رواية مرايا لا تعكس الحقيقه ( كاملة جميع الفصول) بقلم امل عبدالرازق

 

رواية مرايا لا تعكس الحقيقه كاملة جميع الفصول بقلم أمل عبدالرازق 

– إبراهيم… أنا محتاجة الألفين جنيه اللي باخدهم منك كل شهر.

رفع إبراهيم عينيه إليها باستغراب، وهو يعدّل ساعة يده استعدادًا للخروج:

– إحنا لسه في نص الشهر يا أسماء… النهارده 15 يا حبيبتي. لما ييجي آخر الشهر خديهم.

تقدّمت خطوة، كأنها تستجمع شجاعتها:

– يا حبيبي أنا عارفة إن لسه بدري… بس أميرة محتاجاهم ضروري. معلش يا إبراهيم… دي صاحبتي ولازم أساعدها.

تنفّس إبراهيم بعمق، محاولًا الحفاظ على هدوئه:

– يا أسماء… إنتِ عارفة إني طول ما ربنا كارمني مش بتأخر.
وبالنسبة للفلوس اللي إنتِ عايزاها لأميرة… أنا ماعنديش مانع، بس تاخدهم آخر الشهر زي كل مرة، مش دلوقتي.

هزّت أسماء رأسها بإصرار:
– بس يا إبراهيم… إحنا معانا، وربنا رازقنا الحمد لله.
وهي محتاجاهم للمحامي اللي رافع لها قضية النفقة عشان جوزها يصرف على إبنها… وإنت عارف إنها مقطوعة من شجرة، وجوزها طلقها واتجوز ومش بيسأل فيها ولا في ابنه.

نظر إليها إبراهيم طويلًا، ثم قال باستسلام:

– حاضر يا أسماء.
بس اعملي حسابك إن آخر الشهر مش هتاخدي حاجة… لأن زي ما إنتِ عارفة انا عندي موظفين بيقبضوا، وفلوسي كلها برا.

أضاءت ملامح أسماء قليلًا، واقتربت منه قائلة بلطف:
– تسلملي يا هيما… بس عندي طلب أخير، أو اعتبره رجاء.

أغلق إبراهيم عينيه بنفاد صبر:
– أنا عارف إني مش هخلص النهارده… يا حبيبتي أنا متأخر على الشركة. ياريت تطلبي بسرعة.

بلعت أسماء ريقها ثم قالت:
– ممكن تشوف لأميرة شغل عندك في الشركة؟

رفع إبراهيم حاجبه بدهشة:

– أميرة مين اللي إنتِ عايزاها تشتغل معايا يا أسماء؟!

ردّت بضيق:
– أميرة صاحبتي… هو إنت تايه عنها يعني؟ بقالها شهر دايخة على شغل ومش لاقية. بالله عليك ساعدها… أهو تكسب فيها ثواب.

اعتدل إبراهيم في جلسته، وملامحه تزداد حدّة:
– حبيبتي… إحنا شركة تطوير عقاري.
يعني مطوّر عقاري…
يعني الشخص أو الشركة اللي بيطور منطقة أو يعيد بناء كيان قائم ويحدّثه…
بيحط فكرة المشروع، ويدرس الجدوى، ويحدد التمويل، ويختار الاستشاري والمقاول، ويدرس التسويق والمبيعات… دا كله عشان المشروع ينجح.
قوليلي بقى… أميرة هتشتغل معايا إيه؟ بتعرف إيه في مجالي أصلًا؟

لوّحت أسماء بيدها بضيق متزايد:
– أنا ماليش دعوة المطور العقاري بيعمل إيه… بلاش تقفلها في وشي.
ربنا يفتحها في وشك يا إبراهيم…
أنا ليا إن صاحبتي تشتغل.
وحياتي عندك… شوف لها حاجة في الحاسبات، سكرتيرة… أي حاجة!
بس يكون مرتبها كويس… عشان خاطري.
____________

في بيت أميرة

رنّ هاتف أميرة في اللحظة التي كانت تجلس فيها في غرفة ضيقة، تحاول ترتيب بعض الأوراق الخاصة بقضيتها.
مدّت يدها بتردد، ونظرت إلى الشاشة قبل أن تجيب:
– ألوو… مين معايا؟

جاءها صوتٌ تعرفه جيدًا… صوت كانت تظن أنها دفنته منذ زمن:
– إيه؟ مش عارفاني؟ لحقتي تنسي صوتي يا مرمر؟

انقبض صدرها فورًا:
– آه… نسيتك ونسيت صوتك… ومش عايزة أعرفك تاني.
عايز إيه يا فريد؟ اللي بيني وبينك المحاكم.

