رواية مرايا لا تعكس الحقيقه الفصل الخامس بقلم أمل عبدالرازق
_ أنا قولت لحضرتك أنا آسفه، أنا كنت بجري عشان متأخرش على المحاضرة، مش قصدي أكسر نضارتك.
_ ادخلي… صدقيني لو اتأخرتي بعد كدا مش هتدخلي ليا محاضرات تاني.
بعد دخولها، همست إليها صديقتها التي تجلس بجوارها، وكانت نظراتها تلمع بالفضول.
_ شايفه يا بت يا تسنيم المعيد الجديد دا حلو ازاي! بس واضح إنه مغرور أوي، متعلم في لندن بقى وجاي شايف نفسه علينا.
_ دا إنسان بارد جدًا… وربنا يسترها علينا. وبعدين لمي نفسك! إيه الكلام اللي بتقوليه دا؟
_ طب بزمتك مش حلو؟ وزي القمر وطول بعرض؟
_ احترمي نفسك يا تغريد… أنا مش طايقة نفسي أصلًا.
_ قوليلي… هو كان موقفك قدام الباب وبيتودود معاكِ في إيه؟
كانت تستعد للرد، لكن عمر التفت لهما فجأة وكأنه التقط كلماتهما من الهواء.
_ قومي يا آنسة… منك ليها! قوليلي كنت بقول إيه؟
_ بصراحة يا دكتور… مكنتش مركّزة مع حضرتك. صاحبتي كانت بتسألني عن حاجة.
_ والحاجة دي حبكت تتقال دلوقتي؟… عمومًا انتو الاتنين هاخدكم غياب. قوليلي اسمك.
رفعت رأسها واستجمعت أنفاسها ثم قالت بثبات رغم ارتباكها:
_ أنا تسنيم إبراهيم المالكي.
تجمّد عمر فجأة. اتّسعت عيناه كأن الاسم صفعة أيقظت فيه بابًا مغلقًا منذ سنوات. ظلّ يحدّق فيها أكثر من دقيقة كاملة. ارتبكت تسنيم، وبدأ الهمس ينتشر بين الطلاب في المدرج.
_ هو اسمي فيه حاجة غلط يا دكتور؟ ولا أنا ضايقت حضرتك وأنا مش واخدة بالي؟
انفعل عمر:
_ طالما مش مركزين… اتفضلوا اخرجوا برا المدرج خالص.
خرجت هي وصديقتها، وما إن ابتعدتا حتى انفجرت الأخيرة بالكلام.
_ هو ماله اتصدم كدا ليه لما قولتي اسمك؟
_ وأنا هعرف منين؟ أنا اتخضّيت منه… أحرجنا وحرق دمنا! ارتاحتي؟ شوفتّي حلاوته عملت فينا إيه؟ روحي منك لله!
_ بقولك إيه… فكك من السكشن دا! تعالي ناكل الأول وبعدين نكمل باقي المحاضرات.
كانت على وشك الرد عندما وجدته يقف أمامهما فجأة، وصوته منخفض ولكن ثابت.
_ اتمنى متزعليش من تصرفي… بس كان لازم أعاقبك عشان الكل يتعظ. عمومًا حصل خير.
_ حصل خير يا دكتور. واحنا آسفين.
_ لا… مافيش داعي للأسف. تحبي أعزمِك على حاجة تشربيها بما إني سمعتكم بتقولوا رايحين تاكلوا؟ أنا رايح الاستراحة.
_ آسفه يا دكتور… مش هقدر. عندنا محاضرة. شكرًا جدًا.
_ تمام… بعد إذنك.
وما إن ابتعد حتى اندفعت صديقتها بكلامها كالعادة.
_ هو أنا شفافه؟! يعني كل دا وشفافه؟! دا مفكرش يعتذرلي أنا كمان! لأ في حاجة… الراجل دا وراه حاجة. يا إمّا بقى وقع ومحدش سمّى عليه من أول ما شافِك!
