رواية قناص الغرام الفصل الخامس 5 بقلم رباب حسين


رواية قناص الغرام الفصل الخامس بقلم رباب حسين


تضرب عاصفة الحزن عيونكِ وأنا الذي أتجمل أمامكِ بكذبٍ ذائف أتفنن في خداعكِ لست هابئًا بقلبكِ الذي بدأ ينبض لي.... تختبئ دموع حزنكِ خلف غضبٍ يكاد يحرق من أذاكِ..... اه لو تعلمين حبيبتي أن الغادر الذي طعنكِ بنصل الحرمان من أقرب الناس إليكِ يجلس أمامكِ الآن لغرصتي كفكِ بين أضلعي تقبضين على قلبي المتيم بكِ كي لا ينبض مرة أخرى..... أعلم أن شعوري سيكون الراحة.... راحة من أنني انتهيت من هذه الحياة المزرية....راحة من نبض قلبي الذي يشعل ثورة داخل صدري مطالبًا بقربكِ دون هوادة..... وبرغم من هذا الألم الذي يعتصرني الآن ولكن هناك يقين داخلي بأنكِ لي....

بالجانب الأخر هناك من يتربص ويراقب ويبحث.... عدوهما الذي أصبح الشاغل الوحيد في حياتهما.... يجلس في منزله الفخم ينتظر الأخبار بفارغ الصبر بعد قليل دخل أحد الرجال ووقف أمامه وقال : عرفنا العنوان يا غانم باشا بس للأسف لقينا البيت فاضي

غانم : جبت كل المعلومات عنه؟

ماهر : اسمه فارس إبراهيم ابن اللواء إبراهيم سلطان كان شغال في الحربية معروف عنه إنه من أمهر القناصين وعمر رصاصته ما خيبت وكانو مسمينه عيون الصقر ساب الخدمة بعد ما والده مات

غانم : متأكد إنه قناص العدالة؟

ماهر : بنسبة ٩٠٪ هو.... عامل إبلكيشن صغير أوي اللي بيحب يتواصل معاه بيقدم عليه طلب بسيط وبعدين هما بيتواصلو معاه بطريقتهم.... عرفت إن وراه تيم كبير أوي وعنده هاكر بيجيب معلومات وافية عن كل طلب سواء اللي طالب أوي اللي مطلوب يقتله ولو حس بشك بسيط مش بيقبل الطلب وبيرفضه عشان مش بيقتل غير الخارجين عن القانون وعرفت إنه بياخد مبالغ على حسب الطالب يعني لو حالته المادية كويسة بيطلب مبالغ كبيرة لو ضعيفة بياخد مبالغ صغيرة يعني هو بيحقق العدل بطريقته

غانم : الواد ده خطر.... أنا عايزه بأسرع وقت

ماهر : للأسف يا باشا مش عارفين نوصل للمكان اللي هو فيه دلوقتي

غانم : خليك ورا الموضوع متسيبوش

أما ندا فظلت تنظر إلى فارس وحاتم اللذان ينظران إلى بعضهما البعض ولم يتحدثا فقالت ندا : أنا بتكلم بجد.... لو أعرف أوصل للقناص ده هقوله يقتله

ابتلع فارس غصة مريرة في حلقه وقال بصوت ضعيف : مش يمكن مش هو اللي قتله؟

ندا : هيكون مين يعني؟!.... هو كان رايح يقبض عليه ومات يبقى أكيد هو وبعدين هو غانم ده عايز يقتلك ليه؟!

فارس : قولتلك ده شغلي؟

تداركت ندا ما تقول فنظرت إلى صحنها في خجل وقالت : أسفة نسيت

نظر لها فارس في حزن وترك الطاولة وخرج إلى الحديقة فنظر حاتم إلى ندا وقال : على فكرة فيه أسرار ميقدرش يقولها متضغطيش عليه

ندا في غضب : لا هو مش طايقني بجد.... وبعدين مش مفهوم.... شوية خايف عليا وينزل يتخانق مع واحد عشان بيضايقني..... ده رفع عليه سلاح قدام الجامعة كلها وشوية عايز يحميني ومش عايزني أخرج من هنا لما هددوه بيا وشوية إنتي بتتدخلي ليه في حياتي؟! ولو خفت عليه ولا على جرحه اللي بينزف قدامي بيزعقلي ويعاملني زي الزفت..... أنا بجد نفسي أفهم هو بيعاملني كده ليه؟

