رواية عهد الدباغ الفصل الاول
“قبل خمس سنوات”
“الغورية”
إحد شوارع قاهرة المُعز بطرازها الشعبي
رغم منازل تلك المنطقة الشعبية البسيطة لكن كان هنالك بمنتصف تلك المنطقة
منزل ضخم على مساحة كبيرة ذو طراز معماري يُشبة القصور القديمة رغم حداثة بُناؤه أُنشأ قبل أربعين عام تقريبًا… مكون من ثلاث طوابق يحُده حديقة من كل الجوانب، بها بعض الزهور والنباتات العطرية، كذالك بعض أشجار الليمون وثمار أخري.
الطابق الأول يحتوي على إستراحة كبيرة وبعض غرف النوم وغرفتين واسعتين للضيوف
الطابق الثاني مُقسم لـ شقتين، كبيرتين، كذالك الدور الثالث
…. ….. … ….
صباحً
بالدور الأول
بغرفة نوم كبيرة ذات أثاث كلاسيكي يبعث الهيبة والسكينة على الغرفة… جدرانها بلون عاجي تتناثر فوقها لوحات زيتية مُعلقة شبه قديمة، في إحدى الزوايا هنالك مقعد هزّاز جواره طاولة صغيرة يوضع فوقها مبخرة يفوح منها رائحة خلطات البخور .. ينتشر عبقها بالغرفة… يُذكر بليالٍ تحمل الدفء.
وخلف إحد الزوايا خزانة ثياب خشبية ضخمة بلمسة عربية منحوتة، يقابلها فراش واسع، بالمواربة منه شباك زجاجي بحجم كبير من الحائط خلفه
ستائر مخملية ثقيلة تنسدل علية تُخفي الضوء…
مع مرور الوقت تعودت على الإستيقاظ بنفس الميعاد مُبكرًا كعادتها حين تنهض تذهب نحو ذلك الشباك وتزيح الستائر
لتنبعث أشعة الصباح يتسلل الضوء الى الغرفة ينعكس على كل جزء بالغرفة، كأن الضوء يُعيد الصخب للغرفة بعد سبات الليل…
هدوء الغرفة الذي يخترقه صوت زقزقة العصافير التي تتقافز بين أغصان أشجار الحديقة…
رغم أن اليوم شتوي شبة غائم…
لكن ليس كأي يوم، إنه اليوم الذي جمعهما قبل اثنين وثلاثين عامًا… اليوم الذي كتب بداية الحكاية التي لم تنتهِ بعد…
يوم غير عادي يوم على مدار إثنين وثلاثون عام كان له طابع خاص دائمًا… نظرت نحو الفراش وتبسمت تنظر بغرام لذلك الغافي الذي تبدل مع الزمن ملامحه من شبابية الى المشيب الوقور، غزت الخصلات البيضاء سواد شعر رأسه.. وأحاطت تلك الخطوط الرفيعة عينيه كدليل واضح على معارك الحياة التي خاضها… ومع ذلك، يظل في عينيها الرجل ذاته الذي أسر قلبها منذ اللحظة الأولى…
تلك التجاعيد لم تُنقص من وسامته، بل زادت من هيبته وقارًا ودفء ملامحه…
زفرت أنفاسها بامتنان، تستعيد شريط السنوات التي قضتها بجواره، بكل ما حملته من أفراح وأطراح، من نجاحات واخفقات، لكنها من البداية أيقنت أن وجوده مازال أثمن ما ملكت.
حادت بنظرها عنه وذهبت نحو حمام الغرفة غابت لدقائق ثم عادت
اقتربت بخطوات هادئة من الفراش، جلست على حافته تتأمله وهو غارق في نوم عميق، شعرت للحظة وكأن الزمن توقف عند هذه اللحظة؛ لحظة تشهد على قصة عمر، قصة حب لم تُهزم رغم قسوة الأيام….
مدت يدها تتحسس بخفة أطراف خصلاته همست وكأنها تخاطب روحها:
إثنين وتلاتين سنة، ولسه قلبي بيدق زي أول مرة شُفتك فيها.
تحرك قليلًا في نومه كأنه يستجيب لدفء لمستها، فارتسمت على وجهها ابتسامة أوسع، قبل أن ترفع عينيها إلى النافذة حيث السماء الرمادية تُلوح بقطرات مطر وشيكة، وكأنها تُشاركها احتفال اليوم المميز…
تحرك قليلًا في نومه، كأن قلبه التقط همستها، ثم فتح عينيه ببطء، ملامحه المرهقة تضيء بابتسامة ناعسة حين وقعت عيناه عليها… رفع يده ببطء يلامس أصابعها التي مازالت فوق جبينه، وتحدث بصوت خافت مُثقل بالنوم:
صباح الخير يا “إجلال”.
