رواية مالك المصري الفصل الخامس عشر 15 بقلم نسمة مالك


 رواية مالك المصري الفصل الخامس عشر 

..اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين..

بقصر الـ,ـدمنهورى..

بحديقة القصر الواسـ,ـعة يتم تجهيزات لإقامة حفل ضخم يضم أهم وأكبر رجال الأعمال حول العالم من جميع النخبة المـ,ـخمالية ،جميعهم جاءوا خصيصاً لمجاملة فارس الـ,ـدمنهوري وتهنئته بعودة أبنته، المكان به حشد كبير و تأمين على أعلى مستوى لتأمين الطبيبة إسراء الـ,ـدمنهورى وعائلتها أولاً ولوجود شخصيات مشهورة من نـ,ـجوم الوسط الفنى ثانياً..

“أيه اللى أنت عملته ده يا فارس؟..أنت عازم أمة لا إله إلا الله ..هى دى الحـ,ـفلة اللى اتفقنا تبقي حاجة صغيرة !” ..

قالها مالك وهو يصطك على أسنانه من شدة غـ,ـيظه، كان فارس يقف بهنجعيته واضعا كلتا يديه بجيب شرواله البيتى يُتابع ما يحـ,ـدث من حوله..

رمقه بنظرته المعتادة التى تملؤها الغرور مغمغمًا:

“وأنت فكرك أنا عـ,ـزمت حد أصلاً ولا ده إحتفال يعمله فارس الـ,ـدمنهوري لبنته!”..

أشار بيده على ما يحدث حولهم مكملاً:

“كل اللى أنت شايفه ده مجملات”..صمت لوهلة و من ثم تابع بتنهيدة تدل على مدى كتمان تألمه هامسًا:

“اليوم اللى هترجع لى فيه بنتى هيبقي يوم الدنيا كلها مش هتنساه”..

برغم أن صوته لم يكن مسـ,ـموعا و لكن مالك خـ,ـمن ما تفوه به فرد عليه بيقين تام قائلاً:”إن شاء الله هترجع يا فارس..و أنا اللى هرجعها بنفسي ..أطمن “..

إستدار له فارس و نظر له بابتسامة مصطنعة وهو يقـ,ـول بحدة و نبرة لا تقبل الجدال:”معندكش أوبشن تانى غير إنك ترجعها يا أبن غـ,ـفران و ده مش بمزاجك ده فرض عليك و إلا هرجعها أنا بطريقتى اللى هيبقي كلها دم و ساعتها أنت مش هطول شعره من راسها و لو كنت أخر راجل في العالم مش هجوزك بنتى”..

قال مالك بهدوء:”ومين قالك إنى هرجعها عشـ,ـان عايز أتجوزها!”..

رفع فارس إحدى حاجبيه مغمغمًا بـ,ـبوادر غـ,ــ,ـضب:

“نعم يا أبن غفران! ..سمعنى اللى قولته ده تانى كده؟”..

أخد مالك نفس عميق زفره على مهلٍ مردفًا بتعقل:

“جوازى من إسراء لازم يبقي برضاها و رغبتها و أنت عارف بنتك كانت بتقولى دايماً إنى زى أخوها وأنا بعترف إن أسلوبي معاها كان غلط،مكنتش متقبل كلامها ده و فرضت حبى عليها من غير ما أديها و أدى فرصة لنفسي عشان نفهم مشاعرنا و نقيمها كويس..وجه سفرها و بعدنا عن بعض و لأن في بعض الأحيان المحنة بتبقي منحة ..السنين اللى فاتت قدرت تخلينى أفكر بعقل أكتر و نضج أكبر ومش ناوى أفرض نفسي ولا حبى تانى على إسراء مدام مش هتبادلنى حبى ليها حتى لو أنا روحى فيها و مش هقدر أحب غيرها المهم عندي ترجع وتبقي بخير و بس”..

“هترجعها يا مالك ؟”..سأله فارس بنبرة يملؤها الخوف،فحرك مالك رأسه بالإيجاب مردفًا بثقة:

“هرجع لك بيها يا فارس..المهم انهارده لازم نعمل اللى هما عايزينه “..

قال فارس بتساؤل: “هنعمله إزاي بمظهرك ده مش لازم تغير وتتشيك كده ولا ناوى تفضل بلـ,ـبس الشغل ؟!”..

