رواية ممنوع من الحب الفصل الرابع 4 بقلم منال كريم


 رواية ممنوع من الحب الفصل الرابع 

سكنت سارة ظهرها على الحائط،وتربع يديها أمام صدرها،وعيناها مغلقتان، ويردد لسانها ذكر الله.

مريم متكئا على مقاعد الانتظار الموضوعه أمام الغرفة،و تبكي دموع الندم.

تمر الدقائق وكانها سنوات طويلة،الصمت بينهم اثقل من الجبال ،منذ المجيء مع نور التي تم  أخذها الى غرفه الكشف وهن ينظرون لبعض بصمت مرهق للأعصاب.

و أخيرا فتحت الغرفة،ويخرج الطبيب وخلفه الممرضة،نهضت مريم من مقعدها و تحركت إلى الطبيب، تعتصر  يديها بعضها البعض بتوتر وتنتظر ماذا يقول؟بينما سارة أخذت نفساً مطولاً ،وهي تسال:

_ طمني يا دكتور ،نور كويسه؟

بوجه بشوش أجاب على سؤالها:

_الحمد لله بخير الضغط كان واطي،خدت ادويه وعلقت محلول أول ما يخلص تقدر تمشي.

تنفست براحة و قالت:
ـ الحمد لله ،شكرا لحضرتك.

و أخيرا تخلت عن صمتها، وسالت:
_ ممكن نشوفها حضرتك؟

: ايوه.

و رحل الطبيب و معه الممرضة.

دقت مريم على الباب و ولجت إلى الغرفة وتتبعها سارة...

انتباها شعور بالخزي و الخذلان، عيناها تجوب في كل أركان الغرفة إلا النظر في عيون اي منهن، فهي قلبها مشتعل بنار الحزن.

لعقت شفتيها ، تسير بخطوات بطيئة ، تبحث عن كلمات مناسبة و لكن بل جدوي، جلست أمامها، تنهدت بحزن ثم قالت:

_ نور أنا عارفة أني غلطانة و أني المفروض كنت انتبهت أنك تعبانة و ده أهم عندي من اي حاجة، بس أنا تعصبت لما الغبي ده لمسني و كمان مريم زعلانة علشانه.

اقتربت منها وجلست بجوارها و أحاطت كتفيها بيدها ،و هي تردف بابتسامة:

_ أنا آسفة يا نور، أنا معنديش كلام أقوله بس بجد آسفة، و لازم تسامحني علشان أنا غلبانة مش شريرة زي سارة.

نظرت لها باستنكار و رسمت ابتسامة ساخرة و هتفت:
_ أنا شريرة ، أنتِ الشر نفسه.

رمقتها نظرة غاضبة،اتكت على ذراعيها و هبت مستعدة على أشعل شجار جديد، لكن قبل أن تتفوه بحرف، صرخت بنبرة حادة:

_ أنا عايزة أمشي.

صوبت الأنظار عليها بعد القى هذه الجملة،حركت شفتيها معلنة عن الحديث، قاطعة بحزم:

_ مش عايزة اسمع حاجة يا سارة، عايزة أمشي ممكن، و شكرا ليكي و لمريم.

وجدوا أن الأفضل العودة إلى المنزل، و الحديث فيما بعد...

/////////

في شقة محمد( شقيق سارة)

إذن بالدخول بعد استماع طرقات الباب، ولج بهدوء، و هو يبتسم بحب وفخر على ابنه الذي يوماً بعد يوم يثبت أنه زرعة صالحه، مندمج في الحاسوب، و لم يرفع عيونه، ظناً أنها زوجته تحضر القهوة خاصته الذي طلبه منها، مد يده دون النظر و قال:

_ القهوة يا شهد.

أبتسم و ردد متسائلاً:

ـ ينفع بابا مش شهد.

هب واقفاً مثلما الذي لدغته عقربة، قطع المسافة التي تفصل بينه و بين والده ، أخذ الكوب و هو يردف باحترام:

ـ معقول يا بابا بنفسك، ليه كده يا حبيبي.

أشار على المقعد، و أردف باحترام:

ـ اتفضل يا بابا.

تحرك إلى المقعد، و قبل أن يجلس، فتح ذراعيه و هو يسأل:

_ محمد ممكن حضن؟

قبل أن يفهم المخزي من هذا السؤال، هرول مسرعاً إلى أحضان أبيه و كأنه طفل صغير يختبئ من الظلام في النور الذي يقبع في عيون ابيه، لم ينكر أنه مرتبك، و يظن ان أبيه ليس بخير.

