رواية لما قابلتك كامله جميع الفصول بقلم نوري
•اصحوا يا بنات كل دة نوم
: سيبينا شوية يا ماما
• اسيبكم اية دة الضهر أذن خلاص، مش قولتلكم كذا مرة متسهروش اوي كدة
° ما احنا مكنش ورانا حاجة بقا ف قولنا نسهر شوية
• طب يلا اغسلوا وشكم وصلوا و اسبقوني على المطبخ عقبال ما اصحي ليلى
كنت نايمة لكن سامعة كل الكلام وحاسة بالنور اللي دخل من الشباك، قربت مني وحسيت بأيدها بتمسح على شعري بحنية زي كل يوم، وزي ما ماما كانت بتعمل معايا
• ليلى، اصحي يا حبيبتي يلا
فتحت عيني بشويش وانا ببصلها وببتسم
_ صباح الخير يا مرات عمي
• صباح النور يا عيوني، يلا فوقي كدة وقومي اتوضي وصلي الضهر
_ حاضر
خرجت وفضلت انا قاعدة مكاني، مكنتش اتخيل اني ممكن في يوم اجي اعيش في بيت عمي، كنت بترعب منه جداً زمان لأنه شخص صارم بطبعه والكل بيعمله الف حساب حتى بابا، لكن اللي حصل إن بابا وماما انفصلوا من سنين، من لما كنت في إعدادي، المشاكل بينهم كانت بتزيد يوم عن التاني وصوتهم وصريخهم كان بيرن في وداني كل ليلة، لكن كنت راضية طول ما أنا في وسطهم، بس اللي حصل إنهم مستحملوش يكملوا مع بعض اكتر من كدة وانفصلوا، بابا سافر برا مصر واشتغل هناك .. وماما اتجوزت، خدتني اعيش معاها لكن أنا مكنتش حابة ومقدرتش اتأقلم على الوضع الجديد، خصوصاً أنها كانت مشغولة عني بحياتها الجديدة رغم أننا في بيت واحد، عمي اول ما عرف جيه البيت وصمم أنه ياخدني منها، مكنتش قادرة اعترض بسبب خوفي منه، وماما معترضتش وكأنها ما صدقت، حضرت شنطتي ولميت كل حاجتي وروحت معاه على بيته، كنت مرعوبة منه ومش عايزة اعيش معاه في بيت واحد، اكيد بيته كئيب وساكت دايماً بسبب عصبيته وجموده، لكن اللي حصل مكنتش أتوقعه خالص، أول ما دخلت لقيت بنات عمي شهد وسلمى،
جريوا عليا وحضنوني جامد وهما مبسوطين بوجودي معاهم، شوفتهم كتير في المناسبات العائلية لكن مكناش بنتكلم سوا كتير، خدوني من ايدي وفضلوا يوروني كل ركن في الشقة والزينة والبلالين اللي معلقينها في كل حتة عشان أنا جاية، كانو فرحانين جدا ومتحمسين بطريقة رهيبة متوقعتهاش أبداً
: تعالي شوفي اوضتنا، بصي حلوة ازاي، هي صغيرة شوية بس هتاخدنا احنا التلاتة، انا وسلمى قررنا ننام على سرير واحد وانتي على السرير التاني عشان تكوني براحتك، وبصي .. بابا جابلك دولاب ليكي لوحدك عشان تحطي فيه حاجتك كلها، ودة المكتب اللي هنذاكر عليه، ودي البلكونة، بصي مليانة زرع ازاي
سمعت صوت عمي بيضحك من ورايا وهو بيدخل الأوضة
• براحة عليها يا شهد، سيبيها ترتاح وتاكل وبعد كدة وريها كل حاجة براحتك
قرب عليا وضمني ليه وهو بيطبطب عليا بحنية
• نورتي بيتك يا حبيبة عمك
كنت بحاول استوعب كل اللي حصل من اول ما دخلت البيت، البيت جميل، دافي وهادي لكن كله لعب وضحك وشقاوة من شهد وسلمى، مطلعش كئيب ولا بيخوف زي ما كنت فاكرة، وعمو كمان، شكله هيطلع حنين ولا اية؟