ضحك ببرود:
– مش هتاخدي مني جنيه يا أميرة… واللي عندِك اعمليه.
ولو مسحبتيش القضية… أنا هتهوّر.
وبلاش تخليني أتهوّر… أحسن ليكِ ولابننا أنس.

عقدت حاجبيها بغلظة:
– بقولك إيه… أنا دماغي مصدعة ومش ناقصاك.
ابعد عني… أنا ما صدّقت أخلص منك ومن قرفك.
ولو على القضية… مستحيل أسحبها.

تحوّل صوته إلى نبرة تهديد واضحة:
– الأدب مش جايب معاكِ نتيجة.
خربتي حياتنا بجشعك وقلة أدبك 
أنا كنت باقي عليكِ وبحبك… شايلك جوّا عيني.
وحياتنا كانت ماشية… وإنتِ عارفة إن مرتبي على قدي.
استحملت قرفك كله عشان البيت مايتخربش… خصوصًا لما خلفتي أنس.
قولت لازم استحملك، بس اللي حصل… إنتِ فاكرَاه كويس.
أنا مقدرتش أكمل معاكِ… ولا أستحمل أكتر من كدا.

صرخت أميرة بحدة:
– اللي عندك اعمله! وإن قدرت تثبت عليّا حاجة… اثبتها.
والحمد لله إنك طلقتني قبل ما أنا أخلعك… عشان أرتاح من قرفك.

ضحك ضحكة قصيرة بشماتة:
– هثبت يا أميرة… متخافيش.
وصاحبتِك اللي بتصرف عليكِ… مش باقية ليكِ.
هتفضلي تشحتي منها لحد إمتى؟
دا أنا مش متخيل هي تعمل فيكِ إيه لما تعرف حقيقتِك… وإن عينِك على جوزها.

اشتعل غضبها:
– اخرس!… قطع لسانك!
ما عاش ولا كان اللي يقول عليّا كده.

صوته إزاداد حدة وغضب:
– لا عاش… وكان.
والناس كلها لسه هتتكلم.
وبلاش تخليني أفضحك في كل مكان.
أنا مش خايف غير على ابني… اللي إنتِ حارماني أشوفه.
وكلها كام سنة… وتنتهي سنين حضانتك… ويبقى معايا.
أربيه زي الناس بس يا رب ما تفسديه قبل ربنا ينجده من ام زيك .
وبعدين… أنا ربنا كرّمني دلوقتي وعندي خير كتير.
بس فلوس ليكِ؟… دا بعينِك.
خلي ابني يعيش معايا أو حتى أشوفه… وأنا أعيشه ملك وهدلعه.
اسحبي القضية… وبلاش فضايح.

رفعت صوتها بقرف واستهانة:
– أنا مش فاضية للهري بتاعك!
واللي عندك اعمله… ولو قدرت تثبت أي حاجة… اثبتها.
ويلا… من غير سلام.

أغلقت الهاتف بعنف.
جلست على حافة السرير، وصدرها يعلو ويهبط من الغضب.

أما فريد… فكان في الطرف الآخر يبتسم ابتسامة باردة، وقد اتخذ قراره بأن الوقت حان ليتحرك.ضدها بطريقة لا تعتمد على الكلام فقط.

_________

طرقت سميرة باب غرفة أسماء وإبراهيم بخفّة، سمحت لها أسماء بالدخول، ثم أدخلت رأسها قائلة:

– حضرتك قررتي هنعمل إيه على الغدا النهارده؟

رفعت أسماء نظرها إليها وأجابت بهدوء:

– الأول أنا هحتاج شوية طلبات من السوبر ماركت… عشان أميرة جايه تتغدى معانا النهارده، هكتبهملك في ورقة وروحي جيبيهم.

قالت سميرة بإذعان:
– حاضر يا مدام… أنا في المطبخ، ولما تكتبي الطلبات عرفيني، بعد إذنك.

– ماشي يا حبيبتي… اتفضلي.