بينما الاب يشعر بالفخر والاعتزاز عندما سمع أن هذا الابن الصالح، رفض المال و اختار رضا الله ، رتب على ظهره بحنان و قال:

_ أنا فخور بيك يا محمد، أنت خلت راسي مرفوعة فوق.

تبيان له الأمر الآن ، أبتعد عن حضنه، و انحني بهدوء،مقبلاً يده و يردف:

_ دي تربيتك يا بابا.

أبتسم و قال:
ـ ربنا يبارك في عمرك يا حبيبي.

و استرسل حديثه مازحاً:

_ أنا قررت النهاردة الغداء يكون عندكم.

أشار له أن يستريح و ردد مبتسماً:

_ شرف لينا يا بابا.

و غادر الغرفة ليخبر شهد..

///////////

في منزل آدهم

يجوب المنزل ذهاباً و اياباً، و يكاد ينفجر غضباً ، بداخله نار تستطيع حرق الاخضر و اليابس، يسخط على نفسه ، فكيف له أن يقبل أن تهين رجولته هكذا؟ 
يريد أن ينهال على نفسه بالصفعات ، لأنه أحمق ، كان يجب أن يرد الصفعة اثنين، القى جسده على الفراش بتعب و نطق :

_ ماشي يا سارة...
//////////////

عادت الفتيات و كل منهن ذهبت إلى منزلها،بعدما دقت الريبة والشك في قلوب الأمهات عند رؤية الفتيات يعودون بهذا المظهر المثير للقلق...

في منزل سارة 

مجرد أن ولجت إلى المنزل ، ذهبت إلى الحمام سريعاً لكي تتوضأ و تؤدي صلاة التوبة، لأنها تشعر بالذنب.

تدلف أمينة إلى غرفتها ، جلست على الفراش ،و تنتظر إنتهاء سارة من الصلاة ،جلست مقابلتها، و تنتظر حديث ولادتها ، ارتسمت على ملامحها التوتر و الشك،هتفت متسائلاً: 

_ اللي حصل بينك وبين البنات ؟ 

اخذت نفساً مطولاً ،و قصت ما حدث؟ سمعت حديثها بانتباه دون مقاطعة ، ثم سألت:

_ خلصتي.

حركت رأسها بالايجاب، تربت أمينة على خصلات شعرها بحنان، همست بهدوء و حب :

_ أنا فخورة بيكي يا سارة، أنتِ كنز غالي في حياتي. لو تعرفي شعوري بيكون ايه لما تحاولي أنك تحافظي على حدود الله ، أنا بحبك يا سارة . 

تنحني و تقبل يدها ثم تقول بحب:

_ دي تربيتك ماما ، و المفاهيم اللي تربت عليها في البيت ده.

ابتسمت ثم رددت متسائلا:

_ سارة عايزة أسألك سؤال؟ 

حركت رأسها بالايجاب، و سألت سؤال مباشر:

_لو في يوم شوفتي شاب يصارع المو،ت ، و أنتِ تقدري تساعدي ، ممكن تقدمي له المساعدة أو ترفضي علشان مش عايزة تلمسي هذا الشاب. 

بدون أخذ وقت في التفكير، أجابت: 

_ طبعا يا ماما أساعد الشاب. 

ترتب أمينة على كتفها بحنان و قالت :

_ أدهم عمل كده ،بدون تفكير قرر يساعدك ، و ده أحسن من أنك تقعي في الأرض و مش عارفين ممكن وقتها يحصل ايه؟

تشكلت على ملامحها الغيرة، و صاحت بعصبية:

_ تمام يا ماما ، بس مريم هانم زعلانة اوي مني،علشان خاطر أدهم.

نهضت من مقعدها ، و جذبت يد سارة حتي تكون أمامها  و أجابت مبتسماً:

_ الحكاية مش كده يا حبيبتي ، هي كمان زيك تصرفت بعصبية و بدون تفكير، و فكري صح يا سارة،
هو مش ممكن أدهم  يقدم فيكي شكوى عن اللي حصل و ده يضرك يا حبيبتي ، من الاخر يا حبيبتي لازم تعتذري و قدم الكل.

توسعت عيناها بصدمة و هي تخبرها :

_ لا يمكن أعمل كده يا ماما.

أخذت نفس عميق و قالت:

ـ خلينا نتكلم براحة.
/////////////////

في شقه مريم 

بعدما أخبرت والدتها ما حدث، و ظهر الانزعاج على ، نرجس عند سماع أن سارة صفعت أدهم ، و الأسوأ أمام الجميع.