غمز له مالك و هو يقول:”أنا فعلاً بتشيك حالاً في البيت”..

فارس و قد تفهم أن الذى أمامه ليس مالك بل نسـ,ـخته الحديثة المبرمجة و مالك هو الذى يُملى عليه ما يقوله فابتسم إبتسامة مشـ,ـاكسة مدمدمًا :”اممم طيب أنا موجود لو حبيت أحطك على الشاحن”..

قهقه مالك و هو يرد عليه:” لا كتر خيرك يا باشا أنا معايا باور بنك و !”..

توقف عن الحـ,ـديث حين لمح نسخة إسراء تخرج من باب القصر الداخلى و تبحث بعينيها عنهما حتى وجدتهم و سارت بتجاههما ..

“بابى كلم مامى قالتى أنادى عليك عشان عايزاك ضرورى وبتقولك البدل وصلت كمان”..نطقت بها إسراء التى وقفت بجواره للتو تنظر ل مالك بابتسامتها الرقيقة ، تمكن فارس من العودة لطبيعته وإخفاء غـ,ـضبه،و معاملتها كأنها أبنته الحقيقيه ببراعة يُحـ,ـسد عليها من أجل سلامة عزيزة قلبه..

طبع فارس قبلة حانية على جبهتها و هو يقول:

“هروح لها حالاً يا حبيبة بابى أنتى عارفة مامى الوحيدة اللى مقدرش أتاخر عليها أبدًا “..

نظر ل مالك و تحدث بنبرة ذات مخزى و هو يتجه بنظره نحو تلك الواقفة مردفًا قبل أن يتركهما ويسير لداخل القصر: “مش هواصيك يا حضرة الظابط”..

“متقلقش يا فارس باشا “..قالها مالك وهو يستعد للسير أيضًا، لتوقفه إسراء بنبرة متلهفة قائلة:”مالك أستنى عايزاك”..

“أفندم يا دكتورة؟”..قالها مالك بعملية باحتة، لتقترب منه إسراء خطوتين و تنظر له بأعين دامعة هامسة:”لدرجة دى يا مالك..من وقت ما رجعت وأنت مش سأل فيا خالص موحشتكش..و لا خلاص مبقتش تحب إسراء ؟”..

ألتزم الصمت ولم يرد عليها لتهمس له ببكاء وقد سالت دموعها على وجنتيها:”بص لى يا مالك..قولى موحشتكش”..

أخذ منه الأمر عدة دقائق قبل أن يرفع عينيه و نظر لها نظره تمكن في جعلها تُشع عشق ،فابتسمت هى بارتياح و قد ظنت أنها حققت مبتغاها حين قال هو بصوتٍ مشتاق:”واحشتيني يا إسراء..و واحشتيني أوى كمان..بس أنا بنفذ لك طلبك اللى كنتى بتطلبيه منى دايمًا أ!!”..

قطعت حديثه مردفه بلهفة: “كنت ..كنت يا مالك..لكن دلوقتى أنا كبرت و فهمت و اتأكدت إنى”..صمتت لبرهة و تابعت بخجل و وجنتين توردت بحمرة الخجل مما جعل إعجاب مالك يزداد و ينبهر بتلك النسخة الحديثة المبرمجة بإحترافية،فهو يستطيع رؤيتها عبر عيون نسـ,ـخته المصنوعة من كاميرا مراقبة متطورة صُنعيت خصصيًا له..

تعمقت النظر داخل عينيه مكملة :”بحبك يا مالك”..

تأوه مالك آه ملتاعة حقيقية ، أنتظر سنوات طويلة ليستمع إلى تلك الكلمة من بين شفاتيها،و حين نطقت بها أخيرًا لم تكن هى ،لكنه رسم الفرحة على ملامحها و هو يقول :”أخيرًا قولتيها يا إسراء “..رفع يده و زال عبراتها بأنامله مكملا بغمزة :”كده أقدر أقدم لك مفاجئتى ليكى أنهارده في الحفلة”..

…………………سبحان الله وبحمده……

بمنزل رئيس الوزراء غفران المصري..

