رواية مرايا لا تعكس الحقيقه الفصل السادس بقلم أمل عبدالرازق
_ رايحة تردّي عليها وتبرّري إيه؟ واحدة قاعدة في مكان عام… والدكتور بتاعها قاعد معاها عادي، بيشرحلها حاجه مش فاهماها، إيه الغلط في دا؟
حسابك معايا في مكتب العميد يا هايدي،
وغير كل دا… تسنيم هتبقى خطيبتي.
يعني مش مسموح ليكِ ولا لغيرك يرفع عينه فيها أصلًا.
تجمّدت الوجوه جميعها، كأن الوقت توقّف لحظة حين نطق عمر بالجملة الأخيرة.
الصدمة ارتسمت على ملامح الطلبة، لكن تسنيم كانت الأكثر ذهولًا… لم تستوعب الكلمات التي انهمرت فجأة على مسامعها.
استدار جسدها بتلقائية، وعيناها معلقتان بالأرض. تركتهم جميعًا خلفها، وغادرت مسرعة… ثم خرجت من الكلية بأكملها، يسبقها خوف وقلق لا تدري كيف تواجهه
_____________
_ أهلاً وسهلًا بيك في شركتي المتواضعة يا دكتور عُمر.
_ أهلًا بحضرتك شرف كبير ليا معرفتك. انا عارف انك مشغول، مش هاخد من وقت حضرتك كتير… أنا جاي النهارده اخد ميعاد مناسب أزوركم في البيت… علشان أطلب إيد الأنسة تسنيم.
تغيّرت ملامح إبراهيم قليلًا، وتنهّد بصوت عميق.
_ بص يا ابني بنتي رافضة الفكرة، مش عايزه تتجوز دلوقتي. وبصراحة… بما إنك دكتور عندها في الكلية، أنا مش هقدر أجبرها تشوفك، علشان ما تأثرش عليها وتخاف تيجي الكلية، ممكن تستنى لبعد الامتحانات… لحد ما أسأل عليك كويس؛ لأن تسنيم بنتي الوحيدة وحبيبة روحي.
_ أنا تقريبًا قلت لحضرتك كل حاجة عني… كنت عايش برا مع والدي ووالدتي من طفولتي. هما مش هيقدروا ينزلوا مصر بسبب شغلهم، بس حضرتك ممكن تسأل عني في الكلية. والأهم… إني محتاج أقعد مع تسنيم لو مرة واحدة بس، وأنا واثق إنها هتوافق.
رفع إبراهيم حاجبه باستغراب:
_ وجايب الثقة دي منين بقى؟
_ صليت استخارة، وقلبي مرتاح للخطوة دي. ومش هلاقي زي تسنيم حضرتك ربيتها أحسن تربية. ولو هي وافقت أنا مستعد أجيبلها كل اللي تتمناه.
ارتسمت على وجه إبراهيم ملامح امتزج فيها القلق بالحكمة.
_ بص يا عمر أنا مش عايز من الدنيا غير زوج صالح لبنتي يحافظ عليها ويحميها. عمومًا أنا هتكلم مع تسنيم وهحاول أقنعها. وهكتبلك عنوان البيت، تقدر تيجي النهارده عشان انا محتاج أعرفك أكتر.
_________
في البيت، كانت أسماء تنادي ابنتها بصوت حنون.
_ يلا يا تسنيمو… الغدا جاهز. وبابا رجع وبيغيّر هدومه.
_ أنا مش جعانة يا ماما… من فضلك سيبيني شوية لوحدي.
جلست أسماء إلى جوارها، تنظر لها بقلق واضح.
_ مالك يا تسنيم؟ حالك مش عاجبني، في إيه يا حبيبتي ماما؟
_ قلبي واجعني يا ماما، ومبقتش عايزة أروح الكلية ولا عايزة أتعامل مع حد.
ضمّت أسماء تسنيم برفق:
_ احكيلي إيه اللي مضايقك؟ مش إحنا أصحاب؟
روت لها تسنيم كل شيء… منذ لحظة تعرّفها على عمر، مرورًا باهتمامه، وكلام هايدي، ورد تغريد، وصولًا إلى الجملة التي صدمت الجميع قبلها هي.
تنهدت أسماء وقالت بنبرة عتاب محبّة:
_ عارفه إن اللي حصلك كله… سببه إنك ماحطيتيش حدود بينك وبين الدكتور عمر، مش معنى إنه دكتورك… تقعدي معاه وتحكيله عن حياتك. وواحدة زي هايدي طبيعي تتكلم كدا؛ لأنك وفرتي ليا فرصة مكنتش لاقياها وكان نفسها تمسك عليكِ حاجه
لما تتجاهلي تعاليم دينك وقيمك، انا فهمت من كلامك إنه شاب صغير ومش متزوج، حتى لو كان متزوج ميصحش يا حبيبتي لأنه في الأول وفي الآخر راجل أجنبي عنك.
لا يصح إلا الصحيح يا تسنيم، فين بنتي القوية المؤدبة
_ أنا آسفة يا ماما،عارفه إني غلطت، هو كان بيهتم بيا أوي وعارف كل تفاصيلي الصغيرة، وحسيت في توافق بينا وغصب عني اتعلقت بيه فترة بسيطة، أنا فهمت ليه ربنا حطلنا ضوابط ومنعنا من الاختلاط
_ المهم إنك عرفتي غلطك، قومي صلي ركعتين وانوي التوبة، وخلي تعاملك مع الدكتور دا وأي واحد غيره رسمي جدًا، ولو هو فعلًا عايز يخطبك هيدخل البيت من بابه
دخل إبراهيم فجأة وهو يضحك بصوت مرتفع، قاطعًا التوتر.
_ يا أهل البيت… عصافير بطني بتصوصو من الجوع! عاملين اجتماع مفاجئ ليه؟ أوعي يا أسماء يكون مفيش غدا النهارده؟
ابتسمت أسماء ووقفت:
_ لا يا حبيبي… الغدا جاهز وأنا عاملة لتسنيم أكلتها المفضّلة.
__________
اجتمع إبراهيم وأسماء وتسنيم على السفرة وبدأوا يتناولون الطعام. كان كل ما يشغل بال إبراهيم كيف يحدث تسنيم عن العريس، خصوصًا أنه رأى فيه شابًا محترمًا ذا مكانة، متعلمًا ومثقفًا، ويبدو عليه الخلق وحسن النية تجاه ابنته. قرّر أن يخبرها ويسمع رأيها.
_ تسنيم يا حبيبتي، جايلِك عريس.
انقبض قلب تسنيم، ثم رفعت عينيها إلى والدها وقالت:
_ انت عارف وجهة نظري في الموضوع دا يا بابا… وبعدين انت كنت زيّي وموافق على كلامي، إيه اللي اتغيّر؟
حاول إبراهيم تهدئتها بنبرة رزينة، كعادته حين يخشى تسرّعها:
_ بصّي قبل ما تتسرّعي زي كل مرّة، أنا هقولّك مواصفات الشاب دا ومميّزاته، وهسيبلك حرية الاختيار، يا إمّا توافقي، يا إمّا ترفضي.
قالت أسماء بحماس:
_ قول يا إبراهيم إحنا سامعينك. واضح إن الشاب دا عاجبك.
تنفّس إبراهيم بعمق وقال:
_ محترم جدًا ومتعلم كويس يا أسماء. اسمه عمر… متعلّم في لندن ومتخرّج بتقدير امتياز. وما شاء الله عليه مجتهد جدًا ومعتمد على نفسه. أهله عايشين برا علشان شغلهم، ومستواه المادي كويس. وكمان شاب وسيم جدًا.
ثم نظر إلى تسنيم بطرف عينه:
وعلفكرة هو دكتور في كلية الهندسة، أظن كدا ممكن تكوني عرفتي هو مين يا تسنيم.
نظرت أسماء إلى ابنتها وابتسمت:
_ ها؟ إيه رأيك يا تسنيم؟ أظن مواصفاته كلها كويسة… وشاريكِ جدًا.
تابع إبراهيم:
_ أنا قلتله إن بنتي رافضة الفكرة ومش هتوافق… لكن أصرّ إنه ييجي يقعد معاكي ولو مرّة واحدة، يمكن تقتنعي.
وفعلًا قولتله يجي النهارده يقعد معاكِ شوية.
أنا مش عايزِك تستعجلي… اقعدي معاه الأول، وبعد كدا قرّري براحتك.
