رواية عشق يحيي ( كامله جميع الفصول) بقلم سلمي جاد



 رواية عشق يحيي الفصل الاول بقلم سلمي جاد

ـ "إيه اللي إنت بتقوله ده يا يحيى؟!

معقول ليلى بنت عمك لسه عايشة؟ ما ماتتش؟!"


يحيى وقف قصاده، عينه فيها وجع وصِدق، وقال بهدوء متماسك:

ـ "دي الحقيقة يا جدي…

أنا ماكنتش مصدق زيك كده في الأول، بس هي دي الحقيقة."


الجد هز راسه بحيرة، صوته واطي ومتلخبط:

ـ "انت عرفت إزاي يا يحيى؟!"


رجع يحيى بخياله لورا، والفلاش باك بدأ كإن شريط سينما شغال في دماغه.


من كام ساعة…


كان المكان مهجور على أطراف الصحرا، كله رمل وهدوء يخوّف.

الهواء بيصفّر بين الحجارة المكسّرة، وصوت الموتوسيكلات بعيد كأنه أنين.

الليل كان تقيل، والقمر مداري نفسه بين السحاب.


في النص، كانت واقفة عصابتين، وشهم باين عليه الإجرام، والسلاح في كل إيد، والعصبية مالية الجو.

الكل مترقب، وكل نفس محسوب.


قال واحد بصوت خشن:

ـ "البضاعة جاهزة يا معلم درويش."


درويش، وهو بيولّع سيجارته ويسحب منها نفس طويل، ردّ وهو بينفخ الدخان:

ـ "كله تمام. أهم حاجة فلوسك جاهزة؟ البوليس شادد حيله علينا اليومين دول… لازم التسليم يتم بسرعة قبل ما تحصل مصيبة."


ـ "تمام يا معلم درويش، سلّم واستلّم."


على بعد كام متر، في الظل…

كان النقيب يحيى الصياد واقف وسط فرقته المكونة من مجندين لابسين لبس الشرطة المميز بلونه الاسود القاتم ، وعينه العسلية بتلمع تحت ضوء القمر كأنها عيون صقر بيراقب فريسته.


كان صوته هادي، بس مليان غضب مكبوت:

ـ "استعدّوا… أول ما أقول الإشارة، نهجم فورًا."


العرق نازل على جبينهم، الأنفاس متقطعة، وكل واحد ماسك سلاحه ومستني لحظة الهجوم.


تم تبادل البضاعة والفلوس، كل حاجة ماشية بسلاسة…

لحدّ ما فجأة، دوّى صوت طلقة واحدة كسرت سكون الصحرا.


الرصاص خرج من مسدس يحيى الصياد، واستقر في إيد واحد من العصابة.

في لحظة، الكل اتشلّ مكانه، رجالة الشرطة اندفعوا زي السيل، والأصوات اختلطت بين صريخ وضرب نار وأوامر بتتقال بسرعة.


بعد دقائق، اتكمشوا كل أفراد العصابة في الأرض، سلاحهم مرمي، وإيديهم مرفوعة.


يحيى اتقدّم بخطوات هادية، سلاحه مصوّب على درويش اللي كان لسه بيحاول يلتقط نفسه.

ـ "اقف مكانك يا درويش… وسيب كل اللي في إيدك."


درويش رفع إيده ببطء، بص على الضابط اللي واقف قدامه بنظرة خوف، لكن كان فيها كمان فضول غريب…

العرق بينزل من جبينه وهو بيحاول يركز في وش يحيى اللي كان بيقرب منه خطوة بخطوة.

وفي اللحظة اللي مد فيها يحيى إيده ياخد منه المسدس، لمعت حاجة في ضوء الكشاف…


خاتم فضة محفور عليه بخط صغير وواضح كلمة "الصياد".


درويش اتجمّد، وبصّ ليه بعيون متسعة:

ـ "استنى… إنت قلتلي اسمك إيه؟"


يحيى ما ردش، بس رفع حاجبه باستغراب"مالكش دعوة بإسمي، سلّم نفسك وخليك عاقل."


درويش بانفاس عالية : " صدقني يا حضرة الظابط انت المستفيد لو الي في دماغي طلع صح ، الصياد ده لقبك ولا اسم عيلتك ؟!


يحيى بنفاذ صبر : "لا ده اسم عيلتي .. أنا اسمي يحيى الصياد ".


درويش لما سمع اسم "الصياد"، وشه اتبدّل، عينه اتسعت بخوف غريب.


ـ "الصياد؟!

إنت من عيلة الصياد؟!"


يحيى شدّ علي سلاحة بقوة :

ـ "إيه علاقة اسم عيلتي باللي بيحصل دلوقتي؟!"


درويش ضحك ضحكة باهتة، كأنه بيضحك على نفسه:

ـ "واضح إن الزمن رجّع نفسه يا باشا…

أنا عندي سر… لو قلته، حياتك كلها هتتشقلب."


يحيى باستنكار "سر إيه؟!"


ـ " هقول بس بشرط…"

ابتسم درويش وهو بينزف من دراعه:

ـ "تخفف عني الحكم، وأنا أقولك السر اللي هيقلب دنيتك."


يحيى اتنرفز، لكنه أشار للرجالة يبعدوا شوية، وقرب منه وقال بحزم:

ـ "اتكلم."