خرجت سميرة، فتوجه إبراهيم بنظره إلى أسماء وسألها:

– قوليلي بقى… سميرة عاملة إيه معاكِ في الشغل؟

تنهدت أسماء بخفة:
– ما شاء الله عليها… شاطرة. بس يا حبيبي أنا مش محتاجة حد يساعدني، مافيش في البيت شغل يستاهل.

ابتسم إبراهيم وقال بنبرة متفهمة:
– يا أسماء… إنتِ بعد العملية اللي عملتيها من ست شهور وضهرك تاعبك. ومش بتقدري تبذلي مجهود، وكان لازم أشوف حد يساعدك. 
وبصراحة الست دي محترمة… بتيجي لما أروح الشغل وبتمشي قبل ما أرجع. وكمان بتجري على يتامى… هتكسبي فيها ثواب وهي كمان ربنا يجازيها خير.

لانت ملامح أسماء قائلة:
– ربنا ما يحرمني منك أبدًا… مقولتليش، وافقت على شغل أميرة معاك؟

ضحك قليلًا وقال:
– يا ساتر… هو إنتِ مش بتنسي أبدًا؟ عمومًا، خليها تبقى تيجي الشركة بكرا… أقابلها وأشوف هتنفع في إيه. هي خريجة إيه؟

– خريجة تجارة… وشاطرة في الحسابات. وشغلها هيعجبك قوي.

– تمام… ربنا يسهل. ممكن بقى أروح أبوس تسنيم قبل ما أمشي؟

– روح يا غالي عليّا… بس متنساش الكلام اللي دار بينّا، عشان خاطري.
_________

كانت أسماء تقف في المطبخ إلى جوار سميرة وهي توجّهها قائلة:

– اعملي المكرونة اللي أنس بيحبها… والحمام لأميرة… واعملي كفتة داوود باشا عشان هي بتحبها. بصي دلعيهم كدا يا سميرة… وأنا معاكِ أهو ان شاء الله نلحق نخلص.

لاحظت سميرة إرهاقها، فقالت بقلق:
– بس واضح على حضرتك التعب… وضهرك شادد عليكِ. بلاش تتعبي نفسك، ادخلي ارتاحي وأنا هعمل كل حاجة.

هزّت أسماء رأسها بإصرار:

– لأ… مافيش حاجة. أنا زي الفل. هروح آخد العلاج بتاعي وأصحي تسنيم… البنت عندها أربع سنين وطالعالي بموضوع النوم العميق ده!

ترددت سميرة قليلًا، ثم قالت بخجل:
– ممكن أقول لحضرتك على حاجة؟ بس يعني… متفهمينيش غلط. ولو ضايقتك، أرجوكِ اعتبريني مقولتهاش.

– قولي… ومتخافيش.

بلعت سميرة ريقها وقالت بصوت منخفض:
– أنا… بحس إن نظرات الست أميرة ليكِ مش نظرات حب أبدًا. بحسها بتستكتر عليكِ اللي إنتِ فيه. حتى مرة كانت معزومة هنا، وكنتِ في المطبخ… شوفتها ماسكة حلق تسنيم وبتقول بصوت مسموع:
بقى الحلق الحلو ده المفعوصة دي تلبسه وأنا لأ؟! حقها تلبس وتتهنى ما أبوها معيشهم في نعيم… وكان هيموت ويتجوز أمها.

جفلت أسماء للحظة، ثم قالت بنبرة متماسكة:
– المرة دي… أنا مش هزعل منك. بس صدقيني كلامك ضايقني؛ لأنك فاهمة غلط. أميرة دي صاحبة عمري… أهلها انفصلوا واتجوزوا وسابوها مع جدتها. وأول عريس اتقدملها وافقت عليه عشان تهرب من المرار اللي كانت فيه بسبب مرات خالها.
وأهو الراجل اللي اتجوزته كان اختيار غلط… 
أنا بعتبرها أختي قبل ما تكون صاحبتي.
وأكيد إنتِ سمعتي غلط… وحتى لو قالت كده فهي بتهزر مش أكتر.

اغرورقت عينا سميرة بالدموع:
– أنا آسفة والله… مش قصدي أضايقك. بس أنا بحبك وبخاف عليكِ زي أختي… عشان إنتِ طيبة أوي وعلى نياتك. أنا بقولك بس عشان تخلي بالك… مش كل الناس طيبين زي حضرتك.

ربّتت أسماء على يدها بحنان:
– متخافيش عليّا يا سمورة… إن شاء الله خير. وأوعِ تقلقي من أميرة… أنا بثق فيها أكتر من نفسي. واضمنها برقبتي.
يلا بقى… اشتغلي وبطّلي رغي؛ لأنها خلاص قربت توصل.

وقفت أسماء في مكانها، وتشابكت يداها بتوتر، وقد علقت نظرتها بين باب المطبخ الذي خرجت منه سميرة منذ لحظات، والكلمات التي ظلت تتردّد في رأسها.
ساد صمت داخلي ثقيل، قبل أن يبدأ صوتها العميق يهمس لنفسها:

إبراهيم قال قبل كده إنه مش مرتاح لأميرة…
ودلوقتي سميرة بتلمّح لنفس الكلام…
ليه الاتنين شايفين حاجة أنا مش قادرة أشوفها؟

أطرقت برأسها قليلًا، ثم تنهدت بصوت لا يسمعه أحد، بينما أفكارها تتزاحم:

هما شايفين إيه؟
إيه اللي واضح لهم… ومش واضح ليا؟
رفعت أسماء عينيها نحو الفراغ، كأنها تحاول التقاط إجابة معلّقة:

بس الغريب… إن الاتنين متفقين.
وبيدّوني إحساس إن كلامهم مش طاير في الهوا…
ولا طالع من فراغ.
وضغطت على أصابعها بقلق، واستسلمت لهمس آخر:

أنا أكتر واحدة قريبة منها…
عارفة تفاصيلها ومخاوفها وأسرارها…
عمري ما شفت فيها اللي هما بيقولوه.
طب… ليه حاسّة إن كلامهم له جذر؟
ولا أنا اللي بدافع عنها زيادة؟

لأ محدش يعرفها زيي وكفايه الظروف اللي هي فيها، أنا مشوفتش منها حاجه وحشة.
___________________

طرق سامح باب المكتب قبل أن يدخل، أذن له إبراهيم بالخدول ثم رفع رأسه عن الأوراق وسأله بنبرة هادية عن وجود أي وظيفة خالية في الحسابات.

هزّ سامح رأسه بثقة:
– لأ يا فندم… مافيش أي أماكن فاضية، كل الناس في شُغلها.

اتسعت ابتسامة إبراهيم كأنه زال عن عاتقه جبلًا من الهموم وقال وهو يرخي كتافه:
– ربنا يجبر بخاطرك… كده ضميري ارتاح.

استغرب سامح وسأله عن سبب سؤاله، فمرّر إبراهيم يده على مكتبه وقال بتلقائية فيها شوية ضيق:

– مراتي كانت عايزاني أشغّل صاحبتها. وأنا بصراحة مش مرتاح… وساكت ومستحمل عشان خاطرها بس.

وقبل أن يعلّق سامح، دخلت وفاء مسرعةً وهي تحاول لملمة أعصابها قبل أن تتكلّم:

– أنا محتاجة أتكلم مع حضرتك في موضوع مهم.

اعتدل إبراهيم في جلسته، واشتدّت ملامحه:
– خير يا وفاء؟

تنفّست وفاء بعمق، وكأنّ القرار ثقيلاً عليها:
– أنا… هسيب الشغل يا فندم. 

ارتفع حاجبا إبراهيم اندهاشًا لم يستطع إخفاءه:
– ليه؟ حد ضايقك؟

هزّت وفاء رأسها بسرعة مطمئنة:
– لأ أبدًا… بس فرحي قرب، وخطيبي قالي أرتاح وأركز في جهازي.
 وأنا مضطرة لازم اقدم استقالتي، يعز عليا اسيب الشغل… آسفة جدًا.

لانَت ملامحُ إبراهيم، ومال بجسده نحو الأمام:
– لا يا بنتي… مافيش آسف. ألف مبروك.

ونظر لسامح
– اصرفلها المرتب بدري… وخلّيه الضعف. هدية فرح.

وضعت وفاء يدها على فمها بتأثّرٍ واضح، ولمعت عيناها وقالت بامتنان:
– دا كتير أوي… شكرًا لحضرتك. 

– تستاهلي كل خير على إخلاصك وأخلاقك العالية، ربنا يتمملكم على خير.
بس كده هتورّط… لازم أدور على حد مكانك.