ابتسمت برِقة، وقالت وهي تُمسك يده:
صباح النور والسرور، والهنا.
ابتسم وهو يمسك بيدها يُقربها من فمه يُقبلها قائلًا بمودة وغرام:
بقوا إتنين وتلاتين سنة أكتر من نص عمري عيشته معاكِ. ..
اقترب منها أكثر، وعيناه تعكسان مزيجًا من العشق والدفء، أمسك وجهها بكفيه وأكمل بصدقٍ عميق:
إثنين وتلاتين سنة وأنا بفتكر كل يوم… يوم ما اتقابلنا،كل يوم ضحكنا فيه أو يوم بكينا، أو اختلفنا… بس أهم يوم وأغلى يوم في حياتي هو يوم ما بقى اسمك جنب اسمي.
ابتسمت عيناها تُشع بعاطفة صادقة، ولم تملك إلا أن تسند رأسها إلى صدره، كأنها تجد مأواها الأزلي هنا…. بينما في الخارج، بدأت قطرات المطر تتساقط بهدوء، وكأن السماء تُشاركهما بأمطار، تتناغم بروية…
تبسمت بدلال وغنج قائلة:
الجو بيمطر… فاكر يوم جوازنا كمان السما مطرت… أمي يومها إضايقت أوي، وكان فرحنا معمول فى شادر فى أول الشارع، والمعازيم بدأت تمشي، بس أنا وقتها فرحت وقولت المطر خير.
إبتسم وهو يضمها قائلًا:
أنا كمان يومها فرحت،وقولت كفاية كده… كان نفسي نبقي لوحدنا، فاكرة أول ليلة فى جوزانا عدت إزاي.
ضحكت قائلة:
ودي ليلة تتنسي يا” محي”
غرقنا من المطرة والفستان والبدلة إتبهدلوا كمان، وخدنا إحنا الإتنين دور برد شديد، مكنتش ليلة دخلة دي كانت ليلة عاصفة مبطلناش عطس إحنا الإتنين ونمنا بعد ما خدنا المُسكنات إحنا الإتنين.
ضحك قائلًا:
فاكر تاني يوم صحينا من النوم العصر على جرس الشقه،لما فتحت لأمي إتخضت وضربت بإيدها على صدرها وزقتني جوة الشقة تقولى
يا فضحتي إنت لسه بالبدلة يا ولا…
فجأة لقيتك طالعة من الأوضة رافعه ديل الفستان…ضربت صدرها تاني تقول وإنتِ كمان لسه بفستان الفرح،فيكم إيه،أكيد معمول لكم عمل بالربط.
ضحكت إجلال قائلة:
فى نفس اللحظة عطسنا إحنا الإتنين … حماتي بعدت عننا، الله يرحمها كانت تخاف من حاجتين “المرض والموت” مكنتش تحب تلبس أي هدوم سمره تقولى جتتي مش بتتحملها.
تنهد بإشتياق قائلًا:
الله يرحمها هي وأبويا… سابتنا وطلعت تجري قالت لابويا إبنك ومراته عيانين هات لهم دكتور بدل ما يعدونا كمان… أبويا قال لها إتجننتي يا ولية… عرسان وأجيب لهم دكتور يدخل الدار، أهل الحارة يقولوا عليهم إيه، لقيته أتصل عليا عالتليفون الأرضي وقالي أوصف لى اللى بتحس بيه إنت ومراتك.. قولت له دور برد من ماية الشتا إمبارح… ضحك وقالي كله من مراتك تلاقيها كانت بتلحس المغرفة بتاع الأكل، عشان كده إمبارح مكنش مطر ده كانت سيول.
ضحكت إجلال قائلة:
أمي قالتلي نفس الكلام قولت لها لا والله ما أنتِ عارفة عمري ما لحست المغرفة ده حظ.
جذب يدها وقبلها بدفء قائلًا:
أحلى حظ، الدخلة إتأجلت أسبوع وتمت على ضوء الشموع فاكرة.
ضحكت قائلة بمرح:
ودي ليلة تتنسي، البرق والرعد مع السيول قطعوا الكهربا،وإنت عارف إني مش بخاف من الضلمة ولعنا الشموع وكانت أجمل ليلة فى حياتي لما خدتني فى حضنك وبقيت مِلكك.