انتهت مريم و تنتظر تعقيب على الحديث، لكن طال الصمت ، مما جعل مريم تشعر بالتوتر. 

تستجمع أفكارها ، حتي تعلم من المخطئ ؟ هل سارة أما آدهم ؟ 

رتبت على يدها حتي تنبه عليها وسالت:

_ ماما أنتِ بخير ؟ 

دون إجابة حركت رأسها ، بينما هتفت متسائلاً:

_ايه رايك في اللي حصل؟

لعقت شفتيها و هي تفصح بنبرة هادئة:

_ طبعا مش أنكر أني زعلانة من سارة علشان عملت كده في أدهم ، بس دي سارة ، و و كلنا عارفين مين سارة؟ هي قبل ما تعمل حاجة تفكر في الحلال والحرام ؟ هي ملتزمة بشدة، و كمان عصبية، ردة فعل سارة مش غريبة، الغريب ردة فعلك أنتِ، لو أنا مكان سارة أقول إن أدهم عندك أهم منها.

ضمت شفتها و هي تسأل:

_ حضرتك شايفة مين غلطان؟

حركت رأسها بالنفي و هي تجيب: 

_ مفيش حد، كل واحد تصرف حسب الموقف ، أدهم تصرف برجولة أن ينقذ فتاة من السقوط ، تفكير سارة أن ازاي يحصل تلامس بينها وبينه؟ حتي إذا كان غير مقصود ،و بسبب تصرفك سارة اعتقدت أن كل اللي يهمك أدهم، و ده سبب زعلها منك. 

مجرد أن أنهت جملتها، جرت مريم خلفها و غادرت الشقة متجه الى سارة.

تغادر سارة و أمينة من الشقة ، و تهبط مريم و نرجس من على الدرج في نفس الوقت، تردف  أمينة مازحة: 
_كده ارض محايدة. 

تنظر سارة و مريم إلى بعض نظرات عتاب و حزن ،لتبدأ سارة قائلا:

_أنا آسفة يا مريم.

ركضت مريم من على الدرج و تسير سارة بعض الخطوات حتي وصلوا أمام شقة نور 
و ذهبوا إلى عناق ممتلئ بالحب و الدموع، و قالت من بين دموعها:

_ أنا آسفة يا سارة.

قالت نرجس: 

_كفاية دموع يا بنات ، لازم تعتذروا من نور. 

باب منزل عبدالله مفتوح لذا ولج الجميع كانت تجلس نور في حضن ولادتها في صالة المنزل ،وافقوا بصمت يسمعون الحديث. 

أما عن نور تبكي بشدة لأنها تشعر أنها ليست ذو أهمية كبيرة ، تشعر بالحزن الشديد ، ابتلعت الغضة العالقة في حلقها و صرحت :

_ أنا أقطع علاقتي بمريم و سارة إلى مدي الحياة. 

هذه الجملة بمثابة سهم قاتل في قلب مريم و سارة، لكن لا يفعلوا ردة فعل ،ظلوا يسمعوا باقي الحديث. 

فاطمة بعدم فهم: 

_ ليه ايه اللي حصل لكل ده؟

قررت البوح بمشاعر مدفونة منذ سنوات ، تشعر بها لكن دائما تكذب نفسها ،لكن اليوم تأكدت أن هذه المشاعر حقيقة صرخت بدموع شديدة :

_ يا ماما أنا بالنسبة ليهم شي مش مهم ،ديما هما أصحاب القرار في كل شيء ،و أنا مهما أتكلمت محدش يسمع ليا، لأني شخصية ضعيفة ، و سمحت لهم التداخل في شؤون حياتي، اليوم بحاول أتكلم معهم أن نهدي لحد من نرجع البيت و مفيش حد يسمع مني.

فاطمة بابتسامة بسيطة: 

_كل ده يا نور  في قلبك  ،أنتِ مش ضعيفة ، أنتِ مهمة عند الجميع و عارفة كده، مريم و سارة كان الموقف مشتعل بينهما ، كل واحدة شافت أنها على حق ،معكِ أنهم غلطانين لأنهم نسيوا أنك تعبانة.

جاء صوت سارة من الخلف و الدموع تتساقط من عينيها مثل حبات المطر: 

_أنا آسفة يا نور ، مكنش قصدي ده يحصل ، أنتِ عارفة أني بحبك و غالية عليا.

