![]() |
اسكريبت رحمة وضياء الفصل الثالث بقلم بسمة بهلوان
ـ طب والله أنت تتباس.
أنا متعودة أقول الكلمة دي لأي حد بحبه، بس فجأة.. دي طلعت مني لـ"ضياء".. بصيت له بقلق لقيته باصص لي.. ايه الوش الخبيث اللي على وشه دا وهو بيقول:
= وأنا مش رادد حلفانك!
بصيت له بدهشة ولسة هتكلم لقيته بيشاور على خده.. دا بيهزر دا ولا ايه؟
شهقت بصدمة ورحت ضربته على وشه وقفلت باب الأوضة في وشه تاني.. قبل ما أقفل شفت ملامحه المصدومة وهو مبهوت وبيبص لي وحاطط ايده على خده..
قلبي كان بيدق جامد وأنا مش متخيلاه غير وأنا برزع فيه ضرب علشان يحرم يعمل حاجة زي كدا تاني..
ـ اه يا قليل الأدب!
فضل يخبط الباب ويقول بحدة:
= "رحمة"! والله ما أنا سايبك بتضربيني؟ هي عِيلة مجنونة من الأول ياريتني كنت هربت واتجوزت واحدة فرنسية.. على الأقل مش هتضرب جوزها!
يا مستفز! يا مستفز! حسيت نفسي بشيط من الغيظ والغضب ورحت فتحت الباب وبزعق بقول:
ـ ما تروح تتجوز واحدة زفت حد منعك؟ دا على أساس إني هموت في دباديبك!
رفع صباعه بتحذير واتغير جدا عن لما كان في حالته العادية، وهو بيقول بصوت هادي بس تهديد:
= صوتك ميترفعش يا "رحمة"، احترميني زي ما بحترمك.
غضبت أكتر وأما بقول:
ـ وهو اللي بيحترم واحدة بيقول لها هروح أتجوز عليكِ؟
سكت، حاول يهدأ وأنا التانية قفلت الباب، حاسة بضيق كبير لدرجة إن عيني دمعت، نفسي أمسكه من رقبته أخنقه دلوقتي بعد كدا أحضنه.. بس يقول لي معلش برضه ويتأسف لي حتى لو أنا اللي غلطانة برضه..
قعدت على السرير وحضنت نفسي في وضع الجنين وفضلت أعيط، يمكن بداية الموقف كانت تافهة بس.. كلامه جرحني.. يتجوز واحدة فرنسية؟ يعني أنا هبقى كمالة عدد مش أكتر.. طب ما يطلقني بقى ويرتاح..
ولا ازاي؟ هو في عيلتنا بيعترفوا بالطلاق أصلا؟ بيعتبروا إن المطلقة عار وشؤم عليهم.
عدت دقايق، كنت لسة بعيط برضه بس هديت شوية.. وعيني بدأت تروح في النوم كإني بغيب بهرب من الواقع لعقلي اللاواعي علشان محسش باللي حصل.
بس فجأة حسيت بإيد بتتلف حواليّ، استغربت.. بس كنت في عقلي اللاواعي وبحسب نفسي في حلم، خاصة إن الرؤية كانت مشوشة بسبب دموعي.. لفيت للي بيحضنني.. مبصتش لملامحه أوي.. بس حضنته بسرعة كإنه ملجأ ليّ وقلت بلا وعي:
ـ هو أنا ليه بيحصل معايا كدا؟ ليه دايما بقع في مسؤوليات أنا مش قدها؟ أنا عاوزة حد أحبه ويحبني يكون جنبي ويقول لي معلش، الدنيا مش مستاهلة.. بس كل مرة مابلاقيش غير نفسي اللي بتواسيني.. وبلاقي مليون شخص في دماغي عكس بعض.. واحد يحبطني والتاني يهديني والتالت لا مبالي..
اتنهدت بتعب وقلت بعياط وأنا بدفن راسي في حضنه:
ـ أنا تعبت.. تعبت أوي.