_ أنا مش عايزة أسمع صوتك باقي اليوم… لازم أشوفلي صاحبة غيرِك. انتِ مُوَرّطاني معاكِ!
_ يلا يا ست الكل… نلحق المحاضرة وبعدها نقطع علاقتنا ببعض.
بينما كانت تتجّه إلى محاضرتها التالية، كان عمر يراقبها من بعيد دون أن يلفت نظرها. كان عقله يغلي… كيف تكون هي نفسها رفيقة طفولته؟ كيف اجتمعت الأقدار بهذه السرعة؟
لم يكن مستعدًا للمواجهة قبل أن يكتمل كل شيء… قبل أن يحين وقت الانتقام.
لكن وجودها بين يديه في الكلية سهّل كل الطرق، وفتح له الباب الذي ظلّ يبحث عنه لسنوات.
___________
بعد انتهاء يومها الطويل، خرجت تسنيم المدرج لتجد عمر ينتظرها عند الباب.
_ يا باشمهندسة… ممكن دقيقتين من وقتك؟
_ نعم يا دكتور؟ يا ترى أنا عملت حاجة ضايقت حضرتك تاني؟
توقّف للحظة… وغرقت عيناه في ملامحها.
مرّ أمامه شريط طويل: طفلة تضحك… يرفعها بين ذراعيه… تجري خلفه وتتمسّك بقميصه… ثم صورة أخرى: فتاة جميلة تكبر، يزداد وجهها هدوءًا وبراءة.
غصّ حلقه دون أن يشعر.
_ أنا… عايز أعتذرلك.
اتّسعت عيناها بدهشة.
_ مين فينا اللي يعتذر؟ أنا اللي كسرت نضارة حضرتك! وأكيد حضرتك دلوقتي واخد عني فكرة وحشة.
_ لأ بالعكس… انتي أحسن بنت في الدنيا. وأنا غلطت لما قلتلك إنك قليلة الذوق… كنت متعصب جدًا. أنا آسف ليكِ.
احمرّ وجهها خجلًا.
_ شكرا لحضرتك… دا من ذوقك.
_ طب تسمحيلي أعزمِك على عصير أو أي حاجة تحبيها؟ عشان أحس إنك قبلتي اعتذاري.
_ للأسف مش هينفع… صاحبتي مستنّياني. وبابا كمان جاي ياخدني.
_ خلاص… يبقى بكرا. لازم أعزمِك. وإلّا هفضل حاسس بالذنب. وبعدين أنا لسه راجع مصر بعد 18 سنة غياب… وعايز مهندسة شاطرة زيك تحكيلي عن البلد والكلية.
_ حاضر… أنا بكرا عندي محاضرة واحدة. ممكن بعدها حضرتك تعزمني على عصير فراولة.
قال دون وعي:
_ إيه دا… انتي زي ما انتِ! لسه بتحبي الفراولة.
اتسعت عيناها بارتباك.
_ عرفت إزاي؟
أدرك ما قاله… فعدل كلامه بسرعة.
_ لأ… أقصد إنك زيي بتحبي الفراولة. يلا… اتفضلي عشان ماتتأخريش.
كانت تشعر بقلق غريب منه… ملامحه مألوفة، صوته قريب، وطريقته معها مختلفة عن باقي زملائها.
لكنها دفعت الفكرة جانبًا واقنعت نفسها بأنه مجرد شعور عابر.
أما هو… فكان يتبعها بخطوات محسوبة، يخفي نفسه في الظل، ويراقبها وهي تخرج مع والدها إلى السيارة.
ابتسم بمرارة وهو يهمس لنفسه:
بريئة أوي وجميلة يا تسنيم.
جمالك يخطف القلب والروح، أنا عارف إن أنا وأنتِ مالناش ذنب في اللي حصل زمان…
بس حق أمي لازم يرجع…
والفضيحة اللي عملها أبوكِ وخيانة أمك وطردكم لينا من بيتنا هيطرد في بنتهم.