حاتم : من الأول قولتلك إنه مبيعرفش يتكلم أوي.... بجد فارس شخص كويس جدًا لما تعرفيه أكتر هتفهميه

ندا : بصراحة مبقتش عايزة أتكلم معاه أصلًا.... كل شوية بيحرجني وأنا مش بعمل حاجة.... أنا هخرج أكمل اللوحة عشان هسلمها بكرة

تركته وخرجت إلى الحديقة وهي تشعر بالضيق ورفعت عيناها لتراه يقف بشموخ ويعقد ذراعيه أمام صدره ويتأمل اللوحة التي رسمتها.... للحظة توقفت تتأمل هيئته وشعرت بنبض قلبها ينبض له..... كانت تبعد عن قلبها هذا الشعور خوفًا منه وأيضًا من أسلوبه وشخصيته المتعجرفة تخاف أن تقع في حب معقد لا أمل به ولكن خانها هذا النبض فظلت تنظر إليه وهو يبتسم قليلًا إلى اللوحة ثم أشاحت بنظرها عنه واقتربت منه وقالت : عن إذنك عايزة أكمل شغل

فارس : إنتي شغالة من بدري لازم تكملي النهاردة؟

ندا : اه.... لازم أسلمها بكرة

فارس : مقولتليش ليه عشان أوصلك الجامعة؟

ندا : حاتم هيوصلني

فارس : ليه؟

زفرت ندا وقالت في غضب : بص بقى أنا مش بعرف أخبي اللي جوايا.... إنت محيرني ومش عارفة أتعامل معاك.... إنت بتكرهني؟

نظر لها فارس داخل عيناها.... لو تعلمي كم أتمنى وصالكِ لتعجبتي من حبي لكِ ثم قال : مين قال إني بكرهك؟

تاهت داخل نظرته.... شعرت بأنها تحمل الكثير والكثير خلف هذا الجمود فاقتربت منه قليلًا ونظرت داخل عيناه وقالت في هدوء : طيب ليه بتعاملني كده؟

لحظة ضعف فقد فارس فيها تحكمه لعقله وكاد أن يجذبها بين أحضانه لمجرد أن رأى وجهها بالقرب منه وأيضًا نظرات عيناها الساحرة فتدارك الموقف سريعًا وقال : عشان إنتي رغاية وبتتدخلي في كل حاجة متخصكيش.... بكرة الصبح أنا اللي هوديكي الجامعة

تركها وذهب وها هو يهرب مرة أخرى منها فصاحت في غضب : وأنا قلت مش عايزاك توصلني وزي ما أنت مش عايزني أتطفل على حياتك متتدخلش في حياتي

نظر لها فارس واقترب منها مرة أخرى وقال لها في غضب : حاتم مش بيعرف يمسك مسدس.... لو غانم عرف مكانك وعرف يوصلك هيخلص عليكو إنتو الاتنين.... اسمعي الكلام بقى

شعر فارس بألم داخل صدره آثر الرصاصة عندما تحدث بغضب فوضع يده على الجرح وظهر على وجهه علامات التعب فتبدلت ملامحها مرة أخرى وقالت في حزن : ما هو أنا خايفة تتعب زي المرة اللي فاتت.... خايفة يأذوك المرة ديه

كفى معذبتي.... فأنا لا أستطيع مقاومة سحركِ وأنتي بعيدةً عني فما بال بسماع هذا الحديث منكِ.... نظر لها بحنين وقال : وعايزاني أسيبك إنتي تتأذي؟.... أنا هعرف أحميكي وأحمي نفسي

ندا : خايف عليا بجد؟ 

كانت عيناه تبوح بالأجابة ولكن هذا الفم لم ينطق بها فقال : أنا وعدت والدك إني أحميكي

ندا : بس؟.... وعدك لبابا بس؟

فارس : هيكون إيه تاني غير كده؟

ظهر الحزن على عينيها وقالت : صح.... مفيش حاجة تاني

تركته وعادت إلى اللوحة وأكملت الرسم وعاد فارس إلى الداخل ووجد حاتم ينظر من النافذة فالتفت إليه وقال : مش هتعرف تتحكم في نفسك كل مرة.... يا ابني اسمع مني وريح نفسك وريحها

فارس في ألم : مش وقتك يا حاتم.... الجرح واجعني

حاتم : طبعًا من الحركة

فارس : هاخد مسكن.... قولي أخبار الشباب إيه؟

حاتم : بيشوفو الطلبات الجديدة

فارس : مفيش أخبار عن غانم؟

حاتم : رجالته راحو عندنا البيت وكان ماهر ده معاهم وفضلو يخبطو بس ملقوش حد وفيه حد نط جوا البيت من البلكونة وعرف إن البيت فاضي

