رواية شمس الحرام ( كامله جميع الفصول) بقلم آيه طه


رواية شمس الحرام الفصل الاول بقلم آيه طه


صوت الطلقة شق الهوا زي السكينة، والناس اتفزعت من قلبها. حسن وقع على ركبته من الخضة وجنبه الدم سال بسيط من أثر الرش، وسلمى صرخت من جواها قبل براها.


العمدة واقف قدامه زي جبل، ماسك الطبنجة ووشه ميت من أي رحمة، وبيزعق بصوت مسموع للكفر كله:


طلقها يا حسن… طلقها دلوق وحالا قدام الخلق كلاتها! انت متستهلش تتزوج بنيه من كفرنا بعد عملتك ديه... 


حسن بصله بعين متحدية رغم الخوف والقهر، صوته مهزوز لكنه ما انكسرش:

انا مش هطلق مرتي… دي مرتي وأنا مليش غيرها..... وانت خابر زين ياعمدة انى معملتش حاجه واصل زى ما انا خابر زين انت ليه رايد اطلقها... 


سلمى كانت بتترعش وهي بتحاول تفك نفسها من إيدين رجاله العمدة اللي ماسكينها، صوتها متقطع وهي بتبكي:

حرام عليك! هو مالهوش غيري وأنا مالياش غيره! متستقواش علينا اكديه يا عمدة..... هملنا لحالنا واحنا هنسيب الكفر كله ونروح بلد تانيه الله لا يسيئك.... 


العمدة قرب برجله ورزع كعب جزمته في الأرض قدام حسن وهو بصوته المجلجل يقول:

أني مش طالب رأيك، أنا بقولك تطلقها عشان أنا هتجوزها… وهي هتبقى مرتي على سنة الله ورسوله، وبعد ما تخلف هتاخد أجرك وتمشي! وابقى اتجوزها تاني بعد اكديه واضرب عصفورين بحجر واحد خدلك فلوس وعيش عيشه هنيه واتجوزها وخدها بعدين احسن ما تموت دلوك ومش تطول لا ابيض ولا اسود.. 


الكفر كله واقف من بعيد، رجالة وستات وبنات، بس ولا حد قادر يتكلم. العيون مرعوبة، والألسنة مقفولة، وكل واحد بيبعد عن المصيبة قبل ما تدوسه.


حسن رفع دماغه بالعافية، عينه فيها دموع مقهورة وصوته مبحوح: أنا وهي مالناش حد… وانت رايد ترمينا في الطين علشان نفسك؟ مش هطلقها حتى لو موتني.... مش انا اللى ابيع عرضه وشرفه يا عمدة... 


ما كملش الجملة… العمدة شد الزناد وضرب رصاصه دخلت في صدره. وقع على الأرض وهو بيشهق، ودمه نزل بسرعة تحت جسمه. الكفر كله اتجمد.


سلمى صرخت صرخة قصرت العمر:

حسن!! حسن قوملي بالله عليك!! يانااااااس ياااااا خلق! حد يلحقه بحق جاه النبي..... حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ظالم.... 


فضلت تزحف ناحيته وهي بتبكي بحرقة، وبتحاول تشيله من على الأرض بس إيديها الاتنين بيترعشوا.

دموعها نازلة على راسه وهي بتقول:

افتح عينك! ما تسبنيش لوحدي! قوم يا سبعي وظهري واماني..... ااااااه انا ليا مين من بعدك يا حسن...... 


بس حسن ما كانش بيتحرك… كان خلاص.


العمدة راح واقف فوقهم، صوته ميت وبارد: قلتله طلقها رفض… يبقى اختار مصيره..... هو اللى غبي.... وطبعا كلكم شاهدين انه كان بيحاول يتهجم عليا ويقتلني فى ارضي وانا دفعت عن نفسي مش اكديه؟! 


سلمى بصت له بعيون مليانة دم ونار:

لاه يا عمده انت قتلته عشان طمعك! عشان نفسك! عشان تاخدني غصب! وكلنا خابرين زين ان حسن كان برئ وانت اللى ظالم منك لله وبردك مش هتاخدنى يا عمده ولا عمري هكون ليك.... 


مد إيده يشاور على رجالته: شيلوها… وخلاص.... وودها للدار لحد ما تهدى ويجى المأذون يكتب علينا... 


اتنين مسكوها وهي بتقاوم وتصرخ وتهينهم وتضرب فيهم بس جسمها كان ضعيف قدامهم. الناس كلها ساكتة، ولا حد قدر يتكلم.


واحدة ست همست لجارتها: اصل حسن مالهوش أهل… البت كده هتتاخد ومفيش مين يسأل عليها.... والعمدة مهيسبهاش واصل الا لما تعمل اللى هو عوزو منيها... 


