![]() |
اسكريبت الطيف الذي عبر الفصل الاول بقلم الست ورد
"أنتِ كويسة يا آنسة؟"
هزّيت راسي وأنا بحاول أقوم بعد ما وقعت في نص الشارع. كانت عربية هتخبطني، والسواق نزل منها بسرعة وجري ناحيتي علشان يساعدني. حاولت أقوم، بس معرفتش.
مدّ إيده ومسكني بلُطف وقوّمني. لمحت بقعة صغيرة في البنطلون عند الركبة، ولما حطّيت إيدي عليها، لقيت دم.
أنا مبحبش الدم... بخاف منه جدًا، فالدنيا سوّدت في عيني وأغمي عليّا.
صحيت بعد كده وأنا في المستشفى، محاليل متعلّقة في إيدي. دخلت الممرضة بابتسامة خفيفة وقالت:
"حمد الله على السلامة."
"الله يسلمِك... هو إيه اللي جابني هنا؟"
"حضرتك كنتِ مأهملة في نفسك شوية، باين عليكِ مأكلتيش من فترة، فركّبنالكِ محاليل. واللي جابك هنا الدكتور أيهم."
هزّيت راسي وأنا بحط إيدي على عيني. وبعد لحظة، دخل هو.
رفعت راسي لقيته داخل الغرفة بخطوات هادية، وابتسامة صغيرة على وشه.
"حضرتك كويسة؟"
"الحمد لله."
حكّ رقبته بإحراج وقال:
"حقك عليّا، كنت مسرّع، وإنتِ ظهرتي فجأة."
ابتسمت وأنا بقول:
"ولا يهمك يا دكتور، الحمد لله جت على قد كده."
"ونِعم بالله."
مدّ إيده وهو بيقول بابتسامة واثقة:
"معاكِ دكتور أيهم."
"تشرفت بحضرتك، أنا سناء."
قلت كده وأنا بسلم عليه، تحت نظراته اللي مش عارفة أوصفها.
"وأنا أكتر."
لمسة إيده كانت كفيلة تهدّي جوايا حاجات كتير. حسّيت بالحنان، بالهدوء، بالأمان اللي كنت مفتقداه.
خدت نفس عميق ولسه الابتسامة على وِشي.
وفجأة صحيت على صوت المنبّه المزعج...
كان صوته مستفز لدرجة كان نفسي أدشّه في الحيطة.
بصّيت على رجلي، لقيتها سليمة.
يعني كل ده... حلم؟
يعني أيهم ماكنش حقيقي؟
ليه مش فاكرة شكله؟ وليه كل الأحلام الحلوة مبتكملش؟ يا ربّي...
كنت مقهورة إن النهاية كانت حلم. قمت كالعاده، خلّصت روتيني الصبح قبل الجامعة، واتأخرت كالعادة.
لبست الكوتشي بسرعة وأنا خارجة من الأوضة.
"يا سناء، الفطار يا سناء!"
"هفطر في الجامعة يا ماما! يلا سلام علشان متأخرش!"
قلت كده وأنا بفلسع من الباب.
_
"يعني أنتِ حلمتي إنك عملتِ حادثة، واللي كان هيخبطك هو اللي ودّاك المستشفى، ولمّا سلمتِي عليه حسّيتي بالأمان والحنين والشوق؟"
هزّيت راسي ليها للمرة المليون.
"ابقي اتغطّي كويس يا سناء."
خبطتها بالشنطة في كتفها وأنا بقول بضيق:
"يا حيوانة! بشكيلِك أحزاني وإنتِ بتألّثي؟"
أخدت شفطة من العصير وقالت وهي بتضحك:
"طب، هو كان حلو؟"
"مش فاكرة شكله ولا ملامحه، كانت ملامحه مش واضحة، بس كفاية إني كنت مرتاحة ومطمنة."
"يا رب تشوفيه في أرض الواقع يا سناء."
"قولي في عفو وعافية يا بت! افرض شُفتُه وطلع مش كويس أو طباعه وحشة... أو متجوز!"
ضحكت وقالت وهي بتمثل الدعاء:
"يا رب يا سناء يا بت أم طنط سناء تتجوزي واحد أحنّ عليكِ من نفسك، علشان ألبس فستان بقى!"
ضحكت وأنا ببصّلها:
"بتاعة مصلحتك كالعادة! طب ما في أتيليه قريب، تعالي نروح نجيبلك فستان يا قلبي بدل الذل اللي معيشة الواحد فيه!"
"تؤ، فستان في فرحك!"
"قومي يا فرح، قومي يا أختي علشان اتأخرنا."
_
رجعت البيت، وكانت ستّ الكل عاملة محشي، وأنا نقطتي ضعفي المحشي. وجمبه صنية فراخ تخليك تاكل صوابعك وراها.
والدتي نفسها حلوة في الأكل بشكل مش طبيعي.
قعدت آكل من غير ما أقدر أستنى. أخدت صباع محشي ووراه التاني.
قالت ماما وهي بتضحك:
"يا بنتي، هتاكلي دلوقتي هتشبعي ومش هتاكلي معانا، اصبري خمس دقايق!"
"جعانة يا عالم! وريحة المحشي دي جوعتني كده!"
ضحكت وقالت:
"طب روحي غيري هدومك وصلي فروضك، وأنا أكون خلّصت."
قبّلت خدها ودخلت الأوضة، أخدت شاور يهدّي جسمي، وبعدها صليت فروضي وطلعت.
لقيت السفره جاهزة، والحج قاعد في النص، وماما جمبه.