صعد فارس إلى غرفته ولم يخرج منها مرة أخرى.... ترددت داخل رأسه كلمة حاتم فقرر أن يبتعد عن ندا قليلًا فبمجرد مرورها بتفكيره تشعل بقلبه حفل صاخب لا ينتهي فكيف برؤيتها كل دقيقة.... حاولت ندا أن تقنع حاتم بأن يحاول معه كي ينزل ويتناول الطعام ولكن رفض فهو يعلم طباع فارس جيدًا.... وفي المساء وكالعادة راود فارس هذا الكابوس المرعب..... فعلى صوته وهو ينادي على والده وكانت ندا خارج غرفتها بعد أن نزلت إلى المطبخ لتحضر الماء وعندما عادت سمعت صوته ينازع.... وقفت أمام الغرفة وهي تسمع صوته بالداخل... سيطر القلق عليها بشدة فلم تستطع أن تقف ساكنة فدخلت الغرفة ببطء واقتربت منه وهو يتصبب عرقًا وينادي ب " بابا بابا" فوقفت تنادي باسمه ولكن لم يسمعها فوضعت يدها على صدره كي توقظه فنهض باندفاع وأمسك يدها وجذبها إليه وهو يضع السلاح باليد الأخرى على رأسها فنظرت له في ذعر وقالت : ديه أنا.... أنا والله... نزل البتاع ده

أبعد فارس السلاح عنها ونظر إليها وهي قريبة منه وقال : بتعملي إيه في أوضتي؟

ندا : سمعت صوتك وإنت بتنازع من برا فا قلقت عليك دخلت أشوفك

نظر لها بتعابير وجهه العاشق وقال : ممكن تبطلي تقلقي عليا؟.... أنا مش عيل صغير

ندا : مش بنقلق على الصغيرين بس.... بالعكس الكبار نخاف عليهم أكتر..... ساعات بيبقو مش عارفين مصلحتهم فين وساعات بيبقو فاهمين مشاعرهم غلط وبيضيعو حاجات كتير حلوة من إيديهم.... لكن الأطفال سبحان الله بيحسو بالحب اللي جواك ليهم ولو مش بتحبهم بيبعدو تلقائي لكن إنت عينيك بتقول حاجة ولسانك بيقول عكسها.... ليه بتعمل كده؟

فارس : عرفتي منين إني بعمل كده؟

ندا : عينيك بتفضحك.... حتى لو راسم الجمود على وشك العين مراية القلب

نظر لها فارس مطولًا ثم قال : هتفضلي في حضني كتير؟

تداركت ندا الموقف ووقفت في فزع وقالت : تصبح على خير

هربت من أمامه ونظر لها فارس وهي تشتعل بالخجل وابتسم رغمًا عنه لأول مرة منذ أعوام عرفت البسمة طريق شفاه..... لم ينم مرة أخرى وظل يفكر بالفراش حتى حل الصباح وبدل ثيابه ونزل إلى أسفل وأعد الطعام لهم ثم وضعه على الطاولة.... نزلت ندا لتدخل المطبخ فوجدته يضع الصحون فنظر لها وقال : أفطري بسرعة عشان نلحق نروح ونرجع.... الطريق طويل

وضعت ندا حقيبتها وجلست أمامه وقالت : تسلم إيدك

أماء لها ثم تناول الطعام فقالت ندا : أنا قلت مش هتعرف تصحى بدري

فارس : منمتش تاني أصلًا

ندا : ليه كده؟

فارس : معرفتش

ندا : طيب مش هعطلك عن الأكل عشان مكلتش حاجة طول اليوم

نظر لها فارس وصمت بعد وقت كانا بالسيارة تجلس بجواره والصمت حليفهما فقالت : المكان بعيد فعلًا.... أصل نمت في الطريق المرة اللي فاتت فا محستش

فارس : اممم

ندا : هو أنت هتفضل مستني زي المرة اللي فاتت

فارس : لا.... هوديكي وتدخلي الجامعة وهروح مشوار..... متخرجيش غير لما أقولك إني واقف برا