اتّسعت عينا وفاء بفضولٍ وهي تسأل:
– حد من بره الشركة؟

أجابها وهو يعاود ترتيب الأوراق:
– تقريبًا… شكلها هتبقى أميرة، صاحبة مراتي.
ربنا يسترها، روحي انتِ اتجوزي وورطينا إحنا

_ سامحني يا فندم حقيقي غصب عني 

_ اهم حاجه انا من أول المعازيم 

قالت بابتسامة:
_ طبعًا هي دي فيها كلها 

__________

وقف صبحي أمام باب القهوة، واشتدّ صوته حين رأى الداخل إليه:

– إنت إيه اللي جابك هنا؟ وجاي عايز مني إيه؟

 مدّ فريد يده أمامه بإشارةٍ تُهدِّئه:
– إهدى بس… اقعد نسمع بعض بالراحة. أنا جاي في خير ليك، متقلقش.

قهقه صبحي بسخرية، ورفع حاجبه:
– خير؟ خير إيه اللي ييجي من وراك؟ مش كفاية بيتي اتخرب بسببك؟

– إنت مصدّق نفسك؟ مين اللي خرب بيت مين؟
مين اللي خان صديق عمره يا صبحي؟
بس أنا مش جاي أفتح في القديم… في موضوع مهم. وهتاخد من وراه خمس تلاف جنيه.

سحب صبحي الكرسي بقلة رضا، وقعد قدّامه:
– من إمتى وإنت بتعرض عليا فلوس؟ من إمتى الحداية بتحدف كتاكيت؟! 
قول…وسمعني وراك إيه؟

تنفس فريد بحدة، وكأنه يحاول بلع غضبه:

– اللي مضايقني إنك عامل صاحب حق. مراتى كانت بتكلمك وأنا نايم… تبعتلك صور بشعرها ولبس البيت… وتعيشوا قصة حب، وأنا المغفل اللي مش واخد باله.
قمت أشرب ميّة… لقيتها في الأوضة التانية بتكلمك فيديو. شفتك بعيني…
الغدر كان منك.
وبيتك؟ بيتك اتخرب بإيدك… مش بإيديا. وأنا كمان اتخرب بيتي بسببك.
مقرفين سواء انت او هي.

– وإنت؟ مش أنت ضربتني قدام مراتي وعيالي؟ مش أنت اللي بسببك خلعتني مراتي وخدت البيت مني عشان بإسمها؟ بقيت عايش في الشارع واتفضحت في الشغل، كدا خلصانين.

مرّر فريد يده على وجهه:
– مش طايق أتكلم معاك، بجاحتك ملهاش وصف،
مجابنيش غير الشديد القوي 

عمومًا أنا عايز الصور اللي كنت بتبعتها لأميرة… واللي كانت هي بتبعتها ليك.
عايز تسجيلات المكالمات كمان.
عايز اسكرينات بكل حاجه من اول جملة بينكم.

شهق صبحي بدهشة:
– نعم؟ إنت عارف معنى الكلام ده؟
دي حاجات اتحذفت من زمان

زفر فريد بقسوة:
– لأ… هي قالتلي إنك ماسك عليها حاجات وبتبتزّها. وأنا عايز كل ده… وهتاخد عشرين ألف مش خمسة.

اتّسعت عينا صبحي، وتغيّر صوته:
– عشرين ألف… كاملين… مقابل كام صورة؟

رفع فريد حواجبه بثبات:
– الفلوس معايا في العربية.
وعارف إن كل حاجه معاك، أصل انت زبالة … والخاينة مكانتش بتدفعلك لجمال عيونك.

طأطأ صبحي رأسه وقال بخجل وضعف:
– هي اللي كلّمتني الأول… وجرّتني ليها. الإنسان ضعيف… والله ندمان، سامحني يا فريد.