حسيت بايده بتطبطب على شعري، وبيشدني ليه أكتر فحسيت بالأمان، وأنا فاكرة دا كله من وحي خيال عقلي اللاواعي.. لحد ما سمعت صوته:
= أنا آسف مليون مرة عن كل حاجة وحشة حصلت لك وأنا مش موجود، آسف لو أنا كنت السبب في حزنك في يوم من الأيام، متعيطيش علشان خاطري.
وعكس ما هو قال، عياطي زاد أكتر.. قمت من مكاني وأنا بستوعب الصوت وببص له بدهشة:
ـ "ضياء"؟
= عيونه والله.
حاسة إني ظلمته معايا، عمر ما كانت معاملته وحشة معايا وأنا دايما اللي بعامله وحش، وأنا اللي غلطانة وهو اللي بيتأسف لي عن حاجات ملوش دخل فيها! ودا اللي زود عياطي أكتر.. دخلت في حضنه تاني.. خلاص تقبلت الإحساس بالأمان جنبه وأنا بقول:
ـ أنا آسفة، أنا عاملتك وحش كتير أوي من ساعة ما شفتك..
بعدين بصيت له بضيق وأنا ببعد:
ـ بس أنت كنت تستاهل.
بص لي وهو بيضحك بعدم تصديق، وأنا لسة ببص له بنص عين بضيق، حط راسي في حضنه تاني عمدًا بعدين قال:
= نامي يا حبيبتي الله يهديكِ.
بصيت له بضيق وأنا قالبة حواجبي وبقول له:
ـ قصدك إن أنا مجنونة؟ وبعدين أنام ايه؟ قوم يا حبيبي من على السرير كان سرير أمك هو!
بص لي برفعة حاجب، وكإنه بيقول لي "لا والله"؟ لإن السرير أساسا على العريس وهو اللي جايبه فعلا.. أنا ليه حاسة إن كل كلمة بقولها بتناقضني أنا مش هو.. وكإن اللي على راسه بطحة بيحسس عليها وأنا علي راسي بطحات مش واحدة بس!!
نمت غصب عني جنبه في حضنه، بس إحساس الأمان الفريد دا كان غريب.. وحلو أوي..
يمكن لسة ماوصلناش لدرجة الحب.. بس على الأقل حاسين بالأمان والطمأنينة في وجود بعض.. ودا أعلى درجات الثقة.
قلت بنبرة نعسانة وأنا بغمض عيني:
ـ لولا إني عاوزة أنام كنت قمت طردتك، بس جسمك دافي أحسن علشان أنا بردانة.
أخدتها حجة علشان ألف ايدي حواليه وأتدفى لإن فعلا الجو كان برد أوي.. كان الوقت في العصرية مع إن فيه شمس بس فيه نسمة باردة.
وهو فضل يبتسم ويلمس شعري لحد ما نمت وارتحت خلاص في وجوده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مساء النور على الجميل اللي لسة نايم ولا كإنه دب باندا، "رحرح" اصحي يلا الأكل جاهز!
هو أنا ليه دايما بصحى على ريحة أكل؟ أومال أنا شغلتي ايه في البيت دا؟ الراجل دا خطر عليّ لو عوّدني على الراحة هستغله في كل حاجة.
صحيت وعلى وشي ابتسامة وأنا ببص له، كان وشه قريب أوي وهو قاعد جنبي بيصحيني فقت أول ما شفت نظرته:
ـ أنت قريب أوي كدا ليه! ابعد عيب!
ضحك بيأس وبعد عني، وأنا صحيت.. غسلت وشي وبعدين طلعت له لقيته حاطط الأكل على السفرة في المطبخ، فقلت له بنبرة صافية:
ـ خلِّ بالك أنا لو اتعودت على كدا مش هعمل حاجة في البيت! أنت بس اللي هتتعذب!
ابتسم وقال:
= فداكِ، أنتِ تتدلعي براحتك.. مش مراتي؟ اعملي اللي أنتِ عاوزاه.
هو الراجل دا من الجنة ولا ايه؟ ولا أنا دا كله بحلم؟ أنا اه عارفة إنه طيب مع والدته وحنين.. بس كنت متخيلة يبقى متسلط شوية بما أن العيلة بتقدس العادات والتقاليد لدرجة لا توصف! هو أنا بحلم أكيد.. الصنف دا من الرجالة في الخيال بس!
ـ أنت بجد متتوصفش.. متأكد إنك حقيقي؟
قلت الجملة الأخيرة وأنا بقرص خدوده بلين بشوف هو حقيقي ولا يكون روبوت ولا ايه، لقيته ضحك وهو بيقول بنبرة مريحتنيش:
= عاوزة تتأكدي؟
قلت له بحزم وأنا بداري كسوفي:
ـ لا خلاص اتأكدت، يلا علشان أنا جعانة.
قعدنا وأكلنا، ووسط الأكل كنا بنتناقش، عمري ما كنت متخيلة إني ممكن أقعد مع "ضياء" بالذات قعدة زي كدا في يوم! كنا بنتكلم حوالين الأنبياء، والسور اللي احنا بنحبها في القرآن، هو بيحب سورة الكهف في حين إني أنا بحب سورة يوسف.. لقيته بيقول وملامحه مش مرتاحة:
= هو أنا مكسوف من اللي هقوله دا والله، بس أنا معرفش سورة يوسف بتتكلم عن ايه، معرفش غير أنه يبقى من سلالة سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء.
ابتسمت، بدأت أشرح له واحدة واحدة.. وبدأت كلامي بقول:
ـ علشان كدا ربنا بيقول اطلبوا العلم، اسألوا وخلوا عندكم فضول وأنتم هتعرفوا اللي مش الكل يعرفه، خطوة حلوة أوي إنك سألت، هحكيها لك بقى..
بدأت أحكي له اللي حصل مع سيدنا يوسف في البئر وعن الكواكب والشمس والقمر، وهو مع كل موقف بيتصدم أكتر وأكتر.. وخلصنا أكل ولسة مخلصناش القصة.. فواحنا بننقل الأطباق وبنغسلها كنت بحكي له برضه وبتلو عليه الآيات الخاصة بالقصة.. لحد ما وصلنا لحكاية إنه لسة في السجن ومخرجش.. لقيته بيقول لي بفضول بعد ما قعدنا وبنشرب الشاي:
= حصل ايه تاني؟ ربنا هيخرجه؟
ابتسمت عليه بدون وعي، كنت حاسة إني قاعدة مع طفل وبحكي له قصص لأول مرة وهو باصص لي بحماس ومابيخلصش أسئلة، مجرد التخيل مضحك فما بالي بالحقيقة بقى؟
قلت له وأنا بستغل فضوله بمكر:
ـ بكرة هكمل لك القصة، المهم دلوقتي أنا عاوزة أطلب طلب.
كان باصص بضيق في الأول بس لما سمع جملتي التانية بص وهو بيبتسم باهتمام وبيقول بمرح:
= تحت أمرك يا مولاتي.. اطلبي وأنا أنفذ.
الساعة كانت داخلة على 10 بالليل فقلت له وأنا متوترة إني أقول:
ـ هو طلب ممكن يكون تافه بس..
كملت كلامي بعد ما لقيته مهتم:
ـ عاوزة أخرج معاك في نص الليل نتمشى.
ضحك بخفة وهو بيبص لي، مسك أنفي وقرصني قرصة خفيفة:
= يا طفلة عاوزة تتمشي في نص الليل وفي عز البرد بلا هدف؟
بعدت ايده بضيق:
ـ تصدق إن أنا كنت هكمل لك القصة لما نرجع بس خلاص وريني مين هيحكيها لك.
مسك ايدي قال بسرعة:
= دا احنا نتمشى ونرقص كمان، بس لو ماحيكيتيش القصة لما نيجي أنتِ الحرة.
