رواية حنين ( كاملة جميع الفصول ) بقلم امل عبدالرازق

 



رواية حنين كامله جميع الفصول بقلم امل عبدالرازق 

سارة (بنبرة غاضبة):
ما هو أنا مش هسكتلك أكتر من كده يا أمير، اختار... بيني وبين مراتك!

أمير (يحاول يتمالك أعصابه):
أنا تعبت يا أمي… ليه مش عايزة تشوفيني مرتاح؟
دَ أنا ابنك حتى.

سارة (بحدة):
يا أمير، يا ابني، اسمعني كويس… مراتك دي يا أمير...

أمير (بصوت مخنوق، بيحاول يهدّي نفسه):
يا أمي، ارحميني بالله عليكِ.
أنا والله مبقتش مستحمل الضغط اللي حضرتك حطّاني فيه.
أنا بحب مراتي وسعيد معاها جدًا،
إنتِ يهمّك إيه غير سعادتي؟
لو وجود حنين مدايقك، أأجرلها شقة لوحدها،
بس خلينا نعيش في هدوء… كفاية كلام في الموضوع ده.

سارة (دموعها في عينيها وصوتها عالي):
ربنا يعلم أنا بحبها قد إيه،بس بحبك إنت أكتر يا ابني.
هي مؤدبة وجميلة، ونفسها ترضيني،
بس الدكتور قال إن الأمل في الحمل مستحيل…
وياريته دكتور واحد!
خليها على ذمّتك، بس اتجوز غيرها… فاكر اما كنت بتقولي قبل ما تتجوز دا انا هملى عليكِ البيت عيال، حرام تظلم نفسك كده؟

أمير (ينفجر لأول مرة):
يا أمي كفاية بقى!
أنا مش هرميها عشان حلم!
هي حياتي، وهي اللي وقفت جنبي،
مش كل حاجة في الدنيا عيال!

سارة (بغضب ممزوج بالدموع):
يعني عايز تعيش وحيد؟
هي هتعيش ليك لحد إمتى؟
هي لو راضية بالوضع ده تبقى أنانية!

أمير (بتعب واضح):
ماما، حنين معندهاش مشكلة.
لسه ربنا مأذنش، وإن شاء الله خير…
ادعيلي بدل ما تهاجميني.
اتمنى نقفل الموضوع ده خلاص،
كل يوم بتعكنن بسبب الكلام ده.
بعد إذنك، أنا طالع شقتي.

سارة (بصوت متكسر):
لازم تختار بينّا يا أمير... تصبح على خير يا ابني.

______

سبع سنوات مرّت على زواج أمير وحنين.
محاولات لا تنتهي، أمل يتجدد ثم ينهار.
حتى حلم الحمل المجهري تحوّل إلى ذكرى موجعة مرتين.
كل كلمة من أمه كانت سكينًا في قلبه،
لكن قلبه ما زال متعلقًا بزوجته التي أحبها بصدق.

_____

كانت حنين واقفة ورا باب الشقة،
صوت قلبها بيغطي على صوت أنفاسها.
كل كلمة من حماتها نزلت عليها كالسهم،
وكل صرخة من أمير كانت بتكسر جواها حتة.

ما كانتش ناوية تتجسس،
لكن القدر خلاها تفتح الباب في نفس اللحظة اللي اشتعل فيها الكلام.
وقفت مكانها، والعين اللي كانت دايمًا تلمع بالرضا،
بقت مليانة وجع وكسوف…
زي طفلة اتعرت مشاعرها قدام الدنيا.
_____

كانت الشقة غارقة في صمت ثقيل، زي صدى بعيد لكلام لسه بيرن في ودان حنين.

عينها سابت الباب وبصّت حواليها كأن كل حاجة في البيت بتشهد على وجعها.
صورة فرحهم على الحيطة، الورد الصناعي اللي كانت بتحبه، كل حاجة بقت بتوجّع.

دخل أمير بعد شوية، وشه مرهق، وصوته مبحوح.
شافها واقفة قدام الباب، وعينيها مجروحة بس ساكتة.

أمير (بهدوء متردد):
كنتي سامعة الكلام؟

حنين (تبتلع ريقها بصعوبة): سمعته كلّه.

سكت لحظة، وحاول يمدّ إيده ليها، لكن هي أخدت خطوة لورا.

أمير (بوجع):
حنين، بلاش تبعدي عني انتي كمان...
أنا كنت بدافع عنك ومقدرش استغنى عنك.