التانية ردت وقلبها واقع: ولا هي يا حبه عيني ليها حد واصل … دول اتنين مقطوعين من شجرة، واللي زيهم بيتاكلوا.


رجالة العمدة كانوا بيجروا سلمى بالعافية، وهو واقف زي ملك الموت. وشها مليان دموع وتراب، وصوتها مبحوح من الصريخ والقهر.


وفجأة…


صوت عربية دخل الكفر بسرعة ووقفت قدام الجثة واللمة، وبابها اتفتح بعزم.

نزل كريم، ابن أخو العمدة، راجل متربي في القاهرة ولسانه ما بيعرفش الخوف.


أول حاجة شافها… جثة حسن على الأرض، وسلمى بتتسحب بالعافية ووشها كله دموع قهر.


وقف في النص، وقال بصوت عالي مجروح ومتوتر: إيه اللي بيوحصول اهنيه؟! مين اللى قتله؟! وواخدين البت داى على فين اكديه؟! 


سلمى أول ما شافته صرخت: الحقني يا باشا.... قتلوا جوزي… قتلوه!


والكفر كله وقف بلا صوت…كريم وقف قدام الجثة وبص للعمدة بعيون مش مصدقة ولا قابلة اللي حاصل. 


كريم: قولي إنه مش أنت اللى عملتها ياعمي؟!


العمدة ولا اتكعبل ولا خاف، رد وهو واقف في مكانه: واحد زباله كان رافض يطلق مرته… وأنا مابهددش..... وكمان اتهجم عليا وسرق من ارضي وانت خابر زين اللى يعمل العمله داى ميشرفناش يكون متجوز واحده من بنات الكفر حدانا.... 


الجملة نزلت على ودن كريم زي حجر. عينه راحت على جثة حسن، وبعدين على سلمى اللي رجالة العمدة ماسكينها من دراعها زي المجرمه. 


صرخ بصوت هز الأرض: سيبوها!! واوعى حد يلمسها تانى واصل.... 


رجالة العمدة اتجمدوا لحظة، بس العمدة قال ببرود: دي هتكون مرتي بعد أسبوع… ابعد يا كريم.... ومتدخلش فى شئون الكفر واصل وديه احسنلك يا ولدى ماشي... 


كريم خطى خطوة لقدامه، ووشه اتملأ غضب ما اتشافش عليه قبل كده: مراتك إيه يا عمي وكيف؟! دي ست جوزها لسه ميت قدام عينها! على الاقل يعنى تستنى شهور عدتها ولا ايه؟... 


سلمى صرخت من بعيد وهي بتقاوم: حاسب على نفسك يا باشا… هيموتك زيه! دا ظالم وميعرفش ربنا منه لله... 


كريم ما بصش ليها، ركز بس على الراجل اللي قدامه: انت خابر انت عملت ايه؟ أنت قتلت راجل أعزل… قدام الناس… وعايز تخطف مرته فوقها؟! لكل الظلم وله نهايه يا عمي.... 


العمدة زقه من صدره : أنا العمدة… واللي يوحصول اهنيه بإرادتي انا وبكيفي.... وانا مقتلتش حد ولا خطفت حد.... الراجل ديه اتهجم عليا وانا دفعت عن حالي والكفر كله يشهد وكمان شهادة وفاته هتطلع انه مات من 3 شهور وباقي ايام العده هتقعدها البت داى فى دار عندى تحت عينى وهتجوزها بعدها..... 


كريم ضحك بس ضحكة سودة، وقال بصوت أعلى: لاه يا عمي للدرجه دى مخطط لكل حاجه حتى معاك شهاده وفاته كمان… بس من النهارده مش مفيش بإرادتك لوحدك.... واذا الناس دى والكفر كله خايف منك ومش هيفتح خشمه فانا اهنى وهوقف قصادك وقصاد ظلمك..... 


كريم راح ناحيه رجالته: ابعدوا عن البنيه.... وحسك عينك انت وهو تلمسوها ولا تيجو ناحيتها تانى واصل والا ماتلموش غير نفسكم انت واياه سامعين ولا لااااه... 


حد من اللي واقفين حاول يعترض: بس العمدة قال.... 


كريم زعق في وشه: قولتلك بعد عنيها يا ولد المركوب! ومتخليش شياطينى يطلعوا عليك.... 


الراجل ساب دراع سلمى غصب عنه، والتاني كمان سابها.


سلمى وقعت على الأرض من التعب، وبصت لكريم بخوف مش فاهمة هو واقف معاها ليه أصلا.


