![]() |
رواية قناص الغرام الفصل السابع بقلم رباب حسين
فتحتُ عيني مرة أخرى!..... متى ينتهي هذا العذاب وأرتاح من لوعة الفقد التي تُضني قلبي؟.... منذ رحيل أحبابي والحياة فقدت معناها..... نعم أحيا فقط لأخذ ثأرهما ولكن روحي غادرت جسدي فور أن واريت جسدهما بالتراب.... بات كل شئ بالحياة دون معنى وفقدت متعتها فلم يعد للطعام شهوة والنوم بات حلمًا بعيدًا كنجم يضوي بالسماء أراه كل ليلة ولا أستطيع أن أحصل عليه..... متى الراحة من هذا العالم؟.... كنت بالكاد أستطيع تحمل ألمي ولكن ها أنا أفتح عيناي لأرى وجهها وهي تبكي خوفًا عليّ فصار هناك نجمٌ أبعد ولكن لا أقدر على النظر حتى إليه..... ليس حلمًا بل مستحيل وكأن قلبي ينقصه ألمًا وروحي تشتهي عذابًا أكبر..... فإن كان في الحب حياة فهو بالنسبة لي طريق هلاك يقودني عشقي إليه دون الانتباه للافتات التحذير من عقلي متناسيًا ألغام الفقد والحرمان بعد الوصل والهيام..... نعم.... لم أشعر بنبض قلبي سوى بين يديكِ فهل لي بمن يوقف هذا النبض..... فحبكِ زاد رغبة الموت في صدري فلم أعد قادرًا على فراقٍ جديد....
كان فارس ملقى بالأرض بين الوعي واللاوعي.... يفتح عيناه بين حين وأخر ويرى الحزن والبكاء على وجه ندا..... حمله حاتم وبعض الشباب من الجامعة ووضعوه في السيارة وصف حاتم سيارة فارس جانبًا وأخذه وندا التي تبكي خوفًا عليه وعاد بهما إلى المنزل وعندما وصلو حاول حاتم أن يرفع فارس إلى غرفته وبعد عناء وضعه بالفراش وقام بتنزيف جرحه وندا تقف بجواره فقالت : هو إنت متخرج من إيه يا حاتم؟
حاتم : تمريض
ندا : اه.... كده فهمت
حاتم : بس من كتر ما فارس اتصاب وأنا اللي عالجته بقيت خبرة
ندا : هو متصاب كتير؟
حاتم : اه وكل مرة كان بيفوق كان يقولي مش عارف أشكرك ولا أقولك متنقذش حياتي تاني
نظرت له ندا في حزن فقال حاتم : أفتكر لو عرفتي حكايته هتفهمي هو ليه بيبعد عنك يا ندا.... فارس كان متعلق بوالده جدًا..... كان راجل بجد ملوش زيي
ندا : إنت تعرفه كويس؟
حاتم : هو اللي مربيني.... أنا مليش أهل بس أتربيت مع فارس زي الأخوات.... فارس مكنش كده أبدًا كانت الضحكة منورة وشه على طول وكان ناجح وعايز يعيش زيه زي أي شاب بس من ساعة ما شاف والده وهو بيموت ومامته اللي ماتت على إيده في نفس اليوم من صدمتها من موت جوزها وهو أتغير.... لا متغيرش هو أطفى.... قلت فترة وتعدي والصدمة شديدة إذا كان أنا مش قادر أتخطى الموضوع وهما مش أهلي فعلًا طيب هو يعمل إيه؟!... البيت اللي كان كله دفا وحب بقى بارد مفيش فيه صوت وفارس زي ما يكون إتدفن معاهم وفي يوم خرج من أوضته وقالي أنا هستقيل وطلب من صاحبه في الدخلية يعرفله مين اللي قتل باباه ومن ساعتها عايش عشان ياخد بطاره بس
ندا : مين قتله؟
حاتم : غانم
ندا : طيب إيه علاقة ده بيا؟.... ليه بيصدني؟