درويش اتنفس بصعوبة وقال بصوت واطي:

ـ "السر… عن الحادثة اللي حصلت من خمستاشر سنة."


يحيى اتجمد مكانه، قلبه وقع في رجله.

ـ "حادثة إيه؟!".


الراجل ابتسم بسخرية وقال بصوت متقطع:

ـ " حادثة اللواء سامي عمك… الحادثة اللي محدش عاش منها غيرك انت ووالدتك."


الكلمة خبطت في دماغ يحيى كأن حد فتح باب مقفول من سنين.

ـ " تعرف إيه؟! الحادثة دي من خمستاشر سنه والقضية اتقفلت لما عمي اللواء سامي ومراته ماتوا." وبعدين كمل بمرارةوكإن الكلمة مش قادرة تخرج منه : وماتت معاهم ليلى بنت عمي اللي كان عندها خمس سنين ."


  الراجل فجر القنبلة وقال ـ " هو ده السر يا حضرة الظابط .. الحقيقة ان ليلى بنت عمك…... ما ماتتش."


الدنيا سكتت، وصوت أنفاسه بقى تقيل.

ـ "إنت بتقول إيه؟!"


ـ " بعد ما العربية اتقلبت ، انت ووالدتك اتركينوا بعيد عن العربية ، ومحدش كان جوهةالعربية غير الواء سامي ومراته وبنته ،وقبل ما العربية تنفجر أنا خطفتها من العربية وبعدها بفترة جالي أمر إني أقتلها.

قالولي خلاص ما بقاش ليها لازمة بعد ما اللواء مات لان كان هدف خطفها من البداية هو تهديد اللواء سامي عشان يبطل يدور ورانا ، بس… أنا مقدرتش أقتلها .

كانت طفلة صغيرة بتعيّط، خدتها وسبتها قصاد دار أيتام في القاهرة.

ماحدش يعرف الحقيقة غيري."


رجع يحيى للواقع وهو بيبص لجده اللي كان مبهوت، صوته مبحوح وهو بيقول:

ـ "يعني… ليلى عايشة فعلاً؟!"


ـ "أيوه يا جدي… واسم الدار اللي قالها درويش محفوظ في دماغي، وأنا رايح لها النهارده."


قدام دار أيتام قديمة مكتوب على بابها:

"دار الرحمة لرعاية الأطفال."


فضل يدور بالساعات، يسأل، يفتّش في ملفات، يتخانق مع موظفين رافضين يتكلموا.

بس لما قال بطاقته وبان اسمه ورتبته، اتغير كل شيء.


ـ "حضرتك المقدم يحيى الصياد؟ اتفضل، هنحاول نساعدك."


الست المسؤولة طلعت له دفتر قديم، صفحاته مصفرّة من الزمن، وكل ورقة بتتحرك بصوت خافت كأنها بتحكي حكاية.

ـ "آه… في طفلة جات من خمستاشر سنة، كان اسمها ليلى.

اللي جابها سابها قصاد الدار وهرب.

وبعد شهور، تبنّاها راجل بسيط اسمه عبدالسلام ومراته.

ماكانوش بيخلّفوا، وحالهم على قدهم، عايشين في حارة صغيرة في حي قديم."


بعد سنين من الفقد، وبعد طريق طويل من وجع الذكريات،

وقف يحيى بعربيته قدام حارة شعبية.

مكان بسيط، مليان أطفال بيجروا، وصوت ستات بيندهوا من الشبابيك، وريحه خبز طالع من فرن بلدي.


قلبه كان بيرقص جوه صدره بخوف وحنين وغربة.

ـ "معقولة هشوفها؟ بعد كل ده؟"


افتكرها وهي صغيرة، بتجري وراه وسط الجنينة، شعرها البني بيطير وهي بتنده عليه:

ـ "ياياااا، استناني يا يايا!"


ضحكته القديمة رجعت في خياله، لكنها كانت مخنوقة دلوقتي…

لأن اللي جاي مش سهل.


الحي الشعبي كان بسيط، بس فيه دفء غريب.

سأل كذا حد لحد ما واحدة من الجارات قالتله وهي بتكنس قصاد بيتها:

ـ "آه يا بيه،أستاذ عبد السلام بيته تاني بيت بعد القهوة دي… الدور الأول."


اتجه بخطوات ثابتة، لكن كل خطوة كان قلبه يضرب أسرع.

وصل قصاد البيت اللي كان قديم، لونه باهت، الحيطان فيها شقوق صغيرة، لكن الشبابيك متعلقة فيها ستاير نظيفة، تدّي إحساس إن المكان رغم بساطته فيه حياة.


وقف لحظة ياخد نفس عميق… ثم خبط.


بعد ثواني، الباب اتفتح، وطلعت بنت لابسة إسدال صلاة بسيط.


وشها هادي، ملامحها بسيطة ،بس عينيها البُني الواسعة خبطت جواه كأنها رجّعته 15 سنة ورا.


وقف مبهوت، قلبه بيخبط كأنه أول مرة يشوفها وأول مرة يتنفس.

هي بصّت له باستغراب وقالت:

ـ "مين حضرتك؟"


رد بصوت واطي، بيحاول يمسك نفسه:

ـ "أنا… النقيب يحيى الصياد."

سكت لحظة، والهواء تقل حواليهم، وقال بنبرة فيها وجع وحنين سنين:

ـ "ابن عمّك ............

الفصل الثاني من هنا

 

تعليقات