جت طنط كوثر مراته ورحبت بيا بفرحة وحماس اكتر منهم ومكنتش عايزة تحرجني من حضنها أبداً، لكن بعدها كلهم خرجوا وسابوني اغير هدومي عقبال ما يحضروا الغدا، خرجت بعدها وشوفت منظر جميل .. جميل اوي، عمو كان واقف مع شهد بيحضر معاها السفرة، كانت تجيب الاطباق والمعالق وهو يرصها قدام كرسي كل واحد، وكمان كان بيروح يجيب باقي الاصناف من المطبخ معاهم ويحطها، يظهر اني كنت واخدة عنه فكرة غلط تماماً، أنه قاسي وصارم وعصبي شخص جامد مش حنين على حد ولا على أهل بيته، لكن المفاجأة إنه طلع العكس تماماً، طلع إنسان طيب، بيهزر وبيضحك معاهم، وبيساعد في كل حاجة كأنه واحد منهم مش الأب اللي الكل بيهابه. كنت واقفة بتفرج عليهم ومش مصدقة إن دا نفس عمي اللي كنت بترعب منه زمان، ابتسمت غصب عني وأنا شايفة الضحكة اللي على وشه فيها حنية ودفا
لف ناحيتي أول ما شافني واقفة وسألني بابتسامة خفيفة
• خلصتي يا حبيبتي؟ تعالي اقعدي، الأكل جاهز
قعدت على السفرة قدامه، وكانوا كلهم بيضحكوا ويتكلموا وأنا بس سامعاهم وبراقب التفاعل بينهم، شهد بتحكيله حاجة حصلت في المدرسة، وهو بيرد عليها بلُطف واهتمام، وسلمى قاعدة على رجله وعمال تلعب وتضحك معاه، كنت حاسة بحاجة غريبة جوايا، راحة يمكن، أو أمان نسيت شكله
بعد الغدا حبيت اساعد طنط كوثر في المطبخ، لكنها رفضت وأصرت اني معملش حاجة
• سيبي المواعين عليا، روحي اقعدي معاهم شوية، أكيد تعبتي من الطريق
خرجت لقيت عمي قاعد في الصالة بيقرا جريدة، رفع عينه من عليها وقال
• شكلك مرهقة اوي، ادخلي مع البنات جوا وارتاحي، ولو محتاجة حاجة قوليلي متتكسفيش
هزّيت راسي وقلت بخجل
_ شكراً يا عمو
ابتسم وقال بهدوء
• قولي يا بابا زيهم، مفيش فرق
الكلمة دي خبطت في قلبي خبط، معرفش ليه، لكن يمكن عشان فاجأني وطلبها، أو يمكن عشان حسيت إني مش هشوف بابا تاني واقوله الكلمة دي، سكت ومردتش، بس جوايا كان في دفء غريب بيكبر كل دقيقة، وراحة بتمنى أنها متضيعش مني أبداً
مرت الأيام والسنين، وكبرت، اتغيرت حاجات كتير في حياتي، زي إن بابا وماما نسيونس تماماً ومبقوش يسألوا عني، لكن أكتر حاجة فضلت ثابتة هي إن عمي عمره ما حرمني من حاجة، بالعكس، كان دايمًا سندي في كل خطوة
من أول يوم دخلت فيه بيته، كان شايف فيا بنته مش بنت أخوه، اهتم بتعليمي زي شهد وسلمى، وكان بيقول دايمًا إن التعليم هو السلاح اللي مش هيسمح لحد ياخده مني، لما جت مرحلة الثانوية، ساب لي حرية الاختيار وقالي
•اختاري اللي بتحبيه يا ليلى، طالما هتكوني راضية عن نفسك
وكملت، ودخلت الكلية، عمري ما سمعت منه كلمة "لأ" إلا لو كان خايف عليا، كان بيشجعني أخرج، أتعلم، أقرأ، أجرب، وأغلط وأتعلم من غلطتي، كبرت وأنا حاسة إن عندي أب تاني، أشد حنية من أبويا الحقيقي، وفي يوم التخرج، وهو بيبصلي بعين مليانة فخر، حسيت إن كل تعب السنين راح، وإن وجوده في حياتي كان أعظم نعمة ممكن تتحقق لي