__________
داخل منزل أميرة وصبحي ارتفع صوت صبحي غاضب مندهش مما يسمعه من أميرة:
_ هو انتِ ناوية على جناني النهارده ولا إيه؟! شوية هنسافر وشوية لأ! وشويه مش هنسافر غير بعد شهر؟
ردّت عليه أميرة بثبات:
_ بقولك… بنت إبراهيم وأسماء طلعت طالبة عند ابني في كلية الهندسة. يعني تحت إيديه. أخاف أنزل دلوقتي أخرب كل حاجة! هو ذكي وهيعرف يلف عليها… ويخليها تحبه… ويتمكن منها. وساعتها بقى فضيحتها على إيديا أنا.
_ طب ما تنزلي انتِ… وسيبيني أدير الشغل واشوف مصالحنا هنا.
_ رجلك على رجلي يا صبحي. احنا نازلين ناخد حقنا… وهنرجع.
_ يا أميرة إحنا ملناش حقوق هما اللي ليهم حق عندنا، كذبتي الكذبة وصدقتيها.
هنتمسك في المطار، خايف نتكشف ونروح في داهية بسببك.
_ اخرس يا صبحي، طول عمرك ضعيف، اسمع الكلام واسكت.
____________
بيت تسنيم:
كانت أسماء تحدث تسنيم عن العريس، بينما تسنيم تنظر إليها بنفاد صبر.
_ قومي البسي يا بنتي… بلاش تغلبيني. زمان الناس على وصول.
_ هو انتِ خلاص زهقتي مني يا ماما؟ أنا مش مستعدة أتجوز دلوقتي… ومش هقعد مع العريس دا.
_ اقعدي معاه، شوفيه يمكن ترتاحي. هتفضلي ترفضي من غير ما تشوفي؟ أنتِ بنتي الوحيدة… نفسي أطمن عليكِ.
_ بعد الشر عنك يا ماما… بس والله صورته مش مريحاني.
_ هتحكمي عالراجل من صورته؟ دا دكتور بيطري ومحترم! وأبوكِ أول مرة يمدح في عريس.
_ عندي مذاكرة… ومش فاضية للكلام دا. هؤوح أقول لبابا إني مش موافقة.
_ ريّحي قلبي ولو مرة. شوفيه… ولو مش مرتاحة ارفضي.
ضغطت على أسنانها ثم قالت:
_ حاااضر يا ماما… وبعد كدا ابقي عرفيني إن في عريس قبل ما تحطيني تحت الأمر الواقع!
_ البسي الفستان اللي جبتهولِك النهارده… هيليق عليكِ.
_ متشليش هم… أنا هبهرك.
_____________ بقلم أمل عبدالرازق
كان العريس قد وصل وحده، راغبًا في التعرّف على تسنيم أولًا. نهضت أسماء لتُنادي ابنتها، وطرقت الباب برفق. وحين فتحت تسنيم الباب، اتّسعت عينا أسماء صدمةً وهي تحدّق في هيئتها.
_ ايه اللي انتِ لابساه دا يا تسنيم، دَ منظر عروسة طالعة تشوف الراجل اللي متقدم ليها، دا انتِ لو عايزه تطفشيه مش هتعملي كدا
بدت تسنيم ثابتة كعادتها، ترفع حاجبها بثقة طفولية.
_ ما أنا فعلًا عايزه اطفشه، وبعدين ماله لبسي! عباية جميلة من عبايات أمي حبيبتي، وحطيت كحل بسيط يبرز جمال عيوني والطرحة عليها ترتر لون العباية… مافيش أبسط من كدا. إنما جو الفساتين مش ماشي مع بنتك خالص.
وبعدين لازم يتقبلني في كل حالاتي دا لو فعلا شاريني… دا اختبار ليه يا مامتي
اشتدّ صوت أسماء وهي تكتم غيظها.
_ قومي يا تسنيم غيري حالا، انتِ عايزه تفضحينا ولا إيه
لكن تسنيم رفعت كتفيها بلا مبالاة.
_ والله يا ماما لو خرجت ليه ما انا خارجه غير بالمنظر دا… ما هو انا مش متجوزة دلوقتي، ومش بحب حد يورطني… انا مش مستعدة للجواز وبالذات الفترة دي.
حاولت اسماء أن تتماسك، تُخفي رجفة غضبها.
_ أبوكِ لو شافك كدا هيزعل منك. قومي غيري يا تسنيم… اللي من عمرك عندهم ولاد دلوقتي و…
قاطعتها تسنيم وهي تزيح يدها:
_ انا خارجه أشوف عريسي يا ماما… بعد إذن حضرتك
اندفعت قبل أن تُمسكها أمها، ووقفت أمام والدها والعريس. وما إن وقعت عليها عينا إبراهيم حتى انفجر ضاحكًا.
_ تعالي يا حبيبة أبوكِ… اقعدي جنبي
أما العريس فقد اتَّسع وجهه دهشة، إذ كان يعرف أن الفتاة جميلة؛ اعتاد رؤيتها في طريق الجامعة، لكنه لم يتخيل أن يراها بهذا الزي.
وبنبرة جادّة قال إبراهيم:
_ هقوم أنا أعمل مكالمة وأرجعلكم
تركهما وحدهما، فبادر الشاب بالسؤال، محاولًا أن يبدو أكثر ثباتًا مما يشعر به.
_ عاملة إيه يا آنسة تسنيم
_ الحمد لله كويسة… حضرتك عامل إيه
_ أنا كويس… ممكن أسألك سؤال بسيط؟ بس متفهمنيش غلط
_ طبعا… اتفضل اسأل
_ انتِ ليه عاملة في نفسك كدا؟ على فكرة أنا عارف شكلك الحقيقي… وعارف إنك ما شاء الله محترمة وجميلة… ودا مش شكل لبسك خالص
رفعت تسنيم وجهها بخفّة.
_ أنا بحب ألبس اللي يعجبني يا… صحيح هو حضرتك اسمك إيه؟
_ أنا اسمي كاظم… خريج كلية الطب البيطري
_ يعني زوجي المستقبلي هيكون اسمه كاظم؟ لأ فعلا اسم جميل… تسنيم وكاظم! بص يا دكتور… بغض النظر عن لبسي اللي أنا لابساه عشان أطفشك؛ لأني بصراحة مغصوبة… أنا مش عايزة أتجوز ولا مقتنعة بالجواز الفترة دِ
ظهر الانزعاج في عينيه للحظة، لكنه كتمه.
_ بعيدًا عن تريقتك على اسمي… بس دا كان اسم جدي، وكنت بحبه جدًا، وإسمي جميل، عموما دا من ذوقك
ممكن أعرف ليه رافضة الجواز؟
_ انا آسفة مش قصدي، بس أنا عندي أحلام كتير أوي عايزه أحققها. نفسي أسافر كل البلاد وأتعرّف على كل الثقافات. نفسي أكون حرة… مش عايزة أحس إن في عبء عليا. أنا لسه طالبة وبدرس وتقديراتي كويسة… ونفسي أتعين في الكلية. نفسي أحقق كل دا وبعد كدا ييجي فارس أحلامي براحته… وأنا آسفة لو ضايقتك. بس فعلا اسمك عجبني لأنه مختلف ومش شائع.
_ طب ما أنا ممكن أساعدك في تحقيق أحلامك… وأقف جنبك. أهم حاجة تكوني بتعرفي تطبخي… عشان مش بحب الأكل برّا
_ أنا آخري بعمل ساندويتش جبنة رومي. فاشلة جدًا في المطبخ… مش هعرف خالص أطبخ.
