رواية قتل مشروع الفصل الثاني 2 بقلم محمود الأمين

  

رواية قتل مشروع الفصل الثاني بقلم محمود الأمين


كان قدامي جدي الله يرحمه، كان ماسك في إيده كوباية ميه. صرخت ورجعت لورا،
 ما كنتش مصدق اللي بشوفه، كنت حاسس إني في كابوس، ولقيت باب الأوضة بيتفتح بسرعة، والدكتور والممرضين داخلين عليا الأوضة بسرعة. كنت عمال أتكلم وأقول:
_ أنا جدي مات من 10 سنين، بس كان واقف قدامي دلوقتي!
..
طبعًا الكلام كان غير منطقي، وده اللي خلى الدكتور يتأكد إن الحادثة أثرت عليا. إدوني حقنة مهدئة ونمت وأنا حاسس إن دماغي هتنفجر.
= معلش ثواني يا طاهر، يعني إنت عايز تفهمني إنك كنت بتشوف أموات في المستشفى؟
_ مش في المستشفى بس، بعد كام يوم خرجت من المستشفى، والدكتور اللي كان بيتابع حالتي اتكلم مع عمي توفيق وطلب منه إني لازم أتعرض على طبيب نفسي في أسرع وقت، لأن بعد الفحص والأشعة اللي اتعملت ما كانش عندي حاجة عضوية، والدكتور رجّح إنها تكون حالة نفسية.
...
رجعت على البيت كنت مش شايف قدامي، حاسس إن راسي تقيلة وتعبان. دخلت أوضتي عشان أنام، وأول ما غمضت عينيّا سمعت صوت أنا عارفه كويس، كنت دايمًا بسمعه لما بنروح ندفن حد من قرايبنا.. صوت الشيخ.
فتحت عينيّا بسرعة، لقيت نفسي متكفّن نايم على رمل، في أكفان بيضا محاوطاني. ما كنتش عارف إيه اللي بيحصلي بالظبط، كنت عاوز أصرخ بس صوتي ما كانش طالع.
قمت من النوم وأنا بصرخ، ومع كل صرخة كانت عيلتي بتدخل عليا الأوضة وهما مخضوضين، الكل كان بيسألني: مالك؟.. وأنا كنت بسأل السؤال ده لنفسي!
هو إيه اللي حصل بالظبط؟
وبعد مرور شهرين، حسّيت إني بقيت كويس، والكوابيس والتخاريف اللي كنت بشوفها بدأت تقل بالتدريج.
وقررت إني أخرج عشان أرجع الشغل تاني. نزلت في اليوم ده وركبت عربيتي، وقبل ما أروح الجامعة، عديت على الكوفي شوب وشربت القهوة بتاعتي، وبعد ما خلصت محاضراتي في الجامعة، طلعت على الشركة، ودي كانت أول مرة أروحها بعد وفاة بابا الله يرحمه.
دخلت ولقيت عمي توفيق في وشي، واتكلم وقال:
_ ابن حلال يا طاهر، كويس إنك جيت الشركة، أنا كنت عايز أتكلم معاك كلمتين يا ابن أخويا.
= اتفضل يا عمي، خير؟
_ إنت عارف عمك عمره ما فكر في الفلوس، أنا بنيت الشركة دي مع جدك الله يرحمه، وأكيد إنت عارف الكلام ده.
= من غير ما تكمل يا عمي، الشركة شركتك، وإنت عارف أنا بالي مشغول بالجامعة والمحاضرات أكتر.
_ أنا عارف الكلام ده، بس معلش يعني، ده كلام في الهوا.. لازم الكلام ده يبقى رسمي.
= إزاي يعني؟ مش فاهم، ممكن حضرتك توضّح؟
_ طالما إنت مش مركز في الشركة، وتركيزك الأكبر في محاضراتك، يبقى تتنازلي عن الشركة. وإنت ما شاء الله، أبوك الله يرحمه، سبلك مبلغ يعيشك ملك إنت وعيالك وعيال عيالك.
= لو اتنازلت يا عمي، يبقى بخالف وصية أبويا، وبعدين هو إنت مش واثق فيا ولا إيه؟.. هو أنا يعني هاجي في يوم وأقولك الشركة دي شركتي وأطلع برّه؟
_ ما حدش عارف الأيام مخبية إيه؟.. وأنا لازم أضمن حقي برضه.
= حقك عليا يا عمي، أنا قولتلك الشركة دي شركتك، ولكن وصية أبويا هي اللي حكمت في النهاية. دير إنت الشركة، وأنا واثق فيك يا عمي.
_ طيب يا ابني، بس بما إنك جيت النهارده، فلازم تحضر معايا الاجتماع. في ناس جاية من برّه بخصوص المناقصة وإن شاء الله ترسي علينا.
...
ورغم إني مش بحب شغل الشركات، إلا إني وافقت، ويا ريتني ما وافقت! أول ما دخلنا الاجتماع حسّيت بصداع مش طبيعي، كنت قاعد في الاجتماع وأنا ساكت وسايب عمي هو اللي يتكلم، لكن فجأة الناس كلها بصّت عليا وبرقوا، لأني كنت بصرخ، أيوه من المنظر اللي شايفه قدامي.
كنت شايف أبويا واقف بالكفن الأبيض، والدود بياكل في جسمه. منظر صعب ما كنتش قادر أتحمله. الناس سابت الاجتماع وهربت عشان فكروني مجنون، وعمي فضل يزعق ويقول عليا مش طبيعي.