بعدها قعدت في البيت انا وشهد، هي اكبر مني بسنتين، اتخرجت واشتغلت فترة صغيرة وبعدها قعدت في البيت، عمو مكنش حابب يخلينا نشتغل لأنه كان خايف علينا وشايف إن طالما مش مقصر معانا يبقى ملوش لازمة الشغل، ودي كانت الحاجة الوحيدة اللي أصر عليها ورفض فيها النقاش، لكن احنا عشان عارفين أنه بيحبنا وخايف علينا محبناش نزعله ونفتح الموضوع تاني
فوقت من شرودي على صوت مرات عمي وهي بتنده عليا، قومت من مكاني بسرعة ودخلت اتوضيت وصليت الضهر وخرجت، ظبطنا كلنا الفطار سوا وقعدنا نفطر وبعدها كل واحدة مسكت ركن في الشقة تنضفه وترتبه
•يا بنات، حد يطلع بصينية البشاميل دي لخالتكم
:مش انا
° ولا انا
• خلاص طلعيها انتي يا ليلى
_ حاضر يا مرات عمي
• شوفتوا مبتتعبنيش ازاي، اتعلموا منها شوية
: ما أنا طلعتلها الاسبوع اللي فات ساعة الايجار
• لا كتر خيرك
_ هقولها اية طيب
• قوليلها إن الامبوبة خلصت عندنا وخليها تحطها في الفرن
_ حاضر
سابتني ودخلت المطبخ، جيت أشيل الصينية لقيت الاتنين جريوا وبقوا حواليا
: حاضر يا مرات عمي نينينيني
° ما طبعاً لازم تقول حاضر ما هي هتشوف حبيب القلب فوق
_ بس لحسن مرات عمي تسمعكم وساعتها هتبهدلنا كلنا
° انا مالي انا معرفش حاجة
_ اة يا ندلة
: سيبك منها، ركزي معايا، لو لقيتيه فوق حاولي تتلحلحي في الكلام معاه
_ ازاي يعني
° يعني اتدلعي عليه، اية مبتعرفيش تدلعي
_ اية اللي بتقوليه دة لا طبعاً
: قولتلك سيبك منها وركزي معايا، حاولي تفتحي معاه كلام
_ عن اية
: عن اي حاجة يا ستي ما انتي مصدعانا هنا، اقولك .. اسأليه عن حال الورشة بتاعته
_ وافرضي قالي انتي مالك
: مستحيل يقولك كدة، اسأليه انتي بس وشوفي رده هيكون اية
_ حاضر، بس يعني اقوله اية
° يختاااااااي
: انتي يا بت هتفضلي لبخة كدة لحد امتى
_ لا انا..
• انتي لسة مطلعتيش، موقفينها ليه ابوكم هيضايق لو ملقاش الأكل جاهز، يلا يا ليلى
_ طالعة اهو
اخدت الصينية وطلعت الدور اللي فوقينا، وقفت قدام شقتهم وانا باخد نفس وبخرجه تاني براحة عشان متوترش، رنيت الجرس وبعد ثواني الباب اتفتح
: ليلى، تعالي يا حبيبتي اتفضلي
_ اذيك يا طنط عاملة اية
: الحمد لله بخير
_ مرات عمي بتقولك معلش حطيلنا الصنية دي عندك في الفرن عشان الامبوبة خلصت
: عيني يا حبيبتي، تعالي ادخلي
دخلت وراها المطبخ وانا بدور بعيني عليه في كل حتة لكن ملقتوش ف ارتحت شوية، البنات فاكرين اني وافقت اطلع عشان اشوفه، ميعرفوش اني برتبك في حضوره ف بتجنب اكون معاه في مكان واحد بالرغم من طلته اللي بحس انها بترجعلي الحياة من تاني، حطيت الصنية في الفرن وقعدت معاها على ترابيزة المطبخ
: عملتلك كوباية شاي إنما اية
_ تسلم ايدك يا طنط، تعبتك معايا
: اية طنط دي مش قولنا تقولي خالتو، انتي لسة مخدتيش عليا بعد كل السنين دي ولا اية
_ لا والله انا بس بخاف لحسن حضرتك تضايقي
: اوعي تقولي كدة ازعل منك، انتي عندي زي شهد وسلمى بالظبط، انتو التلاتة بناتي
_ تسلميلي يا طنط..