ندا : حاضر.... هو إنت رايح فين؟

نظر لها فارس في غضب وقال : مش شغلك.... متسأليش في حاجة متخصكيش

نظرت في صدمة من غضبه المفاجأ وقالت : أنا بس.... كنت عايزة ألوان مش أكتر فا كنت بسأل عشان لو رايح في حتة عرفاها أو قريبة من المكان اللي بشتري منه كنت هقولك تجبلي.... بس خلاص مش عايزة

تنهد فارس وأغلق عينيه قليلًا وقال : عايزة ألوان إيه؟

كانت ندا تحارب دموعها فقالت : مش عايزة خلاص.... أنا هخلي صاحبتي تشتريلي من عندها.... شكرًا

فارس : خلاص يا ندا قولي

ندا : لا.... شكرًا.... مش هتعرف تشتري أصلًا

صمت فارس ووجد حاتم يتصل به وأخبره أن هناك عملية جديدة فقال فارس : اسمه إيه؟

حاتم : عزمي درغام

سمعت ندا ما قاله حاتم والاسم من الهاتف فصوت السماعة كان مرتفع فوصل الصوت لها دون أن يدرك فارس ذلك ثم أكمل قيادة السيارة حتى وصلا إلى الجامعة ونزلت ندا على الفور لتغلق الباب بعنف فنظر لها فارس وهو يعلم أنه يتفنن فقط في إغضابها وهذا كان قراره بعد التفكير طوال الليل ولكن كلما رأها غاصبة حزينة تراجع على الفور.... ذهب يشتري بعض الأغراض واشترى ثياب جديدة لها وعلبة ألوان ضخمة ومجموعة كبيرة من الألوان المائية ثم عاد ينتظر أمام الجامعة حتى اتصلت به وأخبرها أنه ينتظر بالخارج فخرجت وصعدت معه بالسيارة.... لم تنظر إليه ولم تتحدث معه طوال الطريق وبعد وقت عادا إلى المنزل ودخلت إليه سريعًا ثم صعدت إلى غرفتها.... الغضب يسيطر عليها حتى وضعت وجهها بالوسادة وأخذت تصرخ بها حتى لا يسمعها أحد.... نظر حاتم لها وهي تصعد إلى الغرفة في غضب ثم نظر إلى فارس الذي تبعها إلى الداخل وهو يحمل الحقائب وقال : عملت إيه تاني؟

نظر له فارس ولم يجيب فقال : مش محتاج أسأل فعلًا.... إيه ه كله؟

فارس : حاجات محتاجها وجبت حاجات لندا

حاتم : طيب اطلع اديهالها

فارس : اطلع إنت

تنهد حاتم وحمل الحقائب وصعد إلى غرفتها أما فارس فدخل غرفته ولم يخرج منها كالعادة.... فتحت ندا الباب لترى حاتم الذي لاحظ آثار بكائها فنظرت إليه وهو يحمل حقائب كثيرة بيده فقالت : إيه ده؟

حاتم : ديه حاجات عشانك

وضح حاتم الحقائب أمامها وقال : إرتاحي شوية على ما أخلص الأكل

نزل حاتم وأخذت ندا الحقائب ووضعتها على الفراش..... فتحتها لتجد ملابس قيمة للغاية وتبدو أنيقة فظنت أن حاتم من اشتراها لها ثم وصلت إلى أخر حقيبة لتجد الألوان ومن أجود الأنواع وأغلاهم فعلمت أن فارس هو من اشتراهم.... نزلت إلى أسفل كي تشكره ولكن أخبرها حاتم أنه في غرفته.... نظرت له في حزن فلن تراه إلا إذا خرج هو بنفسه... حل المساء وهي تنتظره بالأسفل على أمل أن ينزل وبعد وقت وجدته ينزل الدرج وهو يحمل سلاحه فوقفت وقالت : شكرًا على....

قاطعها قائلًا : بعدين

خرج من المنزل ولم يعد إلا بوقت متأخر وكالعادة كانت ندا تنتظره بالشرفة.... حل الصباح ونزلت ندا سريعًا على أمل أن تراه وتشكره ووجدت حاتم يشاهد التلفاز وهو يجلس على طاولة الطعام ينتظر نزولهما فجلست أمامه وسمعت خبر وفاة عزمي درغام رجل الأعمال المعروف على يد قناص العدالة وتذكرت أنها سمعت حاتم يقول اسمه بالهاتف أمس بعد أن أبلغ فارس بأن هناك مهمة جديدة.... فتحت عيناها في صدمة ووجدت فارس ينزل الدرج فوقفت وقالت في تعجب : إنت قناص العدالة؟!

الفصل السادس من هنا


تعليقات