سبت الشركة في اليوم ده وأنا مش فاهم أي حاجة، وعلى بالليل حصلت آخر حاجة كان ممكن أتوقعها من واحد كنت بعتبره زي أبويا.
كنت قاعد في أوضتي، ولقيت ناس داخلة عليا بتكتفني وبتلبسني حاجة لونها أبيض، فهمت ساعتها إن عمي بلّغ عني إني مجنون.
ولقيت نفسي هنا في مستشفى الأمراض العقلية، كانت المرة الأولى اللي أدخلها، ولقيت عمي توفيق جاي يزورني، وأول ما شافني اتكلم وقال:
_ أنا عملت ده عشانك، إنت هتقعد في المستشفى هنا فترة وهتبقى كويس، وأنا وصيت عليك الدكتور سمير، ده صديق شخصي ليا، وهو اللي هيتولى حالتك.
= بس أنا مش مجنون يا عمي، أنا يمكن الحادثة أثرت عليا.
_ الدكتور هو اللي هيحدد يا طاهر، ولو قال إنك سليم هتخرج يا حبيبي. خلي بالك من نفسك، ولو عُزت أي حاجة، كلّمني على طول.
....
قعدت في المستشفى شهور تحت رعاية الدكتور سمير، اللي كان كل يوم يدخل يتكلم معايا شوية ويسمع مني، والكوابيس والتخاريف ما كانتش بتختفي، بالعكس دي كانت بتزيد، لحد ما عرفت إن الدكتور سمير عمل شهادة تثبت إني فاقد للأهلية، وسلّم الشهادة دي لعمي.
والموضوع ما كانش محتاج ذكاء، عمي عارف إنه لو جه وطلب مني إني أتنازله عن حقي أكيد كنت هرفض، وعشان كده طلب من الدكتور سمير الشهادة دي عشان يقدر يتحكم في الفلوس والشركة لوحده، وما يكونش عليه مخالفات قانونية.
...
ست شهور قاعد في المستشفى باخد علاج وبتكلم مع الدكتور سمير، لحد ما قرر الدكتور سمير يكتبلي خروج.
ما كنتش فاهم السبب، وليه دلوقتي بالذات؟
رجعت على بيتي، ولقيت عمي مستنّيني هناك، واتكلم وقال:
_ شوف يا طاهر، إنت دلوقتي في نظر القانون شخص غير عاقل، يعني مش هتقدر تدير الشركة. أنا هسيبلك الفيلا دي تعيش فيها، وأنا عشان راجل حقاني، مستحيل آخد منك بيت أبوك، وإنت لو عاوز أي مليم، كلّمني وأنا أبعتهولك على طول.
...
ما كنتش برد عليه، وبعد ما مشي كنت بفكر: أنا ليه بيحصل معايا كده؟! معقول تكون الحادثة أثرت على دماغي بالشكل ده؟!
أنا مش مجنون ولا فاقد الأهلية زي ما بيقولوا.
الوحيدة اللي صدقتني ووقفت جنبي في المرحلة دي كانت نورهان، البنت اللي أنا حبيتها من كل قلبي وكنت واثق فيها ومديها الأمان، وهي ما خيبتش ظني أبدًا.
اتحدت أهلي عشان تبقى من نصيبي. كنت شايف فيها الأمل والبداية، وكنت مستعد أنسى كل اللي فات وامسحه بأستيكة.
لحد ما في يوم، نورهان قررت إنها تغيّر الديكور بتاع البيت يعني عشان تطلعني من الحالة اللي أنا فيها.
كانت حاسة إن البيت بيفكرني بذكريات صعب تتنسي، وفعلاً كل يوم كانت في ناس بتيجي عشان تغيّر في الديكور، لحد ما جيه الدور على أوضة والدي الله يرحمه.
وقتها كنت قاعد في الصالون، ولقيت الراجل اللي كان شغال في الأوضة جاي وبيقولي:
_ أستاذ طاهر، أنا آسف جدًا في السؤال ده، أنا عارف إنه مش من حقي، بس أنا لقيت في أوضة نوم والدك ورا الستارة في كاميرا متركبة، وبصراحة استغربت، أول مرة أشوف حد حاطط كاميرا في أوضة نوم!
= أنا ما أعرفش حاجة عن اللي إنت بتقوله ده، طيب هي الكاميرا دي فين؟ تعالى وريهالي.
...
اتحركت مع الراجل ودخلنا الأوضة، وفعلاً لقيت في كاميرا راكبة ورا الستارة. فضلت أدور على الجهاز اللي بتكون متصلة بيه، ولقيته في الدولاب بتاع بابا.
كان متسجل عليه حاجات كتير، فرّغت الداتا اللي في الكاميرا على اللاب عندي، وفتحت الفولدر اللي كان مليان تسجيلات كاميرا وبالتواريخ.
فضلت أقلب لحد ما وصلت لليوم الأسود في حياتي، اليوم اللي توفى فيه بابا الله يرحمه. مش عارف ليه، في حاجة جوايا قالتلي افتح الفيديو ده، وفتحته وابتديت أتفرج.
وما فيش 10 دقايق، ولقيت نورهان جاية تجري على صوت صراخي وبتسألني: مالك؟ في إيه؟
وأول ما بصت على اللاب، حطت إيدها على بوقها من الصدمة. بصّيتلها وأنا مصدوم وقلتلها:
_ أنا أبويا مماتش.. أبويا مماتش.. أبويا اتقتل.. أنا أبويا اتقتل!

تعليقات