قالت تسنيم بخجل:
_ حاضر يا بابا هقعد معاه، وطالما حضرتك مقتنع بيه كدا… ممكن يكون كويس فعلًا.
ابتسم إبراهيم براحة:
_ ربنا يكتب لك اللي فيه الخير يا حبيبتي… ويفرّح قلبي بيكِ… وتكوني مع اللي يستاهلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخلت أسماء الغرفة حيث كانت تسنيم تستعدّ، وقالت بصوت دافئ:
_ عروستنا الحلوة… لبستِ ولا لسه؟
فتحت تسنيم الباب لأمها، ووقفت أمامها بخجل لطيف:
_ قوليلي بصراحة… إيه رأيك في الفستان عليّا يا ماما؟ بجد شكلي حلو ولا لأ؟
امتلأت عينا أسماء بالدموع من فرحتها:
_ ما شاء الله… اللهم بارك… زي القمر يا تسنيم.
يا رب أعيش لليوم اللي أشوفك عايشه فيه في بيتك سعيدة ومتهنية.
اقتربت تسنيم وحضنت أمها بقوة:
_ إن شاء الله يا ماما هتفرحي بيا وبولادي وولاد ولادي كمان.
ضحكت أسماء وسط دموعها الخفيفة:
_ إن شاء الله يا حبيبتي. يلا عشان العريس برا من بدري.
بس تصدّقي ملامحه مش غريبة عليا أبدًا!
حاسّة إني شيفاها قبل كدا، حتى نبرة صوته حاسّة إني سمعتها، بيفكرني بحد بس ..... استني دا كان عايش في لندن وأميرة وابنها في لندن، بس إزاي الإسم مختلف تماما، تسنيم هو إسمه الحقيقي عمر؟
_ تسنيم: ايوه طبعا، هيبقى استاذ في الكلية بإسم مستعار يعني وبعدين دا كان عايش برا… هنشوفه فين؟
هو فعلًا وشه فيه قبول وتحسي انك عارفاه من زمان.
_ يا رب لو كان خير ليكِ ربنا يجعله من نصيبك، ولو شر ربنا يبعده عنك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمّا عمر، فكان جالسًا في الصالون، منغمسًا في ذكرياتٍ لم يكن يتوقع أنها ستعود بهذه القوة.
ذكريات طفولته في هذا البيت… يوم تعثّر وسقطت أسماء على الأرض بسببه، وحين لم ترفع صوتها عليه، بل احتضنته وهدّأته.
تذكّر كيف كانت تطعمه بيديها، وكيف كان يشعر بقربها…
لم يتذكر التفاصيل كاملة، لكنها كانت راسخة في قلبه.
والآن… عاد إلى نفس البيت، لا ليُكرّم ذكريات الماضي، بل ليأخذ "حق أمه" منهم..... من أسماء وزوجها.
عاد ليجعل إبراهيم يتنازل عن كل شيء، مقابل أن يرحم ابنته أغلى ما يملك.
لكن دخول تسنيم قطع خيوط الانتقام في داخله؛ للحظة نسيَ كرهه، ونسي خططه.
كانت تقف أمامه… هادئة، رقيقة، شديدة الجمال.
شيء ما في قلبه دقّ للمرة الأولى.
ابتسم رغمًا عنه، ونهض وهو ما زال مأخوذًا بجمالها:
_ عاملة إيه يا آنسة تسنيم؟
توترت تسنيم بشدة، وردّت بصوت خافت:
_ الحمد لله… كويسة.
_ تعالي يا تسنيم… اقعدي هنا يا حبيبتي.
جلست بجواره، وعيونها مثبتة في الأرض من شدة الخجل.
أما عمر… فكان إبراهيم يلاحظ جيدًا نظراته التي لم يستطع إخفاءها.
غار على ابنته غيرة الأب الذي يخشى على قلب صغيرته من ان يتسبب أي إنسان ألمه.
فقال بحدة خفيفة:
_ اتفضل يا دكتور، قول اللي انت عايزه إحنا سامعينك.
انتبه عمر لنفسه، وسحب أنفاسه:
_ احم… احم…
يا عمي، يشرفني ويسعدني… إني أطلب إيد بنت حضرتك الآنسة تسنيم.
وهكون أسعد إنسان في الدنيا لو وافقت عليّا.