حنين (بصوت مبحوح):
عارفة يا أمير...
بس اللي وجعني مش كلام مامتك...
اللي وجعني إنك خلاص بقيت بين نارين،
وكل مرة بحس إنك هتتحرق علشاني.

أمير (قرب منها شوية):
أنا اخترتك من أول يوم، ومش هرجع في اختياري.
أنا احارب الدنيا علشانك، ومش ندمان.

حنين (تحاول تبتسم بس دموعها سبقت):
بس أنا تعبت يا أمير...
كل مرة خلاف مع مامتك بنفس السبب، وكل مرة بخرج خسرانة حتى لو انت معايا.
أنا السبب في تعبك، وفي بعدك عن أمك... في كل حاجة.

أمير (بحزن):
انتي السبب في إني لسه عايش، لو كنت لوحدي، كنت وقعت من زمان، أنتِ حبيبة قلبي وعيني مش بتشوف ولا هتشوف غيرك يا سبب كل حاجه حلوة في حياتي، اطمني يا حنين وثقي فيا.

سكتت، وبصت له بنظرة فيها حب وخوف وكسرة.
قرب منها خطوة كمان، وقال بهدوء شبه الهمس:

أمير: بلاش نخلي الوجع ياكل فينا.
لو الدنيا قفلت في وشّنا، نفتحها بإيدينا… سوا.

حضنها وفضلوا ساكتين، بس السكون ما كانش راحة، كان زي هدنة قبل حرب جديدة،
عارفين إن الأيام الجاية مش هتسيبهم في حالهم، لكن لسه عندهم أمل صغير... بيتنفس ما بين ضلوعهم.
_______

في صباح اليوم التاني، نزل أمير بدري على الشغل، وساب البيت ساكت كأنه بيحاول يتناسى اللي حصل بالليل.
حنين كانت بتحضر الفطار، بتحاول تظهر انها عاديه، لكن عينيها كانت لسه منفوخة من كتر البُكا.

سمعت خبط خفيف على الباب، فتحت... لقت سارة واقفة بابتسامة مجاملة.

سارة (بنبرة لطيفة بس فيها لمحة تعالي):
صباح الخير يا بنتي، كنت طالعة أشوفك... شكلك تعبانة شوية.

حنين (تحاول تبتسم):
صباح النور يا ماما، لا عادي... بس منمتش
كويس.

سارة (بتدخل الشقة وبتبص حواليها):
يا بنتي البيت ريحته دايمًا جميلة، بس ناقصه حاجة كده... صوت عيال، ضحكة صغيرة تملَى المكان.
(تضحك بخفة) يمكن علشان أنا ست كبيرة وبحب الزحمة.

حنين (تحاول تمسك نفسها):
ربنا كريم يا ماما، كله بأمره.

ساره (بنفاذ صبر): أقصد يا حبيبتي إن الجواز مش بس حب وشغل وهدوء،
فيه مسؤوليات تانية...
فيه بيت محتاج يسمع صوت طفل،
مش صوت المكنسة والغسالة.

حنين (تتنفس بعمق):
يا ماما، والله مش بإيدي...
إحنا جرّبنا كل حاجة، وربنا أعلم بحالنا.

سارة (تقعد وتبصلها بنظرة محسوبة):
عارفة يا حنين، أنا بحبك ... بس بخاف على ابني.
كل يوم بيكبر، والدنيا ما بترحمش.
لو كنتي بتحبيه فعلاً، فكّري فيه هو كمان…
(تصمت لحظة، وبنغمة غريبة بين العطف والتهديد)
الست الشاطرة يا بنتي، ساعات بتضحي علشان اللي بتحبه يعيش مبسوط.

حنين (بصوت مهزوز):
يعني أسيبه؟

سارة (بهدوء وهي تقوم):
أنا ماقولتش كده... بس أوقات التضحية مش بس بالبعد، التضحية كمان بالصمت، والأهم الانسحاب في الوقت الصح.
فكّري يا حنين، وربنا يرشدك للصح.

تخرج سارة من الشقة بخطوات هادئة، وتسيب وراها ريحة قهوة ووجع أكبر من أي كلام.
حنين وقفت مكانها، قلبها بيخبط بقوة… حسّت إن حماتها مش بس بتحاول تفرق بينهم،
دي بتزرع في قلبها فكرة الانسحاب كأنه "كرم أخلاق" .
_________

بعد مرور أسبوع خرجت حنين لتلتقي بصديقتها في النادي

حنين دخلت النادي، حاولت تاخد نفس عميق، تحس إنها محتاجة تهرب من صوت البيت وضغوط حماتها. جلست جنب صاحبتها على الكرسي، وعيونها لسه حمراء من البُكا.