ضمها بيديه يقبل رأسها قائلًا:
لاء ليلتها خوفتي.
ضحكت بدلال قائلة:
لاءمكنتش خايفة من الضلمة كنت مكسوفه أقولك خدني فى حضنك فادعيت إني خايفه.. ولما خدتني فى حضنك، وحسيت بحرارة جسمك قلبي بقي يدق جامد، وجسمي إرتعش وقتها قولت لى بردانة قولتلك لاء عشقانه.. أنا بعشقك يا إبن الدباغ.
إبتسم محي يضمها بعشق قائلًا:
وأنا وقتها حسيت إني زي اللى كان تايه وسط صحرا وعطشان ولقى نبع عذب يرتوي منه.
ابتسمت وللحظة تدمعت عينيها وتنهدت،شعر بتنهيدتها ضمها سائلًا باستفسار:
إيه سبب التنهيدة الطويلة دي.
تنهدت مره أخرى قائلة:
إفتكرت لما غِيبت فى الخِلفة، وكل ما أروح لدكتور يقولي مفيش فيكِ عيب مسألة وقت، حماتي كانت تلمح لى وتقول ده ولد وحيد “الحيلة”
اللهم لا إعتراض، لحد ما عرفت إنى حامل مكنتش الفرحة سيعاها، بس ربنا مأردش للفرحة تكمل وأجهضت،حزنت أوي… بس كرم ربنا حِبلت بعدها بفترة صغيرة لما خلفت “محسن” كأنها لقت كنز مكنتش بتشيله من حجرها،وبعدها خلفت التاني ويارا وكنان،بقت فرحانه أوي وتقول”يجعل من الحيلة عيلة”لو طاوعتها كنت جبت عشر عيال ومكتفتش كمان.
ضحك محي قائلًا:
أمي كانت تقولى خلف يا واد” العيال عِزوة” وإنت ربنا رزقك بالمال على وش العيال، كنت فين وبقيت فين، إنت كان عندك حتة مدبغة صغيرة ما شاء الله وسعتها وبقي عندك غيرها وغيرها، ربنا يوسع رزقك.
ابتسمت قائلة:
الحمد لله، ربنا فضله علينا كبير، زمان أمي لما إتلهيت فى العيال قالتلي كلمة خوفتني
“الراجل لما بيجري فى إيده الفلوس عينه بتزوغ بره بيته، وإنتِ مش شاطرة غير تخلفي، والخِلفة هتهد صحتك كفايه خِلفه عشان صحتك لجوزك وعيالك، عاوزه أكتر من كده إيه أربعه..” تلات صبيان وبنت”ربنا مش حارمك من حاجه، وبصراحه خوفت من كلامها وقررت وقولت كفايه كده رضا من ربنا، بس عمري ما قلبي خذلني من ناحيتك وقولت لها محي عمره ما يبص بره حتى لو بقي عنده كنوز الدنيا.
قبل جبينها بعشق قائلًا:
عيني عمرها ما شافت ست غيرك تملى عينيا
مفيش فى قلبي غير “إجلال”
البت الصغيرة اللى زي حوريات الجنة طلعت لى من صدفة فى شارع” الغورية”
كنتِ وش الخير عليا من أول مره شوفتك كنت متفق مع جزار هاخد منه شوية جلود عشان أشغل بيهم مدبغة أبويا، بس الجزار اتصرف وباعهم لغيري دفع له أكتر، كنت زعلان، بس بعد ما قابلتك ورجعت المدبغة، مفيش وقت لقيت التليفون بتاع المدبغة بيرن رديت لقيت جزار تاني بيكلمني وبيقولى عندي كمية جلود للمواشي تعالي خدها… قولت له انا جاي حالًا، وخدت عربية بسرعة وجريت عالجزار خدت منه الجلود ورجعت المدبغة، وسبحان الله صاحب مصنع جلود كلمني وخد الكمية كلها وبسعر مضاعف تلات مرات، قولت ده وش القمراية اللى قابلتها لو قابلتها تاني يارب هتبقي شريكة حياتي… ومر الوقت، وأمي تجيب لى صور بنات عشان أختار عروسة، مكنتش الفكرة فى دماغي، مكنش فى راسي غيرك، صدفة بين الصور اللى جابتهم أمي شوفت صورتك، سألتها عنك، قالتلي إنها تعرفك خالتك ساكنه عندنا هنا فى الغورية
قولت دي هتبقي”سلطانة الغورية “.