: وبعدين
ضحكت على ملامحها وهي بتمثل النرفزة
_ حاضر يا خالتو
: ايوا كدة جدعة، استني هفتح الباب تلاقيها كوثر طلعت
طنط حياه تبقى خالة شهد وسلمى، جت من سنتين أجرت الشقة دي هي وابنها الوحيد بعد ما صاحب العمارة القديمة مرضيش يجدد ليهم تاني وبدون سبب، عمو اتوسطلهم عند صاحب العمارة دي وأجر لها الشقة ومن ساعتها وهي قاعدة معانا هي وابنها
* اذيك يا ليلى
رفعت عيني بسرعة ابص لمصدر الصوت ولقيته قدامي، واقف بهيبته المعتادة اللي سرقت قلبي من اول مرة شوفته فيها، بيبصلي بعيون مليانة دفا وبأبتسامة بسيطة لكنها جميلة
_ سيف؟ الحمد لله، انت .. انت عامل اية
* الحمد لله بخير، مصدقتش لما ماما قالتلي انك هنا
_ ليه
* اصلك مش بتطلعي كتير
_ اة ما أنا .. أنا طالعة بسوي بشاميل عند خالتو
* خالتو؟ خالتو مين
: انا يا ولا، ليلى حبيبة قلبي بقت تقولي خالتو خلاص
* طب حلو دة، تطور هايل
_ اة، طب يا خالتو انا هنزل ولما تخلص نادي عليا
: طب ما تقعدي شوية
_ معلش اصل انا كنت بعمل حاجة تحت، عن اذنكم
نزلت اجري وانا باخد نفسي بسرعة، دخلت الأوضة وانا قلبي بيدق جامد ومش مركزة مع حد، شوية ودخلت شهد قعدت جمبي
: مالك، وشك اصفر كدة ليه
مردتش عليها
: انتي شوفتيه؟ يبقى شوفتيه طالما مبلمة كدة
_ كان جميل، جميل اوي، ياربي بجد طلته بتخطفني
: يخربيتك دة انتي واقعة في حبه من الدور العشرين
_ وقعت ومحدش سمى عليا والله
: ولما انتي كدة مش بتديله فرصة يكلمك ليه
_ لا انا بتكسف يا شهد
: هتفضلي طول عمرك مكسوفة لحد ما يروح لواحدة تانية
_ واحدة تانية؟
: اة، مهو لو ملقاش منك رجا هيفتكر انك مش عايزاه
_ تفتكري
: جدا كمان
_ طب اعمل اية
: اسمعي كلامي واتعاملي معاه طبيعي، بس لما ييجي يكلمك خدي وادي معاه متهربيش
_ مبقدرش، بحس اني مكشوفة قدامه
: طب ما هو كمان مكشوف قدامك
_ عارفة، بس هو مبيتكلمش وانا معرفش هو نيته اية
: اضمنلك نيته، لكن هو برضو لازم يلاقي منك رد فعل
_ مش عارفة بقا
قطع كلامنا رنة تليفوني بأسم روان جارتنا
: انتي لسة بتكلمي البت دي
_ يا شهد انا مش عارفة انتي مش بتحبيها ليه
: مش برتاح ليها يا ليلى، وقولتلك الكلام دة كذا مرة ونصحتك، بس انتي براحتك
خرجت وسابتني وسط أفكاري وحيرتي، تليفوني رن تاني ف رديت
: اية يا بنتي فينك كل دة
_ معلش كنت بعمل حاجة، عاملة اية
: الحمد لله، بتعملي اية
_ مفيش بس بروق
: طب بقولك اية، ما تسيبي الترويق وتعالي ننزل نجيب حاجة من على اول الشارع
_ لا مش هينفع مرات عمي مش هترضى تنزلني