حاتم : عشان فارس من ساعة ما دفن باباه وهو عايز يتدفن جنبه ومبقاش عنده رغبة في أي حاجة
ندا : تفتكر هو بيحبني فعلًا؟
حاتم : لازم هو يجاوب على السؤال ده
ندا : هو رفضني وأنا مش هسأل تاني كفاية اللي سمعته.... أنا اطمنت عليه همشي قبل ما يصحى واسمع كلام يزعلني أكتر
خرجت ندا وتركت الغرفة وبعد وقت استعاد فارس وعيه ونظر إلى حاتم الجالس بجواره وقال : ندا كويسة؟
حاتم : كويسة متقلقش
تنهد فارس بقوة وقال : كنت عارف إنهم شافوها معايا وأكيد كانو ماشيين ورانا من عند الكلية بتاعتها وهي دماغها ناشفة تخيل لو مكنتش خرجت وراكم
حاتم : هي مجروحة من كلامك يا فارس خف عليها شوية.... البت كانت هتموت من القلق عليك ولما اطمنت خرجت قبل ما تصحى وتطردها كالعادة وأنا متأكد إنها مستنية اطمنها إنك صحيت
نظر فارس إلى الفراغ في صمت والحزن ظاهر على وجهه فقال حاتم : فارس فكر تاني.... بص إنت كده كده هي عرفت إنك القناص ولو حتى عرفت يا سيدي إنك السبب في موت باباها غلط هتعرف إن أكيد مكنش قصدك.... ساعتها ممكن نحل المشكلة
فارس : يعني عايزني أقرب منها ولو عرفت تبعد عني وتكرهني.... تفتكر ده حل بالنسبالي؟..... ده كأنك بتموتني
حاتم : ما هو وضعكم دلوقتي أصعب.... واه صح.... لما وقعت وكده حد قرب منها تقريبًا زميلها وقعد يتكلم معاها بس هي كانت عمالة تبعد وتجري عليك عشان كانت خايفة بس الواد ده شكله بيضايقها..... أنا نسيت أسألها فا هخرج أسألها عشان لو بيضايقها أوقفه
نظر له فارس في غضب وقال : اسمه وائل؟حاتم : مسمعتش اسمه إيه.... إنت تعرفه؟
فارس في غضب : إندهلها دلوقتي ولا أقولك أنا هروحلها
حاتم : يا ابني استنى أنا هقولها تيجي
لم يستمع إليه ونهض وهو يضع يده على مؤخرة رأسه في ألم ثم ذهب إلى غرفتها وطرق الباب وفتحت ندا لتجد فارس يقف أمامها في غضب وقال : هو الواد اللي اسمه وائل ده ضايقك تاني؟
ندا : لا
فارس : طيب مين الشاب اللي كان واقف معاكي بعد ما وقعت أنا؟
ندا : ما هو وائل بس مضايقنيش
فارس : كان بيقولك إيه؟
ندا : حاجة خاصة
عقد فارس حاجبيه وقال في تعجب : يعني إيه حاجة خاصة؟
ندا : يعني طلب خاص مش لازم تعرفه
حاول فارس السيطرة على غضبه وقال : اه.... ويا ترى هتنفذي طلبه الخاص؟
ندا : لسه بفكر
فارس في غضب مما جعل ندا تنظر إليه في خوف : أيوة طلب إيه برده؟.... مش بحب اللف والدوران أنا
ندا : طيب إهدى عشان الجرح.... هو قرب مني لما شاف اللي حصل وبعدين قالي إنه عرف إن بابا مات وعزاني وقالي إنه قلقان عليا من الناس اللي بقى شوفها معايا من ساعة ما بقيت لوحدي وإنه فعلًا بيحبني وعايزني وكده وإنه مستعد يتجوزني ومش بيتسلى بيا ومستني مني رد عشان أبلغه يجي يطلب إيدي رسمي
حاتم : معلش يطلب إيدك من مين؟
ندا : هو فعليًا حاليًا مفيش غيركم
فارس في غضب : إنتي عايزاه يجي يطلب إيدك مني؟!