ابتسمت بسرعة وقلت وأنا بقف:
ـ هروح أخلص باقي الشغل اللي عليّ ولما أخلص هلبس، شوف لك جاكيت تقيل بقى علشان متقعش مني في الطريق.
ضيق عينه وهو حس بسخريتي منه وقال وهو بيربع دراعاته:
= على أساس أنك بتكلمي واحد عايش في أسوان، دا أنا كنت في فرنسا بقى لي سنين وسط التلج.
ضحكت عليه وتصرفاته الطفولية وهو بيدافع عن نفسه، ودخلت أخلص الشغل اللي ورايا وبنظم مواعيد حصصي وكورساتي.. وبمجرد ما خلصت طلعت من الدولاب هاي كول بينك مخطط وواسع، وجيبة سودة وطرحة بيضة، وأخدت الجاكيت المنفوش الأبيض علشان يليق مع الشوز والطرحة.. بصيت لنفسي في المراية برضا.. وطلعت برة لقيته لابس جاكيت عادي وكل لبسه أسود في أسود، وقاعد بيلعب كوتشينة.. مع نفسه! يا مجنون!
ـ أنا خلصت.
قلتها بفرح وحماس، أصل أول مرة أنزل في نص الليل في عز الشتاء ومحدش في الشوارع، بس مع.. جوزي.. اللقب لسة غريب عليّ أوي.. بس تقبلته.
بص لي وقام مبتسم وحطّ الكوفية حوالين رقبته، ومسك ايدي وخرجنا، كنت متحمسة أوي والدنيا مفيش حس واحد في الشوارع، كل العمارات مضلمة والناس كلها نايمة.. حسيت بخوف وصارحته وأنا ماسكة دراعه بشدة:
ـ أنا خايفة.
= ليلة أمك سودا.. خايفة وأنتِ معايا؟
ـ أومال ماخافش يعني، هو أنت كنت هولاكو؟ افرض طلعت علينا عصابة دلوقتي خلصت عليك وخطفتني علشان أنا جميلة وحسناء؟
= اتنيلي أحسن والله لا أقول لك يا بومة من هنا ورايح، متخافيش يا بت انشفي كدا.
ضربته علي دراعه بضيق فقال بتأوه:
ـ أيوة انشفي كدا بالظبط.
كتمت ضحكتي بالعافية على منظره، وفضلنا ماشيين وأنا حماسي بدأ يخفت.. ممكن في أي لحظة لو طلعت قطة حتى فجأة أقوم أجري على البيت وأسيبه.. المهم أنفد بجلدي.
مكنتش أعرف إن هو اللي بيضحك على منظري وأنا متمسكة فيه بالطريقة دي، وكل ما أتنفس يظهر البخار من بُقي ودا خلاني أعملها كذا مرة ولا كإني طفلة!
= "رحمة"؟
بصيت له بفضول، لقيته باصص لي بهدوء وهو بيقول بابتسامة وبهدوء مراعي:
= أنا عارف إن احنا ماعملناش فرح واكتفينا بكتب الكتاب.. علشان كدا.. أنا هنفذ أي طلب أنتِ تطلبيه بدل الفرح.. لو عاوزة نعمل حفلة صغيرة.. أو نسافر الشهر دا ما دام أنا أجازة.. هعمل لك اللي أنتِ عاوزاه.. اطلبي بس.
فضلت ساكتة، لسة بستوعب حنيته عليّ، هدوء نبرته.. ولين صوته.. وجمال ملامحه..
وكل حاجة فيه بتصرخ في وشي.. أنا ازاي ماقبلتوش من الأول؟ بس فيه صوت جوايا بيقول.. علشان ماعرفناهوش قبل كدا، ماعاشرناهوش قبل كدا.. وآدي دلوقتي.. من أول يومين حسيت بالدفى وعرفت حنيته تضحك عليّ وتخليني أقع فيه.
ـ هتوافق على أي حاجة أطلبها؟
= أي حاجة ما دام أنتِ عاوزاها.