العمدة لمح التحدي ورفع الطبنجة تاني في وش كريم: إنت ناسي نفسك يا واكل ناسك ولا إيه؟!


كريم وقف ولا رمش: وانت مفكر انى هخاف يا عمي... اضرب… لو عندك جرأة تقتل ابن أخوك بعد ما قتلت الغلبان ديه... 


الناس اتنفسوا ببطء، العيون كلها راحت من العمدة لكريم… لأول مرة حد واقف قصاده في العلن.


ثواني صمت… بعدها كريم بص للسلمى ومد إيده لها: قومي.... تعالي.


هي اترددت لحظة، وبعدين قامت بالعافية وتقدمت ناحيته بس عينها لسه بتدمع على جثة حسن.


العمدة زعق: انتى راجعة ليا بعد العدة… سواء راضية أو لاه... 


كريم بصله بنظرة تقيلة وقال بهدوء جارح: ديه على جثتي… مش هتشوفها ولا تلمحها تانى واصل... ولا هتقدر تمس شعرها منيها... 


وبكل جرأة، وقف قدام الناس وقال بصوت يرن: اسمعو يا خلق والحاضر يعلم الغايب... من دلوق… البنيه داى تحت حمايتى وأنا اللي هحميها.


الناس اتلبخط… والكفر اتشق نصين بين خوف وذهول.


كريم بعد ما قال كلمته، بص على الجثة اللي على الأرض وقال بصوت ثابت: حد يجيب ملاية أو أي حاجة نستر بيها الراجل… حتى لو ملوش حد، بس ليه حرمة.


رجالة من بعيد اتحركوا ببطء، مش شجاعة… ده خوف من اللي ممكن يعمله كريم دلوقتي، مش من العمدة.


سلمى وقفت جنب الجثة، ركعت على ركبها ولمست جبين حسن اللي لسه دافي. دموعها كانت ماشية من غير صوت، بس شفايفها بترتعش وهي تهمس: حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا شيخ البلد انت والعمدة...... ربنا ينتقم من كل من كان السبب فى موتك وحرمانى منك.... 


العمدة صرخ بفورة غضب: انت بتعمل ايه... أنا لسه ما خلصتش! انت مفكر نفسك هتتحدانى يا واكل ناسك... انا العمدة و عمك وكبير الكفر ديه وكلمتى تمشي على الصغير قبل الكبير..... 


كريم لف ناحيته وهو بيقرب خطوة بخطوة، وفي كل خطوة الرجالة حواليهم بتتراجع: لا خلصت لحظة ما طلعت سلاحك على واحد أعزل.وقتلته وكنت رايد تخطف مرته وتتجوزها زور.... 


وقف قصاده وقال بوضوح: ومن دلوك… أي كلمة على البنت دي تبقى عليا أنا... 


رد العمدة باستهزاء: أنت فاكر نفسك مين علشان تعترضني؟! دا انا افعصك تحت مداسي... 


كريم ابتسم بس ابتسامة كلها تحدي: ابن أخوك… والوحيد اللي مش هيسيبك تدفن البني آدمين وهما عايشين... ولا تظلم فى وجوده... 


سلمى قامت بالعافية، ووقفت ورا كريم بشوية، جسمها بيتهز وهدومها كلها تراب ودم جوزها.

بصت للناس وسكتت… بس عيونها كانت بتقول كل حاجة.


واحد من الرجالة اللي واقفين ورا العمدة حاول ياخد موقف: يا باشا… البت دي خلاص بقت حق.... 


كريم بص له نظرة قطعت صوته في حلقه.


بعدها، اتكلم بصوت أعلى، عشان كل الكفر يسمعه: هي هتمشي معايا… وهتبات الليلة دي تحت سقف آمن… واللي هيمد إيده عليها، أو حتى يفكر، هشيله من فوق الأرض.


العمدة صرخ برجالته: ماحدش يتحرك!


بس ولا واحد قرب… الكل حس إن النار بقت مولعة بين الاتنين ومحدش عايز يكون أول متفحم.


كريم مد إيده لسلمى: قومي.... همي تعالي.


هي بصت له بخوف وذعر وضياع، مش فاهمة هتروح فين ولا إيه مصيرها، بس البديل كان العمدة… والموت.


العمدة حاول يرمي كلمة أخيرة: هخدها منك غصب… عاجلا ولا آجلا. 


كريم بص له وقال بهدوء بارد يخوف أكتر من العنف: جرب… ديه لو رايد تبقى قاتل للمرة التانية في نفس اليوم.


الكفر اتفرج عليهم وهما ماشيين ناحية العربية، ولا حد فيهم نطق.ولا حتى الهوى اتحرك.

 الفصل الثاني من هنا

تعليقات