أبتسم مالك بإنتصار و هو يرى كل شئ يسير كما خُطط له ،ووقف أمام المرآه يهندم ثيابه المكونة من بدلة سوداء كلاسيكية من طراز حديث من ماركة دونيهيل التى تعبتر من أفخم الماركات العالمية، مشط شعره الكثيف بعناية فائقة، و أرتدى ساعته من ماركة جـ,ـايجر لوكولتر ماركة سويسرية شهيرة بتصميماتها الفاخرة،

نثر عطره الفريد النفاذ جورجيو أرمانى فنتشر عبق رائحته بالمنزل بأكمله قبل حتى أن يغادر غرفته..

“أيه الشياكة دى كلها يا حـ,ـضرة الظابط؟”..

قالها غفران الذى دلف للتو عبر باب الغرفه المفتوح و أغلقه خلفه..

أطلق مالك صفير عالى و هو يدور حول غفران الواقف بشموخ مردفًا بإعجاب حقيقي من هيبته و وقـ,ـاره:

“منجـ,ـيش جنب شياكتك حاجة يا معالى الوزير”..

تطلع غفران لهيئة أبنه بابتسامة دافئة و أعين يملؤها الفخر ، فتح ذراعيه له يحثه على الإقتراب منه ،فلبي مالك رغبته على الفور و أرتمى بين ذراعيه و عانقه عناق قوى وهو يقول:”ربنا ميحرمناش من معاليك أبدًا “..

رد عليه غفران بابتسامة: “ولا يحرمنى منك أنت و أخواتك يا حبيبي..يالا بينا عشان نتحرك ..هشوف عهد و أخواتك خلصوا لبس وجهزوا ولا لسه عشان أكلم الموكب يستعد و منتأخرش على فارس أكتر من كده..رغم إنى كنت معترض على الحفلة اللى صمتت تعملها أنت و هو دى،و بعدين أنت بتعمل أيه هنا صحيح و إزاي مش موجود معاهم دلوقتي وأنت رئيس الحرس؟!”..

رفع مالك يديه بإشارة سرية و هو يحك ذقنه ،ففهم غفران على الفور تلميحه بأن يوجد نسخه منه في الوقت الحالى بقصر فارس يقوم بتأمينهم على أكمل وجه،فحرك غفران رأسه بالإيجاب و هم بمغادرة الغرفة لكنه لاحظ ظهور الإرتباك على ملامح مالك فعقد حاجبيه مدمدمًا ببوادر قلق: “اممم خير يا مالك عايز تقولي أيه ومتردد؟ “..

أخذ مالك نفس عميق قبل أن يقول :”استأذن معاليك في الحفلة أنهارده تعلن قدام كاميرات الصحافة إنك طالب تناسب فارس باشا و تطلب منه أيد بنته إسراء ليا “..

وضع يديه بجيب بدلته وأخرج منها علبه صغيرة مخمليه فتحها فظهر بداخلها خاتم من الماس مكملاً :

“والجواز يكون بعد شهرين من دلوقتي”..

اندهش غفران من طلبه هذا ، نظر له نظرة مطوله يسأله من خلالها كيف سيتزوج من إسراء هذه و هو على علم أنها ليست الحقيقيه وما هى إلا نسختها الإلكترونية! .

“جواز بعد شهرين ؟ ده اللى هو ازاى يا حضرة الظابط !!”..

تنحنح مالك مغمغمًا بتوتر من رد فعل غفران:” لا ما هو هيبقي إلكترونى برضوا “..

ساد الصمت لدقائق بينهما تسارعت فيهم دقات قلب غفران و بدى القلق بل الخـ,ـوف ظاهراً على محياه حين تفهم مقصد مالك بأن نسخته هو الذى سيظل هنا ويتمم مراسم الخطوبة و الزفاف و هو بنفسه سوف يسافر ليتمم المهمة التى تعتبر مهمة إنتحارية نسبة نجاحه بها تكاد تكون معدومة ،ليقطع مالك الصمت بجملة كانت بمثابة صاعقة هبطت على رأس غفران حين قال :

” الأخطبوط بلع الطُعم “..

تلك الجملة هى كلمة السر بأن الوقت قد حان لسفر إحدى نسخ مالك لأتمام مهمة عودة إسراء إلى مصر ،و لكن الخطة تم تغيرها بدون علم غفران و هذا جعل عينيه تقدح شرر تدل على شدة غـ,ـضبه و أقترب من مالك حتى كاد يصتدم بجبهته و تحدث بهدوء ما قبل العاصفة :

“اللى في دماغك ده مش هيحصل ..أنت فاااهم و أعتبره أمر عسـ,ـكرى و أنت مُلزم تنفذ الأمر يا حضرة الظابط”..