للأسف أنا مش مرتاحة ومش عايزة أتخطب. أتمنى متزعلش مني… بس فعلا لو أنا اتخطبتلك واتجوزنا… كدا بظلمك معايا. انا عارفة نفسي
_ خلاص… أنا مش هضغط عليكِ. ومحترم صراحتك جدًا. هقوم أمشي… وهبلغ والدك بقرارك
_ دكتور كاظم… بتمنى حضرتك متزعلش مني. ربنا يعوضك بالأحسن… ويراضي قلبك
_ أكيد مش زعلان… إن شاء الله ربنا يحققلك اللي نفسك فيه
خرج الشاب بهدوء، واتجه إلى الأب، يخبره بأن النصيب لم يكتمل. وبعد دقائق عاد الأب وزوجته إلى غرفة الفتاة، وما إن رآها الأب حتى ضمّها إلى صدره.
_ ليه يا بابا تعمل كدا؟ ما انت عارف رأيي في الموضوع دا! ليه تخليني أكون سبب في كسرة خاطر إنسان؟ أنا زعلانة عشانه يا بابا… وزعلانة من نفسي
_ أنا آسف يا حبيبتي… حقك عليا. أنا بس كنت عايز أريح الست اسماء… لأنها بتقولي إن أنا السبب في وقفان حالِك
رفعت أسماء حاجبها وقالت بنبرة لاذعة.
_ عموما براحتكم… قلّي من نفسك براحتك… وإلبسي لبس مهرول عليكِ براحتك! وانت بدل ما تقولها عيب… بتضحك وفرحان بيها! متتجوزيش يا تسنيم… انتِ حرة، خليكِ قاعدة جنب أبوكِ، أنا ماليش دعوة من اللحظة دي
لكن تسنيم أسرعت لتعانق أمها.
_ يا ماما يا حبيبتي… أنا عارفة إنك خايفة عليا ونفسك تفرحي بيا. بس لسه مجاش الإنسان اللي أحس إنه شبهي وارتاحله. سيبيني أفرّحِك بنجاحي الأول… وبعد كدا العريس يجي براحته. عشان خاطري متزعليش مني. وأنا آسفة على اللبس دا… مكنش في نيتي. بس أول ما شوفت العباية في دولابي قلت: هي دي اللي عليها الطلب وهتخطف قلب العريس.
تمتمت أسماء وهي تتنهد.
_ أكيد أنا كنت مش مركّزة… وحطّيتها في الدولاب بالغلط. وسميرة جاية بُكرة عشان تشوفك.
الحمد لله بعد ربنا أكرمني بالشفاء … قررت أعمل كل حاجة لوحدي. وهي بردو كبرت… ولازم ترتاح شوية
اتسعت ابتسامة تسنيم فرحًا.
_ يااااه… بقالي شهرين من غير ما أشوف دادة سميرة! أخيرًا بقى هشوفها وهتعملي أحلى رز بلبن في الدنيا… مش بحبه إلا من إيديها. بعد إذنكم هدخل أذاكر
مرت الأيام، وشهر كامل انقضى على وجود عمر الذي التحق بكلية تسنيم. كان في كل يوم يجلس معها نصف ساعة، بحجة أنه يرغب في معرفة المزيد عن الكلية والدكاترة. وكانت تسنيم تُحدّثه عن حياتها، ومواقف العرسان الذين تقدموا لها، وعن عائلتها. وقد أعجب عمر بقوتها وخفة ظلّها، فتبدل أسلوبه معها، يسألها في السكشن، يشجعها، ويقترب منها.
وذات يوم، جلسا في الكافيه، بينما همسات الطلبة تدور حولهما.
_ يعني حضرتك عايش في مصر لوحدك… وأهلك في لندن؟
_ بالظبط كدا… وإن شاء الله قريب أوي هيرجعوا
_ بس حضرتك عايش إزاي كدا؟ ومين بيعمللك أكلك… وبيغسلك لبسك؟ طب مش بتخاف وانت قاعد لوحدك في البيت بالليل؟
ضحك على أسئلتها بعفوية لطيفة.
