رواية ادم عبد العزيز الفصل الرابع بقلم مصطفى محسن
فجأة، سمعنا صوت راجل كله غرور وقال:
"أنا رجعت... أنا جلال المنياوي."
الكلمتين نزلوا علينا زي الصاعقة.
مروة صرخت وحطت إيديها على بوقها، ورجعت لورا لحد ما خبطت في الحيطة.
أدم وعماد وقفوا متجمدين مكانهم، الخوف واضح في ملامحهم، ومافيش حد قادر ينطق بكلمة.
أدم قال:
حسّيت إن في حاجة غريبة بتحصل جوايا... ابتسامة شريرة طلعت على وشي، ابتسامة مش بتاعتي.
إيدي بدأت تتحرك لوحدها، بتلمس الجاكيت كأنها بتسترجع ذكرى قديمة.
عماد قال وهو بيقرب مني:
"آدم! فوق... فوق!"
سامعة ومش قادر ارد عليه، كان فيه صوت طالع من جوايا... مش صوتي.
ضحك ضحكة مرعبة وقال:
"آدم نايم... ومش هيصحى تاني."
في اللحظة دي، حسّيت بوجع نار في صدري... كأن حاجة بتحرقني من جوا.
صرخت صرخة طلعت كل الألم اللي جوايا، ووقعت على ركبتي.
جزء مني بيحاول يقاوم، وجزء تاني بيستسلم للكيان اللي جوّه البدلة.
البدلة كانت بتضغط عليا، كأنها بتعاقبني عشان بقاوم.
عماد قال:
"ادم لازم يقلع البدلة دي حالاً!"
مروة جريت نحيتنا وهي بتعيط.
عماد حاول يشد الجاكيت من عليا، بس في نفس الثانية، إيدي اتحركت بسرعة غريبة، ومسكت إيده بقوة. القوة اللي في جسمي مش طبيعية... بصيت له بعيون مش عيوني،
وقوتله بصوت مليان غرور:
"أنا جلال المنياوي... مش آدم. وإيدك لو اتمدت تاني... هكسرها."
عماد سحب إيده بسرعة، والرعب مالي وشه.
الوجع اللى في صدري ادم بدأ يخف، وجسمه استرخى تحت سيطرة جلال.
قمت واقف، نفضت الجاكيت، وبصيت لمروة بابتسامة شريرة.
"لسه فاكراني يا حفيدة أختي؟
كبرتي... وفيكي ملامح منى."
مروة كانت بتنهار وهي بتقول وهي بتعيط:
"أرجوك سيبه!"
جلال ضحك وقال:
"ليه أسيبه؟ ده جسمه عاجبني... شاب قوي. وهيرجعنى الى أمجاد زمان."
وفجأة ادم انفجر.
ذكرياته كلها عدت قدام عينه: طفولته، شبابه، حياته كلها.
صرخت جوا دماغي بكل قوتي:
"اخررررج برررره جسمييييي!"
جسمي اتشنج، ووقعت على الأرض... فاقد الوعي.
صحيت على مية ساقعة بترش على وشي.
فتحت عيني ببطء، لقيت عماد ومروة واقفين فوقي.
قمت مفزوع، وحاولت أقلع الجاكيت زي المجنون.
"مش عارف أقلعه... لازق في جسمي!"
عماد مسكني وقال:
"اهدَى يا آدم، اهدى... هنلاقي حل."
مروة قالت بصوت واطي:
"مافيش غير حل واحد... بس صعب."
بصينا لها إحنا الاتنين في نفس الوقت.
كملت كلامها وقالت:
"جدي مكنش مجرد قا//تل... ده كان مهووس بالطقوس القديمة. كان بيؤمن إنه لو ربط روحه بحاجة بيحبها، هيفضل عايش للأبد. ومافيش حاجة كان بيحبها أكتر من البدلة دي."
عماد سألها:
"يعني إيه؟"
مروة قالت:
"يعني عمل طقس بيربط روحه بالبدلة. والطريقة الوحيدة نفك الربط ده... إننا نعكس الطقس نفسه."
ادم قالها وهو بيتنهّد:
"وإزاي نعمل كده؟"
مروة قالت:
"أنا معرفش التفاصيل. بس هو كان كاتب كل حاجة في مذكراته... في مكتبة السرية فى الفيلا القديمة بتاعت العيلة في حلوان. الفيلا دى مهجورة من زمان ومحدش من العيلة بيروح هناك عشان بيقولوا انها مسكونه."
وفجأة، صوت جلال رجع... بس المرة دي جوّه دماغ أدم وقاله.
"انتم بتحلموا."
مسكت راسي وقولت:
"يبقى لازم نروح الفيلا دي... دلوقتي."
عماد قالى:
"أنت متأكد إنك هتقدر تمشى وانت فى الحاله دى؟"
ادم قاله وهو بيحاول يتنفس:
"لازم أقدر يا عماد... البدلة دى وأنا لابسها كل لحظة بتعدى جزء مني بيموت... وجزء من جلال بيصحى."
خرجنا من بيت مروة وركبنا العربية.
كل ما أبص من الشباك، أشوف الشوارع بتتحول لشوارع الأربعينات... عربيات قديمة، ناس لابسة طرابيش، وستات بفساتين قديمة.
كنت أغمض عيني وأفتحها، المنظر يرجع طبيعي، وبعد ثواني يرجع تاني للماضي.
جلال كان بيتكلم في دماغي طول الطريق وبيقولى:
"شايف؟ ده زماني... زمن الشياكة والقوة... مش زمن بتاعكم ده. وأنا هرجّعه تاني... على إيدك يا آدم."
مكنتش برد... كنت مركز على حاجة واحدة بس:
إني لازم أقاوم.
وصلنا الفيلا.
قصر قديم مهجور، الجنينة عاملة زي غابة، الشبابيك متكسّرة، والهدوء مرعب.
كل خطوة كنت باخدها ناحية الباب، كنت حاسس البدلة بتتقل عليا أكتر، كأنها مش عايزنى أدخل.
الباب كان مقفول بسلسله قديمه مصديه.
عماد جاب حجر وفضل يخبط لحد ما فتحه.
دخلنا...كل حاجة متغطية بملايات بيضا كأنها أشباح.
قولت لمروة:
"المكتبة فين يا مروة؟"
مسكت دراع عماد وهي بترتعش وقالت:
"كانت ورا لوحة كبيرة لجدي... في الصالة."
مشينا لحد ما وصلنا للوحة...
لوحة ضخمة لجلال المنياوي، واقف فيها متكبر، لابس نفس البدلة اللي عليّا.
عينيه في اللوحة كانت بتبصلي أنا.
زقينا اللوحة... وراها فيه باب خشب صغير.
فتحناه... ودخلنا.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم