رواية جريمة في الأعماق الفصل الثالث بقلم شادي اسماعيل
قعد وبعدين سألني باستغراب...
- ممكن اعرف أنا هنا ليه سعادتك؟.
- انتَ ماتعرفش إن هيثم صاحبك اتقتل؟!.
قام وقف في مكانه.. وكان باين على وشه الفزع والمفاجأة في نفس الوقت.. بلع ريقه وقال بخوف...
- ايه.. هيثم اتقتل؟!.. والله العظيم ما اعرف حاجة.. أنا كل اللي اعرفه انه مختفي من مدة.. ده انا حتى وقتها سيبت شغلي.. ونزلت دورت عليه معاهم.. ولما ماعترناش فيه.. اضطريت اشوف أكل عيشي.. ما انا عندي عيال سعادتك ومحتاجين ياكلوا هم وامهم.. ولفي في الشوارع مش هيعشيهم اخر اليوم.
هزيت راسي بتفهم وانا بقوله...
- طب اقعد يا دسوقي.. اقعد واهدى.. انا بقولك اليوم طويل لسه.
قعد بهدوء وقلق.. فكملت كلامي وسألته…
- انتَ بتشتغل ايه يا دسوقي؟.
- سباك يا باشا.. وكمان جنب السباكة بنضف خزانات وشقق عدم لمؤاخذة.. الحمل تقيل.. ومصاريف العيال تقطم الضهر.. حضرتك اكيد عارف.
- طب قولي.. كان ايه سبب الخلاف اللي بينك وبين هيثم؟.
- خلاف ايه يا باشا؟!.. دي كانت قاعدة على الضيق وصوتنا علي حبتين.
ابتسمت وانا بقوله...
- قاعدة على الضيق ايه بس يا راجل!.. ده انا سمعت إن الموضوع بينكوا وصل للتهديد بالقتل.. ومن بعدها هيثم اختفى وانتَ كمان اختفيت.
- ده العادي بتاعنا باشا.. وزي ما قولت صوتنا عِلي حبتين بس.
- صوتكوا علي حبتين.. فتقوموا تهددوا بعض بالقتل؟!.. ما تعقل الكلام.
- يا باشا.. احنا كدة على طول.. نطلع نطلع.. وننزل على مافيش.. واليوم ده هيثم كان خسران مني عشرتين دومنة.. ومارضاش يدفع فلوس الرهان.. قال ايه.. بيقول إن انا غشيته.
- ماتخرجش برة الموضوع.
- هو ده الموضوع سعادتك.. وده كل اللي حصل.. هو حمرق في اللعب ومارضاش يدفع.. وقعد يقول إني غشيته.. وانا سخنت وقفلت في دماغي إنه يدفع.. فقومنا احنا الاتنين مسكنا في خناق بعض.
- كان في حد قاعد معاكوا وقت الخناقة؟.
- لأ يا باشا كنا قاعدين على ترابيزة لوحدنا.. بس بعد كدة لما قامت الخناقة.. الناس اتلمت على صوتنا.
- طب خليني معاك للآخر.. بعد الخناقة دي هيثم اختفى ودلوقتي احنا عرفنا كان مختفي ليه.. انت بقى كنت مختفي ليه؟.. وفين؟.
سكت وبص في الأرض.. فكملت كلامي...
- ايه!.. مش عارف كنت مختفي فين؟!.
- لا عارف طبعًا يا باشا.. بس اصل.. اصل..
- اصل ايه؟.. ما تتكلم.
- اصل انا الفترة اللي فاتت دي كنت مستخبي كدة عند ناس قرايبي.
- ومستخبي من ايه بقى؟.
- من الديانة سعادتك.. انا مستلف فلوس كتير أوي.. وماكنتش عارف اسددها ازاي.. والديانة بدأوا يبعتولي تهديدات بقى من اللي سعادتك عارفها.. اللي هيفضحني في المنطقة.. واللي هيخطفني وحاجات من دي.. عشان كدة اختفيت شوية لحد ما ادبر قرشين اسدد بهم اللي عليا.
- كنت مستخبي عند مين؟.
- ولاد عمي يا باشا.. هم اصلهم عايشين في محافظة تانية.. مش قاعدين هنا.
- افهم من كدة انك دبرت المبلغ اللي عليك.
- لا يا باشا.
- اومال رجعت ليه؟.. الديانة ماتوا؟!.. ولا اتنازلولك عن فلوسهم؟.
بص لي وقال بتأثر...
- لا دي ولا دي يا باشا.. انا نزلت عشان بنتي تعبت اوي.. ودخلت المستشفى.. فخوفت يحصلها حاجة.. عشان كدة ظهرت.. حتى عماد باشا قبض عليا هناك.
بصيت لعماد اللي هز دماغه تأكيدًا على كلام دسوقي.. رجعت بعدها بصيت لدسوقي وقولتله...
- ماشي يا دسوقي.. ألف سلامة على بنتك.. امشي انت دلوقتي.. بس سيبلي العنوان اللي كنت قاعد فيه الفترة اللي فاتت.. وماتغيبش تاني قبل ما تعرفني تحركاتك.
- تحت أمرك يا باشا.
أخليت سبيلة لأن ماكنش في دليل ضده.. على الأقل دلوقتي.. الموضوع كان بيتعقد وعدم تحديد وقت الوفاة كان مأزم الأمور.. النهار طلع ولاني مانمتش كويس رغم القهوة اللي شربتها حسيت إن دماغي فصلت وكان لازم ارجع البيت اناملي ساعتين عشان أقدر اكمل.. وقبل ما أخرج من المكتب.. طلبت من عماد يستدعي يعقوب اخو هيثم عشان اسمع أقواله.. أكيد وراه حاجة.. ماهو مش معقولة ابوه يكتب لاخوه نص المحل.. وهو يوقف يتفرج كدة.. ماتجيش!.
تاني يوم صحيت لبست ونزلت المكتب.. وبعد شوية لقيت يعقوب واقف قدام مكتبي.. فطلبت من العسكري يدخله.. كان باين عليه التوتر والقلق...
- تعالى يا يعقوب.
قرب من المكتب ببطء وتردد.. فبصيتله وقولتله...
- ماتخافش يا يعقوب.. تعالى اقعد.
قعد على الكرسي وبص لي.. فابتسمت ابتسامة خفيفة عشان اطمنه شوية...
- ازيك يا يعقوب؟.
- الحمدلله.
- مالك متوتر كدة ليه؟.
بلع ريقه بصعوبة قبل ما يقول...
- اصل.. اصل انا أول مرة اتعرض لموقف زي ده.
- موقف ايه يا راجل!.. انت هنا عشان ندردش مع بعض.. مش متهم.
- متهم!.
قالها بخوف وفزع.. فقولتله...
- لا انا بقولك انت مش متهم.. فمالوش داعي الخوف ده كله.. إلا لو كنت عامل حاجة بقى.
- والله العظيم ما عملت حاجة.
- طب كويس.. يبقى فك كدة عشان نعرف نتكلم مع بعض.. تشرب ليمون؟.
- شكرًا.
- قولي يا يعقوب.. انت بتشتغل مع الحاج علي في المحل؟.
- اه يا فندم.
- بقالك كتير؟.
- يعني من حوالي خمس سنين.
- مدة كبيرة.. ده تلاقيك انت اللي شايل الشغل.
- اه والله يا فندم.. انا اللي بعمل كل حاجة.
- اكيد طبعًا.. خصوصًا في الفترة اللي هيثم اختفى فيها.. هتلاقي الشغل كان زايد عليك.
- ده صحيح.. كنت واقف لوحدي.
- بس إحساس حلو برضه.. إن الواحد يتعب في حاجة ملكه مش كدة؟.
- بصراحة اه.
- البضاعة بتاعتك والفلوس فلوسك.. وماحدش هيخاف على حاجتك زيك.
- اكيد يا فندم.
- وطبعًا لو حد جِه وسرق المحل ده انت تضحي بنفسك عشانه.
- ده انا كنت ادفنه صاحي.
- بالظبط.. وهيكون عندك حق على فكرة.. حتى لو غرقته في الماية.. يستاهل هو الغلطان عشان فكر يسرقك.
- ايوة يستاهل.. مش هو اللي كان عايز يسرقني.
ابتسمت ابتسامة واسعة وانا بقوله...
- انا قولت كدة برضه.
بص لي وسكت شوية.. بعدها قالي بتردد...
- هو حضرتك تقصد ايه؟.
- ماقصدش حاجة.. قتلت اخوك ليه يا يعقوب؟.
- اخويا مين اللي قتلته يا فندم؟!.. انا...
- انا عارف انك ماكنتش تقصد.. هو اللي طمع في حق مش حقه.. أو يمكن الحاج علي حسبها غلط.. لما فكر يكتبله نص المحل.. وانت شوفت ان ده ظلم.. وإن هيثم سرق حقك.
- انا ماكنش قصدي كدة.. انا كنت فاكر حضرتك بتتكلم عن حرامي بجد.
- هو في حرامي بجد؟.. وحرامي كدة وكدة؟!.
- لا قصدي حد غريب.. لكن هيثم ده اخويا.. مستحيل اعمل فيه كدة.
- ليه مستحيل؟.. عشان اخوك فعلا؟.. ولا عشان ماتقدرش تعمل فيه كدة؟.. بما إنه كان الأكبر.. والاقوى.. وكمان مميز عنك في كل حاجة.
- ماكنش مميز في حاجة.. ابويا هو اللي كان بيميزه عافية.. لكن انا كنت أقوى منه.. وكنت بشتغل في المحل اكتر منه.. وبدخل فلوس هو مابيعرفش يدخلها.. لكن ابويا هو اللي ماكنش شايف غيره.. وراح في الاخر يكتبله نص المحل.
- فأنت قررت تقتله.
- ماقتلتوش.
- وايه اللي يمنعك من قتله؟.. بعد ما خد منك كل حاجة؟.
- لانه اخويا.. اخويا.
انهار في العياط وقال بدموع...
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم