش عارف عرفت طريقي منين
: هو انت معرف حد تاني بمكانك
* لا
: مش عارف والله، بس غريبة، وجت عايزة اية
* عايزة نرجع ورفضت
: طب انت كدة مرتاح
* جدااا
: ودي اهم حاجة، خليك تركز في اللي جاي بدل اللي فات، احنا خلاص داخلين على مشروع العمر يا صاحبي
* آه، إن شاء الله، المشروع دة هيبقى بداية جديدة
سكت شوية بعد ما سمعت صوت جاي من بلكونتها تحت
: سكت ليه تاني
* مروان، هستأذنك دلوقتي
: خير؟
* لا، مفيش .. سلام
قفلت الموبايل، وروحت اقف في البلكونة، الهواء كان بارد خفيف، والدنيا ساكتة، بس سكتة فيها حياة، سمعت من البلكونة صوت أم كلثوم وهي بتقول
" لسه فاكر قلبي يديلك أمان
ولا فاكر كلمة منك ترجع اللي كان
ولا نظرة توصل الشوق بالحنان
لسه فاكر كان زمان
كان فين الحب وكان
وفين أنا .. وفين زماني من زمان "
وقفت وسرحت فيها، كانت قاعدة ساندة على السور وسرحانة، خصلة من شعرها شاردة من الحجاب كانت بتتحرك مع الهوا، والإضاءة الخافتة من البلكونة كانت عاملة ضي ناعم على وشها، كنت حاسس إن الدنيا كلها سكتت علشانها، حتى صوت أم كلثوم بقى بعيد، في لحظة حسيت إنها حاسة بيا، رفعت عينيها ناحية البلكونة بتاعتي، ونظرتنا اتقابلت، بس ولا أنا نطقت ولا حتى هي، كان في كلام كتير محبوس بيننا، أسئلة مش متجاوبة، ومشاعر مش معترف بيها، بس كل اللي اتقال كان في النظرة دي
قامت ودخلت جوا بهدوء وقفلت البلكونة، والست رجعت تغني، وأنا فضلت واقف مكاني، ببص على السور الفاضي
كأنها سابت مكانها فيه أثر، أثرها هي، ريحتها، هدوءها اللي غصب عني علّق فيا، رجعت جوه الأوضة، بس قلبي لسه واقف هناك، بفكر أقولها؟ طب ازاي؟ وهل هتقبلني ولا لا؟
يمكن تضحك، يمكن تسيب المكان كله وتبعد، بس برضو، فكرة إنها تفضل مش عارفة، وإني أعيش كل يوم وأنا كاتم كل دة جوايا بتخنقني أكتر من الخوف نفسه
* وبعدين في قلبي اللي حبك يا ليلى
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