ظهر الأسف على قسمات مالك مردفًا:

“خلاص أنا مضيت على القرار و اتوافق عليه.. أنا أسف معاليك مش هقدر أنفذ أمر سيادتك المرادى”..

هم غفران بالصياح في وجهه ولكن صوت طرقات يليها فتح الباب و صدر صوت خافت مرتجف تقول ببكاء:

“واحشـ,ـتنى أوى يا بابى”..

صدمة ثانية أجتاحت غفران في وقت واحد حين وصل لسمعه صوت ابنته مكة ،ألتفت بجسده كله و نظر تجاهها بملامح بدت مرعبه جعلت الـ,ـدم يهرب من عروقها و أنتفضت بهلع حين صاح بغـ,ـضب عارم و هو يهجم عليها:

“أيه اللى جابك ..و مين اللى سمح لك تدخلى بيتى بعد اللى عملتيه فيا و في أخواتك و في جدتك يا ح.قيرة؟”..

ختم جملته بصفعة دامية هبطت على إحدى وجنتيها جعلت الـ,ـدماء تسيل من فمها،

هرول مالك مسرعاً و وقف حائل بينه وبينها حتى لا تطولها يد والده مرة أخرى قائلاً بنبرة راجية:

“أهدى يا بابا من فضلك..أنا اللى كلمت مكة و قولتلها تيجى انهارده “..

جن جنون غفران و صاح بصوتٍ عالٍ للغاية كادت أن تقطع أحباله الصوتيه مردفًا:” كلمتها يا مالك و دخلتها البيت اللى أنا محرمه عليها من بعد اللى عملته فينا..كلمت اللى جابت لنا العار و هربت وأتجوزت من غير رضانا!!”..

“لا أنا مهربتش والله يا بابى ..حسن هو اللى خطفنى”..

نطقت بها مكة بصـ,ـعوبة من بين شهقاتها و هى تختبئ منه خلف ظهر مالك..

” خطفك إزاي و إحنا لما عرفنا مكانكم و جينا عشان ناخدك وقفتى قصادى أنا واخواتك وقولتى أنا اللى هربت معاه و مافيش واحد بيخطف مراته ..جدتك مستحملتش اللى قولتيه وقعت من طولها و ماتت”..

قالها غفران بغصة مريرة تملؤها الآسي وقد سالت دمعة حارقة على وجهه ، و هم بالهجوم عليها ثانيةً و لكن لم يوقفه مالك هذه المرة أوقفته عهد التى دخلت راكضه من باب الغرفة نحوه مباشرةً و قامت بضمه داخل حضـ,ـنها بلهفة مرددة بتوسل:”أهدى عشان خاطرى”..

خمدت نيران غفران على الفور و ضمها له يستمد منها القـ,ـوة على الصمود أمام كل تلك الصدمات المتتالية التى سقطت على رأسه..

جاء خلف عهد اولادها هم أيضًا زين وفهد و فارس ،و لأول مرة منذ سنوات اجتمعت العائلة كلها ،ليشتعلوا بغـ,ـضب عارم عند رؤية شقيقتهم فصاحوا بنفس واحد قائلين:

“جيتى لموتك يا مكة”..

نهوا جملتهم و كادوا أن يفتكوا بها لولا دفاع مالك عنها الذى أخفاها خلف ظهره ووقف كالسد المنيع يزئر في أشقائه كالأسد الغـ,ـاضب:”أثبت يالا منك ليه، أنتوا اتجننتوا ولا نسيتوا نفسكم هتمدوا أيديكم على أختكم في وجود أبوكم وأخوكم الكبير ولا أيه”..

ساد الصمت لدقائق يقطعه صوت لاهثهم الغـ,ـاضب و بكاء مكه الشديد، لينظر غفران لوالده يخبره بعينيه أنه أراد جمعهم هذا و رؤيتهم قبل أن يسافر لإتمام مهمته،نظر له نظره بأعين لمعت بها العبرات قال له من خلالها أنه قد حان وقت الوداع ..

تعليقات