لتكمل مريم و هي أيضا دموعها لا تنتهي :

_ جملتك كانت كفيلة أن تمزق قلبي ، أنا غبية علشان زعلتك،بس أنتِ ديما تقولي مريم مجنونة و سارة عصبية، أنتِ اللي فين و الباقي سلطة.

مازلت نور تختبئ في أحضان ولادتها  لتستمد بعض الحنان و القوة و لن تجيب على الحديث و لكن تتسارع دموعها في الهطول على وجنتيها. 

تحركت سارة بعض الخطوات وقفت أمام فاطمة و نور صاحت بمزح مختلط بصوت حزين من أثر الدموع : 
_فاطمة لو خائفة على نفسك  قومي من هنا . 

بدون اعتراض ،ابتعدت فاطمة و هي تعلم أن سارة و مريم لن يتركوا نور حزينة ،فهن مثل المثلث لا يصلح المثلث إذا نقص ضلع ،و هنن ثلاث أضلاع في حياة بعض حتي يكتمل المثلث.

شدت من نفسها و حاولت التحدث بصوت غليظ و. هي تتكلم:

_عسكري مريم. 

تقدم التحية العسكرية و تصرخ:

_ تمام يافندم. 

_ هجوم. 

قالتها سارة، و من ثم هجموا على نور حتي جعلوا ضحكتها تعلو و تعلو ، و ابتسمت الامهات الثلاثة ورحلوا إلى شقة أحمد و تركوا المثلث يقضون الوقت معنا. 
//////////////////////////

عاد المنزل و برفقته فتاة ليل، و اليد الأخري زجاجة الكحول التي تكاد ملتصقة في يده. 

يسير خطوات غير منتظمة، جلس على الأريكة بإهمال ، و أشار إلى الغرفة و هو يردف:

_ دي الاوضة. 

وضعت يدها على خصرها و تتميل بدلال و أفلت ضحكة خليعه و هي تقول:

_ ثواني يا حبيبي و رجعلك. 

رفع الزجاجة على فمه، حتي انتهت، ترنج بصعوبة ،حتي وصل إلى البار وضع الفارغة و أحضر أخرى ممتلئة، و عاد مكانه..

تسير ببطئ و دلال و هي ترتدي ثوب مغري و خليع، نظر لها برغبة، و سارت حتي وصلت إلى الهاتف ، لتبحث عن موسيقية معينة و من ثم تتميل بجسدها على أنغام الموسيقى باغراء.

يرتشف من النبيذ بتلذذ و ينفخ غضبه مع السيجار،و عيناه تخترق جسد هذه العا،هرة، و قضي الليلة معها لكن لا يستطيع طرد سارة من عقله..
/////////////////
في اليوم التالي 
في الجامعة

في قاعة المحاضرات و بالتحديد محاضرة دكتور أدهم 

تدور حرب في عقل سارة ولا تعلم كيف تفعل ذلك ؟طلبت منها أمينة الاعتذار أمام الجميع ،و هي لا تريد فعل ذلك، و على يقين أنها لم تفعل شيئاً خطأ ،لكن لأجل مريم و الخالة نرجس سوف تفعل تستجمع شجاعتها و ترفع يديها معلنة أنها تريد الحديث: 

_من فضلك دكتور. 

مجرد سماع صوته، تسارعت نبضات قلبه، و اعتصر قبضة يده بقوة حتي يهدى من روعه، و حاول التحدث بشكل طبيعي:

_نعم ، تفضلي. 

نهضت من مقعدها، و تنظر إلى الأسفل و صرحت بهدوء:

_ أنا آسفة يا دكتور بسبب اللي حصل امبارح.

و بهذه الجملة البسيطة، و مع العلم أنه على يقين أنها تفعل ذلك و ليست مقتنعة، تراقص قلبه من السعادة لانها فعلت ذلك ، و مع سعادته بالامر، لكن نجح رسم الجدية و العصبية على وجهه و أجاب باقتضاب وصوت عالي: 

_مفيش حاجة. 

جلست بخجل للمرة الثانية بسبب هذا الشخص، و تفكر هل  انتهى الأمر هكذا أو ماذا؟

مالت نور على أذنها و تهمس:

_ سارة اعتذري مرة كمان لان شكله مش يطمئن.

استدرت لها و تقضم في اضافرها و سألت بتوتر:

_ هو ممكن يستغل سلطته أنه دكتور؟

حركت رأسها بالموافقة، و قررت سارة الاعتذار بعد إنتهاء المحاضرة.

و بعد وقت انتهت المحاضرة و بدأ الجميع يغادر،و أخبرت مريم و نور الرحيل.

تسير في اتجاهه و تعتصر يدها في بعضها من التوتر.

لاحظ قدومها في اتجاهه ، أبتسم ابتسامة جانبية، و أشغل نفسه بجمع أوراقه دون النظر لها.

وقفت امامه، و مازلت تعتصر يدها حتي صبغ لونها بالدماء، و ترتجف شفتاها، و ردت بهدوء:

_ أنا آسفة يا دكتور مرة تانية.

رفع عينها حتي يتمعن فيها بكل  وقاحة دون حياء، عيناه تتفحص كل شيء فيها بنظرات جريئة ،مبطنة بأفكار شيطانية، أخذه عقله إلى مكان بعيد ، أما قلبه يصرخ اعتراضا أنها ليست مثل باقي الفتيات، و أن هذه العلاقة محكوم عليها بالاعدا،م.

لم ترفع عيناها من الارض، تغض بصرها كما أمر الله و عفة و طاهرة لها، عندما طال صمته، قررت مغادرة القاعة و بداخلها أنها فعلت أكثر من اللازم، و لم تفتح هذا الموضوع مرة أخرى.

ولت ظهرها و تسير بخطوات بسيطة، شاهد أنها تغادر ، هل هو أحمق حتي يجعلها تغادر؟ صاح بصوت مرتفع:

_ سارة.

كبّلت يدها غيظًا، ما أثر جنونها، كيف ينطق إسمها دون القاب، استدرت بهدوء، و أخبرته  بصوت هادئ:

ـ لو سمحت يا دكتور بلاش تقول اسمي من غير القاب.

و رحلت قبل أن يتفوه حرفاً، أبتسم بهدوء و قال:

_ و لو أسمك جميل و بحب أقوله أعمل ايه يا سارة؟

بانتهاء محاضرة أدهم انتهى اليوم الدراسي، عادت الفتيات المنزل.
//////////////
في منزل أحمد، العائلة مجتمعة على العشاء

تجلس شهد زوجة محمد تحاول تحمل الألم الظاهر عليها، الجميع مندمج بالحديث، حتي لاحظت ملك و سألت:

_ أنتِ كويسة يا شهد.

أجابت بايماء بسيطة، و أخبرتها أمينة:

_ شهد لسه في الشهر الثامن يا ملك.

ردت عليها بابتسامة:

_ يارب تقوم بالسلامة ،عايزة أكون عمته.

قههت سارة بحماس و هي تردف:

_ و أنا كمان متحمسة أكون عمته.

ناجى أحمد ربها بصوت مسموع:

_ يارب يبارك فيكم و يفرحكم يا اولادي.

رتبت زوج ملك على يده و يهتف:

_ و يبارك في عمرك يا بابا.

يتفحص محمد شهد التي تظهر عليها علامات عدم الراحة، كرر سؤال ملك:

_ أنتِ كويسة يا شهد بجد.

لم تعد لديها طاقه للتحمل بكت وهي تقول:

_ لا مش كويسه يا محمد أنا تعبانه قوي بطني تتقطع.

هذه الجمله فزعت الجميع و نهض محمد من مقعده وسال :

_ مالك في ايه؟

قبل ان تجيب صاحت أمينة:

_ مش وقته يا محمد، يلا بسرعه لازم نروح مستشفى دلوقتي.

ركض محمود الى غرفة الصالون،التقطت مفاتيح السيارة واتجاه ناحيه الباب و تحدث:.

_ أنا اجهز  العربية، يلا بسرعة.

استندت على محمد و ملك و سارت معهم بحذر شديد. 

ذهب أحمد الى غرفته لياتي ببعض المال واتجه الى الخارج ومعه أمينة التي نظرت الى سارة وقالت:

_ خليكي هنا و خلي بالك من جوري.

قالت باعتراض : 

_ بس أنا عايزة اجي معكم يا ماما.

قال أحمد بتحذير:

اسمعي الكلام يا سارة، و ادخلي جوة مش عايزين نعمل دوشة و نقلق الناس و بلاش تعرفي حد.

أومأت رأسها بالموافقة ، أغلقت الباب ،و هي تقول بحزن:

_ ربنا يستر.

التفتت الى جوري  الجالية على السفره بخوف وهي لا تفهم شيء ذهبت اليها وعلى وجهها إبتسامة و تسأل:

_ مالك يا جوجو. 

أجابت بنبرة باكية:

_هو في ايه؟

حملتها و هي تردف:

_ مفيش حاجه يا حبيبتي، كملي أكلك..

حركت رأسها بالنفي، مدت يدها و التقطت الهاتف، و قالت بابتسامة :

_طب ايه رايك تلعبي على التليفون، و أنا أشيل الاكل.

ابتسمت بحماس وهي تاخذ الهاتف منها بينما جمعت السفرة، و غسلت الاطباق ، وهي تدعوا الله سرا أن تكون شهد و الجنين بخير..
////////////////
وصلت شهد المستشفى مع العائلة، ذهبت الى غرفة الكشف سريعا و تبين الأمر بعد الفحص،أن الطفل متوفياً،تم تحضيرها الى العمليات للولادة القيصريه سريعة حتى لا يحدث مضاعفات لها،كان الأمر صدمة للجميع فهما ينتظرون هذا الطفل على أحر من الجمر يرد أحمد ،لله الامر من قبل و بعد ،أما محمد ظل يردد انا لله وانا اليه راجعون،ودعوة أمينة بردا وسلاما على قلب شهد...

ظلوا في المستشفى هذه الليله وفي الصباح علم الجميع هذا الخبر المؤسف و المحزن ،كان من المفترض أن زفاف سامي شقيق مريم بعد أسبوع ولكن تم تاجيل الزفاف شهرا كاملاً مراعاه لمشاعر أسره أحمد. 
////////////////
في شقة محمد 

سارة ترتب المنزل وتحضر الطعام،شهد في الغرفة، أما محمد في العمل.

تدق باب الغرفة و تقول بنبرة هادئة:

_ شهد ممكن ادخل.

أجابت بهدوء: 

_ اتفضلي يا سارة.

تحمل صينية عليها طعام،ولجت و هي ترسم إبتسامة جميلة، وضعت الطعام أمامها، نظرت لها بشكر و امتنان و قالت بهدوء:

_ شكرا يا سارة تعبتك معي الفترة دي، بسببك حسيت أن ليا أخت.

اتكأت مبتسمة و هي تخبرها:

_ أنتِ فعل اختي يا شهد من وقت ما دخلت البيت و احنا اخوات و زيك زي ملك.

و أكملت مازحاً:
ـ يلا كلي بسرعة ، أنا ما شاء الله عليا اشطر منك في الطبخ.

ابتسمت و تناولت الطعام.
///////////

وصل أمام منزل خالته ، فهي منذ اسبوع غائبة عن الجامعة، و أصبح مثل المجذوب، يبحث عنها وسط الحضور، قرر المجيء هنا لعل يحظي بنظرة منها.

يصعد على الدرج و بداخله يتمني رؤيتها، وصل أمام شقتها و الباب مغلق، أنتظر دقائق ثم صعد قبل أن يراه أحد، أكمل الصعود بخيبة أمل كبيرة ، حتي وصل أمام شقة خالته، دق الباب ، فتحت نرجس و في نفس الوقت فتحت سارة باب شقة محمد، هتفت نرجس:

_ سارة.

مجرد أن سمع هذا الإسم الذي أصبح يفقده صوابه، اهتزت مشاعره الجياشة ، هذا الأسبوع أثبت له أنه واقع في غرامها و انتهى الأمر، استدر ظهره، حتي يقف قابليتها ،و تجمدت أنفاسه من رؤيتها، و تأمل باشتياق ملامحها و خصوصاً أنها كانت تنظر إلى نرجس، و سرعان ما رأت أدهم انخفضت نظرها أرضا،حك أسنانه بعيظ منها، هو يرى أن تصرفها هذا احمق، لماذا تحرمها لذة النظر إلى وجهها الملائكي.

سألت نرجس بهدوء:
_ شهد عاملة ايه ؟

أجابت و هي تتابع السير :

_ الحمد لله بخير.

تفرس النظر عليها، حتي غابت عنه، و كل هذا تتحدث خالته وهو لا ينصت أو ينتبه لها، حتي صاحت:

_ أدهم.

مسح جبينه و التف لها و هو يسأل:

_ في ايه؟

زمرت شفتيها بغضب و قالت:

_ بكلمك مش بترد، خير  جاي ليه؟

و دخلت إلى الداخل و هو خلفها و قال مبتسماً:

_ جاي علشان بحبك يا خالتي الجميلة.

جلست على المقعد و سألت بسخرية:

_ من أمت الكلام ده؟

جلس قابليتها و أخذ نفس مطولاً و ردد بحب ظاهر في عيناه:

_بحبك  من زمان يا خالتي, من وقت ما رجعت من السفر و أنا مخطوف.. 

