رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والثاني عشر
قال زكريا بنبرة حادة وعيناه تتقدان بالضيق
كوثر ألم أخبرك أن تطرقي الباب قبل الدخول!
ارتبكت كوثر للحظة ثم ابتسمت محاولة تلطيف الموقف.
آه معك حق... نسيت هذه المرة فقط.
اقتربت منه وجلست على طرف السرير وقالت بنبرة تجمع بين الرجاء والحنان
زاك هل تتذكر ما وعدتني به من قبل
تنهد زكريا وألقى نظرة سريعة نحوها ثم قال بفتور مصطنع
بالطبع أتذكر أردت مني أن أقنع الجميع بأنني ابنك وأساعدك في الانتقام من حبيبك السابق... أليس كذلك صدقيني أنا بارع في هذا النوع من الخطط بل أستطيع أن أجد لك زوجا جديدا وأجعله والدي أيضا.
اتسعت عينا كوثر في دهشة حقيقية وصاحت بفرح طفولي
حقا أيمكنك ذلك!
لم يتوقع زكريا أن تصدقه بهذه السذاجة فابتسم في محاولة لتطمينها وربت بخفة على صدره بثقة
أكيد يا أمي العزيزة... سيكون أفضل من حبيبك السابق بكثير.
نظرت إليه كوثر بجدية غير متوقعة وسألته
كم ستطلب مقابل ذلك
بدت كأنها تتحدث مع وسيط محترف فقد ظنت أن من يرافق امرأة بمواصفات أفضل من ليونارد لا بد أن يكون باهظ الثمن.
ضحك
زكريا بخفة وقال متصنعا النضج
لا تقلقي بشأن المال الآن علينا أن ننام فغدا يوم طويل تصبحين على خير.
ثم تمدد على سريره وسحب البطانية فوق جسده منهيا الحديث.
تأملت كوثر وجهه الصغير لحظة ثم تنهدت وقالت بصوت خافت وهي تغادر الغرفة
سعادتي بين يديك يا زاك... سيتزوجان الأسبوع القادم.
أغلق الباب وبقي زكريا في سريره يحدق في السقف شعر بإحباط غامض فقد سمعها غير مرة تتغزل في وسامة ليونارد لكنه لم يره بعد بعينيه ليحكم بنفسه ومع ذلك ابتسم لنفسه في الظلام وهمس
بما أنها لا تزال تؤمن بالحب رغم كل شيء فلن أسمح لها بأن تخيب ظنها مجددا... علي أن أجد لها من يستحق حقا.
كانت رياح سان الباردة تزداد قسوة يوما بعد يوم كأنها تستمد جمودها من المصير الذي ينتظر ساكنيها وفي تلك الأجواء التي تهاوت فيها أنفاس الشتاء كانت فاطمة تضعف ببطء موجع كشمعة تأبى أن تنطفئ قبل أن تقول كلمتها الأخيرة.
أما سيرين فلم يكن بوسعها إلا أن تلازمها تؤنس وحدتها وتسكت خوفها بحضور صامت يفيض حنانا.
وفي صباح غائم كروح الدار قطعت فاطمة الصمت
بقول بدا كأنه مهيأ منذ زمن
سيرين أريد بعض الفطائر من المدينة.
رفعت سيرين رأسها مبتسمة وقالت وهي تهم بإخراج هاتفها
سأطلبها حالا بالتوصيل.
لكن فاطمة مدت يدها لتوقفها وقالت بصوت ضعيف لكنه حازم
لا ستكون باردة حين تصل... أريدك أن تشتريها لي بنفسك.
ترددت سيرين لحظة فقد ندر أن طلبت منها فاطمة أمرا كهذا ثم أومأت برفق
حسنا سأذهب الآن وإن احتجت إلى شيء دعي ظافر يساعدك.
أومأت فاطمة برأسها صامتة تتابع سيرين بنظرات حزينة حتى خرجت من الباب وحين اختفى صدى خطواتها انطفأت تلك الابتسامة الوديعة من على وجهها وحلت محلها نظرة باردة كالمعدن.
نظرت فاطمة نحو المطبخ حيث كان يقف ظافر وقالت بسخرية خافتة
بعد كل هذه المحاولات ما زلت لا تتقن الطبخ سيد ظافر لا تهدر جهدك ثم لا تتعب نفسك ف سيرين لن تعود لتناول العشاء الليلة.
رفع ظافر رأسه فجأة وأغلق هاتفه ببطء وقال متوجسا
ما الذي تعنينه بهذا
أجابته ببرود متزن
أعني أنك لا تستطيع أن تمنح سيرين حياة سعيدة في وضعك هذا الأفضل أن تعود إلى عائلتك.
لولا مرضها لربما طاردته
بالمكنسة لكن ظافر تقدم منها بخطوات هادئة وصوته يحمل نبرة حذر وغضب مكبوت
أنا أحترمك فقط من أجل سيرين فاحذري نبرتك وبصفتي والد طفلها لن أتخلى عنها أما السعادة التي تتحدثين عنها... إن كنت تقصدين المال فاطمئني فهي في أيد أمينة.
لم تبد فاطمة أي انفعال بل ابتسمت ابتسامة واهنة وقالت في نبرة تخفي وراءها سكينا حادا
يبدو أنك ما زلت تجهل الكثير سيد ظافر أتدري هناك رجل تحبه سيرين منذ الطفولة... كان حبيبها قبل أن تعرفك ولن تقارن به أبدا.
تصلبت ملامح ظافر وقبضت يداه بقوة حتى ابيضت مفاصله وقال من بين أسنانه
هذا مستحيل لو كانت تحب رجلا آخر فلم تزوجتني إذن
أجابته ببرود أشد من صقيع الليل
إن كنت لا تصدقني فاذهب إلى متجر البيروجي في المدينة. لكن أنصحك أن تأخذ معك من يبصر لأنك الآن... أعمى.
هدر صوته غاضبا عاجزا عن لجم انفعاله
أنت...
ثم تاهت كلماته في الهواء إذ لم يجد ما يقوله أمام امرأة على شفا الموت لا تخشى شيئا بعد الآن.
كانت فاطمة قد قضت عمرها لا تؤذي أحدا لكن حين باتت أيامها معدودة لم تتردد في أن
تهين ظافر نفسه... إن كان في ذلك ما سينقذ مستقبل سيرين.