ندا : أنا موافقتش أصلًا وبعدين أنا شايفة إن وجودي مش مريحك ومش طبيعي هفضل عايشة معاكم هنا فلو حد جيه وطلب إيدي وشاريني وعايزني هوافق عشان ده وضع أحسن بالنسبالي
زاد الغضب على وجه فارس وقال : لو عرفت يا ندا إنك وقفتي مع الواد ده تاني هقتله ولو فكر يجي يطلبك مني هدفنه في الجنينة برا..... أنا مش عايز استهبال ولو وقفتي معاه تاني واتكلمتي معاه هكسرلك رجليكي الاتنين
ندا في غضب : إنت بتتكلم معايا كده ليه وبصفة إيه أصلًا؟
لم يتمالك فارس أعصابه أكثر وزاد غضبه وارتفع صوته ليشعر حاتم بأن فارس على وشك الإنفجار فوقف بينهما وقال : خلاص يا فارس مش وقته تعالى على أوضتك
صاح فارس عاليًا : بتكلم بصفتي ولي أمرك ومش هتتجوزيه يا ندا حتى لو بتحبيه مش هجوزهولك
حاول حاتم دفع فارس ولكن لم يستطع وقالت ندا في غضب : إنت مش ولي أمري وأنا ممكن أخرج من هنا وأروح اتجوزه وملكش صفة تمنعني بيها
أبعد فارس حاتم عنه واقترب منها ونظر داخل عينيها وقال : طيب وريني هتخرجي من البيت ده إزاي؟ ولو فكرتي تتجوزيه هتلاقيه جثة قدامك
ندا في غضب : ما إنت مش بتفكر غير بالسلاح والقتل
تداركت ندا ما قالت وصمت فارس ينظر إليها في صدمة مما قالت ثم قال : اه.... أنا مش بفكر غير في القتل..... أنا أصلًا لسه على وش الدنيا ديه عشان عايز أقتل واحد ولما أقتله مش هيبقى فيه سبب أعيش عشانه وغالبًا هتلاقوني جثة جنبه.... بس إنتي اللي كدبتي لما قولتي إنك عايزاني حتى لو قاتل وأنا كنت عارف إن كل ده كلام مش حقيقي.... عشان أنا قاتل وهفضل في نظرك قاتل.... عشان عمرك ما هتشوفيني بنظرة تانية.... إنتي صح يا ندا..... روحي عيشي حياتك ومتدفنيش نفسك في البيت ده.... عايزة تتجوزي وائل أو غيره براحتك بس كل اللي طالبه منك تفضلي تحت عيني لحد ما أقتل غانم وساعتها مش هبقى موجود أصلًا عشان أقف في طريقك
كاد أن يذهب ولكن أمسكت ندا بذراعه وقالت : مكنش قصدي الكلمة.... خرجت مني بعصبية من غير تفكير.... حقك عليا متزعلش.... أنا عند كلامي مغيرتوش ومش فارق معايا كل ده
أزاح فارس يدها بهدوء وعاد إلى غرفته وأغلق الباب من الداخل فطرق حاتم الباب وقال : لا متقفلش الباب يا فارس.... الخبطة ممكن تعمل مضاعفات ومش هعرف أدخل.... إفتح الباب طيب وخليك جوا بس خلي الباب مفتوح.... يا فارس
لم يجيب فنظر حاتم إلى ندا وقال : ليه بس كده يا ندا؟
ندا : مكنش قصدي والله
حاتم : يعني الصبح مسمعتيش كلامه وكنتي هتتأذي فعلًا لولا إنه جيه ورانا واتصاب بسبب اللي حصل ودلوقتي تقوليله هتجوز وفي الأخر تختمي بالكلمة ديه.... إنتي بتردي اللي عمله فيكي؟!
انسابت دموع ندا فزفر حاتم وذهب من أمامها فاقتربت ندا من الباب وطرقته وهي تبكي وقالت : فارس.... حقك عليا.... طيب إفتح نتكلم
لم يجيب فارس فقالت : أنا هفضل واقفة قدام الباب لحد ما تفتح
جلست ندا وصوت بكائها يعلو ووصل إلى فارس بالداخل وقالت : أنا أصلًا مكنتش هوافق عليه.... أنا كنت بقولك كده عشان أعرف هتزعل ولا لا بس إنت ضايقتني بكلامك أوي.... إنت مش ولي أمري يا فارس..... إنت حد غالي عندي أوي.... إنت فاهمني صح؟
أغلق فارس عينيه ولم يستطع تحمل بكائها أكثر فنهض وفتح الباب لتقف ندا أمامه وقالت : فاهمني؟
فارس : هو أنا مش قولتلك متحبنيش؟
ندا : مش بإيدي
فارس : أنا مليش مستقبل..... مش هتستحملي تشوفيني كل ليلة خارج وممكن مرجعش
ندا : بابا كان دايمًا يقولي كده.... بس فضل عايش معايا لحد ما بقيت في السن ده.... الموت لما هيجي هيجي في أي وقت مش شرط تتقتل
فارس : أنا قاتل يا ندا
ندا : قاتل ناس تستاهل القتل
فارس : ولو عرفتي إني قتلت واحد برئ ملوش ذنب؟
ندا : كنت تقصد ده؟
فارس : والله أبدًا
ندا : يبقى غصب عنك.... معرفش إيه الظروف اللي حصلت خلتك تعمل كده بس أنا شايفة إنك متستاهلش لقب قاتل
دخل فارس الغرفة يحاول أني يبعد عنها ويسيطر على مشاعره ولكن لم تترك له ندا مجال فاقتربت منه وأمسكت يده ليلتفت إليها وقالت : قولها يا فارس..... قول إنك بتحبني.... أنا شيفاها في عينيك وعايزة اسمعها منك
فارس : لا.... مش هينفع يا ندا..... مش هقدر أعمل فيكي كده
ندا : أنا موافقة أبقى معاك.... قولها وريحني بقى
لم يجيب فارس والتفت مرة أخرى فنظرت له ندا في غضب وقالت : لو رفضتني للمرة التانية همشي ومش هتشوف وشي تاني
نظر لنا فارس وقال : مش هتخرجي من هنا غير بإذني
ندا : جربني.... أنا عنيدة ومش بسمع كلام حد
فارس : بطلي جنان يا ندا
ندا : خايف عليا ليه؟.... ليه مش مستحمل حد يقربلي ولا يكون ليا علاقة بحد غيرك ليه؟.... قولي الحقيقة.... قولي ليه مش عايزني أخرج من هنا؟
فارس : عشان بحبك.... إرتحتي.... ومش هينفع نبقى لبعض
ندا : ليه طيب؟!