قعدت قصادها بعد ما قبّلت خد بابا.
"عامل إيه يا حجوج؟"
"الحمد لله، في نعمة."
قالت ماما وهي بتبُصّلي:
"كُلي يا سناء، شكلك خاسس ووشّك مصفر."
مدّت إيدها بواحد محشي وقالت وهي بتبتسم:
"خُدي."
أخدته منها وأنا بضحك:
"باكل أهو يا ماما، الله!"
"متتكلميش يا جزمة والاكل في بُقّك!"
بصّتلها بتذمُّر وكملت أكلي.
ولما خلصنا، ساعدتها في غسل المواعين، وبعدها رميت نفسي على السرير.
فضلت أفكّر في الحلم...
رغم إنه عادي، لكنه كان مليان حنان.
الإحساس لما حد تحبيه يحضنك... بتحسّي وقتها بالأمان.
نمت وأنا بفكر فيه.
_
"حاسبي!"
كنت على وشك أقع، لكن إيدٍ مسكتني.
قلبي دقّ بسرعة، عرفت الصوت قبل ما أشوف وشه... كان هو.
ولمسته كانت حنونة بشكل يخوّف. كنت عاوزة أفضل في حضنه، بس بعدت بسرعة وأنا بعدّل نفسي، وشِلت شعري ورا ودني بطريقة عفوية.
"آنسة سناء؟"
عرفني... طلع عارفني.
"حضرتك تعرفني؟"
"إنتِ نِسيتيني؟ أنا الدكتور أيهم اللي خبطتك بالعربية وساعدك لما أغمي عليكي."
"إزيك يا دكتور؟ آسفة، ما أخدتش بالي."
"لا عادي، ولا يهمك. إنتِ عاملة إيه؟"
"كويسة الحمد لله. حضرتك بتعمل إيه هنا؟"
"دكتور هنا... لسه متعيّن النهارده."
"بجد؟ ما شاء الله!"
ابتسم وقال وهو بيشير ناحية الكافتيريا:
"تحبي نقعد هناك؟"
"موافقة... لو إنت اللي هتدفع!"
اتكلمت بسرعة ومن غير ما أفكر.
بصّلي بتفاجؤ، وابتسامته اتّسعت.
الإحراج مسكني، وتمنّيت الأرض تبلعني.
"متخافيش، أنا اللي هدفع."
قالها وهو بيضحك.
مشيت جنبه وأنا حاسة بفراشات بتتراقص في بطني.
روحنا الكافيتيريا، وقعدنا في ركن هادي. طلبت "آيس كوفي"، وهو طلب لنفسه قهوة سادة.
"إنتِ بقى في أنهي سنة؟"
"آخر سنة في الجامعة."
ضحك وقال:
"وشك يدي على أولى كلية!"
حسّيت بالأحراج، ووشّي احمرّ من الخجل، فزاد ضحكه أكتر.
"مش للدرجة دي يا دكتور!"
ابتسم وقال وهو بيبصلي بثقة خفيفة:
"دكتور إيه بقى؟! أنا كنت فاكر إننا بقينا صحاب. قوليلي يا أيهم."
ضحكت بخفة وأنا بقول:
"ماشي يا أيهم."
كان بيبصلي بطريقة غريبة... نظراته فيها هدوء وسحر ودفء يخوّف. قلبي بدأ يدق بسرعة.
"في حاجة؟"
"ها؟ لا، مافيش."
هزّيت راسي بهدوء وأنا بشرب من الكوباية، وهو لسه بيبصلي.
نظراته كان فيها حنين غريب...
"قومي يا سناء! المنبّه صحي البيت كله وإنتِ لسه نايمة! قومي يا بت!"
فتحت عيني ببطء، والست الكل فتحت الستارة.
مسحت على وِشي وأنا ببص على الساعة... كانت تمانية إلا تلت!
جريت من على السرير، وكنت هاتجنن، عندي محاضرة مهمة الساعة تمانية!
فضلت ألف في الأوضة زي الهبلة وأنا بدور على كل حاجة.
حمدت ربنا إني كنت مجهزة لبسي من امبارح.
لبست بسرعة، ولفّيت الطرحة، وحاولت أظبطها عشان تغطي شعري ورقبتي.
مكنتش متقبلة شكلي، لكن قلت في نفسي المهم رضا ربي
نزلت بسرعة على صوت دعوات أمي:
"انزلي بالراحة يا سناء، لتقعي يا بنتي!"
"متأخرة يا ماما!"
ركبت الأتوبيس اللي على الموقف، وكالعادة خناقة السواقين عطّلت الدنيا.
وصلت الجامعة بعد نص ساعة تأخير، وكنت طول الطريق بفكر
ليه بحلم بشخص مش موجود؟ وليه اتعلقت بيه بالشكل ده؟
لما قربت من القاعة، لقيتها مقفولة.
وقفت مترددة لحظة، بس قررت أتغلب على خوفي وخبطت الباب.
دخلت وكل العيون اتوجهت عليّ، إحساسي بالتوتر خلاني مش باخد بالي من ملامح الدكتور.
"أنا آسفة على التأخير، المواصلات كانت زحمة."
ردّ بنبرة هادية ومريحة:
"ادخلي... بس آخر مرة يا آنسة."
دخلت وقعدت في أول بنش كان فيه مكان فاضي.
وبعد دقايق، لما بدأ يشرح ولفّ ضهره ناحية السبورة...
تجمّدت في مكاني.
مستحيل...
إزاي؟!