حنين (بصوت مبحوح):
يا رشا… أنا تعبت… تعبت من كل حاجة.
حماتي مش سايبة ليا أي مجال، كل يوم كلامها بيقت.لني من جوه.
وأمير… حاسّة إني بظلمه وأنا معاه، بحبّه وبحاول أسانده، …

قاطعتها رشا (تمسك إيدها بحنية):
يا حنين، بصي… أنتِ لازم تبقي قوية.
ما تخليش كلام حد يأثر على حياتك مع أمير.
إنتوا الاتنين بتحبو بعض، وحياتكم أهم من أي مشاكل خارجية.

حنين (بحزن):
بس ساعات بحس إني لو فضلت معاه دا ظلم ليه، ما انا مستحيل استحمل اشوفه مع واحده تانيه… 

رشا (بابتسامة مطمئنة):
لا يا بنتي… الحل مش الانسحاب، الحل التجديد.
جوزك دا محتاجك تكوني سند ليه مش متأثرة بكلام أي حد.
سافروا مع بعض، اعملوا عمرة، أي حاجة تخرجكم من الضغط ده.
جددوا علاقتكم… خلي الحب يرجع يحكم حياتكم مش كلام الناس، واستغفري كتير، وثقي ان الفرج جاي

حنين (تتنفس بعمق وتبتسم شوية):
معاكِ حق… أنا فعلاً محتاجة أفكر صح…
مش هسيب ضغوط حماتي تفرق بيني وبين أمير، ربنا هيكرمني ان شاء الله 

رشا (بتضحك بخفة):
بالظبط! وصدقيني، لما تبقوا قريبين من بعض مش هيفرق معاكم كلام حد.

حنين حسّت بشعور خفيف بالراحة، لأول مرة بعد أيام من التوتر…
عارفة إن الطريق مش سهل، بس أول خطوة هي إنها تثق بنفسها وبحبها لأمير، ومتخليش أي حد يهدم اللي هما بنوه سوا.
_______

رجعت حنين من النادي، وكان في ملامح راحة بسيطة على وشّها، حتى وهي مرهقة.
دخلت البيت بهدوء، وبدأت تجهز الغدا…
بعد شوية، سمعت صوت المفتاح في الباب. دخل أمير، ملامحه شاحبة وتعبان، شنطته على كتفه، وعيونه غرقانة شرود.

حنين (بابتسامة هادئة وهي تقرّب منه):
أهلاً يا حبيبي، اتأخرت النهارده.

أمير (بنبرة واهنة):
آه… المناوبة طولت، وكان في حالة طارئة، ملحقتش حتى أكل.

حنين (تمدله كوب عصير):
اشرب يا حبيبي، كنت عايزة أكلمك في حاجة صغيرة كده، بس لما ترتاح.

أمير (يقعد على الكرسي ويزفر):
اتكلمي يا حنين، أنا سامعك، حصل إيه تاني.

حنين (بتحاول تحتفظ بهدوءها):
محصلش، انا بس كنت بفكر كده… نسافر سوا يومين، نغير جو، إيه رأيك نروح نعمل عمرة، وندعي ربنا هناك

يمكن نرجع مجبورين وبنضحك زي الأول، ننسى شوية تعب الشغل والضغط.

أمير (يمرر يده على وشه، صوته فيه تعب):
يا ريت والله، بس مش هينفع دلوقتي.
المستشفى مليانة ضغط، وناس كتير غايبة…
مش قادر أسيب الشغل اليومين دول، ولا حتى يوم واحد.

حنين (تحاول تخفي خيبتها):
ماشي يا أمير، أنا كنت بس بفكر نفصل شوية عن كل ده.

أمير (بهدوء جاف):
عارف يا حنين… بس فعلًا مش وقته. خلينا نأجلها لما الدنيا تهدى.

سكتت.

هو قام ودخل الحمّام ياخد شاور، والباب اتقفل ورا صوته، وسابها قاعدة قدام العصير اللي لسه ما شربهوش.

كانت بتسمع صوت الميه في الحمام، لكن اللي دوّى جواها كان صوته هو… البعيد، المرهق، اللي بقى حاضر بجسده بس.

جلست لوحدها، قلبها بيكلمها بصوت خافت:

هو زهق؟ ولا أنا اللي بقت حمل تقيل عليه؟"
"زمان كان بيضحك أول ما يشوفني، دلوقتي حتى الكلام بيخلص قبل ما يبدأ."