فارس : كده..... إبعدي عني عشان هأذيكي
أمسكت ندا يده وقالت : إئذيني.... أنا موافقة إتأذي وإنت جنبي أهون بكتير من إني أعيش في مرتاحة وإنت بعيد عني.... يا فارس أفهم بقى أنا بحبك.... بتبعدني ليه عنك؟
لم يتمالك فارس مشاعره اكثر فاقترب منها وأمسك وجهها بين كفيه وقبلها ثم ابتعد عنها قليلًا وقال : كفاية يا ندا.... مش قادر أتحكم في مشاعري أكتر
ندا : متتحكمش
فقبلها مرة أخرى تاركًا خوفه ورائه..... عذرًا أيها الزمن فهل يمكنني خطف لحظات سعيدة بجوارها وإن كان النهاية محتومة بالفراق؟.... هل لي براحة مؤقتة بين يديها؟.... في النهاية تغلب عليه العشق وفاز القلب في المعركة وهناك سؤال واحد باقي في مخيلته..... متى ستكتشف الحقيقة؟.... لحظات من العشق ونظرة من عينيها أعادت فارس إلى ما كان عليه.... ربما كانت طوق نجاة له من هذه الحياة القامئة.... ابتعد عنها ليمسك يدها ويجلس بجوارها على الأريكة ينظر إليها بعيون عاشق حزين فتعجبت ندا من نظرته وقالت : ليه حاسة إنك بتودعني؟.... ده أحنا لسه في أول الحكاية.... عينيك حزينة ليه؟
وضع فارس أنامله داخل شعرها وقال : عايزة تفكري تاني؟
ندا : بس بقى.... أنا ما صدقت نطقت
ابتسم فارس فقالت ندا : إيه ده؟.... بتضحك.... ما أنت بتعرف تضحك أهوه
ابتسم فارس أكثر وقال : كنت نسيت الضحك
ندا : معايا هتفتكره
جذبها فارس لتضع رأسها على صدره وأغمض عينيه في راحة أما غسان فقد علم ما فعله فارس اليوم لينقذ هذه الفتاة وعلم أنها نقطة ضعفه وقرر أن يستغلها ليضغط عليه حتى ينفذ طلبه بقتل غندور المعداوي أما غانم فقد كان يجلس في غرفة المكتب ودخل ماهر وأخبره أن هناك فيديو مسرب لأحد الشجارات أمام كلية الفنون وظهر فارس به وبالفيديو ظهر حاتم وهو يصف سيارة أخرى أمام الكلية وطلب ماهر من أحد الرجال أن يراقب تلك السيارة حتى يتتبعها عندما يعود فارس ليأخذها مرة أخرى أما رائد فقد اتصل بحاتم وطلب منه أن يبلغ فارس بأن هناك مهمة جديدة له ولكن أخبره حاتم أن فارس مريض ومصاب في عدة أماكن ولا يستطيع العمل بهذه الحالة فأنهى رائد المكالمة وقام بعمل اتصال أخر وقال : _أيوة يا باشا.... أنا كلمته عشان ينفذ بس ملحقتش أقول مين الراجل المطلوب.....
_يا باشا هو مش هيراجع ورايا ما أنت عارف هو بيراجع ورا الأبلكيشن بس لكن أنا لا.....
_هخلصك منه خالص بس ليا نسبتي زي ما اتفقنا....
_تمام يا باشا تحت أمر سعادتك بس لازم أدلة أديهاله عشان يقدمها للنائب العام زي ما بيعمل كل مرة....
_خلاص هشوف كام قضية عنده والبسهاله ولو تعرف حد من حبايبك عايز يشيل قضية من عليه نبقى خدمنا برده....
_ضحك رائد وقال : يا باشا زيادة الخير خيرين وبعدين إحنا بنحب نخدم بس....
أنهى رائد المكالمة ونظر إلى الهاتف وقال : الدنيا بتعلم نستغل أي حد عشان بس نوصل للفلوس ومش عايزني استغلك إنت واللي شبهك.... ده أنا بستغل صاحبي وثقته فيا....
