رواية شمس الحرام الفصل الثاني 2 بقلم آيه طه



 رواية شمس الحرام الفصل الثاني بقلم آيه طه 



العمدة فضل واقف مكانه، عينه على ضهر كريم وهو ماشي بالبنت، وصوته مكتوم من الغليان. 


العمدة مسك عصبيته بالعافية وقال بصوت تقيل: هاتولي شيخ البلد… وهتولي المأذون… اللي حوصول ديه مش هيعدي اكديه.


سلمى كانت ماشية جنب كريم، مش قادرة تستوعب إزاي الدنيا قلبت كده في ثواني.

دموعها نشفت من الصدمة، وصوتها مبحوح من كتر الصريخ، وكل شوية تبص وراها كأنها لسه خايفة حد يخطفها.


قبل ما يركبو، وقفت فجأة وقالت بصوت مكسور: استنى… حسن.!!!! 


كريم بص في عينيها وقال بهدوء : جثته مش هتتهان… أنا هتصرف فيها بنفسي.... متقلقيش.. 


هي سكتت وركبت، ودمها بيغلي من القهر والخوف والحزن والضياع في وقت واحد.


سلمى صوتها خرج متقطع: هو قتله قدام عينينا وماحدش اتكلم… ولا حتى حسن كان ليه حد يدفنه.


كريم رد وهو سايق من غير ما يبص عليها بصوت أخف: جوزك مات راجل.... وهيتكرم فى دفنته متقلقيش واصل.... 


الجملة دي جرحت قلبها بس ريحته في نفس اللحظة.


سلمى دمعت من تاني وقالت بنبرة هشة:

وأنا؟.. أنا هاروح فين؟


كريم قال من غير تفكير: عندي.


هي بصت له بصدمة وقلق ونبرة شبه دفاع: واه واه عندك كيف يعني؟!.. أنا ست غريبة!


رد بثبات: أغرب من إنها تتباع بعد جوزها بساعات؟ ولا تدفن وهي عايشة؟


كريم وقف العربية قدام داره الكبير، اللي بعيد عن بيت العمدة، ودخل معاها وهو شايف رعشتها وارتباكها.

أول ما دخلوا الصالة، قابلتهم خضرة، الست الكبيرة اللي بتشرف على البيت،


كريم بص لها بنبرة حاسمة:

داي سلمى تحت حمايتي من دلوك… والغلط معاها مش مسموح من أي حد.


سلمى وقفت في نص الصالة، جسمها لسه بيرتعش،


خضرة قالت بتحفظ وهي بصة لها من فوق لتحت: أدخلي يا بنتي ارتاحي… وشوفي هنوديكي أنهي أوضة.


كريم قال بنبرة قاطعة: تدخل أوضة أمي القديمة… ماحدش يقرب منها ولا يسألها في كلمة.


خضرة هزت راسها ونادت وحدة من البنات اللي بيشتغلوا في البيت: يا زينب، وديها الأوضة اللي فوق ، وافتحلها الدولاب ونضفهولها.


سلمى وهي بتتحرك على استحياء سألت بصوت واطي: وأنت… هتعمل إيه؟


رد من غير ما يبص ناحيتها: هشيل جثة جوزك… وأجهزله دفنة تليق بيه.


الكلمة قطعت في قلبها مرتين: مرة علشان حسن مات، ومرة علشان حد أخيرا افتكر إنه بني آدم.


زينب فتحتلها باب الأوضة… سلمى قعدت على طرف السرير،وشها شاحب وتعبان. كل ما تفتكر مشهد قتل حسن تتنفض فجأة كأن الطلقة لسه بتدوي في ودنها.


زينب قالت لها بهدوء: تحبي أجيبلك هدوم نظيفة أو مايه دافية؟


سلمى هزت راسها بالنفي من غير صوت، وبصت في الأرض كأن روحها اتسحبت.


البنت خرجت وسابتها.


من بعيد سمعت خطوات كريم في الصالة وصوت الباب وهو يتفتح بقوة… واضح إنه خارج لوحده.البيت كله حس بحاجة اتغيرت


 في نفس الوقت عند العمدة… كان قاعد على المصطبة قدام الدار ووشه مقفول، رجالته حواليه،


العمدة بنبرة حادة:

اللي ياخد مني حاجة… هرجعها منه بالدم. البت دي هترجع اهنيه… سواء على إيديه ولا على نعشه.


شيخ البلد قال بحذر: الراجل ديه مش زي غيره… ديه كريم ابن الحاج فايد، معروف في المركز وليه كلمة.


العمدة بصله بنظرة مسمومة: كلمته هتتقطع زي ما هتتقطع رقبته لو لعب معايا.


واحد من رجالته سأل: وهنعمل إيه دلوق؟


العمدة تنهد وقال: البت هترجع… مش النهارده، لكن هترجع. هو فاكر إنه اخدها؟ لاه… ديه استعارها مؤقتا.