لم تفهم مغزى  حديثه، و لم تفهم أن هذا اعتراف بمشاعره بعشق سارة....
/////////////
وبات الأيام تمر مثل الدهر عليه، كان سابقاً يعشق الليل لانه يمارس ما يحب من أفعال سيئة، الآن ينتظر بزوغ  الشمس حتي يهرول إلى الجامعة و يرى من سرقة قلبه و عقله و كل جوارحه، و هى مازالت لا تنتبه عليه..

في الجامعة
كعادته يختلس النظر عليها، و يراقبها طول الوقت،رآها تذهب الى المكتبة، ولج خلفها، و أختار بعناية فائقة المكان الذي يجلس فيه، وقع اختياره على طاولة، قريبة من الطاولة التي تجلس عليها، و هكذا يحظي بالنظر إليها... 

يراقب هذه الهائمة و هي مندمجة في القراءة، و ترسم على ملامحها الانبهار مما تقرا، تهلل وجهه كلما رفعت عينها السوداء إلى كوب القهوة الذي يقبع أمامها، ترتشف منه ،و تضعه مرة أخرى، يسرق منها نظرة سارق محترف، قبل أن تعاود القراءة مرة أخرى. 

يضع أمامه كتاباً حتي لا يشك أحد في آمره، لم يشعر بمن حوله،اسكناً ظهره على المقعد ،وضم يده أمام صدره، و فرد قدميه تحت الطاولة، يجلس براحة كبيرة، و يتفحص بحب شديد، و يبتسم إبتسامة عاشق متيم، و في نفسه ينظر لها على أنها ملاك بريئة و لا تشبه البشر، و ينطق قلبه قبل اللسان أنه يعشق سارة. 

الجميع ملتهي بنفسه، يوجد من  مشغولة بالقراءة أو يلهو في الحديث،حدث نفسه:

_ عمري ما شوفت جمال كده، عيونك التي تشبه سوداء الليل، بشرتك التي كأنها مثل الثلج.

و تسمرت عيونه على شفتيه، و تصور مشهد تخيلي، لمدة ثواني يتمني أن يصبح حقيقة ، لكن سرعان ما اغمض عيونه بندم و هو يسخط على نفسه، أن سارة لا تستحق أن يفكر فيها هكذا، هي ليست مثل الجميع، هي حبيتها، أجل سارة حبيت أدهم.

فتح عيونه، و تمعن النظر لها، و نطق  القلب بكلمات ثقيلة، و تجمعت الدموع في عيناه، حتي العقل صامت و لم يحذره من المجهول، همس لنفسه:

_  سارة أنا بحبك، لا مش حب ده جنون،و  بعشقك، نفسي أقدر أصرخ قدم كل الناس و أقول بحبك يا أجمل حاجة في حياتي، مش عارف حصل ازاي و ليه بس في الاخر بحبك، من غير مجهود منك سيطرتي على عقلي  و قلبي  ،  حتي قلبي  يرقص  لما يشوفك  عيوني دائما متشوقة تشوفك ديما، لساني يشعر بلذة غريبة لما يقول أسمك، كل ده امت و ازي وليه؟

معنديش أجاب،أنا  متأكد من حاجة  واحد  ، أني بحبك يا سارة ، بحبك و عارف أن  الحب ده محكوم عليه بالإعدا،م ، بس مش بمزاجي أقع في  حبك، عارف أن اللي جاي جحيم بس بحبك و منتظر منك تحبني.

فاق من الدوامة التي تدور داخله ، فاق من الحرب بين العقل والقلب ،العقل يقول هذا لا يحدث ،و القلب يقول كل دقة من قلبي تنطق بإسم سارة ، فاق على صوت أصبح يعشقه وهي تسأل:

_ دكتور أدهم.

ظن أنه يتخيل، لكن قالت:

ـ دكتور أدهم ممكن أسأل حضرتك حاجة؟

القلب يعتصر من الحزن ،و الدموع عالقة في عيناه ،القلب ينزف،  أخذ نفس عميق و أجاب : 

_ اكيد اتفضلي.

جلست على المقعد المقابل له، و أشارت على صفحة معينة من الكتاب و هي تسأل:

_ ممكن حضرتك تشرح لي الجزيئة دي لأني حاولت أكتر من مرة و مش عارفة افهمها.

أجاب بصوت مختنق:

_ طبعا.