ابتسمت قائلة:
كنت صغيرة يا دوب تمنتاشر سنة، بس كان عودي فاير واللى يشوفني يقول عالاقل عندها خمسه وعشرين سنه، وخالتي كانت تعزني أوي ونفسها أتجوز قريب منها، وزي ما يكون ربنا استجاب لها واول ما اتقدمت لى أبويا سأل عنك، وقالوا له إبن حلال، ابويا مفكرش فى عندك إيه، قالى اهم حاجه الاخلاق يا بنتِ
المودة والرحمة هما الكنز الحقيقي، ومخيبتش أمل ابويا فيك، كان يقولي دايمًا” محي الدين الدباغ”عندي زي إبني بالظبط.
تنهد بفقدان قائلًا:
الله يرحمهم أجمعين،إحنا عايشين ببركة دُعاهم لينا.
أومأت برأسها مُبتسمه، تقول بدلال:
بقولك إيه أنا زهقانه من البيت بقالي فترة طويلة مخرجتش، إيه رأيك نخرج نتعشي باره الليلة.
أومأ موافقًا يقول:
بنت حلال كنت هقولك كده، أهو نبعد عن البيت والعيال وزنهم.
ضحكت قائلة:
كمان تريقتهم بالذات الواد كنان عنده أجازة من الجيش ومش هيبطل علينا تريقة.
ضحك قائلًا:
تمام هخلص شغلي بدري وافوت عليكِ اخدك ونروح مطعم فتح قريب بس سمعت عنه انه ممتاز.
بدلال نظرت له سائلة:
وعرفته منين.
ضحك قائلًا:
من إبنك التاني، كان بيتعشي مع عميل هناك وقالي إنه مطعم فاخر، وشكله بيعمل هناك لقاءات…شكله عاوز يتلم.
ضحكت قائلة:
فعلًا بيسهر كتير باره البيت ولما بسأله يقولى شغل … بقالي مدة بدور له على عروسة هي اللى هتلمه ويرجع بدري.
تنهد محي بآسف قائلًا:
ياريت مرات أخوه كان لها أخوات من غير جواز كان يبقي حظه من السما.
اومات بتوافق قائلة:
ياريت، يلا كل شئ نصيب وربنا يجعل نصيبه فى بنت حلال يكون سرها هادي.
-آمين…
هقوم أخد دُش على ما تحضري الفطار وتصحي العيال نفطر سوا.
اومات مُبتسمة وهي تبعد عن حضنه وهو ينهض متوجهًا نحو الحمام تنظر فى أثره تتنهد بهدوء، وهي تشعر بسعادة.
……… ……. ……
بالدور الثاني
“شقة محسن وزوجته”
بسبب حركة جنينها المفاجئة برحمها فتحت تأوهت بألم طفيف ثم وضعت يدها على بطنها… لحظات حتى خفتت الحركة، يبدوا أن تلك الصغيرة مثل المُنبه ايقظتها من سُباتها… نظرت للناحية الاخري للفراش تنهدت بعشق وهي تنظر الى ذلك الغافي الذي يُعطيها ظهره… حب طفولتها كانت تظن أنه بعيد عنها… لكن
لكن ماذا هي حقًا احيانًا تشعر بذلك أنها ربما فُرضت عليه من عمتها”إجلال”… لكن لن تستسلم بالتأكيد لو لم يكُن يرغبها ما كان إستمر زواجهم لأكثر خمس سنوات.
ربما هكذا تواسي نفسها… تنهدت بألم ثم نهضت توجهت الى غرفة أخرى تبسمت لتلك الصغيرة ذات الأربع سنوات الغافية، جلست جوارها توقظها بحنان حتى إستجابت لها ونهضت نحو الحمام معها قامت بتحميمها وتمشيط شعرها وتلبيسها زي الحضانة الخاص بها… تبسمت لها بحنان وهي تدور حول نفسها بتقييم قائلة بطفولة:
اليونيفورم الجديد ده أحلى من القديم يا مامي، هروح لـ بابي يشوفه.
اومات لها بحنان… ذهبت الصغيرة الى غرفة النوم توجهت نحو الفراش وقفت جوار والدها تربت على وجنته تضحك بمحبه وهي تضع قُبلة على وجنته، فتح عيناه ونظر لها مُبتسمً، ثم جذبها عليه تضحك قائلة باعتراض:
اليونيفورم هيكرمش يا بابي.