: انزلي من وراها، أو قوليلها اني تعبانة وهتيجي تشوفيني
_ روان انا كذا مرة اقولك مش هكدب عليهم مهما حصل، انا مبعملش حاجة غلط عشان اخبيها
: خلاص يا ستي من غير عصبية، انا كنت هفسحك مش اكتر، عموماً لما تخلصي ابقى كلميني، سلام
قفلت معاها و وقفت شوية في الشباك بفكر في كلام شهد، كنت ببص من ورا الشيش عشان العمارة اللي قدامنا، عيني جت على ورشته اللي تحت، بصيت عليها لقيته قاعد وحواليه شباب ورجالة كتير وشكلهم بيتكلموا في موضوع مهم، رغم صغر سنه وإنه مش بقاله كتير في المنطقة إلا أنه بأخلاقه وأمانته خلى الكبير والصغير يحترمه و بقوا يطلبوا منه يحكم بينهم في اي مشكلة أو خلاف، كنت بتأمله من غير ما أحس، كل حركة ليه كانت فيها هدوء وثقة غريبة، بيكلم الناس حوالينه بنبرة فيها احترام وحنية، لا بيعلي صوته ولا بيتعامل بتكبر، ومع ذلك الكل بيسمعله وبيقدره، حتى الراجل الكبير اللي كان واقف قدامه كان بيتكلم معاه كأنه بيسمع لحد من سنه بالضبط
ابتسمت وأنا شايفة المشهد ده، معرفش ليه حسيت براحة، يمكن عشان وجود حد زيه حوالينا يطمن، أو يمكن عشان شكله كده من النوع اللي بيتسند عليه في وقت الشدة، انا عارفة إن شهد معاها حق وإن في مشاعر جواه ناحيتي، لكن هو متكلمش لحد دلوقتي، مصرحش، وانا اخاف اتعلق بيه واوهم نفسي وفي الاخر اقع على جدور رقبتي، في كل مرة بيستغلها عشان يقعد معايا ولا يكلمني ببقى عارفة هو بيعمل كدة ليه، لكن أنا مش عارفة ليه بتكسف وبهرب منه، بحس اني مش عارفة أواجه مشاعره دي رغم اني حباها، ويمكن دي النقطة اللي مخلية كل واحد فينا بعيد عن التاني
فجأة وأنا ببص عليه رفع عينه ناحية الشباك، كأنه حس بيا، اتوترت بسرعة وشديت الشيش لما عينينا اتقابلت سوا، قلبي بدأ يدق جامد، هو شافني؟ طب حتى لو شافني، عادي يعني، أنا كنت ببص من بعيد بس
قعدت على طرف السرير بحاول أهدى، بس جوايا كان في إحساس واضح جدًا، إعجاب، حقيقي ومش بقدر أنكره، يمكن عشان هو مختلف، يمكن عشان طيبته باينة حتى من بعيد، أو يمكن عشان عينيه فيها حاجة .. حاجة خلتني أحس إن قلبي لقى حد يفهم لغته من غير كلام
" ابتديت دلوقتي بس أحب عمري، وأحب النور، وأحب اليوم اللي فيه عمري"
كنت قاعدة في البلكونة بسمع ام كلثوم على تليفوني وفي أيدي كوباية شاي بالنعناع حكاية من ايد طنط حياه، عيني على السما بتأمل القمر وجماله وهو مكتمل ومنور، قاعدة رايقة لذيذة مش ناقصها غير وجوده والله
* اية الروقان دة كله
اتخضيت ولفيت ابص ورايا بسرعة
* انا اسف جدا، مكنتش اعرف انك هتتخضي اوي كدة