وبدأ يشرح لها و هي تنظر إلى الكتاب بتركيز شديد، حتي لم تنتبه أن صوته مخنوق و يظهر عليه الحزن، انتبهت عندما سقطت دمعه منه على الكتاب، رفعت نظرها سريعاً و سألت بتوتر:

_ في ايه حضرتك أنت كويس؟

لازم الصمت و ينظر لها نظرات هي لم تفهمها، سألت مرة أخرى:

_ حضرتك تعبان.

لا إجابة و لأول مرة تجرأت و فعلت أمر غريب عنها، عندما تأملت عيناه محاولة منها تقرا ماذا تختفي؟

و تلاقت العيون و حدث الأمر الذي يريده ، النظر في عيناها بعمق، شعرت بشيء غريب، و نسيت نفسها ، و هي تسافر معه بكامل إرادتها إلى رحلة إلى مكان و زمن بعيد، قرب جسده على الطاولة حتي يكون قريب منها اكثر، و حرك شفتيه دون صوت: 

_ بحبك يا سارة.

شعرت بالجليد يسري في عروقها، جحظت عيونها بصدمة، و خفق قلبها سريعاً ، هي لم تسمع شيئاً لكن حركة شفتيه تخبرها بجملة مدمرة، عادت إلى رشدها بعدما أعلن الهاتف عن التذكير بالصلاة على الرسول عليه افضل الصلاه والسلام...

هرولت بفزع و لم تغادر الطاولة قط بل غادرت المكتبة باكماله، ذهبت الى الحمام، و هي تصببت عرقاً و تهتف بجنون:

_ اكيد أن فهمت غلط، هو مقالش حاجة، أيوة هو متكلمش، طيب و كان يعيط ليه، و أنا مالي بكده.

غسلت وجهها بالماء البارد لعل  تنعش قلبها و تنسي ماحدث منذ قليل، و لسانها يردد الاستغفار لأنها ارتكبت ذنب بالنظر له..

أما هو ظل جالس لوقت طويل بحزن و ضياع...
////////////////
بعد يومين

في زفاف سامي (شقيق مريم)

في فندق على النيل.

يجلس بمفرده على طاولة معزولة ، و عيونه لم تشاهد إلا هي، جاء عماد و سأل:

_ أنت قاعد بعيد كده ليه؟

سأل هو سؤال آخر:

_ هو مفيش مشروب هنا؟

صاح بغضب شديد:

_ بلاش فضايح يا أدهم ، عايزة تشرب غور من هنا.

و تركه و غادر، أبتسم و قال:

_ حاضر اغور يا عماد.

نهض من مقعده و غادر القاعة، و ذهب إلى الكازينو الخاص بالاوتيل، و ظل يحتسي الكحول بشراهة و بدون كنترول و لم يفكر في مظهره أمام الجميع.

بعدما اكتفى من الشراب، ترنج إلى الخارج متجه الى القاعة، و مقرر الاعتراف بمشاعره لسارة، لمح أنها تقف خارج القاعة.

منذ قليل شعرت بالضجر و غادرت القاعة، لأنها لم تحبذ هذا الجو.

سارت في اتجاه و هو يصرخ : 

_ سارة.

التفتت على الصوت و رأت أنها يسير بصعوبة و يتميل يمين ويسار ، عقدت حاجبيها بتعجب و لم تعلق و توجهت لتذهب إلى القاعة، لكن وقف أمامها و قال بصوت عالي:

_ ازيك يا سارة.

ابتعدت للخلف بتوتر، أما هو اقترب منها و ردد متسائلاً:

_ اوعي تكوني خائفة مني؟

أخذت نفس مطولاً و ردد متوترة:

ـ لو سمحت يا دكتور سبيني امشي عيب كده.

: قولي أنك بتحبني علشان اسيبك.

هكذا صرح لها، اتسعت عيناها دهشة، و اضطرب قلبها، و ارتجفت أوصاله خوفاً ، و لعقت شفتيها و هي تردف: 

_ ايه الكلام ده؟

- كشر عن أنيابه كشر عن أنيابه ، عيناه مخفية و بها تهديد صريح لها، و صرح لها:

_ أنا بحبك و عايزك و لازم توافقي و إلا أدخل جوة و أقول إننا بنحب بعض من زمان و بينا علاقة.

وقفت صامتاً لم تجد كلمات تقال فهذا الوقت، رفعت عيناها و شعرت بالقشعريرة تسير في جسدها عندما وجدت عيون غاضبة و كأنها قطعة من النار.

و فجأة دوي صوت ارعبها و شعرت أنها النهاية رغم أنها ليست مخطئا:

_ سارة...

تعليقات