علا صوت فريد فجأة:
– بس يا صبحي!
مش عايز أسمع حاجه منك، احنا مبقاش بينا حتى السلام.
هات الصور. وهتاخد قرشين تمشي حالك بيهم.
مش عاجبك… خليهم معاك بلهم واشرب ميتهم؟

نهض صبحي بسرعة قبل أن تفلت منه الكلمة:
– موافق… بس دي أم ابنك. هتفضحها؟ ابنك هيعيش إزاي؟

لوّى فريد شفتيه بمرارة:
_ دِ حاجه متخصكش.
قدامك أسبوع… ترن عليّ أجي استلم منك التليفون باللي فيه

_ إحنا متفقناش على كدا 

_ هزودك كمان خمسة تجيبلك غيره، يا خسارة يا صبحي، مصونتش العيش والملح اللي كان بينا، دا انت كنت اخويا، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم 
___________

فتحت أسماء الباب بترحابها المعتاد، وقالت وهي تبتسم:

– أهلاً وسهلاً… نورتينا يا أميرة. عامل إيه يا أنس؟

دخل الصغير وهو ماسك طرف بلوزة أمه، بينما أميرة ضمّت صديقتها بحب زائف:
– البيت منوّر بصاحبته يا روحي. وحشتيني قدّ الدنيا.

ضحكت أسماء بخفة:
– طول ما انتِ بخير… أنا بخير يا حبيبتي.

وضعت أميرة حقيبتها على الطاولة، وتنهدت:
– جوزك هنا ولا في الشركة؟ أنا آسفة اتأخرت… طليقي رنّ عليّا سدّ نفسي عن كل حاجة.

سحبتها أسماء لجوه وهي ترد عليها بلطف:
– ولا يهمك… البيت بيتك.
إبراهيم مش موجود… بس زمانه جاي.
تعالي نقعد في الصالون واحكيلي حصل إيه.

دخلت أميرة، وجالت عيناها في أرجاء الصالون الجديد كلّه:
– إيه ده؟ انتي غيرتي الصالون!

قالت أسماء بابتسامة هادية:
– هتصّدقيني لو قولتلك إني ماكنتش ناوية؟
بس الكراسي كانت ناشفة… وضهري زي ما انتي عارفة مش مستحمل.

إبراهيم قرر يغيّره… يجيب واحد مريح أكتر.

ضغطت أميرة شفتيها، وتحولت نبرة صوتها إلى غِلٍّ وغيرة، ثم قالت بابتسامةٍ مزيفة:
– واضح إنه بيحبك قوي… ومستعد يعمل المستحيل عشانك.
مش زي المحروس اللي كنت متجوزاه.

تنفست أسماء بعمق، وبان عليها الدفء وهي تتكلم:
– ربنا أكرمني بيه.
الحلو اللي في العالم كله اتجمع فيه.
ماقدرش أعيش من غيره لحظة…
شاركني كل حاجة من أول يوم… حتى لما كنا في شقة إيجار بسيطة.
لما جت تسنيم فضل يحبني ويهتم بيا حتى أكتر من الأول، والحمد لله ربنا رزقنا برزقها، وكله بالصبر 

كانت أميرة تستمع… لكن قلبها كان يشتعل.
تغيّرت نظراتها، واشتدّ وجهها.
في داخلها نارٌ تتأجّج، شرَدت وهي تقول في نفسها:

ليه هي؟ ليه الخير كله رايح لواحده زي أسماء؟ ليه ربنا يدِّيها راجل زي إبراهيم حلو وحنين وغني وأنا لأ؟

شدّ انتباه أسماء شرودُ صديقتها، فنادت عليها:
– يا أميرة! فينك سرحانه في إيه؟ بنادي عليكِ بقالي شوية.

استفاقت من شرودها، ومسحت جبينها:
– معلش… سرحت في فلوس المحامي والشغل اللي مش لاقياه، مكلمتيش إبراهيم 

ربّتت أسماء على يدها:
– قولتلك متقلقيش.
طول ما أنا واقفة على رجلي… انتِ وأبنِك في عيني.
والشغل؟ اتكلمت مع إبراهيم… وهيلاقيلك مكان مناسب عنده.

اتسعت عين أميرة بدهشة:
– بجد؟ قالك إنه موافق؟

ابتسمت أسماء ابتسامة مطمئنة:
– أيوه.
وهيشوف الوظيفة اللي تناسبك… وكمان بمرتب كويس.

حضنت أميرة أسماء وقالت:
– ربنا ما يحرمنيش منك أبدًا.
لولاكي… كان زماني في الشارع أنا وابني.

بادلتها أسماء الحضن وهي تقول بصدق:
– احنا خوات.
وربنا يديم المعروف بينا.

رنّ جرس الباب.
وقفت أسماء بسرعة:
– استني… أكيد إبراهيم وصل.

تعليقات