ابتسم إبراهيم:
_ أنا شهادتي فيك مجروحة…
الأهم دلوقتي رأي تسنيم.
أنا هسيبكم مع بعض شوية على ما أعمل مكالمة جنبكم هنا، ولو وافقت… إن شاء الله نتفق على كل حاجة ونقرأ الفاتحة.
_ عمر: أنا واثق في ربنا وإن شاء الله هتوافق عليّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
_ انا عارف انك اتفاجئتي واتضايقتي لما قولت قدامهم انك خطيبتي… بس صدقيني، مقدرتش اشوف حد بيتكلم معاكِ بالطريقة دي واسكت، شوفت إن دا كان أنسب وقت أقولك فيه إني عايز اخطبك.
رفعت تسنيم نظرها إليه، ما زالت آثار الصدمة تسكن ملامحها:
_ مافيش واحدة كانت تتجرأ تقولي كلام زي دا، بس بسبب كلام حضرتك معايا كل شوية، قالت ليا الكلام اللي سمعته بنفسك.
_ حقك عليّا… بكره دبلتك تنوّر إيدك ومافيش حد هيتجرأ يتكلم معاكِ. وقبل ما تسألي هجاوبك… لأ يا ست البنات، أنا مش جاي أتقدملك عشان قولت قدامهم إنك خطيبتي، وإنتِ في الحقيقة مكنتيش تعرفي حاجه ولا حتى قرينا فاتحة، أنا لقيت نفسي بقول كدا تلقائي.
صدقيني قلبي أول ما شافك اطمن، واختارك وارتاح ليكِ… وقالّي يا عمر هي دي فتاة أحلامك اللي كنت بتتمناها.
لم تستطع منع ابتسامتها الصغيرة، ثم همست بخجل جميل:
_ بس انت بتعرف الاسئلة اللي عايزه اسألها ليّك إزاي؟
ابتسم بثقة واضحة:
_ عادي… بمشي ورا إحساسي، وبيطلع صح. أنا شاريكِ وحاسس إنك شبهي.
إيه رأيك… تتجوزيني؟
تورّد وجهها واحمرّت خدودها، فزاد ذلك من جمالها الهادئ.
_ ها… قولتي إيه؟ قولي موافقة… واروي عطش قلبي بقى.
جاء صوتها خافتًا، لكنه كان كافيًا ليهز قلبه كله.
_ موافقة… بس أهم حاجة رأي بابا وماما.
هربت إلى غرفتها من شدّة الخجل، وقلبها يرفرف فرحًا كطائر تحرّر أخيرًا.
دخل والدها وراءها بخطوات هادئة:
_ ها… ايه رأيك يا حبيبتي؟ لو مش موافقة… مستحيل أغصبك وهو ميقدرش يعملك حاجه في الكلية.
_ بصراحة… قلبي مرتاح يا بابا. وكمان حضرتك موافق… واللي حضرتك تشوفه في الأول وفي الآخر.
ضمّها بحنان لا يشبه إلا حنان الآباء:
_ كبرتي… وبقيتي عروسة يا تسنيم، ربنا يجعله خير ليكِ… يلا على بركة الله.
وبعدها دخل إلى الصالون وأخبر أنس بموافقة ابنته، فاتفقا على أن تكون حفل الخطبة آخر الأسبوع، وبعد إصرار أنس وافق الأب أن يكون كتب الكتاب بعد شهرين من الخطوبة، والفرح بعد عام.
__________
وفي اليوم التالي في الكلية، كانت تغريد لا تكاد تُصدّق ما تسمعه.
_ بتهزري يعني صاحبتي تتقرأ فاتحتها وأنا معرفش؟! لأ… وعلى مين؟ الدكتور عمر كمان؟!
_ يا بت وطي صوتك، الناس هتسمعنا، الموضوع جه فجأة… بس أكيد هعزمك على الخطوبة.
_ عالفكرة أنا بعلي صوتي بمزاجي… عشان أغيظ ناس هنا.
_ لأ… كبّري دماغك. أنا مش فارق معايا خلاص، ولا عايزة أثبت حاجة لحد،أنا عارفة نفسي على ايه كويس. المهم أنا مبسوطة أوي حاسه إني عايزه أطير
_ ربنا يفرح قلبك كمان وكمان، عشان تعرفي إن أنا كان عندي حق من الأول! قولتلك أول ما شافك وقع ومحدش سمّى عليه.