الليل نزل على البلد، الهوى بارد والطرقات ساكتة. 

كريم رجع من غير صوت، هدومه عليها تراب، قبل ما يطلع فوق، قابلته خضرة وقالت بخوف لأول مرة: هو العمدة هيسكت؟


بص لها : لو مد إيده… هقصها.


ومشي.


سلمى كانت نايمة وهي قاعدة، ضهرها للحايط، دموعها نشفت بس ملامحها متشنجة.


كريم وقف عند باب الأوضة… ما دخلش، ولا خبط، بس صوته وصلها هادي وغريب: بكرة هندفنه… وبعدها نشوف هنمشي الدنيا إزاي.


هي فتحت عينيها وبصت له بخوف: أنا مش جاية على حسك… ولا طالبة حماية.بس ساعدنى اطلع من الكفر ويبقى كتر خيرك على اكديه.. 


هو رد من غير انفعال: ولا أنا منيت عليكي بحاجة… بس اللي تحت سقفي ماحدش يمد إيده عليه. يلا نامي دلوك… وانسي العمدة الليلة.


وسابها وقفل الباب من بره… مش قفل خوف، قفل ستر.


الفجر كان لسه ما بانش والشمس مش طالعة، بس البيت صاحي.


خضرة وقفت على باب أوضة سلمى تخبط خفيف: يا بنتي… أصحي، الباشا قال نجهز عالكفن.


سلمى صحيت كأنها ما نامتش أصلا، وشها منفرغ، وعيونها مورمة من البكا اللي ماكانش له صوت.


نزلت ورا خضرة، ووقفت في الصالة، شافت كريم واقف جنب باب البيت لابس جلابية سودة. على الأرض قدامه كفن أبيض.


سلمى أول ما شافت هدوم جوزها، ركبتها تخاذلت، وكتمت صرخة في قلبها.


كريم قال من غير ما يرفع عينه: هتغسليه إنتي ولا أجيب حرمة تغسله؟


الكلمة نزلت عليها زي طعنة، لكن ردت بصوت متحشرج: أنا… أنا أغسله.


خضرة أخدتها للأوضة اللي جهزوها، والستات دخلوا يساعدوها.


الستات سكتين. كل واحدة بتعمل اللي عليها من غير كلمة.


سلمى وهي بتغسل حسن كانت إيديها بتتهز، وكل شوية دمعة تقع من غير ما تتنهد حتى.


زينب همست: يا ريت لو كان أهله شافوه قبل ما يموت.


سلمى ردت من غير ما تبص: مالوش حد غيري.


الجملة دي سكتت الكل.


 في الساحة برة كريم وقف قدام نعش حسن اللي ملفوف في الكفن الأبيض، وحواليه اتنين من رجالته بس… مافيش حد من البلد.


 كريم قال لرجالته: يلا على مدافن العيلة… مش في الحفرة اللي العمدة كان مجاهزها.


واحد سأل بصوت خفيف: وهو ليه هناك مدفن؟ ديه ماكانش من العيلة.


كريم قال ببرود : يدفن جنب اللي ماتوا بكرامة… مش جنب اللي بيبعوا الناس بالفلوس.


🔹 عند العمدة واحد من عساكر العمدة دخل وهو ملهوف: يا حضرة العمدة … الجنازة خرجت من غير إذنك ولا إذن شيخ البلد ، والباشا كريم خدها للمدافن بتاعته!


العمدة كان قاعد على المصطبة وعينيه محمرة من السهر والغليان، قام واقف وقال بصوت يشق السما: غلطان… ديه خدها لحتته؟ أنا اللي هاروح له لحد بابه.


شيخ البلد حاول يهديه: استنى لما نشوف هنتصرف إزاي.


العمدة رد بغل: أنا ما بستناش… أنا بنفذ على طول 


 بعد الدفن أول ما وصلوا باب البيت… لقوا رجل غريب واقف قدامه، جلابيته غامقة ونبرة صوته فيها سم.


قال وهو بيبص على كريم: العمدة رايدك… دلوق.


كريم رد من غير ما يتهز: واللي رايدنى ييجي برجليه مش يبعتلي مراسيل.


الراجل قال بجفاء: قال لك لو ما جيتش… هو اللي هيجي، ومعاه اللي ميعجبكش.


كريم لف وشه ناحيته وبصله بنظرة مميته: قوله كريم ما بيناديهوش حد… ولو فكر يزورني، ييجي بكفنه.


الراجل اتراجع خطوة من غير ما يقصد… وبص للسلمى بعيون طمع.


كريم لمح النظرة… ومد إيده وقفل الباب في وشه.


 كريم لسلمى: اللي جاي مش سهل… ولا قصير.


سلمى ردت بصوت مبحوح: أنا خلاص مالياش عمر أخاف عليه.


قال بهدوء ثابت: من النهارده… عمرك عليا.وامانك وحمايتك كمان...

الفصل الثالث من هنا

تعليقات