ضحك ونهض وضعها على الارض وقفت تدور حول نفسها قائلة:
شوفت اليونيفورم الجديد بتاع الحضانة.
تبسم لها قائلًا:
أجمل بنوتة فى الكون.
إبتسمت قائلة بإحد اللغات الأجنبية:
شكرًا يا بابي.
إبتسمت تلك التى دخلت تلمع عينيها بسعادة وهي ترا دلاله لطفلتهم، ليته يُعطيها جزءًا ولو ضئيل من ذلك الدلال.
نظر لها قائلًا:
حضرلي الحمام يا “رابيا”.
إبتسمت قائلة:
الحمام جاهز.
تركهن وذهب نحو الحمام، بعد قليل خرج من الحمام وجد له ثياب على الفراش جذبها وشرع فى إرتدائها بنفس الوقت عادت رابيا الى الغرفة، نظر نحوها سائلًا:
البنت فين.
أجابته:
نزلت لتحت، عمتي هتفطرها على ما باص الحضانة يوصل.
اومأ لها بصمت تنحنحت أكثر من مرة، نظر نحوها قائلًا:
مالك واقفة تتنحنحي كده ليه عاوزه تقولي إيه.
إرتبكت قائلة:
أصل إمبارح كان عندي متابعة عند دكتورة النسا، وسألتها عن نوع الجنين، قبل كده كانت بتقولى مش باين، بس خلاص أنا بقيت فى الشهر الخامس ولما سألتها قالت لى إني حامل فى بنت.
نظر لها باستغراب قائلًا:
طب ودي فيها إيه يعني.
نظرت له بارتباك قائلة:
يعني هيبقي عندنا بنت تانية.
-وفيها إيه يعني.. كله رزق من ربنا.
قال ذلك فابتسمت قائلة:
يعني إنت مش مضايق.
أجابها باندهاش:
وهضايق ليه يعني.
فسرت ذلك:
يعني ماما قالت لى كان نفسها أبقي حامل فى ولد… عشان كده هيبقوا بنتين، والولد..
زفر نفسه قاطعها قائلًا:
ولد او بنت كله نعمة من ربنا وبلاش ترمي ودانك لكلام مرات خالي الفارغ، أنا ميفرقش معايا… اللى يهمني يبقوا بصحة وسعادة.
انشرح قلبها ودت لو ترتمي بحضنه ويُقبلها، لكن هو تركها وغادر الغرفة قائلًا:
انا نازل فى موضوع مهم هكلم فيه بابا قبل ما يروح المدابغ.
رغم ذلك وضعت يدها على بطنها يخفق قلبها تربت بنعومة قائلة:
بابي حنين أوي، رغم أنه يبان قاسي.
………… ……. ……
بغرفة رياضيه بالدور الأول مجهزة بأجهزة خاصة
كان يقوم بتمارين الضغط، يستند على يديه ومشط قدمه يرفع باقي جسده عن الأرض يتحدث مع ذلك الجالس على ظهره يرغي بعدة مواضيع الى أن وصل الى:
يعني العربية الجديدة اللى إنت جبتها فيها كل المُميزات دي، طب تمنها كام.
رد عليه بقيمة ثمنها، شهق قائلًا:
تفتكر لو طلبتها من بابا فى عيد ميلادي يوافق يجيبها لى.
ضحك قائلًا:
أعتقد لاء، بابا هيقولك تشتغل بتمنها.
ضحك قائلًا:
هانت وقربت أخلص الجيش وهشتغل معيد فى الجامعة، وبفكر أشتغل كمان فى الحسابات وانضم لفرسان امبراطورية الدباغ.
ضحك الذي دخل عليهم الغرفة قائلًا بمزح:
طب “الملك” بيلعب تمارين ضغط وإنت قاعد فوق ضهره تشرب إيه اللى فى الكوبايه ده.
أجابه بخضه:
“محسن”
انت جيت امتى مش تكح كده هتقطع خلفي.
ضحك الإثنين بينما استطرد حديثه قائلًا:
ده هوت شوكليت من بتاع البت “يارا” طعمه لذيذ قولت للشغاله تعملي منه، بعدين تمارين إيه اللى هو بيعملها إنت مشفتش تمارين الجيش هلاك… مش شايف اني خسيت كتير من يوم ما دخلت الجيش.
إبتسم الملك بينما نظر له محسن سهم صامتًا للحظات… ربما تمني لو كان بصحة أفضل حتى لو دخل الى الجيش مثله، لكن ليس كل الامنيات مُتاحه.
نهض من فوق ظهر أخيه قائلًا:
هروح أشوف البت يارا عرفت إنها جابت فون جديد هروح أشوفه ولو عجبني يبقي واحد منكم يجيب لى واحد زيه فى عيد ميلادي.
ضحك الإثنين وتحدث محسن قائلًا:
إنت ماشي تحسب كل واحد هيجيبلك إيه فى عيد ميلادك يا “كنان”.
أومأ له قائلًا:
أيوه… أنا ناقص هدية واحدة وأبقي كده خلصت كل اللى الهدايا اللى عاوزها فى عيد ميلادي، يلا أسيبكم مع بعض بس أوعي تتهور وتلعب ضعط مع الملك، انا بقيت عادد له فوق الالف، ما شاء الله عليه صحة يجر تريلا.
ضحك الإثنين عليه وإعتدل الملك قائلًا:
صباحو قر عالصبح، إنسي انا مبجبش هدايا لحد.
نظر له كنان قائلًا بغمز:
مبتجيبش هدايا لحد،لكن بتجيب هدايا لحداية.
ضحك قائلًا:
دي كانت هدية مجاملة مش أكتر.
-وماله إعتبر هديتي مجاملة مش أكتر.
قال ذاك وغادر وتركهم معًا تسأل محسن:
إيه حكاية الهدية دي.
أجابه:
دي بنت عميل عندنا دعتني لعيد ميلادها وجاملتها بهدية بسيطة كده.
ابتسم محسن قائلًا:
واضح إن المفروض الحجة اجلال تكسف مجهودتها وتشوفلك عروسة.
ضحك قائلًا:
لا مش بفكر فى الجواز دلوقتي..عندي أهداف تانية أهم،البركة فيك بقي تجيب لها أحفاد تتشغل بيهم.
ضحك محسن قائلًا:
لا الحجة اجلال لما بتركز بتصيب…سيبك كنت عاوز أستشيرك فى موضوع خاص بالشغل فى مصنع الجلود قبل ما أعرض الموضوع على بابا.
……. …… ….،
بغرفة ذات الوان وردية
دخل كنان بعدما طرق على الباب وسمحت له بالدخول، تجولت عيناه بالغرفة الى أن إستقر على أحد الجوانب، شهق باستفسار قائلًا:
مالك واقفه عالحيطة بالشلقوب كده ليه راسك فوق ودماغك تحت عاملة زي برص الحيطه.
تحدثت بضيق دون النظر اليه قائلة:
ده رياضة يا متخلف، بتخلي الدم يوصل للدماغ وبيعمل توسيع لشراين المخ، اللى مش عندك، إيه جابك اوضتك عالصبح.
تهكم قائلًا:
توسيع شرايين المخ، وماله، بقولك سمعت ان بابا جابلك فون جديد كنت جاي أشوف إمكانياته، لو عجبني واحد من إخواتك يجيب لى واحد زيه فى عيد ميلادي.
أنزلت قدميها وقفت أمامه قائلة بسخط:
مش هتبطل أسلوبك ده كل سنه تعمل قايمه بالهدايا اللى عاوزها وتدور على كل واحد يجبهالك، ورغم ذلك بيجبوها ليه معرفش.
اجابها بعناد:
عشان انا آخر العنقود وكلهم بيحبوني، وطبعًا إنتِ طول عمرك بتغلي مني.
نظرت له بسخط قائلة بإستعلاء وغرور:
أنا”يارا محي الدين الدباغ”أغير منك إنت ليه خلاص عميت،يا أبني انا بس أشاور وكل اللى اتمناه يبقي قدامي.
تهكم قائلًا باغاظة:
مغرورة عالعموم أنا شوفت الفون،عجبني هقول لـ محسن يجيب لى نفس الماركة بس يكون إصدار أعلى،يلا هسيبك تتشقلبي تاني،يمكن الدم يضرب فى نافوخك وينفجر.
لم ينتظر وغادر الغرفه يصفع خلفه الباب مُبتسمً بينما هي زفرت نفسها فى ضيق قائلة:
غبي.
♛♛♛
بـ أحد الاحياء الراقية
شقة بمساحة كبيرة تحتل الدور الثاني والثالث…
ضحكات ومرح ودلال تلك المُدللة الصغيرة وهي تتحدث عبر الهاتف…الى أن انتهت نظرت الى من دخلت الى الغرفة تتمددت على الفراش تنتظر أن تُنهي حديثها عبر الهاتف ثم سألتها:
رحلة إيه اللى كنتِ بتتكلمي عنها.