_ ولا يهمك، انا بس عشان قاعدة لوحدي
* مش قاعدة معاهم جوا ليه
_ عادي، قولت اقعد شوية لحالي اتفرج على القمر
* طب تحبي اقوم
_ لا خليك
ابتسم وانا اتكسفت ف بصيت لكوباية الشاي اللي في أيدي
* جميلة اوي
بصيتله بأستغراب
_ هي اية
• كوباية الشاي، حياه عليها كوباية شاي حكاية
شرب منها وهو بيبتسم، فهمت قصده ف اتكسفت اكتر ومردتش
* هتفضلي ساكتة
_ ورشتك عاملة اية
* الحمد لله، كله ماشي تمام
_ الحمد لله، ممكن اسألك سؤال
* ياريت
_ ليه فتحت ورشة ميكانيكا
* عشان أنا طول عمري بحب العربيات جدا
_ طب ما كنت دخلت كلية هندسة
* كنت ناوي، بس ظروفي وقتها ماسمحتش
_ ظروف إيه؟
* والدي توفى بدري، ولسه كنت في تالتة ثانوي، اضطريت أسيب الدراسة وأقف في الورشة القديمة بتاعت خالي عشان أساعد ماما
_ الله يرحمه، أكيد كان نفسك تكمل
* طبعًا، بس بصراحة؟ عمري ما ندمت، الورشة دي مش مجرد شغل ليا، دي جزء مني، بحب كل تفصيلة فيها، بحب أصلح وأرجع الحاجة المكسورة تمشي تاني
_ يعني بتحب تشوف الحاجات بتتعافى على إيدك؟
* بالضبط، يمكن عشان كده بحس إن الميكانيكا مش شغل بهدلة ولا شحم زي ما الناس فاكرة، دي فيها روح، كل عربية ليها طبعها، ولو عرفتي تسمعيها، هتعرفي إيه مشكلتها
_ غريبة، عمري ما فكرت كده
* انتي بس شوفيها بعين مختلفة، هتعرفي إن كل حاجة حوالينا بتتكلم لو عرفنا نسمعها
فضلت ببصله وأنا مشغولة في ملامحه من غير ما أحس، طريقته في الكلام، هدوءه، وثقته، كلها حاجات مريحة بطريقة غريبة، كان بيتكلم وأنا حاسة إن كل كلمة خارجة منه بتلمس فيا حتة كنت ناسية إنها موجودة
سكت شوية وبصلي بنظرة طويلة، وبعدين قال بابتسامة خفيفة
* بتبصيلي كده ليه
اتلخبطت حاولت أضحك وأخبي ارتباكي
_ مفيش، سرحت شوية بس
*فيا؟
ضحكته كانت فيها دفء، لكن نظرته كانت أعمق من أي هزار
_ لا طبعًا
* طيب لو كنتي سرحانة فيا ما تخافيش، أنا كمان مش ببطل أفكر فيكي.
الكلمة خرجت منه ببساطة، بس قلبي دق جامد من كتر جمالها، بصيت له وانا مش مصدقة، كمل وهو محافظ على هدوءه وقال
* يمكن مش وقت الكلام، بس أنتي بالنسبالي بقيتي حاجة مهمة في يومي، بحب اشوفك على طول، حتى لو مش هتكلميني، كفاية عليا بس تكوني قصاد عيني، بقيتي حاجة صعب تتوصف يا ليلى
سكت بعد اللي قاله لكنه كان بيبتسملي، وأنا مكنتش قادرة أرد، كل اللي قدرت أعمله إني أبص بعيد وأبتسم انا كمان، ابتسامة صغيرة جدًا، لكنها فضحت كل اللي كنت مخبياه من زمان
"رجعولي ليالي زمان، من بعد ما كان الهجر والنسيان،
ورجعولي الحب، والحب كان غايب عني زمان"