قامت تمشي ناحية الشباك، تبص على الشارع الفاضي، والليل ساكن…
الوجع مش صريخ ولا دموع، الوجع في الصمت اللي بين كلمتين، وفي المسافة اللي بتكبر كل يوم.
_______

في اليوم التالي، قررت حنين إنها تعمل الغداء بنفسها وتأخده لأمير في المستشفى كنوع من المفاجأة.
كانت حاسة إنها محتاجة تصالح الأيام اللي عدّت بينهم بلقمة حلوة، بابتسامة حنونة، وبكلمة "وحشتني" تتقال من غير ما تنطقها.

خلصت الأكل، لبست وطلعت من شقتها.
لكن وهي نازلة السلم، قابلت حماتها عند الباب.

سارة (بابتسامة مصطنعة):
رايحة فين يا حنين؟

حنين (بخجل خفيف): عاملَه الغدا لأمير وكنت رايحة أفاجئه بيه في المستشفى.

سارة (تهز راسها بإعجاب مصطنع): شاطرة وأروبه… ربنا يهدي الحال.
سلميلي عليه.

حنين (تبتسم بخجل):
أكيد يا ماما، تسلمي.

سارة تمشي، بس أول ما الباب يتقفل وراها، تمسك الموبايل وتتصل بحد.

سارة (بصوت واطي لكنه حاد):
كوثر… حنين رايحة لأمير دلوقتي المستشفى ودي فرصة ما تتعوضش.

اعملي اللي اتفقنا عليه بالظبط، وخليني أشوفها وهي بتجري من حياته.

كوثر (من الطرف التاني): ولا يهمك، سيبِ الباقي عليّا.

______

داخل المستشفى…
في غرفة الاستراحة كان أمير قاعد على الكنبة، باين عليه الإرهاق والشرود، إيده على راسه ووشّه غرقان تفكير.

وفجأة الباب يتفتح… تدخل كوثر بابتسامة مصطنعة.

كوثر: إيه دا؟! انت قاعد لوحدك ليه؟

أمير (من غير ما يرفع راسه): وقت الاستراحة، قاعد أرتاح شويّة قبل ما ادخل عمليات.

كوثر (تقعد جنبه بخفة):
مالك؟ شكلك مهموم وزهقان كده ليه؟

أمير (بنبرة فاترة): عادي… شوية ضغوط في الشغل.

كوثر (بصوت ناعم):طب ما كلنا مضغوطين في الشغل، أكيد في سبب تاني، ما تفتحلي قلبك؟ يمكن لما تفضفض ترتاح.

أمير (يحاول ينهى الحوار): أنا كويس، اطمني، يلا هروح أجهز الأدوات. 

كوثر (تضحك بخفة): استنى بس لسه شويه، هي حنين مش ناوية ترجع تشتغل معانا؟ أجازتها طولت.

أمير (بابتسامة صغيرة): هترجع قريب إن شاء الله.

كوثر ( بدهاء): فاكره أيام الجامعة؟ كنتوا أحلى قصة حب!
فاكر يوم ما جبتلها خاتم الخطوبة وفاجئتها؟

أمير (يبتسم وهو يسترجع الذكرى): عمري ما أنسى اليوم دا.
أول ما شوفتها قلبي دق، روحت كلمت أهلي على طول وخطبتها.
هي دايمًا مميزة، ماشية صح ومش بتحب الغلط، عايزني أهلي موجودين روح كلمهم. بتخطف القلب قبل العين.

كوثر (الغيرة تولع في عينيها):
بس للأسف معرفتش تجبلك أطفال… وانت بتظلم نفسك معاها.

أمير (بهدوء فيه حب): هي بنتي، وحبيبتي، وصاحبتي.
أنا بس عايزها تفهم دا، ومتتأثرش بأي كلام.

كوثر (تتنهد وتظهر التعاطف الزائف):
أنا بحب حنين والله، بتمنى ليكم الخير،
بس يمكن انت كمان بتظلمها، ما هي كمان من حقها تبقى أم.
 الدكاترة قالوا إن المشكله مشتركة بينكم، لكن في فرصة لكل واحد فيكم مع شريك تاني.