_ بس بقى عشان بتكسف. أنا هروحله مكتبه… عشان نِسِي نضارته عندنا امبارح… وأكيد دور عليها.
_ هي النضارة دي السبب، ربنا يرزقني بواحد ابن حلال اكسرله نضارته ويحبني بعدها. أنا هسبقك على المحاضرة… وألف مبروك يا عروستي.
___________
اتجهت تسنيم نحو مكتبه، تحمل النضارة بين يديها، وما إن اقتربت من الباب، وهمّت بالطرق… حتى سمعت صوته من الداخل، صوتًا لم تسمعه بهذه الحدّة من قبل.
كان يقول في الهاتف بصوت منخفض لكن واضح:
_ خلاص هانت يا ماما وخطتنا هتنجح، وهترجعي بلدِك معزّزة مكرّمة.
أوعدك أنا هاخد حقك من إبراهيم ومن أسماء … وتسنيم هعملها نفس الفضيحة اللي عملوها ليكِ، هاخد منهم كل اللي حيلتهم، انا مش ناسي إن بسببهم بعدنا عن بيتنا وعيشت أسوأ أيام حياتي،هاخد منهم اللي وراهم واللي قدامهم.
خلاص هانت… وهتبقى تحت إيدي. أنا عارف ان هي هي مالهاش ذنب… بس ذنبها الوحيد إنها بنت أكتر اتنين بكرههم والتالت اللي اسمه فريد دا لسه حسابه جاي، اطمني أنس ابنك هيردلك اعتبارك
سكت قليلًا، ثم تابع:
_ خلاص ماشي يا ماما، انزلي مصر واختفي عن الأنظار لحد ما أكتب الكتاب وهستعجل عشان اعمل فرح وأجيبها تحت رجلك، ووقتها نلعب على المكشوف. وأوعي يا ماما تظهري للأنظار لأن عمليات التجميل مش بتخفي الملامح الحقيقية وإنسي انك اسمك أميرة.
ارتجفت قدماها، وانهارت دموعها قبل أن تعي ما يحدث… لم تستطع أن تستوعب بأن من وثقت به… هو نفسه الذي يحيك خيط الانتقام حولها.
وما إن شعرت باقترابه من الباب… حتى ركضت. ركضت بلا وعي، بلا اتجاه، حتى وجدت نفسها في الشارع، تستوقف سيارة أجرة لتذهب إلى والدها… وقلبها يتمزق وهي تفكر:
لماذا؟ ماذا يريد منهم؟ ولماذا كانت هي السهم الذي سيصيبهم؟
في الوقت نفسه كان عمر _أنس_ يبحث عنها، وسأل صديقتها عنها فأخبرته أنها كانت ذاهبة لتوصيل النظارة إليه، ولم تعد حتى الآن. خشيَ أن تكون قد سمعت ما دار بينه وبين أمه.
حاول الاتصال بها… لكن هاتفها كان مغلقًا.
____________
وصلت إلى الشركة، اندفعت نحو مكتب والدها، وارتمت بين ذراعيه كطفلة مرعوبة.
_ احنا كنا هنروح ضحية لعبة كبيرة قوي يا بابا…
كان إبراهيم يربّت على كتفي ابنته محاولًا تهدئتها، بينما عيناها تفيض بالخوف والخذلان. لم يفهم شيئًا بعد، لكن ارتجاف صوت تسنيم كان كافيًا ليوقظ في داخله غريزة الأب الذي يشعر بالخطر قبل أن يراه.
رفعت رأسها أخيرًا، ونطقت بكلمات متقطّعة:
_ بابا… عمر مش عمر… اسمه أنس… اأمه اسمهاااا أميرة… وكان جاي ينتقم مننا… وأنا وسيلته في الانتقام أنا كمان.
سقطت الجملة الأخيرة كالصاعقة في قلب إبراهيم. تجمّدت ملامحه، وابتلع صدمته بصعوبة. في تلك اللحظة فقط، أدرك أن شيئًا مظلمًا يتحرك حول أسرته… أقرب مما تخيّل.
البيدج بتاعتي حكايات أمل للكاتبه أمل عبدالرازق