أجابتها:
رحلة عملاها الكلية لـ شرم الشيخ زي سفاري كده.
سألتها:
وإنتِ هتروحيها…بس بابا وماما مستحيل يوافقوا.
أجابتها ببساطة:
دي رحلة قصيره تلات أيام بس ومش دلوقتي دي بعد أسبوعين تقريبًا،هحاول أقنع بابا وهو هيوافق.
أعترضت قائلة:
حتى لو يوم واحد إنتِ بنت و…
قاطعتها باصرار:
أيوه انا بنت،بس مش ضعيفة ولا ساذجة،ناسيه إن معايا الحزام الاسود فى الكارتية،وبطلة سباحة،يعني أقدر أحمي نفسي كويس،أنا هقنع بابا وهو هيوافق ويغصب على ماما توافق.
♛♛♛
ليلًا ربما صُدف تُغير المسار بلقاء عابر
بأحد المطاعم الفاخرة
دلف محي الدين بصحبة إجلال إصطحبهم نادل بالمطعم حتى جلسا خلف طاولة محجوزة لهما…نظرت إجلال حولها ثم نظرت لـ محي قائلة:
يحق لابنك يعمل لقاءات عمل هنا مش شايف مستوى المطعم واللى فيه لاء ولا لبس الستات،دول مش سقعانين ولا إيه.
ضحك محي قائلًا:
المطعم فيه نظام تدفئة عالي.
-أه ما انا حاسة بالدفا،بس برضوا لما يطلعوا من المطعم هياخدوا هوا ويستهوا.
ضحك محي قائلًا:
براحتهم خليكِ إنت حِشمة كده دايمًا.
ابتسمت حولها وقع بصرها على طاولة قريبة قائلة:
لاء فى ست حِشمه هناك أهي ومعاه راجل وبنتين، البنتين صحيح مش محجبين بس لبسهم حِشمة.
نظر نحو تلك الطاولة برمقة بسيطة، لكن سرعان ما عاد ينظر نحوها بتدقيق قائلًا:
” توفيق برهان”!.
تسألت اجلال:
مين ده.
أجابها:
ده شخص له فضل قديم عليا، وكنا حضرنا فرحه زمان، يمكن نسيتي، لكن أنا مستحيل أنساه، هقوم أسلم عليه.
ابتسمت اجلال قائلة:
بلاش يمكن يكون نسيك.
أصر قائلًا:
متأكد أنه مش ناسيني.
نهض محي وذهب الى تلك الطاولة وضع يده بعشم على كتف توفيق، رفع توفيق نظره له، لحظات ثم إبتسم قائلًا:
محي الدين الدباغ
ابتسم محي وإستقبل نهوض توفيق وذلك العناق الأخوي، قائلًا:
توفيق برهان يااااه مرت سنين كتير أوي.
ابتسم توفيق قائلًا:
الدنيا تلاهي.
أومأ له محي بموافقة.
ابتسم توفيق قائلًا:
تعالي إقعد معانا على الطرابيزة… محدش غريب دي مراتي وبناتي.
ابتسم قائلًا:
أنا كمان معايا مراتي… استني هطلب من ادارة المطعم طرابيزة لينا كلنا ومراتي تتعرف على مراتك والبنات.
بالفعل ما هي الا دقائق وكانت طاولة أخرى مجهزة، إنضم لها الاسرتان، لكن حدث تعارف أولًا من توفيق.:
مراتي ، وبناتي
“الكبيرة فرح والصغيرة عهد”.
نظرت لهن اجلال بتقييم، جلسوا معًا بحديث ودي، أعجبت إجلال بالفتاتين.. طال بهم الوقت وسط حديث عن العمل والذكريات القليله وسحب الحياة لطرق مختلفة ولقاء عابر بلا موعد…
نهض توفيق قائلًا:
إنت عارف إني موظف ولازم أكون على مكتبِ بكرة كنت أتمني يطول الوقت، بس انا خدت رقم موبايلك ولازم نتقابل تاني.
ابتسم محي قائلًا:
ده أكيد… لو مش معاك عربية إبني هيجي كمان شوية ياخدنا يوصلك معانا.
أجابه:
ربنا يبارك لك فيه انا معايا عربية، شكرًا، وكمان شكرًا عالعزومة.
تفوه محي:
عزومة ايه، العزومة اللى بجد لما تشرفني فى بيتِ إنتِ وعيلتك اللطيفة.
ابتسم توفيق قائلًا:
ان شاء الله.