يعني الحل إن كل واحد يعيش حياته من جديد.
هتفضل عايش على أمل مش موجود لحد إمتى؟
وبعدين… هتختارها ولا تختار أمك؟
هي أهم من أمك؟ أمك اللي أفنت عمرها في تربيتك بعد وفاة والدك، انت ابنها الوحيد نفسها تطمن عليك
حنيت أنانية يا أمير و—

أمير (ينفعل ويقف بغضب):
كوثر، متدخليش في اللي ما يخصكيش!
ومش عارف إزاي كنت بفتحلك قلبي أصلًا، دا أنتِ دخلتي بيتها وحرفيًا في كل ظروفك كانت حنين شايلاكِ، حتى لما انفصلتي عن جوزك هي اللي وقفت جنبك، إزاي تتكلمي عليها كدا؟!
يلا يا مس، عندنا شغل.

كوثر (تمسك إيده فجأة، وتقرب منه بخطوة جريئة): استنى يا أمير… أنا بحبك!
ولو عايز نتجوز في السر… وخليها على ذمتك زي ما هي.

أمير (يتراجع بصدمة): إيه الهبل دا؟!

كوثر (تمثل إنها دايخة): إلحقني يا أمير… أنا حاسة إني هموّت!

يمسكها بسرعة علشان ما تقعش، لكنها تلف إيديها حوالين رقبته في لحظة خاطفة.

وفي نفس اللحظة…
يتفتح باب الغرفة — وتدخل حنين مبتسمة وهي شايلة الأكل اللي محضراه بكل حب.

لكن الابتسامة تتبدل لذهول.
كل اللي في إيدها يقع على الأرض، والصوت يملأ المكان، والدموع تسبق الكلام.
الوقت وقف، وكل الأصوات حوالين حنين اختفت… حتى نبضها خانها للحظة.

أمير (يرمي كوثر بعيد بغضب): حنين! دي كانت هتقع وأنا مسكتها!
حنين، متبصيش كده! دي تمثيلية سخيفة، والله ما في حاجة!

كوثر (تمثل التوتر وتخنق صوتها بالبكاء):
يا حنين، انتي جيتي في وقت غلط خالص، أنا معرفش هو عمل كده ليه! بس أكيد في سوء تفاهم

أمير (بصوت غاضب): أنا؟! إنتي مجنونة؟!
حنين تعالي نطلع نتكلم لوحدنا!

لكن حنين تهز راسها، والدموع مغرقاها، وتجري برا الغرفة، قدام كل طاقم المستشفى…

أمير يحاول يجري وراها،
بس صوت الطبيب بيناديه من بعيد:
" أمير، الحالة حرجة ومافيش بديل ليك… لازم تدخل العمليات فورًا!"

وقف لحظة، قلبه بيتقطع بين نداءين 
واحد من عمله، والتاني من حب عمره اللي بيتكسر قدام عينه.

رفع عينه للسقف وقال بصوت خافت:
"يا رب ما تخلينيش أخسرها بسبب كذبة!"

ودخل غرفة العمليات…
لكن جوّاه كان بيموت ألف مرة.

_______

كانت حنين ماشية في الشارع كأنها خرجت من الحلم واترمت فجأة في كابوس.
الهواء بيضرب في وشها، بس هي مش حاساه.
خطواتها متخبطة، مش عارفة بتروح فين، ولا عايزة تروح فين أصلًا.
الناس حواليها بتتحرك عادي، عربيات، ضحك، أصوات…لكن جوّاها، كل حاجة مات.ت.

كانت دموعها بتنزل بهدوء موجع…
زي مطر خفيف بيغسل وشّها من غير ما يخفف الوجع اللي جواها.

كل صوت بيرن في ودانها، صوت أمه، صوت كوثر، وصوت أمير وهو بيحلف إنها غلطانة…
بس الصورة اللي شافتها كانت أقوى من أي قسم، والوجع فيها خنقها لدرجة إنها حسّت إنها ممكن تضيع للأبد.

الشارع كله حواليها بقى ضباب، الضوء بعيد كأنه يضحك عليها… كل خطوة كانت أثقل من اللي قبلها..

مشيت ومفيش في إيديها غير وجعها، وشنطتها الصغيرة اللي تقلت فجأة كأنها شايلة كل الحكاية اللي خلصت وأحلامها اللي اتكسرت.
كانت بتحاول تلهث، تتنفس، بس كأن الهوا نفسه مش راضي يدخل صدرها.
تتلفّت يمين وشمال كأنها بتدور على مكان ترتاح فيه…
بس الحقيقة إنها كانت بتدور على نفسها اللي ضاعت في لحظة.

"ثمة وجع لا يُروى، صمتٌ ثقيل يملأ الروح، كأنك تحمل داخلك مدينةً من الذكريات المنهارة، وتخاف أن تخطو فوق أطلالها، حتى لا تسمع صوت قلبك وهو ينكسر من جديد."


 

تعليقات