_ لأ مش بخاف… في ست طيبة بتيجي تظبط لي كل حاجة في البيت… وبتعمل لي الأكل وكل حاجة… وقبل ما أرجع بتكون مشيت
_ لأ دا انت ربنا معاك! أنا بابا وماما معايا في البيت وبخاف برضو! معلش أنا هستأذن… عندي محاضرة دلوقتي
_ تمام… اتفضلي وخلي بالك من نفسك. ثواني… افتكرت. بلاش تقوليلي حضرتك دي تاني،وإحنا قاعدين مع بعض قوليلي يا عمر عادي
هزّت رأسها بسرعة.
_ لأ طبعا مقدرش! حضرتك دكتوري… ولازم أحترمك. إن شاء الله هشوف حضرتك بعد المحاضرة. في رعاية الله
_ خلاص… اللي تحبيه. مع السلامة
ــــــــــــــــــــــــــــــ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
كانت تسير بخطوات ثابتة على السُّلَّم، حين استوقفتها إحدى الطالبات أمام الجميع، وقد علت وجهها ملامح التشفّي، وارتفع صوتها بين الطلبة كأنها تنتظر لحظة الانقضاض.
_ إيه؟ خلصتي كلام مع حبيب القلب؟ بتيجي تحبي ولا تتعلمي يا آنسة؟ لأ ممثلة شاطرة عامله علينا دور الملاك وإنتِ بتحاولي تشقطي الدكتور.
عموماً، دا بيقضي وقت معاكِ… ويوم ما يفكر يخطب، هياخد واحدة شبهي، مش واحدة رخصت نفسها زيّك.
تجمّدت خطواتها، واتّسعت عيناها من وقع الكلمات، وانسالت دمعتها رغمًا عنها أمام الجميع.
اقتربت منها صديقتها تغريد، وملامح الغضب تسبق كلماتها.
_ أنتِ عارفه يا هايدي إن تسنيم أحسن منك ومن عشرة زيّك. وكلّنا عارفين إنك بتغلي ومنفسنه منها وهتموتي من الغيرة. سيبك منها يا تسنيم… إحنا عارفين انتي على إيه. على الأقل الدكتور لما طلب مساعدة من حد طلبها منك لأنك شاطره ومؤدبة وبتفهمي، مش زي واحدة بتكلم كل الشباب وسمعتها في الأرض، وتيجي تتكلم عليكِ!
رفعت الأخرى حاجبها بسخرية، وردّت ببرودٍ لاذع.
_ أنا بس حبيت أثبت ليكم إن نظرتي فيها كانت صح من البداية. وطالما ما وجّهتش ليكي كلام يا تغريد، متتكلميش معايا.
وبعدين قبل ما تكلميني روحي بصّي على منظرك في المراية الأول.
كان عمر يقف بعيدًا يراقب المشهد كله، وعيناه تفحص ملامحها مع كل كلمة. وحين همّت هي بالرد، تقدّم بثبات ووقف أمامها مباشرة، صوته يخرج قاطعًا التوتر.
_ رايحة تردّي عليها وتبرّري إيه؟ واحدة قاعدة في مكان عام… والدكتور بتاعها قاعد معاها عادي، بيشرحلها حاجه مش فاهماها، إيه الغلط في دا؟
حسابك معايا في مكتب العميد يا هايدي،
وغير كل دا… تسنيم هتبقى خطيبتي.
يعني مش مسموح ليكِ ولا لغيرك يرفع عينه فيها أصلًا.
تجمّدت الوجوه جميعها، كأن الوقت توقّف لحظة حين نطق عمر بالجملة الأخيرة.
الصدمة ارتسمت على ملامح الطلبة، لكن تسنيم كانت الأكثر ذهولًا… لم تستوعب الكلمات التي انهمرت فجأة على مسامعها.
استدار جسدها بتلقائية، وعيناها معلقتان بالأرض. تركتهم جميعًا خلفها، وغادرت مسرعة… ثم خرجت من الكلية بأكملها، يسبقها خوف وقلق لا تدري كيف تواجهه.