غادر توفيق وعائلته، بينما جلس محي ينظر فى الساعه قائلًا:
ابنك إتأخر.
فهمت قائلة:
مالوش حظ قولى رأيك فى البنتين إيه.
اجابها بفهم:
ادب وذوق وجمال.
-على خيرة الله ربنا يقدم الخير.
بينما توقفت عهد حين صدح هاتفها قائلة:
دي مكالمة مهمه هرد وأحصلكم عند العربية.
بالفعل توقفت ترد على الهاتف حتى انتهت أغلقت الهاتف وهي تُعدل مِعطفها الثقيل بعدما شعرت بنسمة برد قوية، وعادت تستكمل نزول الدرج لكن كادت تتعرقل لولا أن خبطت فى ذلك الصاعد ثم تمسكت بسياج الدرج، رفعت نظرها نحوه للحظة قائلة:
متآسفه وشكرًا لك.
نظر لها وتبسم قائلًا:
العفو… خدي بالك.
أومأت له وتجنبت وأكملت نزول الدرج بينما هو صعد وتوقف عند نهاية الدرج نظر نحوها… لحظات قبل أن يشعر بيد والده على كتفه قائلًا بلوم:
اتأخرت ليه.
أجابه:
كنت مع محسن بنخلص شوية شغل والوقت سحبنا.
نظرت له اجلال بضيق قائلة:
الشغل مبيخلصش أبدًا، يلا بلاش نوقف كده الجو برد.
بعد دقائق بالسيارة
نظرت إجلال له بلوم وعتاب قائلة:
شغل ايه اللى أخرك…
لو مكنتش اتأخرت كنت شوفت بنتين زي القمر، جمال رباني… بصراحة نفسي تتجوز واحدة منهم.
ابتسم قائلًا :
ما قولت كنت بخلص شُغل مع محسن، وبعدين فكرة الجواز مش فى دماغي دلوقتي، أنا يادوب عندي سبعه وعشرين سنة.
نظرت له بتحفيز قائلة:
وماله مش صغير، والحمد لله إنت سابق سِنك واللى يشوفك يقول كمل التلاتين، كمان الحمد لله ميسور، يبقى ليه الجواز مش فى دماغك، بصراحة البنتين اللى شوفناهم اجمل من بعض ما تقول حاجه يا “حاج محي”.
ابتسم محي هو الآخر قائلًا بتحفيز:
بصراحة البنتين جمال وأخلاق ووالدهم معرفة قديمة، والاتنين ميتخيروش عن بعض انا من رأي الحجة إجلال وياريت واحدة منهم تكون من نصيبك.
ضحك قائلًا:
إنتم متفقين مع بعض بقي، أنا الجواز مش…
قاطعته إجلال:
وهيفضل مش فى دماغك طول ما انت قافل قلبك وكل تفكيرك هو الشغل وبس، البنتين طالعين من عيني.
ضحك قائلًا:
لا ده الموضوع مشعلل فى دماغ الحجة اجلال يعني مفيش اعتراض.
ابتسم محي قائلًا:
بسيطة أقولك إنت شوفهم والقرار لك.
اكدت اجلال:
لو شافهم هيقول اتجوز الاتنين.
ضحك قائلًا:
ليه للدرجة دي، شكلهم ايه دول.
تفوهت إجلال بتحفيز:
إنت عارف ذوقي.
ضحك معترفً وكاد يعترض:
بصراحة ذوق الحجة اجلال عالي جدًا… بس..
قاطعته اجلال:
مفيش بس اسمع كلامي، أنا وأبوك عرضنا على ابوهم عزومة عندنا فى البيت فى الغورية وهو قال هيشاور ويشوف اليوم اللي يناسبهم.
صمت… لحظة، ابتسم ابتسامة صغيرة لكنها ما لم تصل الفكرة لرأسه… صمت للحظات يفكر فى الرفض لكن يعلم طبيعة والدته ستظل تلح عليه تنهد بخفة قائلًا:
خلاص يا ماما، لو وافقوا على العزومة،وعجبني واحدة منهم.. أنا مش هعترض.
تبادلا محي وإجلال نظرات رضا، بينما هو تظاهر بالضحك… لكن عقله مشغول بأشياء أخري… بداخله صوت يهمس لنفسه باعتراض:
هو أنا أصلًا فاضي للحب والجواز.
وهنالك صورة أخرى جالت برأسه وتمنى أمنية رؤيتها مرة أخري.
❈-❈-❈
 

